كل عمل ليس له أصل في الشرع ولم يقم عليه دليل من السنة فهو ابتداع المضلّين.
الحمد لله الذي أمرنا بالإتباع. ونهانا عن الابتداع. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في العبادة. كما أنه لا شريك له في الخلق والإبداع. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله ليتبع ويطاع. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسائر الأتباع وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله واعلموا أن الله قد أكمل لنا الدين وأمرنا بإتباعه والتمسك به – قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153] فكل عمل ليس له أصل في الشرع ولم يقم عليه دليل من السنة فهو ابتداع المضلّين. وهو من السبل المتفرقة التي تتفرق بمن اتبعها سبيل الله. قال –صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ" وفي رواية: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
عباد الله: إن البدع تقضي على الدين الصحيح، وتحل محل السنن فقد روى الإمام أحمد بسنده عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنه من السنة مثلها". وفي البدع مفاسد عظيمة. منها أنها تحل محل السنن كما سبق. فكلما جاءت بدعة تركت سنة، وهكذا حتى يقضي على الدين بالكلية. ولهذا تجدون أصحاب البدع يحرصون عليها أكثر مما يحرصون على السنن لأن الشيطان يزينها لهم.
ومنها: أن صاحب البدعة يرى أن الدين ناقص فهو يريد أن يكمله ببدعته. وإلا لو كان يرى أن الدين كامل لا ستغنى به عن البدع. ومنها: أن أصحاب البدع يزهدون في السنن وتفتر عزائمهم عن العمل بها وينشطون في البدع، فلذلك ندهم ينفقون أموالهم وينصبون أبدانهم ويضيعون أوقاتهم في إحياء البدع. ومنها: أن البدع تعيد الجاهلية إلى حياة الناس فتورث التفرق والاختلاف. وكل فريق يرى أن ما هو عليه أحسن مما عليه الآخر –كما قال الله تعالى: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون:53] وكما قال سبحانه: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام:153] أما السنن فإنها تجمع الناس وتؤلف بين قلوبهم فيكونون إخوة متحابين على منهج واحد ودين واحد ممتثلين قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103] .
ومن مفاسد البدع أنها تورث الاستكبار عن الحق. فالمبتدع إذا دعي إلى الحق لا يمتثل ويتمسك ببدعته ويدافع عنها.
ومن مفاسد البدع: أنها تفسد الدين الصحيح. وهذا ما يريده شياطين الجن والإنس من الكفار والمنافقين فأعداء الدين يحاولون إفساده بشتى الوسائل. وأهم سلاح يستخدمونه في ذلك هو البدع والخرافات ليشوهوا بها الإسلام ويغطوا بها وجه الدين الصحيح. حتى يظن من لا يعرف حقيقة الإسلام أنه مجموعة من الخرافات والطقوس الفارغة فينصرف عنه من يريد الدخول فيه. أضف إلى ذلك أن الذين يروجون البدع يجنون من ورائها مكاسب مادية، أو يتمكنون بها من نيل شهواتهم المحرمة. فكم ينفق في إحياء هذه البدع من أموال. وكم يهتك فيها من أعراض بسبب الاختلاط بين الرجال والنساء بلا وازع ولا رادع.
هذا ولوسائل الإعلام من صحافة وإذاعات ودور كبير في ترويج هذه البدع وبثها في أرجاء المعمورة حيث ينقلون لها صوراً حية إلى مختلف البلاد فيغتر من يسمع أو يقرأ عنها ويظنها من الدين. كما أن لعلماء السوء دوراً أكبر في إحياء البدع وترويجها وإلباسها لباس الشريعة. فيتعين على العلماء والخطباء أن يحذروا الناس منها.
عباد الله: ومن البدع المحدثة في الدين ما يفعل في هذه الأيام القريبة في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب من الاحتفال بذكر الإسراء والمعراج وهو كغيره من الاحتفالات –احتفالات تشتمل على منكرات فظيعة من شرك وبدع، وهذا الاحتفال محدث في دين الإسلام لم يفعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته ولا القرون المفضلة، وإنما حدث في العصور المتأخرة من جملة ما حدث من البدع المخالفة للهدي النبوي على نمط ما يفعله النصارى في دينهم. مصداقاً لقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "لتَتَّبعُنَّ سَنَن من قبلكم حذو القذَّة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه".
ومن العجب أن كثيراً ممن يحيون بدعة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج يهتمون بهذه البدعة ولا يهتمون بالصلوات الخمس التي حصلت فرضيتها ليلة المعراج، فلا يحافظون عليها في أوقاتها مع الجماعة. بل يتهاونون بالصلاة أو لا يصلون أصلاً. لأن الشيطان زين لهم البدعة وكره إليهم العبادة المشروعة بل نراهم لا يهتمون بأمر دينهم عامة. لأن الدين في عرفهم ما أحدثوا من البدع والخرافات.
عباد الله: لقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يحذر من البدع فكان يقول في خطبه: "وشر الأمور محدثاتها. وكل بدعة ضلالة" وكان صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يحذرون من البدع غاية التحذير.
فقد بلغ ابن مسعود رضي الله عنه أن عمرو بن عتبة في أصحاب له بنوا مسجداً بظهر الكوفة فأمر عبد الله بذلك المسجد فهدم، ثم بلغه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة يسبحون تسبيحاً معلوماً، ويهللون ويكبرون, قال: فلبس برنساً ثم انطلق فجلس إليهم، فلما عرف ما يقولون رفع البرنس عن رأسه ثم قال: أنا أبو عبد الرحمن. ثم قال: لقد فضلتم أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- علماً. أو لقد جئتم ببدعة ظلماً- فقال عمرو بن عتبة: نستغفر الله ثلاث مرات. ثم قال رجل من بني تميم: والله ما فضلنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً. ولا جئنا ببدعة ظلماً، ولكنا قوم نذكر ربنا، فقال: بلى، والذي نفس ابن مسعود بيده؛ لئن أخذتم آثار القوم لقد سبقتم سبقاً بعيداً- ولئن حرتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً.
اللهم أرنا الحق حقاً ورزقنا اتباعه. وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:31-32] .
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي