العيد الحقيقي هو العودة إلى الله تعالى، والى سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، العيد لمن أقام في بيته منهج القران، ولمن أنار بيته بالأذكار الحسان، العيد يعني أن تصل من قطعك، العيد أن تعطي من منعك، العيد أن تعفو عمن ظلمك، العيد أن تُخرج البغضاء من قلبك، العيد أن تُدخل الطمأنينة في قلوب المسلمين، العيد أن تترك الخلافات، وتعمل على توحيد الكلمة ..
اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر. لا إله إلا لله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كلما غدا نجم وراح، الله أكبر كلما أشرق صبح ولاح، الله أكبر كلما ذكره الذاكرون، الله أكبر كلما سجد له الساجدون، الله أكبر كلما تعاقب الليل والنهار، الله أكبر كلما غرد قمري وطار، الله أكبر عدد قطر الأمطار، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
أما بعد: تقبل الله طاعتكم، وكل عام وأنتم بخير، نسأل الله تبارك وتعالى أن يهل هلال هذا العيد علينا وعلى المسلمين بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجعل هذا العيد بشير خير وبركة على الأمة الإسلامية، وأن يجعله نذير وبال وحسرة على أعداء هذه الأمة.
ونحن نعيش في صباح عيد الفطر المبارك، تعال -أيها المسلم الحبيب- لنقف وقفات مع العيد، ونسال الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بها:
الوقفة الأولى: مَن المقبول منا؟ ها نحن ودعنا رمضان المبارك، ها نحن ودعنا شهر القرآن والصيام والقيام، والرحمات والبركات والغفران والعتق من النار، لقد انقضى رمضان وانصرمت أيامه ولياليه، وربح فيه الرابحون وخسر فيه الخاسرون، فهنيئاً لمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً، ويا خيبة من ليس له من صومه إلا الجوع والعطش، وليس له من قيامه إلا السهر والتعب! وتعسا لكل من أفطر في نهار رمضان وجاهر بإفطاره! وهنيئا للصائمين القائمين المقبولين! وجبر الله كسر المحرومين، وخفف مصاب المغبونين.
كان الإمام علي -رضي الله عنه- ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري! مَن هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟ وكان سيدنا ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: مَن هذا المقبول منا فنهنيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك. ونحن نقول كذلك: يا ترى، مَن المقبول منا فنهنيه، ومن المردود فنعزيه؟.
أيها المقبول: هنيئا لك؛ فافرح بعفو الله واسعد بالعيد فهو عيدك. ويا أيها المردود: جبر الله مصيبتك؛ فأنت أحق الناس بالعزاء.
هذا سيدنا عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- وقف خطيبًا في يوم عيد الفطر فقال: أيها الناس: إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً، وقمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم. فأسال الله أن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا، وأن يغفر ذنوبنا و زلاتنا.
الوقفة الثانية: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا) [النحل:92]، نحن نعيش في أول يوم من شوال، ولابد على كل مسلم أن يسال نفسه، ماذا استفاد من رمضان؟ هل حقق التقوى، هل تخرج من مدرسة رمضان بشهادة المتقين؟! هل سيبقى محافظا على مجاهدة نفسه وشهواته وملذاته، أم ستهزمه العادات والتقاليد السيئة؟ هل سيبقى من أهل المساجد ومن أهل القران، أم انه سيعود كما عادت ريمة إلى عادتها القديمة؟.
في هذا الشهر العظيم أَرَيْنا الله -عز وجل- من أنفسنا استقامة, وتلاوة للقرآن العظيم, ومحافظة على الجمعة والجماعات, أَرَيْناه كثيراً من القربات والطاعات، بعد ترك المعاصي والسيئات, فإذا كنت كذلك فعليك أن تستقيم على ذلك، وإياك أن تكون كالمرأة الحمقاء التي تغزل، وبعد غزلها تنقض غزلها, كما قال تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) [النحل:92].
فإياك أن تُعرض بعد إقبال! وإياك أن تعصي بعد طاعة! وإياك أن تهجر بيوت الله بعد صلتها! وإياك أن تهجر القرآن بعد تلاوة! إياك من نقض العهد بعد أخذ العهد عليك! العبادة لله -عز وجل- ليست موسميَّة, العبادة لله -عز وجل- يجب أن تكون مستمرَّة حتى الموت, قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين) [الحجر:99], وقال مخاطباً سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ) [هود:112].
فإياك أن تعود إلى ما كنت عليه قبل شهر رمضان! لا تترك صلاة الجمعة والجماعة بعد شهر رمضان, ولا تترك مجالس الذكر والطاعة بعد شهر رمضان, ولا تترك تلاوة القرآن بعد شهر رمضان, ولا ترجع إلى مخالطة النساء بعد شهر رمضان, ولا ترجع إلى لقمة الحرام بعد شهر رمضان, ولا ترجع إلى قرناء السوء بعد شهر رمضان.
فاللهَ اللهَ بالاستقامة والثبات على طاعة الله في كل حين! فلا تدري متى يلقاك ملك الموت، فاحذر أن يأتيك وأنت على معصية، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
الوقفة الثالثة: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103].
أخي المسلم: العيد الحقيقي هو العودة إلى الله تعالى، والى سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، العيد لمن أقام في بيته منهج القران، ولمن أنار بيته بالأذكار الحسان، العيد يعني أن تصل من قطعك، العيد أن تعطي من منعك، العيد أن تعفو عمن ظلمك، العيد أن تُخرج البغضاء من قلبك، العيد أن تُدخل الطمأنينة في قلوب المسلمين، العيد أن تترك الخلافات، وتعمل على توحيد الكلمة.
يقول صاحب كتاب (هكذا علمتني الحياة): والله لو كبرت قلوب المسلمين كما كبرت ألسنتهم، لغيروا وجه التاريخ، ولو اجتمعوا دائما كما يجتمعون لصلاة العيد لهزموا جحافل الأعداء، ولو تصافحت قلوبهم كما تتصافح أيديهم لقضوا على عوامل الفرقة، ولو تبسمت أرواحهم كما تبسمت شفاههم لكانوا مع أهل السماء، ولو لبسوا أكمل الأخلاق كما يلبسون افخر الثياب لكانوا أجمل أمة على الأرض. اهـ.
فهذه دعوة لكل المتخاصمين في صباح العيد إلى أن تتصافح قلوبهم كما تتصافح أيديهم، رَوَى ابن السني والطبراني عَنْ أنس -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمٍ؟" قَالُوا: مَنْ أَبُو ضَمْضَمٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: "كَانَ إذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللهُمَّ إنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي وَعِرْضِي لَكَ؛ فَلا يُشْتَم مَنْ شَتَمَهُ، وَلا يُظْلَم مَنْ ظَلَمَهُ، وَلا يُضْرَبُ مَنْ ضَرَبَهُ".
نحن في هذا اليوم جدير بنا أن نمد أيدينا بالمصافحة، وألسنتنا بالكلام الطيب، وقلوبنا بغسلها من الأضغان والأحقاد والشحناء والبغضاء؛ فيجب اليوم أن تتواصل أرحامنا، وتتقارب قلوبنا، هذا هو جوهر العيد في الإسلام.
الوقفة الرابعة: العودة إلى تعاليم الإسلام: وهو أن تترك السير وراء العادات والتقاليد الفاسدة التي اعتاد عليها الناس، ونسير خلف تعاليم الإسلام.
ومن هذه العادات السيئة:
1 مصافحة الرجال للنساء يوم العيد، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لا أصافح النساء" رواه البخاري، فنجد الكثير من الناس -وخاصة أيام الأعياد- يتساهل في هذا، فصارت مصافحة بنت العم وبنت العمة وبنت الخال وبنت الخالة وزوجة الأخ وزوجة العم وزوجة الخال أسهل في مجتمعنا من شرب الماء، ولو نظروا بعين البصيرة في خطورة الأمر شرعا ما فعلوا ذلك.
فعن مَعْقِلَ بن يَسَارٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لِأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ" رواه الطبراني.
ولا شك أن مصافحة المرأة الأجنبية من زنا اليد، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "العينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، والفرج يزني" رواه الإمام أحمد. فلْيحذر المسلم من هذا، وليخش عيب الآخرة قبل عيب الدنيا.
2 خروج النساء أثناء زيارة الأقارب وهن كاشفات لزينتهن المأمورات شرعا بتغطيتها، ووضع الطيب والعطور، وهذا مما فشا في عصرنا، رغم التحذير الشديد من النبي -صلى الله عليه وسلم- فعَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ رَوْحٌ، قَالَ سَمِعْتُ غُنَيْمًا، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ" رواه أحمد.
وفي الختام: ينبغي عليك أخي المسلم أن تحرص على أعمال البر والخير، وأن تكون يوم العيد بين الخوف والرجاء، تخاف عدم القبول، وترجو من الله القبول.
ونتذكر يوم عيدنا يوم الوقوف بين يدي الله -عز وجل-، فمنا السعيد ومنا غير ذلك. مر وهيب بن الرود على أقوام يلهون ويلعبون في يوم العيد فقال لهم: عجبا لكم! إن كان الله قد تقبل صيامكم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان الله لم يتقبل فما هذا فعل الخائفين. فكيف لو رأى ما يفعله أهل زماننا من اللهو والإعراض، بل مبارزة الله بالمعاصي يوم العيد؟!.
أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الأعمال، وأن يجعل عيدنا سعيدًا، وأن يعيد علينا رمضان أعواماً عديدة، ونحن في حال أحسن من حالنا، وقد صلحت أحوالنا، وعزّت أمتنا، وعادت إلى ربها عودة صادقة. اللهم آمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي