عمل اليوم والليلة

هشام عبد القادر آل عقدة
عناصر الخطبة
  1. المعنى الحقيقي للفظ \"العمل\" في القرآن .
  2. أهمية ذكر الله تعالى وفوائده .
  3. المفاضلة بين قراءة القرآن والذكر والدعاء .
  4. المفاضلة بين التسبيح والاستغفار .
  5. أذكار مختارة .

اقتباس

لقد ضمن كتابه ذلك سبعمائة وواحدًا وسبعين حديثًا، تدور حول الأذكار والأوراد، سواء التي تتكرر في كل يوم وليلة وينبغي للمسلم العمل بها في جميع الأيام والليالي، أو التي يعمل بها في أيام أو ليالٍ معينة، أو التي يعمل بها كلما حدث حادث معين، أو وجدت أسباب معينة، ومنها أسباب تتكرر في اليوم الواحد والليلة الواحدة, وسنتناول بإذن الله تعالى أمثلة لكل نوع منها ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لعل البعض يعجب، وهل لليوم والليلة عمل غير ما اعتاد الإنسان عمله في يومه وليلته، لاكتساب رزقه؟!

وللأسف يضيع العمل الحق، والاجتهاد الحق، في غمرة العمل في مجالات الدنيا المختلفة، حتى أصبح لا يفهم من كلمة عمل إلا السعي في المعايش والأسواق، ولم يعد للجد والاجتهاد معنى إلا في ذلك.

ولكن يأتي سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، ليعلمونا شيئًا آخر، حتى نضع الأمور في نصابها، وحتى ندرك الحقائق كما أدركوها، ولا نعيش مع الوهم والسراب، فإذا بسلفنا الصالحين يطلقون العمل كما أطلقه الله، على الذكر والطاعة: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:105] أي من شر وخير، كقوله -جل وعلا-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7، 8].

فتلك الآية العظيمة: (وَقُلِ اعْمَلُوا) لم يعد لها وقع عند كثير من الناس إلا في العمل للدنيا والدرهم، وصار من المقرر في الأذهان، ارتباطها باللافتات التي تعلق على الجدران، في الدواوين والمصالح الحكومية، ولتشجيع العاملين، وبهت كل ظل لها فيما يتعلق بذكر الله وتلاوة كتابه، وطاعته، والتقرب إليه -جل وعلا- الذي هو العمل حقًا.

وهذا العنوان في الحقيقة (عمل اليوم والليلة) هو عنوان لكتاب من كتب سلفنا الصالح، من تأليف الحافظ أبي بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن السني الدينوري -رحمه الله-, ويقع في أكثر من مائتي صفحة.

فماذا كتب الحافظ أبو بكر ابن السني -رحمه الله- في هذا الكتاب؟! وعن أي شيء تحدث؟!

لقد ضمن كتابه ذلك سبعمائة وواحدًا وسبعين حديثًا، تدور حول الأذكار والأوراد، سواء التي تتكرر في كل يوم وليلة وينبغي للمسلم العمل بها في جميع الأيام والليالي، أو التي يعمل بها في أيام أو ليالٍ معينة، أو التي يعمل بها كلما حدث حادث معين، أو وجدت أسباب معينة، ومنها أسباب تتكرر في اليوم الواحد والليلة الواحدة, وسنتناول بإذن الله تعالى أمثلة لكل نوع منها.

ولكن نشير قبل ذلك إلى أن المؤلف رحمه الله افتتح كتابه ببعض الأحاديث التي تبين عظم شأن الذكر وشدة خطر اللسان؛ فمنها حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان وتقول: اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا". [حسن، صحيح الجامع 384].

ومنها حديث معاذ -رضي الله عنه- قال: آخر كلمة فارقت عليها رسول -صلى الله عليه وسلم- قلت: يا رسول الله: أخبرني بأحب الأعمال إلى الله -عز وجل-. قال: "أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله تعالى". [البزار. وإسناده حسن].

ومنها حديث معاذ أيضًا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها". [صحيح الجامع 5322].

ومنها حديث أبي بكر -رضي الله عنه- حين اطلع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأبو بكر يمد لسانه، فقال له عمر: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟! قال: ليس شيء من الجسد إلا وهو يشكو إلى الله -عز وجل- اللسان على حدته. [صحيح الجامع 5272، الصحيحة 535].

ولذا وجب إشغال هذا اللسان بذكر الله تعالى، والقيام بعمله، حتى يعتاد العفة والكلام الطاهر الطيب، ويأنف من نفايات الكلام ولغو الحديث، فضلاً عن خبيث الكلام وفاحشه، وحتى تنشرح النفس ويطمئن القلب، فوالله ما طابت الدنيا إلا بذكره, ولا انشرحت نفس، ولا اطمأن قلب، ولا نالت روح غذاءها وقوتها، إلا بذكره ومناجاته.

وما أجمل ما ذكره ابن القيم -رحمه الله- عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه صلى الفجر، ثم جلس في مكانه يذكر الله -عز وجل- إلى الظهر، فقال ابن القيم -رحمه الله-: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟! قال: هذه غدوتي، وإن لم أتغدَّ سقطت قوتي.

ونقل ابن القيم عنه أنه قال: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. ولذا قال -رحمه الله-: ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى رحت فهي معي لا تفارقني.

ففي القلب خلة وفقر وفاقة، لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله -عز وجل-، الذكر الذي يتواطأ فيه القلب مع اللسان، بل يكون اللسان فيه تابعًا للقلب، فصاحب هذا الذكر يكون غنيًّا بلا مال، عزيزًا بلا عشيرة، مهيبًا بلا سلطان، أما إذا كان غافلاً عن الذكر، فهو فقير مع كثرة ماله، ذليل مع سلطانه، حقير مع كثرة عشيرته.

والذكر أيضًا يجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته وهمومه، فالحياة والنعيم في اجتماع القلب والهم والعزم والإرادة، كما أن الذكر يفرّق ما اجتمع على القلب من الهموم والغموم والأحزان والحسرات التي تصيب الإنسان على فوت حظ أو مطلب من حظوظ الدنيا ومطالبها.

وفي القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى؛ شكا رجل للحسن البصري -رحمه الله-: يا أبا سعيد, أشكو إليك قسوة قلبي. قال: أذبه بالذكر. وحقًّا، فما أذيبت قسوة القلب بمثل ذكر الله -عز وجل-.

والذكر شفاء القلب ودواؤه, والغفلة مرضها:

إذا مرضنا تداوينا بذكركمُ *** ونترك الذكر أحيانًا فننتكس

وما استُجلبت نعم الله -عز وجل- ولا استدفعت نقمته بمثل ذكر الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج: 38]، وفي القراءات الأخرى: (إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا).

ولاشك أن أكمل المؤمنين عملاً أكثرهم فيه ذكرًا، وخير المصلين أكثرهم لله ذكرًا في صلاته، والمنافق لا يذكر الله إلا قليلاً، وأكمل المجاهدين جهادًا أكثرهم لله ذكرًا في جهاده، وهكذا في سائر الأعمال.

وقال -جل وعلا-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [ابراهيم:7]، فالذكر أعظم الشكر, والهداية أعظم النعم, ولذا قال -جل وعلا-: (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) [البقرة: 198]، ورحم الله بعض السلف إذ يقول: ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن ذكرك.

ومن أنعم الله عليه بنعمة الذكر -فألهمه الذكر وحببه إليه- تبين له أن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء, فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به، ولو لم يكن فيه إلا الطمأنينة الحاصلة للقلب لكفى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28]؛ ولهذا كان الذكر أيضًا أعظم شيء يُذهب عن القلب مخاوفه كلها، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله -عز وجل-؛ إذ بحسب ذكره يجد أمنه، حتى كأنَّ ما هو فيه من الأمن كله مخاوف، وأحسب أن كل واحد منا قد جرب هذا مرة في حال ذكره ونشاطه، ومرة في حال غفلته وقسوة قلبه. والله المستعان.

والذكر -إخوة الإسلام- يكسو الوجه نضره وبهاءً في الدنيا ونورًا في الآخرة: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26]، ولباس التقوى: السمت الحسن. وقيل للحسن: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوهًا؟! فقال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.

كما يكسب الذكر البدن قوته، ولذا أرشد إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليًّا وفاطمة لما سألاه خادمًا فقال: "ألا أدلكما على ما هو خير من خادم؟! إذا أتيتما إلى فراشكما سبِّحا ثلاثًا وثلاثين, واحمدا ثلاثًا وثلاثين, وكبّرا أربعًا وثلاثين". وهذا يشبه كذلك أثر قيام الليل في صحة البدن، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم, وهو قربة إلى ربكم, ومغفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد". [صحيح الجامع 3908].

ذكره تعالى ييسر العسير ويسهل الصعب، فلا يصحب مشقة إلا خفت، ولا شدة إلا زالت، ولا محنة إلا خفت، ولا كربة إلا انفرجت، فهو الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والفرج بعد الهم والغم, وهو مفتاح لغيره من الطاعات، ومعين عليها، ومسهل لها... إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة التي ذكرها ابن القيم -رحمه الله- في الوابل الصيب، وهي حوالي مائة فائدة، وفيما سبق تنبيه لبعضها. والله المستعان، وعلى الله التكلان.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، حَمى حِمى التوحيد، وسدَّ كل طريق يوصل إلى الشرك، فأظهر الله به دينه على الدين كله، ولو كره المشركون.. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن سأل سائل: فأيها أفضل؟! قراءة القرآن، أم ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ونحو ذلك، أم الدعاء؟!

فالجواب -كما بينه ابن القيم رحمه الله- أن قراءة القرآن أفضل من حيث الأصل؛ لأنه أعظم الكلام، وذكره تعالى بالتسبيح والتحميد ونحوه أفضل من الدعاء؛ لأن ذكره ثناء عليه، والدعاء طلب أو سؤال حاجة, فالأول أفضل. فهذا من حيث الأصل، ثم يكون كل منهما أفضل، يُفعل حين يكون مطلوبًا، في وقته أو لحاجة، فالتسبيح في الركوع والسجود أفضل من قراءة القرآن، وحين يكون الاستغفار والدعاء مدعاة للإنسان أن يتفكر في ذنوبه، فيبكي ويندم ويتوب، يكون ذلك له أنفع في هذا الوقت من الذكر المطلوب أو قراءة القرآن، وحين يواجه الإنسان مثلاً شيئًا من الإنس والجن، فامتثاله لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم, ونعوذ بك من شرورهم" مقدم على قراءة القرآن، وكذا قوله إذا نزل منزلاً: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق".

وسئل بعض أهل العلم: أيهما أنفع للعبد: التسبيح أم الاستغفار؟! فقال: إذا كان الثوب نقيًا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دنسًا فالصابون والماء الحار أنفع له. يعني إن كان الإنسان في حالٍ تَلَطَّخَ فيه بالذنوب فالاستغفار أنفع له, وذلك كإزالة دنس الثوب، وإن كان الإنسان في حالٍ غَلَبَتْ عليه الطاعة واتقاء الذنوب فالتسبيح والذكر أنفع له, فهو كالبخور وماء الورد بعد نظافة الثوب.

وقال ابن القيم لشيخه ابن تيمية هذه المقالة السابقة فأقره وتأثر بها وقال: فكيف والثياب لا تزال دنسة؟! نسأل الله العفو والمغفرة والسلامة والعافية.

وفي الختام لابد من الإشارة لبعض الأمثلة للأذكار التي ينبغي أن تكون عملاً للعبد يداوم عليه في يومه وليلته، وبطبيعة الحال لا يتسع المقام لإيراد جميع الأذكار, لكن كما ذكرت أمثلة أبيّن بها أن تلك الأذكار والأوراد أنواع:

منها ما يتكرر بحلول كل يوم وليلة، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده, مائة مرة, لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه". وقال عبد الله بن خبيب: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبي ليصلي لنا, فأدركناه، فقال: "قل". فلم أقل شيئًا، ثم قال: "قل". فلم أقل شيئًا، قال: "قل". قلت: يا رسول الله، ما أقول؟! قال: "قل هو الله أحد, والمعوذتين, حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت, خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة, ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة". وهكذا سائر أذكار الصباح والمساء هي من هذا النوع المتكرر في كل يوم وليلة.

ومنه الدعاء والاستغفار في السَّحر؛ لقوله تعالى: (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذريات: 18]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فاستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني، فأغفر له".

ومنه ذكر الله من بعد صلاة الفجر حتى ارتفاع الشمس لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة, تامة، تامة، تامة".

ومنها أذكار وأوراد لها أفضلية خاصة في أيام أو ليال معينة، كقراءة سورة الكهف والإكثار من الصلاة على رسول الله في يوم الجمعة وليلتها، والدعاء من بعد عصر الجمعة إلى المغرب لكونها ساعة إجابة، والدعاء بـ"اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني" في الليالي التي يتحرى فيها ليلة القدر؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين". وفي رواية: "ما بينه وبين البيت العتيق". قال الحافظ: في بعض الروايات "ليلة الجمعة"، فالمراد اليوم بليلته والليلة بيومها. [فيض القدير (9/199)].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة". [صحيح الجامع 1209]. وفي حديث أنس وفي الترمذي: "التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس". [صحيح سنن الترمذي 406].

وفي حديث أبي هريرة قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "فيه -أي يوم الجمعة- ساعة لا يوافقها مسلم يصلي يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه"، وقال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي، هي آخر ساعة في يوم الجمعة. قال أبو هريرة: وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي"؟! وتلك لا يصلى فيها. فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصليها"؟! قال أبو هريرة: بلى. قال: فهو ذلك. [حديث صحيح. شرح السنة (4/ 207، 208)].

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة"، وجزم الدارقطني بأنه هو الصواب، أي أنه من كلام أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-. [انظر: شرح السنة للبغوي (4/210)].

قال الإمام أحمد -رحمه الله-: أكثر الحديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر، وترجى بعد زوال الشمس.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إن علمتُ ليلة القدر ماذا أقول فيها؟! قال: "قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني".

ومن الأذكار أنواع يعمل بها كلما وُجد سبب، أو حدث حادث معين، كعند النوم والاستيقاظ منه، ودخول المسجد والخروج منه، ودخول الخلاء لقضاء الحاجة والخروج منه، وعند سماع الأذان، وعند الكرب، وعند النعمة، وعند الخوف، وعند الزواج، وعند السفر، وأخيرًا عند رؤية الهلال: "الله أكبر، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان, والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله". وعندما ترى رؤيا، وعند اشتداد الريح، وعند السفر، وعند الركوب، وعند قضاء الدين، وعند المكروه... إلى آخره مما ليس المقصود ذكر تفصيله، لكن الإشارة إلى أنواعه، ويطلب في مواضعه من كتب الأذكار؛ كالوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم -رحمه الله- وعمل اليوم والليلة لأبي بكر ابن السني -رحمه الله- وصحيح الكلم الطيب للألباني، والأصل, أعني الكلم الطيب لابن تيمية -رحمه الله-.

هذا بعض ما تيسر في فضل الذكر وفوائده وأوقاته, فـ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب:42], (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, وطهر قلوبنا وألسنتنا بالذكر, وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي