التحذير من البدع والمستحدثات

ناصر بن محمد الغامدي
عناصر الخطبة
  1. اكتمال الدين.
  2. الدِينُ اتِّباعٌ .
  3. معنى البدعة .
  4. أنواعها .
  5. درجاتها .
  6. مَضَارُّها .
  7. حُكمها .
  8. حال أهلها .
  9. تقسيمُها لحسَنةٍ وسيئة .
  10. شروط العمل الصالح .
  11. بدع شهر رجب .

اقتباس

ولا خيار للمسلم في هذه الحياة، لاسيما مع كثرة الفتن، وغلبة الاختلاف والهوى، وشيوع مظاهر المخالفة للكتاب والسنة إلا أن يسير في حياته ملتزماً بكتاب الله وسنه نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- مقتدياً برسول الله، وبصحابته، والقرون الثلاثة الأولى المفضلة، المشهود لهم بالخيرية على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فالدين اتباع لا ابتداع، والشرع تمسك وانقياد لا تفرق واختلاف..

الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات؛ ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في محكم التنزيل: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحِسَابِ) [آل عمران: 19]، (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ)؛ [آل عمران: 85]. 

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، شرح الله صدره، ووضع عنه وزره، ورفع في العالمين ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، تركنا على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا أهل الأهواء، أتم الله به النعمة، وأكمل به الشريعة، وختم به النبوة، فما التحق بالرفيق الأعلى حتى أنار الله به القلوب، ووضح به السبيل، وهدى به النفوس، حتى قال عنه أبو ذر -رضي الله عنه-: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وذكر لنا منه علماً.

فالخير ما جاء به، والدين ما شرعه، والحق ما التزمه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ جزاء ما جاهدوا ونصروا ودافعوا، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -تبارك وتعالى- في السر والعلن، والتمسك بهديه وشرعه، والوقوف عند حدوده وأوامره ونواهيه، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ) [الحج:32].

عباد الله: الإسلام دين كامل، وعقيدة صافية، وشريعة وافية، تولَّى الإله الحكيم -سبحانه وتعالى- رسم أسسها ووضع قواعدها، وأمر بالتمسك بالعروة الوثقى، ولزوم سنه النبي المثلى، والتحذير من كل بدعة وهوى.

ولا خيار للمسلم في هذه الحياة، لاسيما مع كثرة الفتن، وغلبة الاختلاف والهوى، وشيوع مظاهر المخالفة للكتاب والسنة إلا أن يسير في حياته ملتزماً بكتاب الله وسنه نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- مقتدياً برسول الله، وبصحابته، والقرون الثلاثة الأولى المفضلة، المشهود لهم بالخيرية على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فالدين اتباع لا ابتداع، والشرع تمسك وانقياد لا تفرق واختلاف؛ فإن الكتاب والسنة لم يتركا في سبيل الهداية قولاً لقائل، ولا مجالاً لمشرع يشرع في دين الله ما لم يأذن به الله.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئاً يُبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه"؛ رواه الطبراني بإسناد صحيح. (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) [النساء:115].

قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "خط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطاً ثم قال: "هذا سبيل الله". ثم خط خطوطاً عن يمينه وشماله، وقال: "هذه السبل المتفرقة على كل سبيل شيطان يدعو إليه". ثم قرأ قول الله -تعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]" رواه النسائي واحمد.

عباد الله: إن طريق النجاة هو التمسك بكتاب الله -تعالى- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولا يتم ذلك إلا بالبعد عن البدع والخرافات التي ابتدعها المبتدعة، وأحدثها المحدثون، وروجها المبطلون؛ من دعاة النحل المختلفة، والطرق المتشعبة، التي ليست من الإسلام في شيء، وإنما تتسمى باسمه، وتدعي السير على نهجه، وهي من أبعد الناس عنه.

ولقد ذم الله -تعالى- تلك الطرق المنحرفة الكثيرة التي جعلت المسلمين شيعاً وأحزاباً، وشتتت شملهم، وجعلتهم لقمة سائغة لأعدائهم، لا لقلة العدد والعدة، وإنما لِتمزُّق الشمل، وتفرُّق الكلمة التي جعلتهم غثاءً كغثاء السيل.

ومما لا شك فيه -عباد الله- أن البدع أعظم فساداً للدين، وأشد تقويضاً لبنيانه، وأكثر تفريقاً لشمل الأمة.

والبدعة في أصلها: مأخوذة من البَدْع؛ وهو: الاختراع على غير مثال سابق، ثم أطلقت وصارت علَماً على كل ما أحدثه الناس في الدين من محدَثات ليست منه.

والبدع في الدين بكل صورها وأنواعها محرمة؛ لما فيها من الضلالة والبعد عن الحق والصواب، ومخالفة سنة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، القائل: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ" و"مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"؛ أي: مردود عليه. رواه البخاري ومسلم.

قال عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه -: سَنَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه من بعده سنناً الأخذ بها تصديقٌ لكتاب الله، واستعمالٌ لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغيير فيها، ولا النظر في رأي يخالفها، مَن اقتدى بها فهو مهتد، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم، وساءت مصيراً.

والبدع -أيها المسلمون- تتفاوت درجاتها ما بين بِدَعٍ مُكَفِّرةٍ مُخْرِجَةٍ من الملة، وبدع قادحة في التوحيد؛ تنافي كماله المطلق، وبدٍع مفسِّقة، وبدع هي إلى المعصية أقرب؛ فدعاء الموتى وسؤالهم، والتشفع بهم، والتوسل إليهم، وسؤال الشياطين وغيرهم فيما لا يقدر عليه إلا الله -تعالى- من صور البدع المكفِّرة، التي هي من وسائل الشرك، وقد تخرج صاحبها من الملة، والعياذ بالله تعالى.

والدعاء عند القبور، والصلاة عندها، والبناء عليها، وإحياء الموالد للموتى، كلها صور للبدع القادحة في التوحيد، وتنافي كماله.

وما وقعت فيه الفرق المبتدعة من تأويل صفات الله -عزَّ وجل- عن وجهها الصحيح، والقول بأن الإيمان مجرد اعتقاد دون عمل، والقول في القدَر، ونحو ذلك، هو من البدع المفسِّقة التي لا تخرج من الملة.

أما الغلو في العبادة، والزيادة عليها، والتكلف فيها، فهو من المعاصي التي نهى الله -تعالى- عنها، وشر الأمور محدثاتها.

والبدع -عباد الله- مبعدة عن الله، مقربة من الشيطان، مفرقة لصفوف المسلمين، محبِطَة للأعمال، وما رؤي الشيطان أفرح ولا أغبط منه بصاحب البدعة؛ لأن المبتدع يرى أنه على صواب وأن غيره على خطأ.

وإنما كانت البدع مردودة على من عملها؛ لأن إحداث مثل هذه البدع يفهم منه أن الله -سبحانه وتعالى- لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ عن ربه ما ينبغي للأمة أن تعمل به مما يقربها إلى الله، وهل بعد ذلك من اعتراض على الله -تعالى- وعلى شرعه وعلى رسوله، واستدراك عليهما، واتهام لرسوله الأمين -صلى الله عليه وسلم- بالكتمان والخيانة في تبليغ الرسالة؟!

وحاشاه -صلوات الله وسلامه عليه- عن ذلك! وهو الموصوف على لسان ربه الذي أرسله واختاره لتبليغ رسالته بقوله -جل شأنه-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128].

أيها المسلمون: ليس هناك إلا طريقان: طريق الهدى، وطريق الهوى؛ فالله -عزَّ وجل- يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ الله إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:50].

فمن اتبع هواه، وعَبَد الله بمستحسَنات العقول والأهواء، وخالف ما جاء به الرسول الأمين، فهو معانِد للشرع، مُشاقٌّ لله ولرسوله؛ لأنه يستدرك على الشريعة النقائص، ويزعم أنها غير تامة، وأنه ببدعته تلك يكملها.

والمبتدعة بذلك قد أضاعوا السنن والأحكام، وراحوا يتهافتون على البدع والمحدَثات؛ ولو عقلوا لكفاهم ما شرعه الله ووضحه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن لا حيلة في هداية من أراد الله غوايته؛ فمن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

أخرج الإمام أحمد والبزار من حديث غضيف بن الحارث مرفوعاً: "ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، وما من أمة ابتدعت بعد نبيها في دينها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة".

والمبتدعة من أكسل الناس عن الطاعة، وأكثرهم بغضاً للسنة، وبعداً عن الملة، وإنما نشاطهم كله في إحياء البدع، والبحث عن الأحاديث الموضوعة والضعيفة، والقصص المخترعة، والمنامات الملفقة المكذوبة التي تؤيد ما ذهبوا إليه من بدع ومستحسنات، فإذا ذُكِّروا بالكتاب والسنة أعرضوا عنهما، وأوَّلوهما على غير المراد منهما، وعلى غير معناهما الصحيح.

ولقد جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- فقال: من أين أحرم بالحج؟ قال: من الميقات الذي وقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحرم منه. فقال الرجل: فإن أحرمت من أبعد من ذلك؟ فقال الإمام مالك: لا أرى ذلك. فقال الرجل: وما تكره من ذلك؟ قال: أكره عليك الفتنة. قال الرجل: وأي فتنة في ازدياد الخير؟! فقال مالك: إن الله -تعالى- يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63]. وأي فتنة أعظم من أنك خصَّصْتَ نفسك بفضل لم يختص به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!.

وقد ذكر الله -تعالى- حال أهل البدع، وبين أنهم يعملون، ولكن وجوههم يوم القيامة خاشعة، عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية؛ لأنهم أتعبوا أنفسهم بالأعمال البدعية فكانت عاقبتهم النار؛ لأن عملهم على غير الدين القويم، وكل عمل خلا عن شرطي المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والإخلاص لله -تعالى- فهو مردود على صاحبه.

قال العلامة ابن كثير -رحمه الله- عند قول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً) [الغاشية:2-4]. قال: هذه عامة في كل مَن عبَد الله على غير طريق الحق، يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ، وعمله مردود.

وقال الحسن البصري - رحمه الله -: لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاةً ولا حجاً ولا عمرةً، حتى يدع بدعته. وقال محمد بن مسلم -رحمه الله-: مَن وقَّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.

فاتقوا الله -تعالى- أيها المسلمون، تمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعضوا عليها بالنواجذ، واحذروا البدع والمحدثات، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، فيا أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- واشكروه وأطيعوه وراقبوه، واعلموا أنكم ملاقوه.

عباد الله: روى البخاري ومسلم من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب في حجة الوداع فقال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم؛ ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان".

ولقد سميت هذه الأشهر الأربعة بالحرم؛ لعظم حرمتها، وحرمة الذنب فيها؛ وتيسيراً على الناس الذين يريدون الحج والعمرة؛ ليأمنوا على أموالهم ودمائهم.

أيها المسلمون: ونحن في هذه الأيام في شهر رجب الذي تعود الجهلة, والمبتدعة, وأهل الأهواء والآراء على تخصيصه بأنواع من العبادات، وهذا من أخطر البدع وأشدها ضرراً على المسلمين؛ فشهر رجب -كغيره من الشهور- لا مَزِيّة له عليها ولا فضل، وهؤلاء المبتدعة يزعمون أن له فضائل وكرامات، فيخصونه بقيام بعض لياليه، أو صيام بعض أيامه، أو الذبح فيه تقربا لله –تعالى- على حد زعمهم، وهو في الحقيقة مجاراةٌ لعقولهم، واتباعٌ لأهل الأهواء والبدع الذين اتخذوهم أرباباً من دون الله -تعالى-، يُشرِّعون لهم الشرائع، ويسنون لهم السنن والفضائل.

ويزعمون كذلك أن عمرة فيه أفضل من عمرة فيما سواه، إضافة إلى تخصيص ليلة السابع والعشرين منه باحتفالات وعبادات متنوعة, بزعم أنها ليلة الإسراء والمعراج، وقد نفى أهل العلم ذلك وأنكروه.
ومما أُحدث في هذا الشهر من البدع: تعظيم أول خميس فيه، وقيام أول ليلة جمعة فيه؛ وهي ما يسمونه بصلاة الرغائب، وهذه كلها بدع وضلالات ما أنزل الله بها من سلطان.

عباد الله: وإن من الأحكام المتعلقة بشهر رجب المحرم تحريم القتال فيه بين المسلمين، والاعتداء على الآمنين، وترويع الغافلين؛ فعن جابر -رضي الله عنه- قال: "لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغزا فيغزو، فإذا حضره أقام حتى ينسلخ" رواه أحمد.

ومن الأحكام كذلك تحريم الذبائح التي كان الجاهليون يذبحونها لهذا الشهر: الفرع والعتيرة؛ أول نتاج الإبل والغنم، كان أهل الجاهلية يذبحونه في هذا الشهر لآلهتهم، يتبرعون لها بذلك، وهي التي تسمى بالرجبية. قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لا فرعَ ولا عَتِيرةَ" متفقٌ عليه.

ومما يشبه ذلك اتخاذ شهر رجب عيداً وموسماً، فقد نهى ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- عن ذلك، وعدَّه من البدع التي يجب الحذر منها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: واتخاذ شهر رجب موسماً للعبادة بحيث يفرد بالصوم مكروه عند الإمام أحمد وغيره، كما روي ذلك عن عمر بن الخطاب وأبي بكرة وجمع غفير من الصحابة والتابعين.

أما تعظيم أول خميس فيه، وقيام أول ليلة جمعة، فهو بدعة محدَثة إنما أُحدثت في الإسلام بعد المائة الرابعة؛ لحديث موضوع باتفاق العلماء... إلى أن قال: والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم النهيُ عن إفراد هذا اليوم بالصوم، وعن هذه الليلة المحدَثة، وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم أو هذا الشهر، وإنما الذي ورد: أن هذا من الأشهر الحرم التي يحرم القتال فيها.

وقال الحافظ ابن رجب -عليه رحمة الله-: لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيام شيء معين منه، ولا في قيام ليلة مخصوصة منه حديثٌ صحيح يصلح للحجة.

ثم اعلموا -عباد الله- أن ما ذهب إليه بعض الناس من تقسيم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة طريقة غير مرضية، لا دليل عليها من كتاب أو سنة، ولم يكن ذلك من عادة السف؛ بل كانوا ينظرون إلى البدع جميعاً على أنها ضلالة يجب البعد عنها، والحذر من الوقوع فيها.

فاتقوا الله -تعالى- أيها الناس، واحذروا من البدع التي يروِّج لها أصحاب الضلالة، وأدعياء الجهالة في هذا الشهر وغيره، واعبدوا الله - تعالى - على وفق شرعه، وعلى سنة نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وعلى منهج سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وأرضاهم.

ثم صلوا وسلموا -رحمكم الله- على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي