الجنة

منصور الغامدي
عناصر الخطبة
  1. أشرف الساعات واللحظات في تاريخ المؤمن .
  2. أبواب الجنة ودرجاتها وبناؤها وطعام أهلها .
  3. فراش أهل الجنة ونساؤهم .
  4. أعظم نعيم أهل الجنة .
  5. خلود أهل الجنة .
  6. أسباب دخول الجنة .

اقتباس

فبينما أهل الجنة كذلك في نعيمهم وسرورهم؛ إذ تتراءى لهم خيام عالية قد أشرق منها النور وسطع الضياء، فيقصدون تلك الخيام، فيبصرون نساءً كأنهن البدور ليلة التمام: (فِيهِنَّ قَـ?صِر?تُ ?لطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ). وفي الصحيح أن لكل رجل منهم زوجتين، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من ورائها، إنهن حور حسان قد كَملَ خَلقُهن وكملت محاسنهن ..

أما بعد:

فيا أيها المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله والاجتهاد في الأعمال الصالحة والعمل لما بعد الموت.

إخواني: إنها أشرف الساعات، وأنفس اللحظات في تاريخ العبد المؤمن، تلك اللحظة التي يتناول فيها كتابه بيمينه: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَـابيَهْ * إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) [الحاقة: 19-21]، (فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) [الانشقاق: 8، 9]، تكاد تخرج روحه من بين أضلعه فرحًا، إنه كتاب من عزيز راحم سبحانه، ذي الجبروت والملكوت والإجلال والإكرام.

فتفتح لهم أبواب الجنة: (جَنَّـاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الاْبْوَابُ) [ص: 50]، وعدتها ثمانية، فإن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، وإن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان.

وقد يُدعى العبد الصالح المحسن من تلك الأبواب كلها، ومقدار ما بين مصراعي باب الجنة أربعون سنة، قال عتبة بن غزوان: "وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام كما ذكر له.

وإن سألت عن زمر أهل الجنة، أي الذين يدخلون الجنة أول الناس، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة".

أيها المؤمنون بالله واليوم الآخر: لقد أخبر الصادق المصدوق أن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك: أن أم الربيع بنت البراء أتت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا نبي الله: ألا تحدثني عن حارثة، وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غَرَبَ، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء، قال: يا أم حارثة: إنها جنان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى.

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما، وحليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء عن وجهه في جنة عدن"، (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَىّ ءَالآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ).

سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الجنة: ما بناؤها؟! قال: "لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا تبلى ثيابهم، ولا يفني شبابهم". رواه الترمذي وهو حديث صحيح.

وكما أن هذا حالها وأرضها وبناؤها فإن فيها خيمة من درة مجوفة عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن، ولك -أخي الكريم- أن تتخيل هيئة هذه الخيمة، وإذا أجال العبد المؤمن طرفه يرى شجرة كما أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، (لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً)، فإن اشتهى الفاكهة ففيها كما أخبر الله تعالى: (فِيهِمَا مِن كُلّ فَـاكِهَةٍ زَوْجَانِ)، وقال: (فِيهِمَا فَـاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)، (وَفَـاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ).

وليست تلك الفواكه كفواكه الدنيا، وإنما تتشابه في الأسماء، فالاسم هو الاسم والمسمى غير المسمى، ألا ما أطيب تلك الثمار التي غرست أشجارها في أرض المسك ثم سقيت بماء هو أطهر ماء وأنقاه، وأعذب مورد للصادي وأحلاه، فإن كنت تريد غرسًا في الجنة فلا يَفْتُرَنّ لسانك عن "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، فهو غراسها.

أما أولئك الأخيار فلهم فواكه مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وشرابهم أنهار تجري من غير أخدود، سبحان الله من أمسكها عن الفيضان، تجري من تحتهم وتفجر لهم كما شاؤوا وأينما كانوا، وهذه الأنهار عسل مصفى، وماء وخمر لذة للشارب منه، ولبن لم يتغير طعمه، أما على ماذا يقدم الطعام والشراب؟! فعلى صحاف من ذهب يطوف عليهم بها غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوبٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ).

وهم الملوك على الأسرة على رؤوسهم التيجان: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)، (يَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ)، أبهج الألوان الأخضر، وألين اللباس الحرير، فقد جمع الله لأهل الجنة بين حسن منظر اللباس والتذاذ العين به، وبين نعومته والتذاذ الجسم فيه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، هيَّأ لعباده الصالحين الكرامة والنعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله النبي الأمي الذي أتم الله به النعمة، وكشف به الغمة، ونشر به على الخلائق الرحمة.

أما بعد:

فبينما أهل الجنة كذلك في نعيمهم وسرورهم؛ إذ تتراءى لهم خيام عالية قد أشرق منها النور وسطع الضياء، فيقصدون تلك الخيام، فيبصرون نساءً كأنهن البدور ليلة التمام: (فِيهِنَّ قَـاصِرتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ). وفي الصحيح أن لكل رجل منهم زوجتين، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من ورائها، إنهن حور حسان قد كَملَ خَلقُهن وكملت محاسنهن، حتى إن الطرف ليحار من حسنها، بل وبشرب من كؤوس جماله: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَلْمَرْجَانُ)، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال -صلى الله عليه وسلم-: لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس لا ضوء لها، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض، ثم يأتي أعلى نعيم يمر على أهل الجنة وألذه وأكرمه وأبركه، إنهم يرون ربهم الذي آمنوا به وصدقوا رسله وأطاعوه ظاهرًا وباطنًا، والذي أكرمهم بإدخالهم الجنة وجعل لهم هذا النعيم العظيم، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة: فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟! فيقولون: ما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك!! فيقول: أنا أعطيتكم أفضل من ذلك، قالوا: وأي شيء أفضل من ذلك قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا".

وبعد قرارهم في الجنة وتمتعهم بها، يؤتى بالموت كالكبش الأملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيذبح وهم ينظرون، فلو أن أحدًا مات فرحًا لمات أهل الجنة، ولو أن أحدًا مات حزنًا لمات أهل النار.

كيف لا يبلغ بهم الفرح مبلغه وهم الذين صبروا على طاعة ربهم ومولاهم؟! لقد صرفوا جوارحهم وسخروها في طاعته ونصرة دينه، لم تؤخرهم أمواج الشهوات عن اللحاق بركب الصالحين، (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور: 25-28].

بالله ما عذر امرئ هــو مـؤمن *** حقـًّا بهـذا ليــس باليقظـان
تالله لو شـاقتك جنـات النعيــ *** ـم طـلبتها بنفـائـس الأثمـان
يا سلعة الرحمـن لـست رخيصـة *** بل أنت غاليـة على الكسـلان
يا سلعة الرحمن أيـن الـمشـتري *** فلقد عرضـت بأيسـر الأثمـان
يا سلعة الرحمن هـل مـن خـاطب *** فالمهر قبـل المـوت ذو إمكان
يا سلعة الرحـمن كيـف تَصَبَّر الـ *** خُطَّـاب عنك وهم ذوو إيمـان
فاتعب ليوم معـادك الأدنـى تجـد *** راحاتـه يـوم المعـاد الثانـي

ألا وصلوا وسلموا...
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي