ما أسعد المؤمن عندما يُنهي عمله وينتظر أجره! فهذا يوم الجوائز، يوم يُكرِمُ الله فيه عباده العاملين المطيعين، الذين طالما قاموا والناسُ لاهون، والذين طالما جلسوا في المساجد والناس لاعبون، هذا يوم ينفع الصادقينَ صدقُهم، فلْتَقَرَّ عُيُونٌ طالما بكت من خَشية الله، ولْتَنْعَمْ أجسادٌ طالما تألَّمَتْ من القيام والركوع والسجود والجلوس لتلاوة القرآن ..
إن الحمد لله...
اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
معاشر المؤمنين: ما أسعد المؤمن عندما ينهي عمله وينتظر أجره! فهذا يوم الجوائز، يوم يكرم الله فيه عباده العاملين المطيعين، الذين طالما قاموا والناس لاهون، والذين طالما جلسوا في المساجد والناس لاعبون، هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، فلْتَقَرَّ عيونٌ طالما بكت من خشية الله، ولتنعم أجسادٌ طالما تألمت من القيام والركوع والسجود والجلوس لتلاوة القرآن.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
معاشر المسلمين: لقد صدق الله -عز وجل-، ومَن أصدق من الله قيلا عندما وصف رمضان بقوله (أّيَّامَاً مَعْدُودَاتٍ) [البقرة:184]، فما أسرع مرورَ أيامِه ولياليِه! فما برح الناس يهنئون أنفسهم بدخول الشهر حتى أخذوا بالتهاني بالعيد، ووالله! إن العيد ليس لمن أدرك هذا اليوم ولبس الجديد، ولكن العيد لمن فاز مع الفائزين بالعتق من النار من بين العبيد.
أيها المؤمنون: لقد تجلت في أيام رمضان ولياليه حلاوة الإيمان، ولذة المناجاة، فكثير من الخلق ذاق طعمها، وسرت في أعماق قلبه، وقد كان كثير من الناس لا يذوقها إلا في رمضان، وهناك من الناس من لا يذوقها -والعياذ بالله- حتى في رمضان، وهؤلاء هم المحرومون من فضل الله ونعيمه في الدنيا قبل الآخرة.
إن حلاوة الإيمان -عباد الله- تجعل الدنيا كلَّها رخيصة في جنب الله، وإليكم هذه الصور التي تبين لنا كيف رخصت الدنيا بلذاتها لما تحركت حلاوة الإيمان:
انظر إلى فرعون لما آمنت زوجته آسية بنت مزاحم وذاقت حلاوة الإيمان، رغبت عن مجاورة فرعون وما هو فيه من لذات، رغبت عن تلك الأنهار التي تجري من تحتها، والقصور والخُدام، والنعيم المترف، حتى قالت: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم:11].
وانظر إلى سَحَرته لما قارعوا الحق وأرادوا إطفاء نور الله ثم تبين لهم الحق، خروا لله سجدا وتذوقوا حلاوة الإيمان بعد مرارة الشرك! فعندما هددهم فرعون بالقتل والصلب قالوا: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [طه:72]، فجادوا بأرواحهم لما ذاقوا حلاوة الإيمان.
وانظر إلى أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، هاجروا لله من ديارهم وأبنائهم وأولادهم لما ذاقوا حلاوة الإيمان؛ ولهذا قال هرقل لما أخبره أبو سفيان أن أصحاب محمد لا يرتدون، خبره أبو سفيان أن أصحاب محمد لا يرتدون أقال: وكذلك بشاشة الإيمان إذا خالطت القلوب.
والأمثلة على ذلك كثيرة، فانتبه يا رعاك الله! يا من لم يجد للطاعة لذة وحلاوة، فكم مِن بيننا مَن هجر المساجد، فلم يعرف الصلاة جماعة فحرموا لذة الصلاة! وكم من لاه ٍ في الدنيا غارق في ملذاتها قد حجبت ذنوبُه قلبَه عن تذوق لذة الإيمان!.
ولقد صدق ابن تيمية رحمه الله عندما قال: مساكين أهل الدنيا! خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. وقال آخر: نحن في لذة لو يعلم بها أبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف. ويقول آخر: إنه لتمر بي ساعات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أن فيه من النعيم، إنهم لفي عيش طيب!.
ألا يا قوم! مَن اعتاد منكم على الصلاة جماعة وقد كان هاجرا لها قبل رمضان، لا تحرم نفسك لذة الدنيا الحقيقية، وذلك في المحافظة عليها مع المسلمين. ويا من اعتدت على قيام الليل، لا يكن هذا آخر العهد به. و يا من ختمت القرآن مرات في هذا الشهر، لا يكن هذا آخر العهد به. ويا من دمعت عيونه وخشع قلبه في هذا الشهر، لا يكن هذا آخر العهد بتلك الصفات الحميدة. ويا من جادت نفسه بالسخاء والكرم على إخوانه المساكين، لا يكن هذا آخرَ بذلها، فما أعظم أجر الصدقة! والمرء في ظل صدقته يوم القيامة.
عباد الله: إن لنا إخوانا لا يعرفون للأيام وصفا، فكلها عندهم سواء، إنما يعيشيون على وابلٍ من الحميم، وأصوات المدافع وطلقات النار، حياتهم رعب، ينتظرون الموت في كل ساعة، إنهم إخوانك في فلسطين وسوريا و في العراق وفي أفغانستان، وفي تونس وليبيا واليمن، وفي أصقاع كثيرة من بلاد المسلمين، إنما يسامون سوء العذاب لأنهم مسلمون، قد ابتلاهم الله وعافانا، فنحن ننعم في أمن وأمان وعيش رغيد، فلا ننس هؤلاء المستضعفين من دعوة صالحة من قلب حنون، فهذا أقل ما يجب تجاههم.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشر الصائمين القائمين: ما الفائدة أن يكون ثوبك جديدا ناصع البياض، وقلبك أسود مربادّ، لا يعرف لمسكين حقا، ولا لقريب ودا؟! إنه -للأسف!- يوجد بيننا مَن هجر أخاه أو أباه أو عمه أو ابنه أو قريبه، أو جاره، أو زميله، بل حتى زوجته، ووالله ماهجره لله! إنما هجره لدنيا زائلة، ولحظوظ النفس الأمارة بالسوء، ألا فلْنتَّقِ الله، ولْنُطهِّر أنفسنا من الغل والحسد والقطيعة.
إن هذا العيد علامة الوصل بين المسلمين فلا هجران ولا قطيعة، فإن هجران القريب من القطيعة، وإن قطيعة الرحم من الذنوب التي تُعجل عقوبتُها في الدنيا، زيادة على ما يُدَّخر لصحبها من العقوبة في الآخرة، أخرج أبو داود من حديث أبي بكرة مرفوعا: "مَا مِن ذنبٍ أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة، من البغي، وقطيعة الرحم".
ولقد توعد الله القاطع لرحمه باللعنة وبسوء الدار في الآخرة، (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْض أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد:25].
ومن عقوبة قاطع الرحم أنه قد عرض نفسه لعدم استجابة الدعاء، فقد رُوى أن ابن مسعود كان جالسا في حلقة بعد الصبح في المسجد فقال: انشد اللهَ قاطعَ رحم إلا قام عَنَّا، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبوابَ السماء مرتجةٌ دون قاطع الرحم.
ألا فلنطهر قلوبنا من الغل والقطيعة، فإن الدنيا زائلة، قال تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى:43].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
اللهم وفِّقْنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك يا رب العالمين.
الحمد لله حمد الشاكرين، الحمد لله حمد المطيعين، الحمد لله حمد التائبين، الحمد لله حمد الفائزين، أحمده سبحانه وأشكره، فكم من نعمة أسداها جل في علاه، وكم من نقمة دفعها بفضله ورضاه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ونبيه وخليله، خير مَن صلَّى وصام، وتلا القرآن وقام، صلى الله عليه وعلى آله الكرام، وعلى صحابته أولى الشجاعة والإقدام، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد، فيا معاشر المسلمين: إن المسلم يجب عليه أن تكون له القوامة التامة في بيته، والمقصود بها أن يأمر وينهى بما فيه مصلحة بيته، وإني لأوجه هذا لخطاب لولي المرأة فأقول: اتقوا الله، فوالله! إن في لبس نسائنا في الأعياد والمناسبات ما يندى له الجبين، فالقصير أصبح سمة للبس الكبيرة قبل الصغيرة، وكذا لبس البنطال، وكذا لبس العاري والضيق، حتى العباءة التي هي للستر أصبحت أداةَ فتنة وإغراء، فبعض النساء بدون عباءة أقل فتنة من تلك العباءة التي ترتديها.
وحدِّث ولا حرج عن ذلك النقاب الذي تفنَّنَ في فتنته مَن لا يرقبون في المؤمنين إلَّاً ولا ذِمَّةً، وأقول: إن أكبرَ دليلٍ على انتشارِ ذلك في وسط النساء أنك لا تكاد تجد لبسا ساترا لنسائك في الأسواق، بل لن تجد خصوصا للبنات اللاتي في سن البلوغ، فلا أدري من أيهما أعجب؟ من قلة الغيرة لدى الأولياء أم من قلة عقول النساء اللاتي يتبعن تلك الموضة الزائفة.
يا أمة الله: احذري من التبرج والسفور، ومن التشبه بالرجال، فإن المتشبه ملعون، وكوني أمَة صالحة قارَّة في بيتك، مراقبة لربك مطيعة لزوجك، واحذري من التهاون بأمر السائقين والخدم، فكم جر ذلك من ويلات.
أيتها المسلمات: تصدَّقْنَ، وأكْثِرْنَ من الصدقة، فلقد رآكن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أكثر أهل النار؛ لإكثاركن من اللعن وكفران العشير، فالحذرَ الحذرَ من مهاوي الردى والضلال!.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وختاما عباد الله: أنبه إلى الحذر من الوقوع في المعاصي بعد رمضان، خصوصا ما يسمونه بإحياء ليالي العيد، وذلك على مزامير الشيطان، أو حضور تلك الاحتفالات التي فيها الاختلاط والمنكرات الظاهرة.
ولنعلم جميعا أن التهنئة بالعيد مستحبة، فقد كان الصحابة يهنئ بعضهم بعضا، ولكن ابتداء بالدعاء، وهو قولهم: تقبَّل الله منا ومنكم. قال ابن حجر -رحمه الله-: روينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير -رحمه الله- قال: كان أصحاب -محمد صلى الله عليه وآله وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك. وبهذا قال ابن تيمية، ورخص فيه أحمد -رحمه الله-.
اللهم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي