الغارة اليهودية الصليبية على فلسطين ولبنان

ناصر بن محمد الغامدي
عناصر الخطبة
  1. مؤامرة اليهود على المسلمين وخيانتهم وغدرهم.
  2. واقع المسلمين المشين ونتائجه .
  3. أحوال المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان .
  4. واجبنا تجاه الأحداث .
  5. أسباب ذلنا وهواننا .
  6. بيان أن المستقبل للإسلام .

اقتباس

وَإِنَّهُم -وَاللهِ- لاَ يُقَاتِلُونَ المُسْلِمِينَ إِلاَّ لأَنَّهُم هُمُ المُسْلِمُونَ! وَإِنَّ هَذِهِ الأَحْدَاثَ المُتَتَالِيَةَ عَلَى بِلاَدِ المُسْلِمِينَ لَتُثْبِتُ -بِكُلِّ تَأْكِيدٍ- أَنَّ النِّزَاعَ مَعَهُمْ نِزَاعُ هُوِيَّةٍ وَعَقِيدَةٍ وَمَصِيرٍ، وَمَا فِي ذَلِكَ رَيبٌ وَلاَ عَجَبٌ وَلاَ غَرَابَةٌ! وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى عَنْهُم في كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانٍ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُم أَشَدُّ النَّاسِ لَنَا عَدَاوَةً، وأَنَّهُم لَنْ يَرْضَوا عَنِ المُسْلِمِينَ حَتَّى يَتَّبِعُوا مِلَّتَهُم، وَمَنْ أَصْدَقُ..

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ- بِتَقْوَى اللهِ سُبْحَانَهُ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ، وَالاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالاعْتِمَادِ عَلَيهِ، وَالتَّذَلُّلِ بَينَ يَدَيهِ؛ فَبِذَلِكَ تَكُونُ الرِّفْعَةُ، وَتُقَالُ العَثْرَةُ، وَتُرْفَعُ الدَّرَجَةُ، وَتَكُونُ العَاقِبَةُ المَحْمُودَةُ في الأُولَى وَالآخِرَةِ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71]. 

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ، إِخْوَانِ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ وَعَبَدِ الطَّاغُوتِ؛ بِمَا نَقَضُوا المَوَاثِيقَ، وَخَانُوا العُهُودَ، وَغَدَرُوا بِالأَبْرِيَاءِ، وَأَشْعَلُوا فَتِيلَ الفِتَنِ وَالأَحْقَادِ، وَأَوْقَدُوا نَارَ الحُرُوبِ وَالدَّمَارِ؛ جَحَدُوا نِعَمِ اللهِ عَلَيهِمْ، وَقَتَلُوا الأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ، إِنْ أُحْسِنَ إِلَيهِمْ أَسَاؤُوا، وَإِنْ أُكْرِمُوا تَمَرَّدُوا؛ مِنْ أَجْلِ ثَلاَثَةٍ مِنَ اليَهُودِ خُطِفُوا أَوْ قُتِلُوا تُبَادُ الشُّعُوبُ المُسْلِمَةُ كَامِلَةً، وَآلافُ المُعْتَقَلِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ فِي سُجُونِ الاحْتِلاَلِ وَمُعْتَقَلاتِهِ لاَ بَوَاكِي لَهُمْ، وَالمُسْلِمُونَ صَامِتُونَ لاَ يَتَكَلَّمُونَ، وَلاَ يَتَحَرَّكُونَ لِنُصْرَةِ إِخْوَانِهِمْ المُسْتَضْعَفِينَ الذِينَ يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَكَأَنَّ الأَمْرَ لاَ يَعْنِيهِمْ، قَدِ اكْتَفوا بِالمُظَاهَرَاتِ وَالشَّجْبِ وَالاسْتِنْكَارِ الذَّلِيلِ.

وَا أَسَفَاهُ عَلَى وَاقِعِ المُسْلِمِينَ المَشِينِ، وَتَخَاذُلِهِمُ المَهِينِ! وَإِلَى اللهِ نَشْكُو جَلَدَ الفَاجِرِ وَعَجْزَ الثِّقَةِ! وَإِلَى اللهِ الشَّكْوَى مِنْ أَوْضَاعِ المُسْلِمِينَ المُتَرَدِّيَةِ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا! أَكْثَرُ مِنْ مِلْيَارِ مُسْلِمٍ، وَلَكِنَّهُم غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيلِ، ضَعُفَتْ في نَفُوسِهِم الثِّقَةُ بِرَبِّهِم، وَابْتَعَدُوا عَنْ شَرْعِهِ وأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَانْتُزِعَتْ مِنْ صُدُورِ عَدُّوهِمِ المَهَابَةُ مِنْهُم، وَقَذَفَ اللهُ في قُلُوبِهِم الوَهْنَ.

لَقَدْ أَصَابَهُم مَرَضُ حُبِّ الدُّنْيَا وكَرَاهِيَةِ المَوْتِ، وهُوَ الوَهْنُ الذِي أَخْبَرَ عَنْهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ حِينَ قَالَ: "يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

هَا هُمُ المُسْلِمُونَ يَجْنُونَ ثِمَارَ صَمْتِهِم الجَبَانِ، وَسُكُوتِهِم الذَّلِيلِ عَنْ نُصْرَةِ إِخْوَانِهِمْ، وَالدِّفَاعِ عَنْ قَضَايَاهُمْ؛ وَهَا هِي بِلاَدُ الإِسْلاَمِ -عِبَادَ اللهِ- كُلَّ عَامٍ تَقَعُ تَحْتَ كَارِثَةٍ وَمِحْنَةٍ جَدِيدَةٍ، بَدَلاً مِنَ التَّخَلُّصِ مِنَ الكَوَارِثِ وَالنَّكَبَاتِ السَّابِقَةِ، وَالسَّبَبُ وَاضِحٌ وُضُوحَ الشَّمْسِ، هُوَ بُعْدُ المُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِم وَعَقِيدَتِهِم وإِقْصَاءُ شَرِيعَةِ اللهِ، وَتَرْكُ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالغَفْلَةُ عَمَّا يُحَاكُ ضِدَّهُم، وَيُدَبَّرُ لَهُم مِنْ قِبَلِ أَعْدَائِهِم.

إِنَّ جَسَدَ هَذِهِ الأُمَّةِ المُسْلِمَةِ جَسَدٌ مُثْخَنٌ بالجِرَاحِ والطَّعَنَاتِ، وإِنَّ الصَّفَعَاتِ التي تَتَعَرَّضُ لَهَا أُمَّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ لاَ تَزِيدُهَا -مَعَ شَدِيدِ الأَسَفِ- إِلاَّ بُعْدًا عَنِ اللهِ، وإِقْصَاءً لِدِينِهِ، وغَفْلَةً عَنْهُ، وَتَفرُّقًا وخِلاَفًا فِيمَا بَينَهَا، فَاللهُ المُسْتَعَانُ وإِلَيهِ الشَّكْوَى.

أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَفِلَسْطِينُ المُسْلِمَةُ وَمُقَدَّسَاتُهَا وَأَهْلُهَا تَحْتَ وَطْأَةِ اليَهُودِ إِخْوَانِ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ، وَأَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ مُتَتَالِيَةٍ وَالعِرَاقُ الشَّقِيقُ وَأَفْغَانِسْتَانُ المُسْلِمَانِ تَحْتَ الاحْتِلاَلِ اليَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، فِي أَحْدَاثٍ دَامِيَةٍ، وَمَجَازِرَ مُتَكَرِّرَةٍ، وَمَذَابِحَ مُتَتَالِيَةٍ، وَجَرَائِمَ بَشِعَةٍ، وَهَمَجِيَّةٍ لاَ تَعْرِفُ للرَّحْمَةِ طَرِيقًا، وَلاَ للإِنْسَانِيَّةِ مَعْنى.

أَبَادُوا المُسْلِمِينَ، وَشَرَّدُوا الآمِنِينَ، وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَيَتَّمُوا الأَطْفَالَ، وَرَمَّلُوا النِّسَاءَ، وَهَتَكُوا الأَعْرَاضَ، وَأَسَرُوا المُدَافِعِينَ، وَهَدَّمُوا المَسَاكِنَ، وَدَمَّرُوا المُمْتَلَكَاتِ، وَعَاثُوا فِي الأَرْضِ فَسَادَاً، وَسَدُّوا كُلَّ طَرِيقٍ للسِّلْمِ وَالأَمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ، وَتَفَنَّنُوا فِي اقْتِرَافِ الجَرَائِمِ، وَارْتِكَابِ المَذَابِحِ، فِي سِجِّلٍ حَافِلٍ بِالعَارِ وَالغَدْرِ، مُجَلَّلٍ بِالخِزْي وَالظُّلْمِ، تَتَكَرَّرُ المَجَازِرُ وَالمَذَابِحُ وَالجَرَائِمُ اليَهُودِيَّةُ نَفْسُهَا فِي العِرَاقِ وَأَفْغَانِسْتَانَ وَفِلَسْطِينَ وَلُبنَانَ، دُونَ أَنْ تَتَحَرَّكَ فِي المُسْلِمِينَ نَخْوَةٌ، أَوْ تَنْبُتُ فِي نُفُوسِهِمْ جَذْوَةُ حَمَاسٍ، فَيَهُبُّوا لِنُصْرَةِ إِخْوَانِهِمِ المُسْتَضْعَفِينَ المُحَاصَرِينَ الذِينَ يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ صَبَاحَ مَسَاءَ وَلاَ مُجِيبَ.

وَهَا هِي بِلاَدُ لُبْنَانَ هَذِهِ الأَيَّام تَعَيِشُ المَأْسَاةَ مِنْ جَدِيدٍ، فِي مَشْهَدٍ مِنْ أَعْظَمِ مَشَاهِدِ الخِزْي وَالعَارِ عَلَى العَرَبِ وَالمُسْلِمِينَ، وَفِي نَكْبَةٍ وَهَمَجِيَّةٍ يَهُودِيَّةٍ صَلِيبِيَّةٍ وَاضِحَةٍ:
وَفِي المُحَيَّـا سُـؤَالٌ حَـائِرٌ قَلِـقٌ *** أَينَ الفِدَاءُ وَأَينَ الحُبُّ في الدِّينِ؟
أَيـنَ الرُّجُولَةُ وَالأَحْـدَاثُ دَامِيَـةٌ *** أَينَ الفُتُوحُ عَلَى أَيدِي الْميَامِينِ؟
أَلاَ نُفُـوسٌ إِلـى العَلْيَـاءِ نَافِـرَةٌ *** تَوَّاقَةٌ لِجِنَـانِ الْخُلْـدِ وَالعِينِ؟
كَرَامَـةُ الأُمَّةِ العَصْمَاءِ قَـدْ ذُبحتْ *** وَغُيِّبَتْ تَحْتَ أَطْبَاقٍ مِنَ الطِّينِ

وَمَعَ هَذِهِ المَجَازِرِ كُلِّهَا يُطَالِبُونَ الفِلَسْطِينِيِّين وَاللُّبْنَانِيِّينَ أَنْ يَضْبِطُوا أَنْفُسَهُمْ وَيَنْزِعُوا سِلاَحَهُمْ وَيَكُفُّوا عَنْ إِطْلاَقِ النَّارِ عَلَى اليَهُودِ المُعْتَدِينَ، فَباللهِ عَلَيكُمْ -أَيُّهَا المُسْلِمُونَ-كَيفَ يَمْلِكُ إِنْسَانٌ عَاقِلٌ ضَبْطَ نَفْسِهِ وَإِلْقَاءَ سِلاَحِهِ وَهُوَ يَرَى أَفْرَادَ أُسْرَتِهِ يُقَتَّلُونَ أَمَامَهُ وَمَنْزِلَهُ يُهَدَّمُ عَلَيهِ بِالقَذَائِفِ وَالصَّوَارِيخِ وَهُوَ المُعْتَدَى عَلَيهِ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ؟! أَلاَ قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ وَأَعْوَانَهُمْ، مَا أَجْبَنَهُمْ، وَمَا أَشَدَّ مَكْرَهُمْ وَخِدَاعَهُمْ وَبُغْضَهُمْ للإِسْلاَمِ وَحِقْدَهُمْ عَلَى المُسْلِمِينَ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مَا يَجْرِي للمُسْلِمِينَ فِي بِلاَدِ الإِسْلاَمِ حَرْبٌ يَهُودِيَّةٌ صَلِيبِيَّةٌ سَافِرَةٌ، وَتَصْفِيَةٌ عِرْقِيَّةٌ تُشَنُّ ضِدَّ المُسْلِمِينَ وَبِلاَدِهِم، للقَضَاءِ عَلَيهَا وَاحِدَةً بَعْدَ الأُخْرَى، فِي ثَارَاتٍ مِنَ الحِقْدِ الصَّلِيبِيِّ الدَّفِينِ عَلَى الإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ لاَ يَنْتَهِي.

إِنَّهَا ضَرْبَةٌ قَوِيَّةٌ للأُمَّةِ الغَافِلَةِ، وَوَخْزَةٌ كَبِيرَةٌ للأَجْيَالِ المُسْلِمَةِ، كَفِيلَةٌ بِإِيقَاظِهَا مِنْ سُبَاتِهَا، وَعَوْدَتِهَا إِلَى الإِسْلاَمِ الحَقِّ، وَتَوْحِيدِ صُفُوفِهَا، وَلَكِنْ:
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيتَ حَيًّا *** وَلَكِنْ لاَ حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي

إِنَّهَا هَجْمَةٌ تَتَرِيَّةٌ عَلَى دِيَارِ الإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ، جَدِيرَةٌ بالتَّأَمُّلِ وَالاعْتِبَارِ، وَالعَوْدَةِ إِلَى مَا أَخْبَرَنَا بِهِ اللهُ تَعَالَى، وَحَذَّرَنَا مِنْهُ، وَوَجَّهَنَا إِلَيهِ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ الأَمِينِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُشْرِكِينَ، وَعَدَاوَتِهِمْ للإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ.

إِنَّ اليَهُودَ وَالذِينَ أَشْرَكُوا أَشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً للمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهُم لَنْ يَرْضَوا عَنِ المُسْلِمِينَ حَتَّى يَتْرُكُوا إِسْلاَمَهُم، وَيَتَّبِعُوا مِلَّتَهُم؛ (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120]، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء:89].

وَإِنَّهُم -وَاللهِ- لاَ يُقَاتِلُونَ المُسْلِمِينَ إِلاَّ لأَنَّهُم هُمُ المُسْلِمُونَ! وَإِنَّ هَذِهِ الأَحْدَاثَ المُتَتَالِيَةَ عَلَى بِلاَدِ المُسْلِمِينَ لَتُثْبِتُ -بِكُلِّ تَأْكِيدٍ- أَنَّ النِّزَاعَ مَعَهُمْ نِزَاعُ هُوِيَّةٍ وَعَقِيدَةٍ وَمَصِيرٍ، وَمَا فِي ذَلِكَ رَيبٌ وَلاَ عَجَبٌ وَلاَ غَرَابَةٌ! وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى عَنْهُم في كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانٍ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُم أَشَدُّ النَّاسِ لَنَا عَدَاوَةً، وأَنَّهُم لَنْ يَرْضَوا عَنِ المُسْلِمِينَ حَتَّى يَتَّبِعُوا مِلَّتَهُم، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثًا وَقِيلاً؟!.

وَلَكِنَّ العَجَبَ أَنْ تَجِدَ مِنْ بَنِي جِلْدَتِنَا الذِينَ يَعِيشُونَ بَينَنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا، وَيَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ، مَنْ لاَ يَزَالُونَ يَغُطُّونَ في نَوْمٍ عَمِيقٍ، وَسُبَاتٍ عَرِيضٍ، يُشَكِّكُونَ في نُصُوصِ الحَقِّ، وَيَجْرُونَ وَرَاءَ وَعُودِ الغَرْبِ الكَاذِبَةِ، وَيُصَدِّقُونَ أَكَاذِيبَهُم الزَّائِفَةَ، فَاللهُ المُسْتَعَانُ:
كَمْ عَلَّقُونَا بالوُعُودِ وَمَا وَفَوا *** وَكَذَاكَ وَعْدُ الكَافِرِينَ سَرَابُ

إِنَّ وَاجِبَ المُسْلِمِينَ عَظِيمٌ لِنُصْرَةِ إِخْوَانِهِمْ المَنْكُوبِينَ فِي بِلاَدِ الإِسْلاَمِ المُحْتَلَّةِ؛ بِالنَّفْسِ وَالمَالِ وَمَدِّ يَدِ العَوْنِ وَالمُسَاعَدَةِ بِكُلِّ مَا يَسْتَطِيعُونَ مِنْ قُوَّةٍ وَوَسِيلَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ المُسْلِمِينَ فَلَيسَ مِنْهُم؛ وَإِنَّ الجِهَادَ بِالمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى الجِهَادِ بِالنَّفْسِ فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ القُرْآنِ وَأَحَادِيثِ السُّنَّةِ، وَلاَ أَقَلَّ -أَخِي المُسْلِمَ- مِنْ دَفْعِ الزَّكَاةِ لَهُمْ وَالصَّدَقَةِ عَلَيهِمْ؛ فَقَدْ قَالَ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم-: "جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَلاَ أَقَلَّ -أَخِي المُسْلِمَ- مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالنَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ؛ فَالدُّعَاءُ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْلِحَةِ التِي يُسْتَجْلَبُ بِهَا النَّصْرُ عَلَى الأَعْدَاءِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرءًا مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ".

مَنْ للأَطْفَالِ المُشَرَّدِينَ المَفْجُوعِينَ؟! وَمَنْ للنِّسَاءِ المَكْلُومَاتِ؟! وَمَنْ للأَبْرِيَاءِ المُعْتَقَلِينَ مِنْ أَبْنَاءِ المُسْلِمِينَ إِذَا تَخَلَّى عَنْهُمُ المُسْلِمُونَ؟!.

لَقَدْ غَزَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَهُودَ بَنِي قَينُقَاعَ، وَأَجْلاَهُمْ عَنِ المَدِينَةِ بِسَبَبِ اعْتِدَائِهِمْ عَلَى عِرْضِ مُسْلِمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَكَيفَ بِآلاَفِ المُسْلِمَاتِ اللاتِي تُنْتَهَكُ أَعْرَاضُهُنَّ فِي فِلَسْطِينَ وَالعِرَاقِ، وَغَيرِهَا مِنْ بِلاَدِ الإِسْلاَمِ المَنْكُوبَةِ عَلَى أَيدِي اليَهُودِ وَالنَّصَارَى؟!.

وَأَرْسَلَ -صلى الله عليه وسلم- جَيشَهُ لِغَزْوِ مُؤْتَةَ فِي شَمَالِ الجَزِيرَةِ؛ انْتِصَارًا لِرَسُولِهِ الحَارِثِ بنِ عُمَيرٍ الأَزْدِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الذِي بَعَثَهُ لِهِرَقْلِ الرُّوْمِ، فَقَتَلَهُ عَامِلُ قَيصَرَ عَلَى الشَّمَالِ شُرَحْبِيلُ بنُ عَمْروٍ الغَسَّانِيُّ. وَجَهَّزَ -صلى الله عليه وسلم- بَعْثًا لأُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ، وَأَمَرَهُمْ بِالمَسِيرِ إِلَى تَخُومِ البَلْقَاءِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، حَيثُ قُتِلَ قَادَةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَعْرَكَةِ مُؤْتَةَ: زَيدُ بنُ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ -عَلَيهِمْ رِضْوَانُ اللهِ-، فَكَيفَ بِآلاَفِ المُسْلِمِينَ الذِينَ يُقَتَّلُونَ وَيُمَثَّلُ بِهِمْ يَوْمِيًّا عَلَى أَيدِي عَبَدَةِ الصَّلِيبِ وَالبَقَرِ، وَإِخْوَانِ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ؟!.

إِلَى مَتَى يَظَلُّ المُسْلِمُونَ يُمَثِّلُونَ رُدُودَ الأَفْعَالِ وأَعْدَاءُ الأُمَّةِ هُمُ الذِينَ يَفْعَلُونَ ويُخَطِّطُونَ ويُدَبِّرُونَ؟! إِلَى مَتَى هَذَا التَّخَاذُلُ الرَّهِيبُ مِنَ المُسْلِمِينَ عَنْ نُصْرَةِ قَضَايَاهُم والدِّفَاعِ عَنْ دِينِهِم وأُمَّتِهِم وأَرَاضِيهِم، ورَدِّ عُدْوَانِ المُعْتَدِينِ وكَيدِهِم، وَالتَّصَامُمُ عَنْ صَرَخَاتِ إِخْوَانِهِم، وتَعْلِيقُ الآمَالِ في ذَلِكَ كُلِّهِ على شَمَّاعَةِ مَجْلسِ الأَمْنِ الكَافِرِ، وهَيئَةِ الأُمَمِ الصَّلِيبِيَّةِ؟!.

إِنَّ الصّرَاخَ وَالنُّوَاحَ وَالشَّجْبَ وَالاسْتِنْكَارَ لاَ يَرْفَعُ ظُلْمًا، وَلاَ يَرُدّ مُغْتَصَبًا، وَلاَ يَحْمِي أَحَدًا، وَلاَ يَقْمَعُ عَدُوًّا، إِنَّمَا هُوَ حِيلَةُ الضَّعِيفِ الجَبَانِ، مَا لَمْ يُتَوَّجْ بالعَمَلِ وَالأَفْعَالِ، وَإِنَّهُ لاَ عِزَّةَ لِجَبَانٍ، وَلاَ حَيَاةَ لِضَعِيفٍ، وَسَيَجْنِي المُسْلِمُونَ آثَارَ هَذَا السُّكُوتِ المَرِيرِ، وَالتَّخَاذُلِ المَشِينِ عَنْ نُصْرَةِ إِخْوَانِهِم وَالوُقُوفِ في وَجْهِ عَدوِّهِم عَلْقَمًا مَرِيرًا، وَعَذَابًا أَلِيمًا، فَاليَهُودُ لاَ يُفَرِّقُونَ بَينَ مُسْلِمٍ وَآخَرَ، وَاللهُ أَعْلَمُ عَلَى مَنْ سَتَكُونُ الدَّائِرَةُ فِي المَرَّةِ القَادِمَةِ! وَقَدِيمًا قَاَلَتِ العَرَبُ: إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ.

اللَّهُمَّ أَعِدِ المُسْلِمِينَ إِلَى دِينِهِم، وَكِتَابِ رَبِّهِم، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِم؛ وَرُدَّ كَيدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى في نُحُورِهِم، وَأَذِلَّهُم، وأَدِلْ دَوْلَتَهُم، وأَزِلْ مُلْكَهُم، وشَتِّتْ شَمْلَهُم، وَاجْعَلِ الدَّائِرَةَ عَلَيهِم يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فَاسْتَغْفِرُوْهُ وَتُوبُوا إِلَيهِ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبةُ الثانية:

الْحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَالصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، وَاعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ هَذِهِ الأَحْدَاثَ الدَّامِيَةَ التِي تَجْرِي يَوْمِيًّا عَلَى مَسْرحِ بِلاَدِ الإِسْلاَمِ الوَاسِعِ قَدَرٌ مَكْتُوبٌ عَلَى الأُمَّةِ التِي نَسِيَتِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَخَلَّتْ عَنْ دِينِهَا، وَهُزِمَتْ أَمَامَ شَهَوَاتِهَا وَرَغَبَاتِهَا؛ وَهِي -فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ- فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ للأُمَّةِ الجَادَّةِ لِتَنْهَضَ مِنْ كَبْوَتِهَا، وَتُوَحِّدَ صُفُوفَهَا، وَتَسْتَرِدَّ أَمْجَادَهَا وَعِزَّهَا؛ فَفِي أَوْقَاتِ الشَّدَائِدِ وَالأَزَمَاتِ تُبْعَثُ الهِمَمُ، وَتُوْقَدُ العَزَائِمُ، وَيَتَحَرَّكُ فِي الأُمَّةِ الرِّجَالُ الأَقْوِيَاءُ الذِينَ تُحْمَى بِهِمُ المُقَدَّسَاتُ، وَتُسْتَرَدُّ الأَوْطَانُ، وَيُدَافَعُ عَنِ الحِمَى، وَيُرَدُّ المُعْتَدِي صَاغِرًا جَبَانًا، طَرِيدًا مَهْزُومًا، فَمَا أُخِذَ بِالقُوَّةِ لاَ يُسْتَرَدُّ إِلاَّ بِالقُوَّةِ.

وَالمُسْلِمُ الحَقُّ يَجِبُ أَن لاَّ يَكُونَ مَعَ المُتَشَائِمِينَ، فَالتَّشَاؤُمُ وَالإِيمَانُ لاَ يَسْتَقِرَّانِ أَبَدًا فِي حَيَاةِ المُسْلِمِ الحَقِّ؛ لأَنَّ ذَلِكَ يَأْسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ؛ وَ(إِنَّهُ لا يَيئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) [يوسف:87].

عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أُمَّتِي مِثْلُ المَطَرِ، لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيرٌ أَمْ آَخِرُهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُم فِي طَاعَتِهِ".

وَإِنَّ المُسْتَقْبَلَ للإِسْلاَمِ الحَقِّ، وَإِنَّ المُسْلِمِينَ الصَّادِقِينَ هُمُ المُنْتَصِرُونَ بِإِذْنِ اللهِ، فَنَصْرُ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُسْلِمينَ مَتَى مَا رَجَعُوا إِلَى رَبِّهِم وَدِينِهِم، فَطَبَّقُوا كِتَابَهُ، وَاعْتَصَمُوا بِسُنَّةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-.

وَمَهْمَا طَغَى اليَهُودُ وَبَغَوْا وَتَجَبَّرُوا فَإِنَّ النَّصْرَ حَلِيفُ المُسْلِمِينَ بِإذْنِ اللهِ تَعَالَى، وَالعَاقِبَةَ لَهُمْ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ اليَوْمُ الذِي يُقَاتِلُ المُسْلِمُونَ فِيهِ اليَهُودَ، فَيَقْتُلُهُم المُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ اليَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ؛ إِلاَّ الغَرْقَدَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ. هَذَا وَعْدُ اللهِ الثَّابِتِ الِذِي لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ، عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ الكَرِيمِ -صلى الله عليه وسلم-.

وَلَكِنْ، بَعْدَ أَنْ يَعُودَ المُسْلِمُونَ إِلَى دِينِهِمْ، وَيَعْتَزُّوا بِإِسْلاَمِهِمْ، وَيُجَاهِدُوا أَعْدَاءَهُم، وَيَنْصُروُا إِخْوَانَهُمْ، وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُوُرِ؛ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بأَنْفُسِهِمْ؛ فَالعَمَلُ مَطْلُوبٌ، وَاللُّجُوءُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، والرُّجُوعُ إِلَيهِ، وَالثِّقَةُ بِمَوْعُودِهِ، وتَحْكِيمُ شَرْعِهِ، وَالعَوْدَةُ إِلَى سُنَّةِ نَبِيَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَبَبٌ للنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ.

وَقَدْ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَينِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيضَتَهُمْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21]، (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة:20-21].

أَجَلْ عِبَادَ اللهِ! يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نُفُوسُ المُؤْمِنِينَ مُطْمَئِنَّةً إِلَى قَدَرِ اللهِ وقُدْرَتِهِ، وَأَن لاَّ يَنْقَطِعَ الأَمَلُ مِنْ نُفُوسِ المُسْلِمِينَ، فَالدِّينُ دِينُ اللهِ، ولَنْ يُصِيبَ النَّاسَ جَمِيعًا شَيءٌ إِلاَّ بِقَضَاءِ اللهِ وقَدَرِهِ، وَمَهْمَا عَلاَ البَاطِلُ، وزَمْجَرَ وتَجَبَّرَ وبَطَرَ، فَهُوَ تَحْتَ قَهْرِ العَلِيِّ القَدِيرِ -سُبْحَانَهُ وتَعَالَى-؛ وَالذِي أَمَدَّ لأَهْلِ البَاطِلِ وأَمْلَى لَهُم قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُدِيلَ دَوْلَتَهُم، ويَجْعَلَ الدَّائِرَةَ عَلَيهِم؛ فَـ(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].

تَمَسَّكُوا بإِسْلاَمِكُمْ، وَدَافِعُوا عَنْ قَضَايَاكُمْ، وَجَاهِدُوا أَعْدَاءَكُمْ، وثِقُوا بِوَعْدِ رَبِّكُم؛(اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَ الشِّرْكَ والمُشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي