إن ترتيب المسلم أولوياته على أساس شرعي أمر مُهِمٌّ مُهِمٌّ؛ فبه يغنم، وبه يسلم بإذن الله، وبه يتضح الطريق، ويشرق الأمل، ويتضاءل الباطل والمنكر في طريقهما إلى الزوال، ويصعد الحق تدريجياً عليهما فيدمغهما ويزهقهما صاغرَيْن: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن من رحمة الله بعباده أن لم يكلفهم إلا بحدود قدرتهم واستطاعتهم: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة:286]، وعلى هذا الأساس فمسؤولية الأمير أكبر من مسؤولية الخفير، ومسؤولية الوالد أكبر من مسؤولية الولد، ومسؤولية العالِم أكبر من مسؤولية العامي، وهكذا...
يختلف حجم المسؤوليات باختلاف حجم القدرات والإمكانات والصلاحيات، وهذه القدرات والإمكانات لا يستطيع أحد إنكارها أو التنصل منها، فيقول: لا أستطيع. لا أقدر. لأن الله تعالى يعلَمُها في كل عبد من عباده حقَّ العلم والمعرفة، فلا سبيل إلى إنكارها؛ لكنه -كما ذكرت آنفاً- لا يكلف أحدا من عباده إلا بحسب تلك القدرة.
ومِنْ ثَمَّ كان تكليفُه للعباد فيه الرحمة والعدل والقسط، وقد جاء تكرار هذا النوع من التكليف العادل في أكثر من آية من آيات الكتاب، قال سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، وقال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال:60]، وقال تعالى: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) [البقرة:286]، فقال سبحانه: "قد فعلت". صَحَّ ذلك في مسلم. وقال سبحانه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا) [الطلاق:7]، وقال تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) [النور:61، الفتح:17].
فالله تعالى عدْل حكَم لا يظلم مثقال ذرة، وقدرة الإنسان لا تقف طوال الزمن عند حد واحد، فإن استطاعة الإنسان تختلف وتتفاوت بحسب قوته وماله وعلمه صعوداً ونزولاً عبر الزمن، بل حتى قدرة الأمة كلها لم تقف عند حد واحد طوال مراحلها.
فقلد كان المطلوب من الأمة بعد معركة بدر حين ارتفعت قدرتها أكثر منه قبلها، فمن قوله تعالى: (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ) [النساء:77] في مكة، إلى قوله تعالى (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [التوبة:41] في المدينة.
وكذلك ما هو مطلوب بعد غزوة الأحزاب ليس كما كان قبلها، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الأحزاب، كما صح في البخاري: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم".
وهكذا يتدرج التكليف بحسب الاستطاعة، يقول سبحانه: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [التوبة:91-93].
هؤلاء هم الذين يتحملون المسئولية، هؤلاء هم أصحاب القدرة، (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [التوبة:93].
هذه المقدمة في بيان فضل الله علينا أيها الإخوة، فضله علينا بعدله ورحمته هي من أجَلّ أن يراجع المسلم حقيقة مسؤولياته التي سوف يسأل عنها يقيناً يوم القيامة ويحاسب عليها، مسؤولياته التي لا تتعدى قدرته بل تدخل في إطار استطاعته، هذه المراجعة مهمة جداً؛ لأن صرف الوقت والجهد النفسي والبدني فيما لا طاقة للإنسان به مَضْيَعَةٌ للوقت والجهد، وغفلةٌ عمَّا هو ألزَم وأحرى من المسؤوليات والواجبات.
نعم، لا شك أنه ينبغي للمسلم أن يعتني بالمعرفة والأعمال بحسب حكمها الشرعي، عينية كانت واجبة أو كفائية أو مستحبة أو كمالية. ونفصل.
أما العينية الواجبة: فهي أولى ما يجب على المسلم معرفته، والعناية به، وإعطاؤه أفضل وقته، وجُل جهده؛ وهي التي لا يقوم الدين إلا بها من أصول عقيدته ودينه، فيسارع إلى استكمال معرفته به، كمعرفة أركان الإسلام الخمسة، ومعنى الشهادتين.
لا تستهينوا بهذه المعرفة، فكثيرٌ من المسلمين يجهل معظمها، وكثيرٌ منهم لا يؤدي الأركان الخمسة، وكمعرفة أركان الإيمان الستة: "أن تؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر خيره وشره"حق الإيمان، حق اليقين، ومعرفة أقسام التوحيد، وشروط صحته.
وكذلك معرفة نواقض الإسلام، كمن فعل السحر أو رضي به، وكمن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويستغيث بهم ويتوكل عليهم من دونه، هذا ناقض من نواقض الإسلام، وكمن لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو يصحح مذهبهم، ناقض من نواقض الإسلام، أو كمن ظاهر المشركين وأعانهم على المسلمين، ناقض من نواقض الإسلام.
وكمن استهزأ بشيء من دين الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ناقض من نواقض الإسلام، وكمن اعتقد أن غير هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل من هديه، وأن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حب الله ورسوله. طبعا هذه المعرفة المقصودة ليست كمعفرة من يريد تعليم الناس، بل معرفة عملية ذاتية تقي المسلم من الوقوع في الشِّرْك، وتحصنه من البداية.
معرفة أحكام الطهارة، لا معرفة تفصيلية تؤهله للفتوى، لا، وإنما على الوجه الذي تصبح معرفة طهارته على الأقل، ومعرفة أحكام الصلاة على الوجه الذي تصح به صلاته أيضاً، ومعرفة أحكام الصيام على الوجه الذي كذلك يصح به الصيام، وباقي الأركان.
وأيضا معرفة المحرمات من الأقوال والأفعال، ومن الأطعمة والألبسة، حتى يجتنبها، والمحرمات من الوظائف وطرق المكاسب، لاسيما أهل الأعمال التجارية؛ ولذلك صح في الترمذي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان ينهى على أن يبيع في السوق من لا يعرف أحكام المعاملات، فيقول: لا ندع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين. وغيرها من المحرمات.
وما شابه ذلك من المعارف الواجبة عيناً على كل مسلم، فينبغي أن يسارع إلى استكمال معرفته بها بالسؤال المسبق عنها، أو عند مباشرته لها، قبل أن يسارع إلى معرفة غيرها من المعارف والأعمال غير الواجبة، فهناك أولويات مقدمة على غيرها في حياة المسلم.
ثانيا: معرفة الأعمال الكفائية التي إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وإذا تركها الجميع أثموا، كصلاة الجنازة والكسوف والعيد، وكرد السلام والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتأهيل الطبيب المسلم والمهندس المسلم وغيرها من التخصصات التي تتطلبها الحياة الكريمة، التي تكفل مصالح العباد؛ وكإقامة صروح العلوم التقنية وبناء القوة العسكرية العظيمة التي بها تحمى الأمة، وبها يحترمها أعداؤها ويخافون منها، وما شابهها من الأمور.
وعند الكلام عن إثم الجميع في الأمور الكفائية إذا لم تفعل نعود ونذكِّر بمفهوم الاستطاعة الذي ذكرناه سابقا، وهو أن إثم الجميع مقيد بحدود الاستطاعة، ففي أمور الجهاد وبناء القوة -مثلا- فإن الأمراء وأولياء الأمور استطاعتهم أكبر، ومسؤوليتهم أعظم من عامة الناس في تحقيقها، فهي في الوضع الحالي من صميم مسؤولياتهم، بل هي مقصورة عليهم، وليس لعامة الناس إلا الطاعة.
فالجدار الذي يبنى لحصار غزة -مثلا- لا شك أن فيه ظلما لأهلها، وإعانة لأعدائها، لكن المسؤولية فيه لا تقع على عامة الناس؛ بل على فئتين منهم: مَن أمَر به ومَن نفَّذَه، ومن رضي به وأيده. أما مَن أنكر بلسانه أو بقلبه من عامة الناس أو أئمتهم بحسب استطاعته فقد أدى ما عليه، ثم يتولى الله نصر عباده المؤمنين ولو بعد حين، وكله من قدَر الله.
فقد حُصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أفضل الخلق وأحب الخلق إلى الله تعالى هو وأنصاره -صلى الله عليه وسلم- في الشِّعْب نحو ثلاث سنين حتى بلغهم الجهد، وسمع أصوات صبيانهم من البكاء من الجوع والمرض من وراء الشِّعب، وهو أفضل خَلق الله، حتى نظم في ذلك أبو طالب قصيدته اللامية المشهورة:
جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا *** عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلِ
الحاصل أنه إذا أجمع الناس على الامتناع عن الأمر الكفائي الذي يجب أن يقوم به بعض منهم على الأقل، فيستثنى من الإثم من بينهم من كان عاجزا شرعيا لسبب من الأسباب.
أما ما ينبغي على المسلم الانتباه له بعد ذلك فهي المعارف المستحبة المحمودة كالسنن والنوافل ومكارم الأخلاق، ثم تأتي المعارف والأمور الكمالية كفضول المال وفضول الكلام والطعام والملبس والزينة واللهو واللعب، تأتي هذه الأمور في حياة المسلم من حيث الأهمية بعد ذلك في آخر القائمة، وهي التي يمضي فيها أكثر المسلمين جُل أوقاتهم مع الأسف! اللهو واللعب وفضول الطعام والكلام والمال.
وينبغي للمسلم أن يكون واعياً وفطناً بما يدور حوله بحسب مقدرته على تتبع ما يدور، وما هو مهم، وحسب استيعابه للأخبار المهمة، دون إغفال ولا إهمال لباقي مشاغله الحياتية الضرورية، على أن لا تشغله التفاهات ولا الترهات عن هموم أمته.
صح في مسلم عن جرير ابن عبد الله قال: "بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم". فاقترن النصح بالمسلمين مع ركنين من أركان الإسلام: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بيعة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، والنصح لكل مسلم.
ولذلك ينبغي أن يكون المسلم متعاطفا مع إخوانه المسلمين، يدعو لهم ويبذل لهم ما استطاع من جهد ومال، ويحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم، هذا مما يقدر عليه بلا شك؛ لأن المشاعر لا قيود ولا حدود لها، ولهذا كانت أضعف الإيمان الذي ليس بعده من الإيمان حبة خردل، هكذا قال -صلى الله عليه وسلم- فيمن أنكر المنكر بقلبه، ومن جاهد أهل الباطل بقلبه، كما صح في مسلم، ومن جاهَدَهُم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
قال -صلى الله عليه وسلم- "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" [أي لا يسلمه للأعداء ويتركه لوحده بلا نصرة]، "مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربةً فرَّج الله عنه كربة من كُرب يوم القيامة، ومن ستر مسلم ستره الله يوم القيامة".
وفي السنن بسند صحيح قال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته[أي يمنع تلفه وخسرانه] ويحوطه من وراءه[أي يحفظه ويصونه] "
هذا هو الموقف الأمثل والأفضل، لكن قد يأتي على عامة المسلمين زمان كل ما يستطيعون عمله لنصرة إخوانهم هو مجرد الدعاء أو بذل المال فقط، ولقد جاء زمان من قبل كما في صلح الحديبية عندما أتى أبو جندل بن سهيل بن عمرو في قيوده فارَّاً من المشركين، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين بعد إتمام بنود الصلح مباشرة، فلم يكن بدٌّ من إعادته إليهم وفاءً بشروط وقتية، فيها من المصالح المستقبلية العظيمة للمسلمين ما يفوق تلك التضحية، واقتصر المسلمون على الدعاء له بالخلاص، حتى أنقذه الله. فحدود الاستطاعة يعلمها الراسخون في العلم، وببذلها يأمن المسلم من عقوبة الخيانة يوم القيامة والندامة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن ترتيب المسلم أولوياته على أساس شرعي أمر مُهِمٌّ مُهِمٌّ؛ فبه يغنم، وبه يسلم بإذن الله، وبه يتضح الطريق، ويشرق الأمل، ويتضاءل الباطل والمنكر في طريقهما إلى الزوال، ويصعد الحق تدريجياً عليهما فيدمغهما ويزهقهما صاغرَيْن: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء:18].
والمسلم عندما يطمع في رؤية الحق في أسرع وقت لا يلام، لشدة شوقه للحق، لكن تلك العجلة يهذبها العلم والإيمان، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لخبَّاب: "والله ليُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاءَ إلى حضرَموتَ لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه! ولكنكم تستعجلون".
وهنا تأتي أهمية الموضوع لصرف المسلم وقته وجهده بحسب استطاعته ومقدرته في إحقاق الحق، أو تمهيد الطريق لتحقيقه دون قفزات عمياء، ولا إهمال لأسباب النصر الشرعية والطبيعية.
أقول: أخي المسلم، تريد النصر؟ تريد إحقاق الحق؟ لا تبالغ في موقفك العاطفي، وانفعالاتك العاطفية؛ فتمضي وقتك في السب واللعن والتبرم والشتم وإنكار الواقع؛ بل ابدأ في تغيير الواقع تدريجيا: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]، ابدأ بالتغيير ولا تبالي بالزمن، اشتغل بتأهيل نفسك وزوجك وعيالك إيمانيا وعلمياً.
راجع أولوياتك التي سبق ذكرها، هل هي منضبطة أم لا؟ هل قدمت الأَوْلَى في حياتك على الأدنى؟ هل أشغلت نفسك ووقتك ومالك في سفاسف الأمور على حساب معاليها؟ هل حرصت على صلاة الفجر مع الجماعة في وقتها؟ هل طردت المنكرات من بيتك؟ هل أتقنت في عملك؟ هل توخيت الأمانة والصدق في شأنك كله؟ هل بحثت عن صحبة طيبة ومجالس طيبة؟.
إنها وغيرها تساؤلات مهمة تنتظر إجابة شفافة صريحة، فكر في إجابتها قبل أن تشغل نفسك في غيرها، والله المستعان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي