فإذا لم تمكن المرأة زوجها منها من غير عذر شرعي فبات زوجها غير عاذر لها لعنتها الملائكة لأنها كانت مأمورة بطاعة زوجها في غير معصية فالوطء ومقدماته من مقاصد النكاح فلا يحل للمرأة أن تحول بين الزوج و بين رغبته في تحصين فرجه في المباح وإعفاف نفسه فربما أغراه الشيطان في الوقوع في المحرم فكانت شريكة له في الوزر فاستحقت الوعيد الشديد في امتناعها من فراش زوجها ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
عباد الله: بين ربنا عز وجل علاقة العباد فيما بينهم وبين ربهم وعلاقة بعضهم ببعض ومن ذلك علاقة الزوجين وماذا يجب لكل واحد منهما وماذا عليه فورد في القرآن و السنة بيان الأحكام العامة للزوجين وكثير من التفاصيل متروكة للعرف وذلك لاختلاف الزمان والمكان (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وأبدأ في ذكر حقوق الرجل على امرأته حيث فضله الله عليها (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ),
فمن حقوقه على امرأته: حق الجماع: فعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح" رواه البخاري ومسلم.
فإذا لم تمكن المرأة زوجها منها من غير عذر شرعي فبات زوجها غير عاذر لها لعنتها الملائكة لأنها كانت مأمورة بطاعة زوجها في غير معصية فالوطء ومقدماته من مقاصد النكاح فلا يحل للمرأة أن تحول بين الزوج و بين رغبته في تحصين فرجه في المباح وإعفاف نفسه فربما أغراه الشيطان في الوقوع في المحرم فكانت شريكة له في الوزر فاستحقت الوعيد الشديد في امتناعها من فراش زوجها.
والحيض ليس بعذر في الامتناع لأن له حقا في الاستمتاع بها بما عدا الوطء في الفرج فعن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه" رواه مسلم.
فإذا كان يحرم عليها أن تمتنع عنه من غير عذر فيجب عليه أن تمتنع عن كل ما يكون سبباً في عدم تمكن الزوج منها ولوكان من نوافل العبادات بخلاف الواجب كاشتغالها بصلاة الفرض والصيام الواجب فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" رواه البخاري ومسلم.
فنهيت أن تصوم تطوعا لأن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا تفوته بالتطوع وله أن يفسد صومها التطوع. فالشارع جعل حق الزوج آكد من التطوع بالخير لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع.
ومن حقوقه عليها: عدم خروجها من البيت إلا بإذنه يقول ربنا عز وجل (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) فالأصل بقاء المرأة في بيتها وخروجها خلاف الأصل فهو خروج للحاجة وليس معنى هذا الأمر بملازمة النساء البيوت فلا يخرجن منها إطلاقاً وأن تكون المرأة حبيسة بيتها.
فعلى الزوج إذا استأذنته في الخروج لصلة رحم أوعيادة مريض أوقضاء حاجة لها أو لبيتها أوأولادها فليأذن لها و من الخطأ الذي يقع فيه البعض أنَّه يمنع زوجته من الخروج للسوق لقضاء حاجتها ولا يخرج معها أويقوم هو بتوفير هذه الحوائج فيجعلها عالة على غيرها تتعرض لمنة الناس والتسويف في قضاء ما تحتاجه.
وربما خرجت سراً من غير إذنه تحت وطأة الحاجة والأفضل أن يخرج الرجل مع أهله لقضاء الحوائج وليختار الأوقات التي لا توقعه في الحرج.
ومن حقوق الزوج على زوجته أن لا تدخل في بيته من لا يرضى دخوله فلا يحل للمرأة أن تأذن لرجل أو امرأة من الأقارب أو الأباعد في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه أو ممن أذن له في الإذن في ذلك أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك ونحوه ففي حديث جابر: "ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحداً تكرهونه" رواه مسلم.
وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعدْ في بيته على تَكْرِمته إلا بإذنه"رواه مسلم. فتكرمته الموضع الخاص المعد لجلوس الرجل من الفرش فلا يجوز التصرف في ملك غيره إلا بإذنه.
و من حقوق الزوج على زوجته القوامة عليها فيجب عليها أن تطيعه في المعروف (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ). فأي شأن من شؤون الناس صغر أوكبر لا بد من مسؤول يتحمل المسؤولية ويسعى للحفاظ على الكيان المسؤول عنه وحمايته والإرتقاء به ومنع ما من شأنه أن يدخل الضرر عليه. وأصل الأسرة من الزوج والزوجة فلا بد من أن يكون أحدهما مسؤولاً عن الأسرة فالمرأة بطبعها وخصائصها لا تتناسب مع هذا الدور فجعلت القوامة للرجل لما فضل الله به الرجل على المرأة في العقل والرأي وتفضيله في المنزلة وقوة في النفس والطبع ما ليس للنساء وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيما عليها كما قال الله تعالى: (وللرجال عليهن درجة) فجعل له القوامة على المرأة من التأديب والتدبير والحفظ والصيانة ومنعها من البروز فيما يعود عليها وعلى أسرتها بالضرر وفائدة هذه القوامة عائدة إلى المرأة حيث وجب على الرجل العمل على صيانة المرأة وحفظها في بدنها ومالها و عرضها وفكرها ودينها وليس فيه غضاضة على المرأة ولا انتقاص من حقها وليس من شأن هذه القوامة إلغاء شخصية المرأة. إذا أنه تقرير لأمر واقع تسلم به الفطر السليمة التي لم تقع في حمأة التأثر بثقافة من انتكست فطرهم.
فالقوامة وظيفة داخل الأسرة لإدارتها وصيانتها وحمايتها والسلوك بها طريق السعادة في الدارين. ومن الخطأ الذي يقع فيه البعض -وإن كانوا قلة- حينما يظن أولئك أن معنى القوامة التسلط على أفراد الأسرة وعدم الاكتراث بشعور الآخرين والاستبداد بالرأي وعدم إشراك الأسرة في ما يتعلق بشؤونها فتجده يصدر الأوامر و يطالب الآخرين بالتنفيذ وعدم المناقشة فَيَشِيع في البيت جوٌ من عدم الألفة والراحة وعدم الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة فلا بد من تصحيح هذا الفهم الخاطئ.
فأنت قيم عليهم فالواجب عليك أن تمحض لهم النصح فتحصل لهم كل خير وتبعدهم عن كل شر وحتى لو استمريت هذا التصرف فاعلم أن الأمر لن يستمر على هذا الحال و ربما رأيت من الجفاء والعقوق أضعاف ما قمت به وانظر في من حولك فستجد شواهد لذلك فاعتبر بغيرك.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله و أصحابه أجمعين و بعد:
من حقوق الزوج على زوجته الخدمة في البيت وهذه المسألة من مسائل الخلاف بين الفقهاء لكن إذا نظرنا في النصوص الشرعية تبين لنا وجوب الخدمة على المرأة في بيتها بالمعروف في حدود قدرتها فعن علي: "أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلقت فلم تجده ولقيت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها قال علي: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على مكانِكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري ثم قال ألا أعلمكما خيراً مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين وتحمداه ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم" رواه البخاري ومسلم.
فلو كانت الخدمة لا تجب على فاطمة لقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي لا خدمة عليها وإنما هي عليك وهو لا يحابي في الحكم أحدا. وأقر النبي صلى الله عليه وسلم سائر أصحابه على استخدام نسائهم في البيوت مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية. ويقول ربنا عز وجل: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وخدمة المرأة في بيت زوجها هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه فقد كانت النساء حين نزول القرآن يخدمن في بيوتهن. وقال ربنا عز وجل الرجال قوامون على النساء وإذا لم تخدمه المرأة بل هو الذي يخدمها فهي القوامة عليه.
والمهر في مقابلة البضع وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابل خدمتها وما جرت به العادة. أما قول من قال من الفقهاء رحمهم الله أن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام فالنظر يرده فالاستمتاع حق مشترك بين الزوجين وليس مختصاً بالزوج فلو حلف الزوج ألا يطأ زوجته ضُرِب له أمدٌ أربعةَ أشهر ثم ألزم على الوطء أوالطلاق فلو كان الوطء من حقوقه الخاصة لما أمر بالوطء أو الطلاق.
و لو قلنا بعدم وجوب الخدمة عليها فلا يخلو إما أن يأتي الرجل بخادم يخدمها وليس كل الأزواج يستطيع ذلك فإذا لم يستطع فسوف الزوج يجلس في البيت للخدمة و ينقطع عن التكسب لتحصيل النفقة الواجبة عليه وتبقى المرأة معطلة في البيت لا عمل لها.
لكن لو كانت المرأة مريضة أو مثلها يخدم ولا تخدم كبنات أصحاب الولايات أوشرطت ذلك وجبت الخدمة على الزوج. وقال بوجوب الخدمة على المرأة جمع من السلف والخلف منهم الإمام مالك وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحم الله المتقدم والمتأخر.
وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك إذا وجد الفراغ والوقت بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين وهذا هدي النبي صلى الله عليه و سلم فعن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في مِهْنَةِ أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة" رواه البخاري.
وفي الختام هذه بعض حقوق الزوج على زوجته ولا ننسى أن الإنصاف في الآدميين عزيز والنفس تميل إلى استيفاء حقوقها وتبخس الآخرين بعض حقوقهم فلا بد لاستمرار العشرة والمحبة من التغاضي عن بعض الحقوق و بذل ما ليس واجباً . فمعاملة الناس درجتان عدل وإنصاف وهو أخذ الواجب وإعطاء الواجب وإما فضل و إحسان وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق وهذه الدرجة أرشد الله إليها فيما يقع بين الزوجين في قوله تعالى: (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ). ويأتي حق الزوجة على زوجها في خُطبة قادمة إن شاء الله تعالى.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي