التوبة حبيبة إلى الله، والتائب حبيب الله، الله جل في علاه يحب التائبين ويفرح بهم، ألا نفرح بما يفرح الله به؟ ألا نحب ما يحبه الله؟ الله الذي خلقك وليس يبالي بك لو هلكت وابتعدت، وليس يبالي بك لو عذبك، ومع هذه هو في عُلُوِّه وجلاله وكبريائه وجبَروته وسعة ملكه رحيمٌ بك، يفرح بك إذا أقبلت عليه، ويحبك إذا أنبت إليه، فلماذا يكون الإعراض؟ ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
عباد الله: حُكي أن بِشْرًا الحافي-رحمه الله تعالى- كان في زمن لهوه في داره وعنده رفقاؤه يشربون ويطربون، فاجتاز بهم رجل من الصالحين فدق الباب، فخرجت إليه جارية، فقال: صاحب هذه الدار حر أو عبد. فقالت: بل حُرٌّ. فقال: صدقتِ! لو كان عبدا لاستعمل أدَب العبوديَّة، وترَكَ اللهو والطرب.
فسمع بشرٌ محاورتهما، فسارع إلى الباب حافيا حاسرا وقد ولَّى الرجل، فقال للجارية: ويحك! مَن كلَّمَكِ على الباب فأخبرتِه بما جرى؟ أي ناحية أخذ الرجل؟ فقالت: كذا، فتبعه بشر حتى لحقه. فقال له: يا سيدي، أنت الذي وقفت بالباب وخاطبت الجارية؟ قال: نعم. قال: أعد عليَّ الكلام. فأعاده عليه، فمرَّغَ بِشْر خديه على الأرض، وقال: بل عبد، عبد...
ثم هام على وجهه حافيا حاسرا حتى عرف بالحفاء؛ فقيل له: لم لا تلبس نعلا؟ قال: لأني ما صالحني مولاي إلا وأنا حافٍ، فلا أزول عن هذه الحالة حتى الممات، هذا الرجل الذي صلح بصلاحه أهل بيته، وارتقى في صلاحه، حتى كان الإمام أحمد يصف بيتَه وأهلَ بيته بأنهم أهل الورع الصحيح الصافي.
جاء في بعض التراجم: أن أخت بشر الحافي جاءت للإمام أحمد بن حنبل فقالت له: إن مشاعيل الولاة تمر بنا ونحن على سطوحنا، أفيحلُّ لنا أن نغزل في شعاعها؟ فقال: مَن أنتِ -رحمك الله-؟! فقالت: أخت بشر الحافي. فقال: صدقتِ، من بيتكم يخرج الورع الصافي، أو قال الصادق. لا تغزلي في شعاعها.
عباد الله: التوبة حبيبة إلى الله، والتائب حبيب الله، الله جل في علاه يحب التائبين ويفرح بهم، ألا نفرح بما يفرح الله به؟ ألا نحب ما يحبه الله؟ الله الذي خلقك وليس يبالي بك لو هلكت وابتعدت، وليس يبالي بك لو عذبك، ومع هذه هو في عُلُوِّه وجلاله وكبريائه وجبَروته وسعة ملكه رحيمٌ بك، يفرح بك إذا أقبلت عليه، ويحبك إذا أنبت إليه، فلماذا يكون الإعراض؟.
اسمع إلى خبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى وهو يخبر عن سيده ومولاه يخبر عن ربه جل في علاه: فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، من رَجُلٍ في أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، معه رَاحِلَتُهُ عليها طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وقد ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حتى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قال: أَرْجِعُ إلى مَكَانِيَ الذي كنت فيه فَأَنَامُ حتى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ على سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ، وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ من هذا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ».متفق عليه. وفي رواية لمسلم من حديث أنس -رضي الله عنه- نحوه، وفيه: "فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قال من شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهم أنت عَبْدِي، وأنا رَبُّكَ، أَخْطَأَ من شِدَّةِ الْفَرَحِ".
التوبة ليست صفة المجرمين فحسب، ليست صفة الظالمين فحسب، التوبة من صفات الأنبياء عليهم السلام. قال الرازي -رحمه الله-: واعلم أن الأنبياء عليهم السلام كلَّهم طلبوا المغفرة، أما آدم -عليه السلام- فقال: (وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، وأما نوح -عليه السلام- فقال: (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِى) [هود:47]، وأما إبراهيم -عليه السلام- فقال: (وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدِينِ) [الشعراء:82]، وطلبها لأبيه: (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي) [مريم:47]، وأما يوسف -عليه السلام- فقال في إخوته: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ) [يوسف:92]، وأما موسى -عليه السلام- فقال: (رَبّ اغْفِرْ لِى وَلأَخِي) [الأعراف:151]، وأما داود -عليه السلام-: ( فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) [ص:24]، أما سليمان -عليه السلام-: (رَبّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً) [ص:35]، وأما عيسى -عليه السلام-: (وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118].
وأما محمد -صلى الله عليه وسلم- فقيل له: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19]، وأما الأمَّة فقوله: (وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا) [الحشر:10]. وعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "والله إني لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إليه في الْيَوْمِ أَكْثَرَ من سَبْعِينَ مَرَّةً" رواه البخاري. وعن الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أَيُّهَا الناس تُوبُوا إلى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ في الْيَوْمِ إليه مِائَةَ مَرَّةٍ" رواه مسلم. وفي لفظ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنه لَيُغَانُ على قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ" رواه مسلم.
التوبة -يا عباد الله- هي أحسن ما يستقبل به هذا الشهر الكريم، التوبة الصادقة من جميع الذنوب، التوبة التي تمحو كل ذنب صغير وكبير.
عباد الله: لقد مثَّل عالِمُ الصحابة -رضي الله عنهم- عبدُ الله بن مسعود -رضي الله عنه- حال المؤمن الصادق مع ذنوبه وخطاياه بمثال ينبغي الوقوف عنده، فقال الْحَارِثُ بن سُوَيْدٍ: إن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قال: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عليه"، هذا حال المؤمن مع ذنوبه فهو يخاف منها؛ فلذلك يكثر من التوبة والاستغفار، وأما ضعيف الإيمان فماذا يقول عنه ابن مسعود -رضي الله عنه-؟ يقول في تتمة الخبر السابق: "وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ على أَنْفِهِ فقال بِهِ هَكَذَا، قال أبو شِهَابٍ (أحد الرواة) بيده فَوْقَ أَنْفِهِ" رواه البخاري.
وقال أنس -رضي الله عنه-: «إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشَّعْر إنْ كُنَّا لَنَعُدُّها على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- من الموبِقات" رواه البخاري.
عباد الله: يقول الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، ويقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً) [التحريم:8].
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: واتَّفَقُوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبةٌ، وأنها واجبة على الفور، ولا يجوز تأخيرها، سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة. اهـ.
فالواجب عليك -أيها الأخ الحبيب- أن تبادر في أيام رمضان هذه بالإقبال على الله تعالى، وتقلع إقلاعا عامًّا عن جميع الذنوب، فهذه فرصة العمر، وما يدريك؟ لعلها لا تتكرر مرة أخرى! فالتوبةَ التوبةَ يا عباد الله! والأوبةَ الأوبةَ إلى الله في هذا الشهر الكريم الذي تُقْبِلُ النفوسُ فيه على الله تعالى...
تُب إلى الله تعالى من كل شِركٍ أكبرَ أو أصغرَ يخالط عملك، تُب إلى الله تعالى مِن التفريط في الصلواتِ كلِّها أو في صلاة الفجر خاصة أو العصر، وعاهِدْ ربَّكَ أن لا تدعها من اليوم.
تُب إلى الله تعالى من عقوق والديك والتفريط في حقهما والإعراض عنهما، وأقبِلْ عليهما في هذا الشهر، واسمع كلامهما ونصحهما لك.
تُب إلى الله تعالى من تقصيرك في تربية أولادك على الخير والفضيلة وتركهم لإغواء الشيطان بلا حسيب ولا رقيب.
تُب إلى الله تعالى من الكذب والخيانة، تُب إلى الله تعالى من أكل المال بالباطل بالربا والرشوة والاحتيال على الناس والغش والتدليس.
تُب إلى الله تعالى من الغِيبة والبهتان، تُب إلى الله تعالى مِن سماع الغيبة والإفك والكذب والرضا بها، تُب إلى الله تعالى من سماع الغناء مزمارِ الشيطان في شهر القرآن.
تُب إلى الله تعالى مِن متابعة الأفلام الهابطة، والمسلسلات المحرمة التي تشتمل على الباطل والفساد، تُب إلى الله تعالى من الدشوش المنتشرة على سطح منزلك واستراحتك تنشر الفساد، وتروِّج للباطل، وتفسد أخلاق أسرتك وعقائدَهم.
تُب إلى الله تعالى من التردد على مقاهي الشيشة وشُرب الدخان، تُب إلى الله تعالى من التردد على مقاهي الإنترنت لمشاهدة المحرمات، والمشاركة في المحادثات المحرمة.
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك في هذه الساعة من كل ذنب وخطيئة، فتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم تب على التائبين، واغفر ذنوب المذنبين، برحمتك يا أرحم الراحمين. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًّا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: عباد الله: إنَّ للتوبة فضائلَ كثيرةً، منها محبة الله للتائبين، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222].
ومنها مغفرته لسيئاتهم، وتكفيره لخطاياهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التحريم:8].
ومنها: أن الله تعالى -من رحمته بعباده- يفرح بتوبة عبده، كما تقدم في الحديث.
عباد الله: على العبد إذا تاب أن يستكثر من الطاعات وذكرِ الله تعالى، وأن يدعوَ الله أن يثبته على التوبة، ويقبلها منه، وعليه مجانبة كلِّ ما يدعوه إلى معاودة الذنب مِن صاحبٍ، أو حَيٍّ، أو بلد، ومما يشهد لهذا المعنى مِن النصوص ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة (قاتلِ المئةِ) الذي تاب، فقال له العالِمُ: "انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله، فأعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء" رواه مسلم.
عباد الله: المرء محتاج إلى التوبة دائماً؛ لأنه لا يخلو أحد من تقصيرٍ بحَقِّ الله تعالى، كما يُروَى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوّابون" رواه ابن ماجة والترمذي واستغربه.
وليست التوبة خاصة بزمن من الأزمان، ولا بحال من الأحوال ، فليست خاصة بكبار السن، ولا بالشباب، ولا بأصحاب الموبِقات فحسب، بل هي واجبة على جميع الناس، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ)، وهذا أمرٌ عام لجميع الناس، ثم أكَّده الله -جل وعلا- بقوله: (جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، والمرء لا يخلو من تقصير بحق الله تعالى، والتوبة قرينة الفلاح، كما قال تعالى: (لعلكم تفلحون).
وزمنُها جميعُ حياة ابن آدم، كلَّما قارف ذنباً أو قصَّر في واجب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغِر" رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" رواه مسلم.
قال تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) [النساء:18]، عبد الله: ما الذي يصُدّك عن التوبة؟ ما الذي يمنعك من القرب من ربك؟.
عبد الله: احذر من أمور تثبطك عن التوبة:
أولها: الاعتماد على رحمة الله تعالى، وعفوه مع الغفلة من عقابه، كقول كثير من المذنبين: الله غفور رحيم، ولم يتدبروا قول الله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ) [الحجر:49-50].
وثانيها: التسويف، وطول الأمل، وتأجيل التوبة إلى حين الكِبَر.
وثالثها: الانهماكُ في مُتَعِ الحياة الدنيا، والغفلةُ عن الآخرة، ونسيانُ الموت، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "أكْثِرُوا ذكرَ هاذم اللذات" رواه الترمذي وحسَّنه، وابن ماجة، وهاذم اللذات:الموت، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "زوروا القبور؛ فإنها تذكّر الموت" رواه مسلم.
ورابعها: الاغترارُ بالحسنات التي يفعلها العبد، ونسيان الذنوب، فيقول -مُعجَباً بعمله-: أنا أفعل كذا، وأنا أقوم بكذا، غير متدبر لقول الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات:17].
وخامسها: مصاحبة المنهمكين في الذنوب، ولو لم يكن فيها مِن المفاسد إلا أنهم يهوّنون الذنب بقولهم وفعلهم، ويثبّطون عن التوبة.
وسادسها: ظنّ المسرف على نفسه أن الله لا يقبل توبته، وأنه لابد وأن يعذبه، وهذا من تسويل الشيطان للمسكين، وهو قُنوط من رحمة أرحم الراحمين، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي