الإسلام غيث أغاث الله به الناس، ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، تأملوا العالم من حولكم، وأنتم خير أمة أخرجت للناس، أنظروا إلى المشارق والمغارب، أمم تتخبط في جاهلية جهلاء، وضلالات عمياء، وتُرَّهات سخيفة، وديانات باطلة، ومذاهب منحرفة، وطوائف متناحرة، كل حزب بما لديهم فرحون ..
الحمدُ للهِ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا الله، واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.
الحمد لله ما صام الصائم وأفطر، وما ذكر الذاكر واستغفر، وما سبح المسبح وكبّر، وأشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهَ وحدَه لا شريكَ له، وأشهَدُ أن نبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُه، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين.
أمّا بعدُ: أيُّها المسلمون، فاتقوا الله تعالى واشكروه على ما امتَنَّ وتفضَّل به عليكم، من إتمام الصيام والقيام، فاسألوه أن يتقبل منكم، وأن يغفر لكم ما بدر من تقصير وآثام.
واعلموا أن هذا اليوم يوم عيد للمسلمين، أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- هذا عيدها، ليس لها سوى عيدين: هذا العيد، عيد الفطر، وعيد الأضحى، وكلاهما يأتيان عقب ركنين من أركان الإسلام، وشعيرتين من أعظم شعائر الإسلام، هما الصيام والحج، فهما عيدا ذكر وشكر، وليسا عيدي ضلال وكفر.
الله أكبر، الله أكبر لا إلهَ إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون: لماذا نحن نفرح اليوم، ألأننا نرتدي هذه الثياب الجديدة؟ أم لأننا متزينون متطيبون،؟كلا أيها المسلمون، فكل هذه من مرادفات الفرحة، ومن تبعات السرور، الذي أمرنا الله -عز وجل- بإظهاره، والثوب الجديد والزينة والطيب، لا تبرح المسلم في غالب وقته.
ولكننا نفرح، لأن الله -عز وجل- أعاننا على الصيام والقيام، نفرح لأن الله -عز وجل- قال: "الصوم لي، وأنا أجزي به"، نفرح لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال: "مَن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
نفرح لأجل هذ الرحمة الغامرة من الرحيم الودود، فهذا العيد فرحة للمؤمنين، فرحة شرعها الله -عز وجل-، حرم الله صيام يوم العيد لتكتمل الفرحة الكبرى، وشرع لنا أن نفتتح هذا اليوم، ونفتتح هذه الفرحة، ليس على أنغام المعازف، ولا على مظاهر السفور والفجور، والسرف والكبر والطغيان، إنما نفتتح هذا اليوم بهذه الصلاة، صلاة العيد، ليعلم المسلم أن أول فرحة له أنه يقيم الصلاة، يقيم هذه الشعيرة العظيمة، قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58]، يفرح لأنه عبد لله سبحانه وتعالى، يسجد صبيحة هذا اليوم لربه، ويتضرع لخالقه، وينعم برحمته، لأن العبودية لله شرف عظيم.
الله أكبر، الله أكبر لا إلهَ إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فوجد لهم يومين يلعبون فيهما، فقال -عليه الصلاة والسلام- "إن الله أبدلكم بيومين خيرا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى". هذان العيدان هما عيدا المسلمين، ليس في الإسلام لا أعياد وطنية، ولا أعياد قومية، ولا أعياد موالد، ولا أعياد ذكريات، ولا أعياد أحداث ولا انتصارات، لقد جَبَّ التوجيه الإلهي والهدي النبوي جذور البدعة والضلال، وهدم خربات التشبه بالكفار والمشركين.
الله أكبر، الله أكبر لا إلهَ إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: إن ثوب العيد الذي نلبسه، ثوب يبلى فيرمى، فليس السعيد من لبسه، ولكن السعيد من لبس معه ثوبا لا يبلى، وعن البدن لا يرمى، إنه لباس التقوى، إنها الزينة الحقيقية، قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسَاً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشَاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26]، فاحمدوا الله الذي أمَدَّ في أعماركم، وعمرتم أوقاتكم بالصيام والقيام، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [النور:36].
السعيد -أيها المسلمون- مَن خلف صحيفة ثقلت بالأعمال الصالحة، فقدِّموا قبل أن تُقدَّموا، وترحَّموا على مَن كان بالأمس معكم، فرحلوا إلى أجداث موحشة، أغنياء عما خلفوا من حطام الدنيا، فقراء لما قدموا، فادعوا لهم بالرحمة، واسألوا الله لهم المغفرة، وقدموا لأنفسكم قبل أن يحل بكم ما حل بهم، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغَرور.
الله أكبر، الله أكبر لا إلهَ إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: تأملوا شهر الخير رمضان، تأملوا سرعة مروره، وما أعماركم من شهركم ببعيد، رمضان مدرسة عظيمة، وموعظة بالغة، كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في ثلثه الأخير يشد المئزر ويحيي الليل ويعتكف، فها أنتم أحييتم العشر الأواخر، وقمتم الغر الفاضلات، واجتهدتم فيها عن بقية شهركم، فكأن ذلك مدرسة لك أيها المسلم لكي تشد مئزرك في ثلث حياتك الأخير، وتعكف على ما يُصلح آخرتك.
الله أكبر، الله أكبر لا إلهَ إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: اشكروا الله على نعمة الإسلام، واحذروا الشرك، (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـالاً بَعِيداً) [النساء:116]، واحذروا السِّحْر، فإن السحَرةَ عليهم الحجةَ قائمة، (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَالَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) [البقرة:102]، واحذروا الربا، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [البقرة:279].
واحذروا الكبائر والمعاصي، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإنهما سفينة نجاة الأمة، صلوا أرحامكم، وارحموا الأيتام فلقد قال -عليه الصلاة والسلام- "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"، جودوا على الضعفاء والمساكين؛ فإنما تدخلون الجنة بهم، وتُرزقون بهم.
الإسلام غيث أغاث الله به الناس، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- بعث رحمة للعالمين، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، تأملوا العالم من حولكم، وأنتم خير أمة أخرجت للناس، أنظروا إلى المشارق والمغارب، أمم تتخبط في جاهلية جهلاء، وضلالات عمياء، وتُرَّهات سخيفة، وديانات باطلة، ومذاهب منحرفة، وطوائف متناحرة، كل حزب بما لديهم فرحون، (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) [البقرة:137]، فهُم في شقاق حتى يعتنقوا دين الإسلام، ويلتزموا تعاليمه، فلا يكن إسلامك في هويتك فحسب، وليكن إسلامك في الالتزام بشرع الله، والقيام بواجبات الدين، وترك ما يناقض ذلك، (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل:125]، فـ "لَئِنْ يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم".
الدين يشمل عبادة الخالق، والإحسان إلى المخلوق، ومن أعظم الإحسان للآخرين دعوتهم إلى دين الله، فرب كافر هداه الله على يديك، ورب قلب مغلق كانت دعوتك مفتاحه، قال تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولكُم ولِسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنهُ هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمد لله والله أكبر، الله أكبر لا إلهَ إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين.
أيها المسلمون: "المسلم مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده"، فكفُّوا الأذى، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، وإذا قلتم أو حكمتم فاعدلوا، (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].
الله أكبر، الله أكبر لا إلهَ إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: إياكم أن تتعرضوا لما ليس لكم مِن أموال وأعراض وممتلكات! واعلموا أن كل نفس بما كسبت رهينة، وعما فعلت مسؤولة، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [آل عمران:30].
غضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، واحفظوا المكبات في النار، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم؟!"، احذروا الفحش والغش، واجتنبوا الرجس وقول الزور، واعلموا أن الظلم ظلمات يوم القيامة، احذروا الرشوة وأكل الربا وأكل مال اليتيم؛ فإنهن الموبقات المهلكات، واعلموا أن المسلم بخير ما لم يرتكب دما حراما، واعلموا أن "أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر العمل، وإن فسدت فسد سائر العمل".
واعلموا أن أول ما يقضى بين العباد في المظالم الدماء، و"لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما"، صلوا أرحامكم، واحفظوا أولادكم وبناتكم ونساءكم وبيوتكم، فـ "كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته"، فقد كانت البيوت في حرز من الشر والبلاء والفتن، ولما تطورت العلوم، وظهرت الفضائيات والاتصالات والإنترنت، فبقدر ما أعطت أخذت، وبقدر ما أصلحت أفسدت، وبقدر ما وفرت بعثرت، استغلت تقنياتها في نشر الفساد، وبث الرذيلة، وحرف الأفكار والمناهج، والتشكيك بمسلمات الدين، فكونوا ممن يستغل ما تيسر منها في نشر الحق والخير والفضيلة، كحال القنوات والمواقع الصالحة المصلحة، واحذروا ما يدس فيها من ضلالات الاعتقاد، وانحرافات الفكر والمنهج، واعلموا أن مَن عنده العذب الفرات لا يبتغي الملح الأجاج.
الله أكبر، الله أكبر لا إلهَ إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يا نساء الإسلام: لستن كأحد من النساء، أنتن أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، أسوتكن بعد نبي الهدى أمهات المؤمنين، والصحابيات الجليلات، شرفكن وعفتكن لا تفرطن فيها، وإياكن ودعوات الفجور والسفور! التي غلفت بدعوى تحرير المرأة، فماذا جنت نساء الغرب من هذه الدعوى غير الزنا والخنا والسفاح والفجور؟ عزتك دينك، وعفتك حشمتك، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب:59]، فلا تزال المرأة مستورة ما سترها واكتنفها بيتها، (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب:33].
وحتى هذه البيوت ما سلمت، غزتها القنوات، وأفسدتها الفضائيات، فما دورك حيال من يتسلل لواذا بين أولادك وبناتك من خلال هذه القنوات، يقول ما شاء، ويعرض ما شاء من فاحش القول، ومنكر الهيئة؟ أترضين ذلك؟ فأنت حرز البيت الأمين، والله والله أنك ستسألين عن تفريطك وإهمالك! لأنني أعلم أن زمام أمور البيوت من الداخل في هذا الزمان أغلبها بيد المرأة، إن صلحت المرأة صلح البيت، وإن أهملت ضاع البيت، وليس لها في بيتها مَن يعارضها في شؤون بيتها من الداخل.
فاربطي حزام الجد، واعملي لما يرضي الرب، يرضى عنك الناس، لا تستهيني بما يبث في القنوات، فإن المسمار يُحل سِنًّا سِناًّ، والعرى تنقض عروة عروة، وفِّري لأولادك ما يغنيهم عن مشاهدة خبيث المناظر، وسيء المشاهد، وأشغليهم بالقرآن والسنة، وعلميهم آداب الدين، وسنة سيد المرسلين.
الأُمُّ مَدْرَسَةٌ إذا أعْدَدْتَها *** أعْدَدْتَ شعباً طيِّبَ الأعراقِ
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون: (أَطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وأولي الأمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59]، أنتم لُحمة واحدة، ويد واحدة، جمعكم الله على هذا الدين بعد إذ كنتم قبائل متناحرة أهلك بعضكم بعضا، فاحمدوا الله الذي أنعم عليكم بذلك.
وصَلّوا وسلِّموا على مَن بعثه الله رحمة بكم، اللهم صَلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، وارضَ اللهم عن صحابتِهِ، الذين عملوا بسنتِهِ واهتدوا بهديه.
اللهم أصلحْ ولاةَ المسلمينَ، وأعزَّ مَن أعزَّ الدينَ، وانصر عبادك المجاهدين في سبيلك في كُلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، عيدكم مبارك وسعيد، وعساكم مِن عواده، وتقبلَ اللهُ منا ومنكم، وغفرَ اللهُ لنا ولكم، وكلَّ عامٍ وأنتم بخيرٍ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي