وصاحب هذا القلب -وإن تقلب بين الناس حياً- فهو في عداد الموتى، تمر عليه الآيات والزواجر، ويبصر في الكون وفي ذات نفسه من آلاء الله ما يهز القلوب الحية، وتتصدع له الجبال الرواسي، ولكنها لا تحرك فيه ساكناً، لا تؤثر فيه موعظة الموت، وإن شيع أكثر من جنازة، بل ربما حمل الجنازة بنفسه، وواراها بالتراب، ولم تتحرك منه عبرة أو تنزل له دمعة، ولربما سار بين القبور كسيره بين الأحجار؟
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له.. وأشهد أن لا إله إلا الله…
أيها المسلمون: التقوى وصية الله للأولين والآخرين، وهي سبب النجاة والفلاح في الدارين: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: من الآية2-3].
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) [الطلاق: من الآية5].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:35].
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم آت نفوسنا تقواها، اللهم زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
عباد الله: فرق كبير بين الغفلة واللهو وقسوة القلب وبين اليقظة ورقة القلب وخشوعه وإنابته إلى الله وتبلغ قسوة القلب عند بعض الناس إلى درجة ينقلب فيها القلب إلى حجر صلد، لا يترشح منه شيء، ولا يتأثر بشيء، كما قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة) [البقرة: من الآية74].
وصاحب هذا القلب -وإن تقلب بين الناس حياً- فهو في عداد الموتى، تمر عليه الآيات والزواجر، ويبصر في الكون وفي ذات نفسه من آلاء الله ما يهز القلوب الحية، وتتصدع له الجبال الرواسي، ولكنها لا تحرك فيه ساكناً، لا تؤثر فيه موعظة الموت، وإن شيع أكثر من جنازة، بل ربما حمل الجنازة بنفسه، وواراها بالتراب، ولم تتحرك منه عبرة أو تنزل له دمعة، ولربما سار بين القبور كسيره بين الأحجار؟
ولو قدر له أن يناجي أهل القبور قائلاً: ماذا عندكم؟ وما هي أمانيكم؟ لقالوا: تركنا كل شيء، ولم نحزن على شيء من الدنيا، سوى ساعة مرت بنا لم نعمل بها صالحاً، وما من حسرة هي أشد علينا من لحظة عصينا الله وبارزناه بالمعاصي إن سراً أو جهراً.. ولكنا نرجو رحمة الله فأنفسنا رهينة بما كسبت، ولو خرجنا إلى الدنيا لرأيتم كيف نعمل للآخرة، ولكن هيهات، وحق على الأحياء أن يتعظوا بالأموات، لقد تزوجت نساؤنا، وقسم ميراثنا.. وما بقي لنا أنيس في ظلمة القبر سوى أعمالنا الصالحة.. وكم تمنينا أن بيننا وبين ما عملنا من سوء أمداً بعيداً.. وحق على الأحياء أن يستدركوا ما فات الموتى؟
ترى أي قسوة للقلب تجعل صاحبها غافلاً لاهياً عما خلق له، منهمكاً في جمع ما ليس له، يعلق قلبه بغير خالقه، ويخشى فوات ما هو مقدور له ويزهد في عمل هو سر سعادته وأنسه – ألا إن قسوة القلب وغفلته عقوبة معجلة له، والويل له إن لم يتدارك نفسه (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر: من الآية22].
قال مالك بن دينار: "ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم".
أيها المسلمون: أما أهل الإيمان وأصحاب القلوب الحية الخاشعة فأولئك الذين أنعم الله عليهم وشرح صدورهم، وهم على نور من ربهم، كما قال تعالى: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) [الزمر: من الآية22].
ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قلنا يا رسول الله: كيف انشراح الصدر؟ قال: "إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح"، قلنا: يا رسول الله: وما علامة ذلك؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله".
وفي الحديث الآخر من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رجلاً قال: "يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال: "أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع" قالوا: فما آية ذلك؟." فذكر الخصال الثلاث.
قال القرطبي -معلقاً على الخصال التي بها يستحصل على انشراح الصدر-: ولا شك أن من كانت فيه هذه الخصال فهو الكامل الإيمان، فإن الإنابة إنما هي أعمال البر، لأن دار الخلود إنما وضعت جزاء لأعمال البر.. فإذا جد العبد في أعمال البر فهو إنابته إلى دار الخلود، وإذا خمد حرصه عن الدنيا ولها عن طلبها وأقبل على ما نعنيه منها فاكتفى به وقنع فقد تجافى عن دار الغرور، وإذا أحكم أموره بالتقوى، فكان ناظراً في كل أمر واقفاً متأدباً متثبتاً حذراً، يتورع عما يريبه إلى ما لا يريبه فقد استعد للموت، فهذه علامتهم في الظاهر.
عباد الله: إذا كان للقسوة مظاهرها وآثارها على أصحابها، فللرقة والخشوع آثارها، فهي من علائم الإيمان. وسيما أولي الألباب (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) [الرعد: من الآية 19-21].
وهي أمارة العلم: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [فاطر: من الآية28].
(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّد * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) [الاسراء: من الآية 107-109].
وبالخشية والخشوع والرقة تتحات الخطايا وقد ورد "إذا اقشعر جلد المؤمن من مخافة الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة البالية ورقها".
وبه يحرمه الله على النار، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أقشعر جلد عبدٍ من خشية الله إلا حرمه الله على النار".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع…" الحديث.
وبالخشية والبكاء الصادق أمان – بإذن الله من عذاب يوم القيامة قال عليه الصلاة والسلام: "من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذبه الله تعالى يوم القيامة".
والخاشع الباكي خالياً لذكر الله أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. "ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".
وما من شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين، قطرة من دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران، فأثر في سبيل الله، وأثر فريضة من فرائض الله.
ومن آثار الخشية والرقة والخشوع قبول الدعاء، ذلكم لأن قلب الخاشع هنا حاضر مع الله مستشعر عظمته وضعف نفسه، عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء رضي الله عنه قالت: إنما الوجل في قلب الرجل كاحتراق السعفة أما تجد إلا قشعريرة؟ قلت: بلى، قالت: فادع فإن الدعاء عند ذلك مستجاب. وكان أحدهم يعلم استجابة دعوته من وجل قلبه ودموع عينيه.
وعن ثابت البناني قال قال لي فلان: إني لأعلم متى يستجاب لي، قالوا: ومن أين تعلم ذلك؟ قال: إذا اقشعر جلدي، ووجل قلبي وفاضت عيناي فذلك حين يستجاب لي.
إخوة الإيمان: ما أحوجنا إلى طول الخشية والرقة والبكاء في الدنيا.. حتى نأمن ونفرح بلقاء الله، يوم التلاق.
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً فقال: "إني أرى ما لا ترون وأسمع مالا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله..".
وفي صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين.
عباد الله يا من تبحثون عن النجاة: تأملوا في أنفسكم وابكوا على خطاياكم، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله: ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: من الآية 57-61]. نفعني الله وإياكم.
الحمد لله رب العالمين وعد من خافه جنتين، وتوعد من عصاه ناراً وسموماً وظلا من يحموم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يمثل ولا يهمل، وإذا أخذ الظالم لم يفلته، (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [ابراهيم:42].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، كان يسمع لصدره – إذا صلى – أزير كأزيز الرحى، أو كأزير المرجل من البكاء.. اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين.
عباد الله: هناك أمور وأسباب تدعو للرقة والبكاء ومنها: مسح رأس اليتامى، وإطعام المساكين.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال: "امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين".
وزيارة القبور ترقق القلوب، كما قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه : "زر القبور تذكر بها الآخرة، واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو عظة بليغة، وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله يوم القيامة".
وقراءة القرآن قراءة متدبرة تخشع لها القلوب، وتلين لها الجلود وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر:23].
ومن دواعي البكاء والخشية لله استشعار العبد منة الله عليه لخير أصابه، فشكر الله عليه ولم يتمالك عينيه من البكاء، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن"، قال أبي: الله سماني لك؟ قال: "الله سماك" فجعل أبي يبكي.
وفي رواية للبخاري أيضاً: قال أبي: الله سماني لك؟ قال: نعم قال: وذكرت عند رب العالمين؟ قال: "نعم"، فذرفت عيناه ..
ومما يرقق القلب ويبعد وحشته ويخفف قسوته مجالسة العلماء ومصاحبة الأخيار، فهؤلاء يذكرون الآخرة، قال الحسن البصري يرحمه الله: إخواننا أغلى عندنا من أهلينا، فأهلونا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا بالآخرة".
ومما يرقق القلب تعاهده بالإيمان إذا ضعف، والمبادرة إلى عمل الحسنة بعد السيئة حتى تمحو أثرها، وقد ورد ما يفيد تقلب القلب وأن الله يقلبه كيف شاء، وورد أيضاً في حديث صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مشبهاً للقلب بضوء القمر: "ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء".
وإذا كان هذا شأن القمر، فقلب المؤمن تعتريه أحياناً سحب مظلمة من المعصية فيحجب نوره، فيبقى صاحبه في ظلمة ووحشة، فإذا سعى لزيادة إيمانه واستعان بالله في عمل الصالحات انقشعت تلك السحب وعاد نور قلبه يضيء كما كان.
ولهذا قال بعض السلف: من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه، وما ينقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه أو ينقص؟ وإن من فقه الرجل أن يعلم نزعات الشيطان أنى تأتيه؟.
أيها المسلمون: مستحيل أن يسلم العبد من الذنوب والأخطاء، ولو شاء الله ذلك لجعل في الأرض ملائكة مقربين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، بل اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الخليفة في الأرض بشراً يحقق العبودية لله في أرضه، يذنب فيستغفر ويخطئ فيتوب، ويذكر الله إذا نسي، ولقد نسي أبو البشر آدم ما عهد إليه ربه، وأزله وزوجه الشيطان فأخرجهما مما كانا فيه، وأهبط إلى الأرض فكانت مستقراً لهما ولذريتهما، واستمر الشيطان يوسوس لهم ويزين، ولم تقتصر وسوسة الشيطان على الفجار والمجرمين بل شملت المتقين، ولكن ميزة هؤلاء أنهم يتذكرون ويستغفرون فيبصرون (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [لأعراف:201].
وهذا يعني أن الإنسان لا يمكن أن يستمر طيلة حياته على الرقة والخشوع والبكاء إذ هو إنس مفتون مبتلى في هذه الحياة، وحسبه أن يجاهد نفسه على الثبات على دين الله، وتجديد التوبة وكثرة الاستغفار، وألا يصر على كبيرة ولا يستخف بصغيرة، وعليه أن يتذكر إذا ذكر.
يقول عليه الصلاة والسلام: "ما من عبدٍ مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتناً، تواباً، نسياً، إذا ذكر ذكر".
يقال هذا حتى لا ييأس قساة القلوب من رقتها إذا تعاهدوا أنفسهم، وجاهدوا أهواءهم وشياطين الجن، وإخوانهم الذين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، وحتى لا يقنط المسرفون على أنفسهم بالمعاصي من رحمة الله، فالله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب إليه واسترجع، ويقال ذلك حتى لا يداخل نفوس الخيرين العجب بأعمالهم، ولذا قال ابن القيم رحمه الله: "فلولا تقدير الذنب هلك ابن آدم من العجب" وقال ابن الجوزي: "إن النفس لو دامت لها اليقظة لوقعت فما هو شر من فوت ما فاتها وهو العجب بحالها والاحتقار لجنسها..".
عباد الله: إن تغييب الخاتمة عن الإنسان سر عجيب، وفيه حكمة بالغة وتدبير لطيف لأنه لو علم وكان ناجياً أعجب وكسل، وإن كان هالكاً ازداد عتواً فحجب عنه.
عباد الله: وإذا كان الفرق كبيراً بين أهل ايقظة وأهل الغفلة فأهل اليقظة أنفسهم متفاوتون في سيرهم إلى الله، يقول الشيخ السعدي يرحمه الله: "سبحان من فاوت بين أهل اليقظة في قوة السير وضعفه، وفي استغراق جميع الأوقات في العبادة وعدمه، منهم من يكون سيره مستقيماً في ليله ونهاره، ومع ذلك يتخير من الأعمال أفضلها وأكملها، ولا ينزل من فاضلها إلى مفضولها إلا لمصلحة تقترن بالمفضول توجب أن يساوي العمل الفاضل، ويزيد عليه وقد يكون المباح في حق هذا عبادة لكمال إخلاصه، ونيته بذلك المباح أ، يجم به نفسه ويتقوى به على الخير، فتراه ينتقل في مقامات العبودية في كل وقت بما يناسبه ويليق به، لا فرق عنده بين العبادة المتعلقة بحقوق الهه المحضة، وبين العبادة المتعلقة بحقوق الخلق على اختلاف مراتبهم وأحوالهم..".
هذا فضل من الله يؤتيه من يشاء.. اللهم لا تحرمنا فضلك، واسلك بنا سبيلك، وأعنا على أنفسنا ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. هذا وصلوا ..
أيها المسلم: احرص على أن يكون سيرك إلى الله حثيثاً، وأن تكون عبادته لله على بصيرة وحاذر من الأهواء والبدع.. فشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ومن عبدالله بما لم يشرعه الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مردود عليه سواء في رجب أو شعبان أو سواهما من الأيام والشهور والأعوام، وليس لما يعتقده بعض الناس من ميزة للعبادة في رجب أصل في شريعة الله، "ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" كذا قال صلى الله عليه وسلم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي