تحية وهدية الكفار

أحمد عبدالرحمن الزومان
عناصر الخطبة
  1. أصناف الكفار .
  2. المعاملة بالمثل في غالب الأشياء .
  3. جواز قبول هدايا الكفار وطعامهم .
  4. كيفية التعامل مع المحاربين والمسالمين .

اقتباس

فالكفار على اختلاف مللهم هم إما أهل حرب وهم المحاربون للمسلمين وهؤلاء لا حرمة لهم فدماؤهم وأموالهم وأعراضهم ليست معصومة وإما أهل عهد وهم ثلاثة أصناف أهل الذمة وهم من يؤدون الجزية وأهل الهدنة وهم الذين صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم سواء كان الصلح على مال أو غير مال على أن يكفوا عن محاربة المسلمين وهؤلاء يسمون أهل العهد وأهل الصلح وأهل الهدنة والصنف الثالث أهل الأمان وهم الذين يقدمون بلاد المسلمين من غير استيطان لها ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.

فالكفار على اختلاف مللهم هم إما أهل حرب وهم المحاربون للمسلمين وهؤلاء لا حرمة لهم فدماؤهم وأموالهم وأعراضهم ليست معصومة وإما أهل عهد وهم ثلاثة أصناف أهل الذمة وهم من يؤدون الجزية وأهل الهدنة وهم الذين صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم سواء كان الصلح على مال أو غير مال على أن يكفوا عن محاربة المسلمين وهؤلاء يسمون أهل العهد وأهل الصلح وأهل الهدنة والصنف الثالث أهل الأمان وهم الذين يقدمون بلاد المسلمين من غير استيطان لها. وقد يبتلى بعض المسلمين بالتعامل مع الكفار لوجودهم في بلاد المسلمين أو حين السفر للحاجة لبلاد الكفار لاسيما مع حاجته لهم ووقوعه في الحرج في تعامله معهم فسأذكر في هذا المقام ما يتكرر وتعم به البلوى من التحية والمهاداة بين المسلم وبين الكفار أهل العهد ما يجوز من ذلك وما لا يجوز مستشهداً بنصوص الوحيين ذاكراً أقوال الراسخين في العلم الذين تطمئن النفوس عند سماع رأيهم حيث علمت الأمة منهم النصح والتجرد للحق.

فأقول مستعينا بالله تحرم بداءة الكفار بالسلام فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لَقِيتُمُ أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" رواه مسلم. فالسلام اسمه ووصفه وفعله والتلفظ به ذكر له فيصان بذله لغير أهل الإسلام فلا يحيى به أعداء السلام ولهذا كانت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار سلام على من اتبع الهدى ولم يكتب لكافر سلام عليكم أصلا. قال القرطبي في المفهم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا لَقِيتُمُ أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" معناه لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكراماً لهم واحتراماً وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى وليس المعنى إذا لَقِيتُمُوهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم لأن ذلك أذى لهم وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب" أما إذا كان الكفار في مكان مختلطين بالمسلمين فيجوز السلام عليهم فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم"رواه البخاري ومسلم، قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: "فيه جواز الابتداء بالسلام على قوم فيهم مسلمون وكفار وهذا مجمع عليه".

أما البداءة بتحيتهم بغير السلام فقد قال النووي في الأذكار قال أبو سعد (المتولي): "لو أراد تحية الذمي فعلها بغير السلام بأن يقول هداك الله أو أنعم الله صباحك قلت (القائل النووي) هذا الذي قاله أبو سعد لا بأس به إذا احتاج إليه فيقول صبحت بالخير أو بالسعادة أو بالعافية أو صبحك الله بالسرور أو بالسعادة والنعمة أو بالمسرة أو ما أشبه ذلك وأما إذالم يحتج إليه فالاختيار ألا يقول شيئا" أ هـ. أما إذا ابتدأ الكافر المسلم بالتحية سلاماً أو غيره فيرد عليه لعموم قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة: "إذا تحقق السامع أن الذمي قال له سلام عليكم لا شك فيه فهل له أن يقول وعليك السلام أو يقتصر على قوله وعليك فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة أن يقال له وعليك السلام فإن هذا من باب العدل والله يأمر بالعدل والإحسان وقد قال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) فندب إلى الفضل وأوجب العدل ولا ينافي هذا شيئاً من أحاديث الباب بوجه ما فإنه إنما أمر بالاقتصار على قول الراد وعليكم بناء على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك" رواه البخاري ومسلم. فإذا زال هذا السبب وقال الكتابي سلام عليكم ورحمة الله فالعدل في التحية يقتضي أن يرد عليه نظير سلامه وبالله التوفيق أ هـ.

ومما يباح للمسلم أن يقبل هدية الكافر طعاماً أو غيره -فقد كان يفعله إمام المتبرين من الكفار صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك ما رواه أبو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا" رواه البخاري وكان نصرانياً. وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه: "أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ أَلَا نَقْتُلُهَا قَالَ لَا فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" رواه البخاري ومسلم.

وكذلك أصحابه من بعده فقد كانوا يقبلون هدايا الكفار ويهدون لهم فعبد الله بن عمرو: "ذُبِحت له شاةٌ، فجعل يقول لغلامه: أهديت لجارنا اليهودي؟ أهديت لجارنا اليهودي؟ " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما زال جبريل يوصيني بالجارحتى ظننت أنه سيورثه" رواه البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح. فهذا من الإحسان إليهم ولم ننهَ عنه فربنا عز وجل يقول: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ويتأكد قبول الهدية والإهداء لهم إذا كان تعلق به غرض مشروع تأليفاً لقلوبهم لدعوتهم وإظهار محاسن الإسلام لهم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أمرنا بموالاة المؤمنين ومحبتهم ونهانا عن موالاة الكافرين ومحبتهم وجعل ذلك من كمال الإيمان الواجب فقال: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) وقال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وقال في حق المحاربين المعتدين: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فربما البعض أساء فهم النصوص الشرعية فعطل باب البراء من المشركين وربما البعض غلب هذا الباب حتى هضم حقوق غير المسلمين وأعتدى عليهم فلا بد من الجمع بين هذه النصوص.

فالإحسان لأهل العهد مشروع والتودد لهم وموالاتهم منهي عنهما والبابان ملتبسان فيحتاجان إلى الفرق وسر الفرق أن العهد يوجب حقوقاً علينا لهم لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام. فلما كان العهد بهذه المثابة جاز أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودة القلوب ولا تعظيم شعائر الكفر فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع وصار من قبل ما نهي عنه ويتضح ذلك بالمثال فمثلاً إخلاء المجالس لهم عند قدومهم والقيام لهم ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى حرام لما فيه من تعظيم شعائر الكفر وتحقير شعائر الله تعالى وشعائر دينه واحتقار أهله. ومن ذلك تمكينهم من الولايات وتصريف الأمور.

وأما برهم ومن غير مودة باطنة كالرفق بضعيفهم وسد خلة فقيرهم وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفاً منا بهم لا خوفاً وتعظيماً والدعاء لهم بالهداية ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم فإن ذلك من مكارم الأخلاق فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل ومن يفعل معه ذلك مع علمه باستغناء المحسن عنه وعدم حاجته له فهذا من أسباب تعظيمه لمن أحسن إليه وقبوله الحق منه واتباعه.

وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالاً لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم لا محبة فيهم ولا تعظيماً لهم ولا نظهر آثار تلك الأمور التي نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة لأن العهد يمنعنا من ذلك فنستحضرها في أنفسنا حتى يمنعنا من الود الباطن لهم المحرم علينا خاصة وبالجملة فبرهم والإحسان إليهم مأمور به وودهم وتوليهم منهي عنه انتهى كلام القرافي بتصرف.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي