معين العطاء لن ينضَب

أسامة بن عبدالله خياط
عناصر الخطبة
  1. حرص المؤمن على استباق الخيرات .
  2. تعدد طرق الخير .
  3. منة الله على بلاد الحرمين .
  4. الحملة الشعواء على الأعمال الخيرية .
  5. الجواب عن تهم المبطلين .
  6. الحرص على وضع الأموال الخيرية في موضعها . .
اهداف الخطبة
  1. تفنيد الحملات الشعواء التي تشن على الأعمال الخيرية في بلاد الحرمين .

اقتباس

إن من المفارقات الواضحة الفاضحة أن تُجْبَى الأموالُ من المخدوعين باسم الإنسانية، وتعامَل في قانون الضرائب باعتبارها إنفاقاً خيرياً، ثم توجَّه لشدّ أزر العدوان وإطالة أمدِ الطغيان الذي يشهده القاصي والداني كلَّ يوم على أرض فلسطين مثلاً، في صورٍ تُدمي القلوب، وتهُزّ الأفئدة، وتتفطَّر لها الأكباد.

أما بعد:

فيا عباد الله، اتقوا الله فإن التقوى سبيل الأيقاظ، ونهجُ أولي النهى وطريق أولي الأبصار، فيه الأمانة من العِثار، والفوز بالجنة والنجاةُ من النار.

أيها المسلمون، إن من كريم سجايا المؤمن وجميل خلاله كمالَ الحرص على استباق الخيرات، لا يقعُد به عنها زخرفُ الحياة الدنيا وزينتُها، ولا تصدُّه عنها المصاعب والمشاق، وكيف لا يكون حاله كذلك؟! وهو يتلو كتاب ربه بالغداة والعشي، فيجد فيه قولَه سبحانه: (وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْراتِ) [البقرة:148]، ويجد فيه قولَه عز وجل: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل:20]، ويجد فيه قولَه عز وجل: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [الزلزلة:7]، وينظر في سنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، فيقرأ فيها قولَه صلوات الله وسلامه عليه: "اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة"  الحديث أخرجه الشيخان من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، ويجد فيه قولَه عليه الصلاة والسلام: " يا ابن آدم، إنك أنْ تبذل الفضلَ خيرٌ لك، وأن تمسكَه شرٌّ لك، ولا تلامُ على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى" أخرجه مسلم في الصحيح من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، ويجد فيها أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: " صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة"  أخرجه الحاكم في مستدركه بإسناد صحيح من حديث أنس رضي الله عنه.

وإن سبلَ الخير وطرقَه التي يمضي فيها المؤمن ابتغاءَ وجه ربه الأعلى كثيرةٌ لا تكاد تقع تحت الحصر، غيرَ أن فيما ينزل بالمسلمين من نوازل وما يحلُّ بهم من محن وما يُرْزَؤون به من رزايا مجالاً رحيباً، ومضماراً واسعاً، ومستَبقاً عظيماً للخيرات، يحمله على أن يهُبَّ لنجدتهم، ويُسرع لإغاثتهم، قيامًا بحقوق الأخوَّة وعملاً بما تقتضيه المروءة وسدًّا للمنافذ التي تمتدُّ منها أيدي المكر والكيد والأذى، لتعبث بالعقائد، وتفسدَ العقول والقلوب.

ولقد كان من قدرِه سبحانه وعظيمِ حكمته وسابغ نعمته أن جعلَ لهذه البلاد المباركة أسمى المنازل وأرفعَ المقامات، فخصَّها بتنزُّل الوحي وبعثةِ النبي صلى الله عليه وسلم، فغدت بذلك موئلَ الهداية ومبعثَ النور الذي أضاء جنباتِ النفوس، فكان حياةً للقلب، وسعادة للروح، وهدًى وصلاحاً ورحمةً للعالمين.

ثم كان من تقديره سبحانه وعظيم حكمته وسابغ نعمته أيضاً أن أفاء عليها من واسع فضله ما أضحت به مصدرَ غوث، وسببَ خير، ومعينَ معروفٍ، نهضت به وحملت أمانتَه جمعيات وهيئاتٌ ومؤسَّسات بارك الله في أعمالها، ونفع بجهودها، وأجرى الخير الكثير على أيدي رجالها ونسائها، لكن من أُشربوا في قلوبهم الشرَّ والحقدَ وأوضعوا في العدوان وقست قلوبهم فلم تلن لداعي الخير والرحمة والعدل، شرِقوا بذلك، وساءهم أن جعل الله في هذه الأعمال الخيرية بعضَ ما يخفِّف من مآسي المنكوبين، وآلام المستضعفين، ورهَق حرمانِ المحرومين وضيعةِ المشرَّدين، بإطعام الجائع، وكسوة العاري، ومداواة المريض، وتدفئة المقرور من زمهرير الشتاء، ساءهم ذلك فأجلبوا عليها بألسنةٍ حداد، تبدَّت في تجريدهم حملةً كاذبةً خاطئة من الدعاوى والأراجيف والتُّهم الجائرة والمزاعم، التي لم تقم عليها البينات، ولم تُسندها البراهين، مما لا يجعل لها آذانًا صاغيةً لدى أولي الألباب في المشارق والمغارب، وكيف يكون أمراً مقبولاً أن تنصبَّ هذه التُّهم على أعمال الخير التي سارع إليها المسلمون لإغاثة الملهوفين من إخوانهم في الدين استجابةً منهم لأمر الله، وقياماً بحقوق الأخوَّة في الله، وإيقاناً بموعود الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"  أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي في سننهما بإسناد صحيح، وهل يجوز أن تُحظَر على المسلمين أعمالُ البر بكاذب الدعاوى، بينما تُباح لغيرهم أضعافُ أضعافِها، وتذلَّل لها كلُّ السبل، وترفَع من أمامها كلُّ العقبات؟!

وإن من المفارقات الواضحة الفاضحة ـ يا عباد الله ـ أن تُجْبَى الأموالُ من المخدوعين باسم الإنسانية، وتعامَل في قانون الضرائب باعتبارها إنفاقاً خيرياً، ثم توجَّه لشدّ أزر العدوان وإطالة أمدِ الطغيان الذي يشهده القاصي والداني كلَّ يوم على أرض فلسطين مثلاً، في صورٍ تُدمي القلوب، وتهُزّ الأفئدة، وتتفطَّر لها الأكباد.

أفيكون هذا سائغاً مشروعاً لا غبار عليه، ويكون إنفاق الأموال في بناء المساجد والمدراس والمستشفيات ودور الأيتام وجبر كسر الثكالى والأرامل والمنكوبين والمتضرِّرين من نوائب الدهر وفواجع الأيام، أيكون هذا عملاً مذموماً مقبوحاً منكوراً تُنْصَب له السهام، وتكالُ له التُّهم، وتلفَّق الأكاذيب؟! فأين الإنصاف إذا؟! وأين حقوق الإنسان؟! وأين احترام حرية الآخر؟!

عباد الله، إن الكاذبَ هو أوَّل من يعرفُ أنه كاذب، وهؤلاء الذين يوجِّهون هذه التهمَ الكاذبة يعلمون أنها لن تقوم لأيِّ تمحيصٍ ولن تصمُد لقذائف الحق؛ لأن أعمال هذه المؤسسات الخيرية تتَّسم بالشفافية الكاملة، وتجري في قنواتٍ شرعية نقيَّة، خاضعة للمتابعة والرقابة الدقيقة من قبل الجهات الرسمية، ولكن هؤلاء الكذبة يتَّبعون في سبيل ترويج هذه الاتهامات ما يسمّونه هم بتقنية الكِذْبة الكبرى التي تقوم على أساس التَّكرار والتَّرديد حتى يصدِّقَها المخدوعون من الناس في آخر الآمر. ولا ريب أن هذا لونٌ من ألوان الحرب النفسية، تسلّط سهامُه على هذه المؤسسات الخيرية لإلقاء ظلال الشكِّ عليها أملاً في حمل أهل الخير والبر والمعروف والشفقة والرحمة على الإحجام عن دعمها، وكفِّ أيديهم عن البذل لها.

فإذا عُلم هذا أيها الإخوة، فإنه مما لا ريب فيه أن الواجب على كل مؤمن بالله إبطالُ هذا الكيد وإفشال هذا المسعى بمواصلة ومتابعة المساندة والدعم والبذل والعطاء؛ لأن هذه المواصلةَ وهذه المتابعة ديدَن المؤمنين الصادقين، ونهجُ المخبتين، وشأنُ العقلاء أجمعين، يُرضون بها ربَّهم، ويقتدون فيها بنبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ويحققون مقاصدَ دينهم، ويقومون بحقوق إخوانهم الذين يرجون برَّهم ويلتمسون رِفْدهم، ويعطون بذلك أكملَ الصور وأروعَ الأمثال على صدق الأخوة في الله برعايتها حقَّ رعايتها، وصيانتها عن كل ما ينتقص منها أو يعكِّر صفوَها أو يُوَهِّن عُراها.

ولن تفلح كلُّ محاولاتِ أعداء هذه الأمة في صرفها عن سلوك طريقٍ أمَرَهَا به ربُّها، ومضى عليه نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، واستمسك به سلفُها وصالحوها وخيارها على تعاقب القرون، ولن يضرَّها كذلك إرجافُ المرجفين، ولا تُهم المبطلين، ولا دعاوى الكاذبين، التي يحسبون أنهم بالغون بها بعضََ ما يريدون من تثبيط الهِمم، وفَلِّ العزائم، وقبضِ الأيدي، وانحصار المعروف؛ لأنها تعلم أن الحياة الطيبة الكريمة سوف تكون لها على الدوام إن شاء الله، ما استجابت لأمره، ورضيت بحكمه، وأعرضت عن كل ما سواه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [الحج:77].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فيا عباد الله، إن مما لا ريب فيه أن العنايةَ بكل الوسائل والسبل التي تنفَق بها الأموالُ في الأعمال الخيرية أمرٌ لا مندوحةَ عنه، حرصاً على وضع الأشياء في مواضعها أولاً، وضماناً لصرف الأموال في وجوهها، وقطعاً للطريق على المتربصين الذين قد يجدون في التهاون و التقاعس عن القيام بهذه الأعمال على ما تقتضيه قواعدُ الأمانة وتستلزمه براءةُ الذمة والخروجُ من العهدة ما يبلِّغهم ما يريدون من إلصاق التهم، والتعكير على هذه الأعمال، ووصفها بما ليس فيها تنفيرًا منها، وحملاً على الإعراض عنها والتنكّر لها، فتكون العاقبة عند ذلك ممَّا لا يرضاه المخلصون، ولا يقبل به المؤمنون.

ألا فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على استباق الخيرات، تكونوا من المفلحين.

وصلوا وسلموا على خاتم النبين وإمام المتقين ورحمة الله للعالمين، فقد أمركم سبحانه بذلك في كتابه، فقال قولاً كريماً: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي