وأحياناً يتوشحون عباءة الصوفية ويتنسكون بها، واليوم ربما تخفّوا وراء القومية، والديمقراطية، والبعثية، والليبرالية، ونحوها، إضافة إلى مزاعمهم السابقة، والعقد الذي ينتظم هذه الحركات كلَّها، قديمها وحديثها، هو النفاق: إظهار الإسلام وإبطان الكفر. والهدف منه: هدم هذا الدين الذي عجزوا عن مواجهته صراحةً وبوضوح حين حطم عروشهم، وأطفأ نارهم، وأطاح بحضارة فارس المجوسية عبَدة النار..
أما بعد: قامت في العالم الإسلامي عبر تاريخه الطويل، ولا تزال، حركات باطنية، كالرافضة والنصيرية والدروز والبهائية والاسماعيلية...
لقد لَبِسَ قادتها القميص المناسب للظروف السياسية والاجتماعية القائمة، ويتوارون خلف شعارات تنطلي على عامة الناس، فكانوا سابقاً -ولاحقاً- يرفعون شعار التشيع لآل البيت؛ استدراراً لعواطف الشعوب.
وأحياناً يتوشحون عباءة الصوفية ويتنسكون بها، واليوم ربما تخفّوا وراء القومية، والديمقراطية، والبعثية، والليبرالية، ونحوها، إضافة إلى مزاعمهم السابقة، والعقد الذي ينتظم هذه الحركات كلَّها، قديمها وحديثها، هو النفاق: إظهار الإسلام وإبطان الكفر. والهدف منه: هدم هذا الدين الذي عجزوا عن مواجهته صراحةً وبوضوح حين حطم عروشهم، وأطفأ نارهم، وأطاح بحضارة فارس المجوسية عبَدة النار.
ومنذ أن قامت الثورة الرافضية قبل ثلاثين سنة من الآن، وهم يبشرون بأن ثورتهم ستعم الآفاق، وسيعملون على تصديرها، ومع أنهم في أدبياتهم لا يُخفون بغضهم لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتكفيرهم لهم، بل ويلعنونهم بوسائل إعلامهم صراحة، وينتقصون القرآن الكريم، ويرمون عِرض النبي -صلى الله عليه وسلم- باتهام إحدى أمهات المؤمنين بالزنا، إلا أنه -للأسف- لا يزال مِن المسلمين من يغتر بهم، وتنطلي عليه حيلهم ومكرهم؛ لأنهم يرفعون شعار الإسلام، شأنهم شأن مَن قبلهم من الحركات الباطنية.
فقد كان القرامطة في شرق الجزيرة يدّعون الإسلام وقد أهلكوا الحرث والنسل، ونشروا الكفر والإباحية، واستباحوا دماء المسلمين في القرن الرابع الهجري في المسجد الحرام سنة 317هـ، فقتلوا ثلاثة عشر ألف إنسان فيها، وقيل ثلاثين ألفاً، وردمت زمزم بالقتلى، وسرقوا الحجر الأسود من الكعبة، وبقي عندهم عشرين سنة أو أكثر، وتنادى معهم في الفترة نفسها (296 – 567ه) العبيديون الباطنيون في شمال أفريقيا ومصر.
معشر المؤمنين: إن الفِرَق الباطنية وهي تدَّعي الإسلام، تطعن بالرسل -عليهم الصلاة والسلام-، وتستهتر بالشرائع، وتنكر البعث والجزاء، وتبيح المحرمات؛ ولذا قال عنهم الإمام القاضي ابن الباقلاني (المتوفى سنة 403هـ): إن ظاهرهم الرفض، وحقيقتَهم الكفرُ المحض.
وما أشبه الليلة بالبارحة! فقد تناغمت أصوات مؤخراً؛ بعضها يدعو، بل يفرض، تأجيل الحج هذه السنة، لدعاوى زعموها، وآخر شذّ عن إجماع المسلمين في تعيين وتحديد يوم عيد الأضحى، وفرقة ثالثة آثرت النشاط العسكري، فقتلت الأبرياء، واستحلت الدماء وحرمة الشهر الحرام، ورابعة يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون في تهديدهم بتعكير صفو الحج.
وكلهم إنما غاظهم تمدُّد الدعوة الإسلامية، وانتشار الإسلام، واعتناق أعدادٍ كبيرة في السنوات الأخيرة معتقد أهل السنة والجماعة ممن كانوا ينتسبون إلى غيره، فأوحت إليهم شياطينهم بتلك الأعمال، ظناً منهم أنهم سيطفئون نور الله بأفواههم، والله متم نوره، وناصرٌ دينَه، ومعزٌّ جنده، وسيهزم الجمع ويولون الدبر، وينكشف أمرهم، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
اللهم أعِزَّ دينك، وأعلِ كلمتك، وانصر عبادك المؤمنين؛ اللهم إنا نُشهِدك على محبة رسولك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- حباً لا يدانيه حب، ونشهدك على محبة صحابته وأزواجه وآل بيته حباً مبنياً على توحيدك بالألوهية، وانفرادك بالوحدانية.
فهبنا يوم الفرع الأكبر شفاعةَ نبيك، وورودَ حوضه، والشربَ منه، واحشرنا مع صحابته في الفردوس الأعلى مع الذين أنعمتَ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
الحمد لله وحده، نصره عبده، وأعَزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده؛ وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: الشعوب عامة، قديماً وحديثاً، لابد لها من دين تتدين به، وتنتسب إليه، سواء كان الدين على هدى من الله، أم من صنع البشر.
وهذه ضرورة أدركها القادة والزعماء ورواد الفكر في كل زمان، وغابت هذه الحقيقة عن الشيوعية المعاصرة، فحرّموا التدين، وزعموا أن الدين أفيون الشعوب، ورفعوا شعار: لا إله والحياة مادة، فما كان من حضارتهم إلا أن تهاوت، فلم تصمد أكثر من سبعين سنة، رغم الإمكانات المادية الهائلة التي امتلكتها، فتمزقت دولتهم، وانهدمت حضارتهم، وشمت بهم أعداؤهم، ولعنتهم شعوب الأرض كلُّها.
وقد أدرك ملوك فارس قبل الإسلام هذه الحقيقة، أنه لابد للشعوب من دين تتدين به، فأولوا هذا الأمر عنايتهم منذ القدم، بل جعلوه من أولويات حياتهم، في سعيٍ جاد للمحافظة على مجدهم، والتعصب لعرقهم، وطمعاً أن تمتد حضارتهم فتستمر.
وأوكلوا هذا الأمر إلى عائلة منهم، أضفوا عليها ثوب القداسة تتولى شؤون الدين، ويكون منها الحكام، وسدنة بيوت النار، ومن تلك العائلات ميديا، والمغان، حتى ظهر نور الإسلام فأطفأ نار المجوسية، وهدم بيوت الشرك والوثنية، ودخلت بلاد فارس في دين الله تعالى.
لكن بقيت بقايا منهم قطّع الحسد قلوبهم، وشرقوا بالإسلام فدخلوه نفاقاً، في انتظارٍ وترقب فرصةٍ للانقضاض عليه.
معشر الفضلاء: في تشيع الفرس لآل البيت محاولةُ إحياء لعقائدهم البائدة التي نادى بها ملوكهم في الجاهلية: زراد شت، ومانوا، ومزدك، وغيرهم، وكل الذي فعلوه أنهم استبدلوا عائلة المغان المقدسة لديهم قبل الإسلام بآل البيت، وقالوا للناس: بأن آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم ظل الله في الأرض، وأن أئمتهم معصومون، وتتجلى فيهم الحكمة الإلهية.
ولفقوا أكاذيب عليهم، ونسبوا أقولاً إليهم توافق أهدافهم البعيدة؛ آلُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتقدمون منهم بُرآء من كل ذلك.
ولا زال للحديث في هذا الموضوع بقية نأتي عليها في جمعٍ قادمة إن شاء الله تعالى.
اللهم انتقم ممن نال من عرض نبيك، وخوَّن صحابته، وكفَّرهم، واستحل دماء المسلمين، وسعى جاهداً لهدم التوحيد، ورفع راية الوثنية، وإيقاد نار المجوسية.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي