عواقب السرقة وخطورة تمويل الإرهاب

عبد العزيز بن عبد الله السويدان
عناصر الخطبة
  1. انتشار ظاهرة سرقة الناس في بعض المساجد .
  2. أسباب تلك السرقات .
  3. نصيحة للسارقين المندسين في المسجد .
  4. حرمة مال المسلم .
  5. أضرار ومخاطر السرقة .
  6. الآثار الطيبة لحد السرقة .
  7. بيان هيئة كبار العلماء حول تحريم تمويل الإرهاب .

اقتباس

إنَّ مما يُحزِنُ المرء تدنُّس أماكن العبادة بالمقاصد الخبيثة، والأفعال الفاسدة، فقد تكرر وما زال يتكرر حالات السرقة في هذا المسجد وغيره من المساجد بشكل مؤسف، فلا تكاد جمعة تخلو من شكوى بعض المصلين من فقدهم لمحافظهم أو لجوالاتهم بعد الخروج من صلاة الجمعة؛ وقد يحدث النشل في زحمة الباب عند الخروج، أو في تجمع المصلين عند الباعة المتجولين في الساحة الخارجية للمسجد ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة المسلمون: إنَّ مما يُحزِنُ المرء تدنُّس أماكن العبادة بالمقاصد الخبيثة، والأفعال الفاسدة، فقد تكرر وما زال يتكرر حالات السرقة في هذا المسجد وغيره من المساجد بشكل مؤسف، فلا تكاد جمعة تخلو من شكوى بعض المصلين من فقدهم لمحافظهم أو لجوالاتهم بعد الخروج من صلاة الجمعة؛ وقد يحدث النشل في زحمة الباب عند الخروج، أو في تجمع المصلين عند الباعة المتجولين في الساحة الخارجية للمسجد.

نحن نسمع عن حالات سطو المساجد التي استفحلت في المجتمع، وتلك والله رزية! ولكن الأعظم أن يقصد مسلم بيتاً من بيوت الله ليرتكب جريمته، أن يستغل غفلة عابد لله في نهب أمواله، أو إيذائه، أو أخذ حاجاته.

أي مرض قلبي يُسقط الإنسان في هذه المهلكة؟ أي انحطاط أخلاقي بعد هذا الانحطاط؟ هل لتربية الوالدين دورها؟ هل لظروف البطالة دورها؟ هل للفساد الذي تقدمه الفضائيات دور في إشاعة ثقافة السرقة؟ أم أن لكل سبب من هذه الأسباب نصيبه؟ وغيرها من الأسباب؟.

أيها الإخوة: ربما -وأنا أطرح هذا الموضوع- يسمعني بعض المندسين بين المصلين هذه اللحظة صغاراً كانوا شبابا أو كباراً، ممن جاءوا إلى المسجد بهذه النية الخبيثة، فأقول لهم: استحيوا من الله! ألا تخافون المقاصة يوم القيامة؟ ألا تخافون يوم الفصل عندما يدخل الناس الجنة وأنتم مبعدون بسبب مظالم العباد التي في رقابكم؟ استمعوا إلى وعيد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يؤكد على طهارة الذمم؛ لأن حساب الله عسير على الظالم الذي اغتصب حقوق الناس، ولوث نفسه بأموالهم بغير حق.

يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لَتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى ‏يقاد للشاة ‏‏الجلحاء ‏[التي لا قرن لها] ‏من الشاة القرناء ‏" رواه مسلم. وعند أحمد بلفظ "يقتص الخلق بعضهم من بعض, حتى الجلحاء من القرناء, و حتى الذرة من الذرة".

وحتى لو عمل الظالم سوءاً من سارق أو معتدٍ بأي نوع من أنواع الاعتداء، حتى لو عمل من الأعمال الصالحة ما عمل، حتى لو تاب وأناب، تبقى تلك المظالم عالقة في ذمته، محاطة في رقبته، لا يطهره منها إلا عفو أهلها، وهذا تمام الحق من الحق -سبحانه وتعالى-.

ولذلك أعود وأقول لأولئك السارقين، سواء كان السارق سارقاً لنعل او لمحفظة أو لجوال أو لأشياء أخرى، اسأل نفسك بصدق: هل يستحق ما تسرقه من أموال الناس ذاك العقاب الذي ذكرته آنفاً؟ هل يستحق الهم الشديد العصبي والخوف الذي تعاني منه أثناء اقترافك للسرقة أنت ومن معك ممن يساعدك؟ هل يستحق الخزي والعار الذي يغشاك بين الناس عند القبض عليك؟.

ألم تجد لنفسك مصدراً آخر تسترزق منه؟ مصدراً حلالاً ولو كان قليلاً؟ أنسِيتَ -يا هداك الله- أن النار تأكل كل جسد نبت من مال حرام؟ ألا نخوة؟ ألا إحساس لديك بما سيتضرر به أخوك المسلم عند فقده لبطاقاته وحاجاته الضرورية التي يحملها في محفظته؟!.

معاشر الإخوة: اهتم الإسلام بالأموال اهتماماً عظيماً، وحماها، حتى جعل المال شقيق الروح، ومساوياً له في الحرمة، ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه" أخرجه مسلم. فحمى المال من أن تمتد إليه أيدي العابثين وتطلعات الطامعين، ونهى سبحانه عن كل ما يضر أكل أموال الناس بالباطل.

ونهى عن أي اعتداء على أموال الناس بأي وجه من وجوه الحرام، سواء كان عن طريق الكذب أو التحايل أو المماطلة أو السرقة أو غيرها، مما تحله أصحاب النفوس الضعيفة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [النساء:29].

من أضرار جريمة السرقة ومخاطرها أن السارق ملعون، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده" أخرجه البخاري في صحيحه. ومنها أن السارق مسلوبٌ كمال الإيمان، عن ابن عباس قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن". ومنها دعاء الناس عليه بالمحق وبالمصائب، ومنها انتشار بذور العداوة والبغضاء في أفراد المجتمع.

ولقد قضت الشريعة بقطع يد السارق؛ حسما لهذا الظلم، وردعا للنفوس المريضة من الجرأة على أموال الناس، يقول سبحانه: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة:38]. قال ابن تيمية: وأما السارق فيجب قطع يده اليمنى كما هو في الكتاب والسنة والإجماع.

ولذلك فإن تطبيق شرع الله له أكبر الأثر في قطع دابر هذه الجريمة، فقد شرع الله تعالى عقوبة السرقة صيانة للأموال؛ لأن المال شيء عزيز على النفوس، إذ هو عصب الحياة، والإنسان مجبول بطبيعته على حب المال حبا شديدا، يبذل كل طاقته لجمعه، فكيف تكون حاله إذا وجد أن ثمرة جهوده الطويلة قد ذهبت واستولى عليها شخص بغير وجه حق؟ إنها قد تؤدي في بعض الحالات إلى وفاة المجني عليه، أو إصابته بخلل في عقله، أو بعقدة نفسية لا يستطيع أن ينفك عنها؛ وتظل الحسرة تعصر قلبه على مدى سنوات إذا تذكر ذلك الحدث.

من آثار تطبيق حد السرقة نشر الأمن في المجتمع؛ لأن جريمة السرقة تؤدي إلى إفزاع سكان الحي، إذ يترقب كل منهم أنه هو الهدف القادم، يعيش الناس في اضطراب وقلق؛ ومن الآثار أن في العقوبة رادعا للنفوس الضعيفة كما تقدم، ونكالا وعبرة لغيرهم. وإن من إهمال العقوبات الشرعية عامة، وفي السارقين، خاصة عواقب وخيمة، فمَن أمِن العُقوبةَ أساءَ الأدب.

أسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم والمسلمين من كل سوء، وأن يهدي ضالَّ المسلمين، إنه قريب مجيب، وصَلَّى الله على نبينا محمد.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

أما بعد: فهذا بيان من هيئة كبار العلماء: "الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن هيئة كبار العلماء في جلسته العشرين الاستثنائية المنعقدة بتاريخ 20 من شهر ربيع الثاني لعام 1431ه تشير إلى ما سبق أن صدر عنها من قرارات وبيانات فيما يقوم به المفسدون في الأرض بما يزعزع الأمن، ويهتك الحرمات في البلاد الإسلامية وغيرها؛ كالقرار المؤرخ في 12/1/1409ه، والبيان المؤرخ في 22/6/1416ه، والبيان المؤرخ في 13/2/1417ه، والبيان المؤرخ في 14/6/1424ه.

وقد نظرت الهيئة في حكم: "تمويل الإرهاب"، باعتبار أن الإرهاب جريمة تستهدف الإفساد؛ بزعزعة الأمن، والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات الخاصة والعامة، كنسف المساكن والمدارس والمستشفيات والمصانع والجسور، ونسف الطائرات أو خطفها، والموارد العامة للدولة كأنابيب النفط والغاز، ونحو ذلك من أعمال الإفساد والتخريب المحرمة شرعًا؛ وإن تمويل الإرهاب إعانة عليه وسبب في بقائه وانتشاره.

كما نظرت الهيئة في أدلة "تجريم تمويل الإرهاب" من الكتاب والسنة وقواعد الشريعة، ومنها قول الحق جل وعلا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، وقال سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة:204-205]، وقال تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) [الأعراف:56، 85].

وفي صحيح مسلم من حديث علي - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله من آوى محدثاً..."، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: وفيه أن المحدث والمؤوي للمحدث في الإثم سواء. ومن القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية: أن للوسائل حكم الغايات، ولما جاء في الشريعة من الأمر بحفظ الحقوق والعهود في البلاد الإسلامية وغيرها.

لذلك كله فإن الهيئة تقرر: إن تمويل الإرهاب أو الشروع فيه محرم، وجريمة معاقب عليها شرعًا، سواء بتوفير الأموال أم جمعها أم المشاركة في ذلك، بأي وسيلة كانت؛ وسواء كانت الأصول مالية أم غير مالية؛ وسواء كانت مصادر الأموال مشروعة أم غير مشروعة. فمن قام بهذه الجريمة عالمًا، فقد ارتكب أمرًا محرمًا، ووقع في الجرم المستحق للعقوبة الشرعية بحسب النظر القضائي.

وتؤكد الهيئة أن تحريم تمويل الإرهاب لا يتناول دعم سبل الخير التي تعنى بالفقراء في معيشتهم، وعلاجهم، وتعليمهم؛ لأن ذلك مما شرعه الله في أموال الأغنياء حقاً للفقراء.

وإن هيئة كبار العلماء إذ تقرر هذا فإنها توصي المسلمين جميعًا بالتمسك بالدين، وهدي نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، والكف عن كل عمل من شأنه الإضرار بالناس والتعدي عليهم.

ونسأل الله -عز وجل- لهذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية، وعموم بلاد المسلمين الخير والصلاح والحفظ وجمع الكلمة، وأن يصلح حال البشرية أجمعين بما يحقق العدل، وينشر الفضل.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... هيئة كبار العلماء، ثم ذُكِرت الأسماء.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين...
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي