موقفنا من الأحداث المعاصرة (2) خطبة عيد الفطر لعام 1423هـ

إبراهيم بن محمد الحقيل
عناصر الخطبة
  1. العيد ومآسي المسلمين بعدوان الكافرين .
  2. معاني الإيمان وتثبيت المؤمنين .
  3. التوكل على الله دأب الأنبياء والمؤمنين .
  4. عواقب التنازل .
  5. موعظة للمرأة وتحذيرها من دعاة التغريب .
  6. دعوة للفرح بالعيد بعيدا عن منكراته .
  7. نصائح بإعانة المسلمين والبر والصلة وصيام ست من شوال .

اقتباس

إنَّ مَن قَوِيَ إيمانُه بالله تعالى، وتوكل عليه وحده، وأخلص العبودية له سبحانه؛ فلن يرهب أية قوة، ولن يخضع لأي تهديد أو ابتزاز، وكلما رأى تجمع قوى الكفر والطغيان، وتكالُب أهل النفاق والفساد، زاده ذلك يقيناً بالله وحده، وقوةً في التوكل عليه، مع التبرؤ من الحول والطول، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ..) الخ..

الحمد لله؛ امتنَّ علينا ببلوغ رمضان، ووفقنا للصيام والقيام، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس.

الحمد لله حمداً يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه، والشكر له شكراً يوازي فضله وإحسانه؛ خلقنا من العدم، وربانا بالنعم، وهدانا للإسلام، وأعاننا على الصيام والقيام.
 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره.

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ جاد على عباده الصالحين، وبسط يده للتائبين، وأنعم على جميع العالمين، (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام:54].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ كان يقوم حتى تتفطر قدماه من طول القنوت، وصام ثماني رمضانات منذ أن فُرض صيامُ رمضان، وكان آخر خطبة خطبها قبل موته بخمس ليال قال فيها: "إن الله سبحانه خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله"، قال أبو سعيد: فبكى أبو بكر -رضي الله عنه-، فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ، إن يكن الله خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله؟ فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا.

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، رضي الله عنهم ورضُوا عنه على رغم أنوف أهل الرفض والبدعة الحاقدين الكارهين لهم: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ) [التوبة:100]، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

والله أكبر ما هلَّ هلال ثم أدبر، الله أكبر ما صام صائم وأفطر، الله أكبر ما قام قائم وتذكر، الله أكبر ما قرأ قارئ كتاب ربه فتدبر.

الله أكبر ذلَّت لسطوته أعناق الجبابرة، الله أكبر تهاوت بقدرته عروش الأكاسرة والقياصرة، الله أكبر ينصر المؤمنين ويهلك المكذبين، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الصائمون القائمون: أبشروا وأمِّلوا، وظنوا بربكم خيراً؛ فهو الجواد الكريم، الغني عن العالمين، خزائنه ملآى، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، يعطي العطاء الجزيل، ويغفر الذنب العظيم، لا يرد مَن أتاه، ولا يخيب من رجاه، ويجيب من دعاه، وهو الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء.

أيها المفرطون المسرفون على أنفسهم: توبوا قبل حلول الأجل، وأَقْبِلوا على ربكم قبل غلق الأبواب، فإن كنتم مفرطين في رمضان، فلا تتبعوا شوالاً رمضان بالذنوب والعصيان، توبوا إلى الله تعالى؛ فما أشد فرحه بتوبتكم! واستغفروه يغفر لكم.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوة المؤمنون: يمر العيد بالمسلمين، وفيهم من اللأواءِ والضنكِ، والذلة والمهانة ما لا نشكوه إلا إلى الله تعالى، لقد اعتدى الكافرون والمنافقون على دينهم وعلى قرآنهم وعلى نبيهم بالسب والشتيمة، واعتدوا على إخوانهم بالتقتيل والتشريد والأسر والتعذيب، واعتدوا على أراضيهم بالتلويث والحرق والسلب والنهب.

إنها ابتلاءات ومحنٌ جعلت أقواماً ضعاف إيمان يولون على أدبارهم، ويتخلون عند دينهم، ويتبرؤون من إخوانهم! ابتلاءتٌ بان بها طلاب الدنيا من طلاب الآخرة، وتمايز بها أهل الحق عن أهل الباطل، وكشفت المستور، ومحصت القلوب، وأبانت نفاق المنافقين، كما أظهرت صدق الصادقين، ففيها من الخير ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وربنا تبارك وتعالى لا يقدرُ شراً محضاً، وكل ما يقدره ففيه من الخير ما فيه.

إن كثيراً من الناس قد طاشت عقولهم، ووضعوا أيديهم على قلوبهم خوفاً من تحطم وسائل التفاهم بين الشرق والغرب، وارتفاع نسبة المواجهة والمفاصلة بين أهل الكتاب وأهل الإسلام، وإصرار الصهاينة النصارى والصهاينة اليهود على تدمير الإسلام ومَن يدين به، وأين قوة المسلمين من قوتهم؟! وما هو عتادهم بجانب تقنيات أعدائهم؟!.

ولكن الأمر لله تعالى من قبل ومن بعدُ، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19]، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].

إن معاني الإيمان، ومقام العبودية لله تعالى، وحقيقة التوكل عليه، وصدق اللجوء إليه؛ لا تظهر إلا بالمحن والابتلاءات، وبتسلط الكافرين على المؤمنين؛ وإن المبادئ العظيمة التي رسخها الإسلام في قلوب المسلمين من الولاء للمؤمنين، ومعاداة الكافرين، والبراءة منهم ومن كفرهم، ومعرفة حقيقة أعداء الدين من المنافقين لا تقوى في النفوس المؤمنة، إلا حين يَحُس الناسُ بالخطر الداهم عليهم بسبب دينهم وعقيدتهم؛ ولما ظن المنافقون في غزوة أحد بالله تعالى ظن السوء، وقالوا: (هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) [آل عمران:154]، كان الجواب: (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ) [آل عمران:154].

وها هم منافقو عصرنا يظنون أن الأمر بأيدي قوى الظلم والطغيان من أهل الكتاب، ويصرفون لهم من الخشية والخوف والمحبة ما لا يصرفونه لله تعالى، يهدِّدوننا بأعدائنا، ويطالبوننا بترك ديننا، وطرح شريعة ربنا، وما علموا أن في هذه الأمة رجالاً سيقفون في وجوههم ووجوه أسيادهم من أهل الكتاب ليقولوا لهم: ( إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ) وليس لكم.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: إن مَن قوي إيمانه بالله تعالى، وتوكل عليه وحده، وأخلص العبودية له سبحانه؛ فلن يرهب أية قوة، ولن يخضع لأي تهديد أو ابتزاز، وكلما رأى تجمع قوى الكفر والطغيان، وتكالُب أهل النفاق والفساد، زاده ذلك يقيناً بالله وحده، وقوةً في التوكل عليه، مع التبرؤ من الحول والطول، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران:174].

إنهم وهم يقولون: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ)! ما فتَّ في عضدهم تهديد الكافرين، ولا أضعف معنوياتهم وعيد المنافقين، ولا خافوا الجموع التي تجمعت عليهم؛ ليقينهم بأن الله تعالى حافظ لهم ولدينهم، ولعلمهم بقدرته تعالى على قصم الظالمين، وإهلاك المكذبين، وإنْ أصابهم ما يكرهون فلن يخرج عن تدبير الله تعالى وتقديره.

وتأملوا -رحمكم الله تعالى- يقين موسى -عليه السلام- لما طارده فرعون وجنده حتى حصرهم البحر فكان أمامهم، والعدو من ورائهم، هنا تقطعت السبل البشرية، وأوشك فرعون وجنده أن يظفروا بموسى وقومه، واقتربت النهاية حتى (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء:61]، ولكن إيمان موسى بالله تعالى أقوى، ويقينه بوعد ربه كان أمكن، (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62]. الله أكبر! ما أعظم يقينه بالله تعالى، وثقته به، وتوكله عليه! فكان حبل الله تعالى أقرب، وجنده ومدده أسرع إلى موسى وقومه من فرعون وجنده، فأمر الله تعالى البحر أن ينقلب يبساً بضربة من عصا موسى، فنجَّا موسى ومن معه، وأغرق الله تعالى فرعون وجنده.

أفيعجز مَن أمَرَ البحر فصار يبساً، وجعل النار على إبراهيم برداً وسلاماً، ورفع الطور فوق بني إسرائيل كأنه ظُلَّه، وأهلك عاداً وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط، وقوض حضارات اليونان والفرس والروم، وأنجى المرسلين وأتباعهم من المستضعفين، وأهلك المكذبين، أفيعجز من فعل ذلك كله عن تدمير صهاينة اليهود والنصارى، وينجي عباده المؤمنين من شرهم ومكرهم؟! تعالى الله عن ذلك وتقدس، بلى! إنه على كل شيء قدير، عزَّ جاره، وجلَّ ثناؤه، وتقدست أسماؤه، سبحانه وبحمده، يفعل ما يشاء، ويحكم مايريد.

فالإيمانَ الإيمانَ عباد الله! واليقينَ اليقينَ بوعد الله ونصره! وأخلصوا له العبادة، وسارعوا في الخيرات، واحذروا المعاصي والمحرمات؛ فما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوة المؤمنون: إذا سيطر على عقول البشر حتمية المواجهة بين الشرق والغرب، والمفاصلة بين الإيمان والكفر، وخاف الناس من استخدام أسلحة الدمار الشامل التي تحرق الأرض، وتلوث الهواء والماء، وتفتك بالناس، وتهلك الحرث والنسل؛ فإن المؤمن الحق لا يخاف ذلك كله، وإن كان لا يتمنى وقوعه، ويحاول درءه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولكنه لا يخاف ذلك؛ لأنه يستند إلى أصلين عظيمين: إيمانه بتدبير الله تعالى، وبأن العاقبة للمتقين.

فهو يؤمن بأنه لا يجري شيء في الكون إلا بأمر الله تعالى وتدبيره، (أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ) [الأعراف:54]، كما أن من مات وهو يوحد الله تعالى فهو من أهل الجنة، ومَن أيقن برحمة الله تعالى وفضله أحب لقاءه، ومن أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه.

والأصل الثاني إيمانه بأن العاقبة للتقوى، ولن يقضى على الإسلام عامة، فلا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك.

فإذا كان الدين محفوظاً بحفظ الله تعالى لطائفة مؤمنة يقومون به، ومن قضى الله تعالى بهلاكهم في حروب شاملة، أو كوارث مفزعة وهم مؤمنون فمآلهم إلى الجنة برحمة الله تعالى، فمم يخاف المؤمنون؟ وكيف ينتصر عليهم الكافرون الذين وصفهم الله بقوله: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) [البقرة:96]، وأخبر أنهم يفرون من الموت، والتاريخ يثبت ذلك، والواقع يدل عليه.

وما من مؤمن يقوى إيمانه بذلك فيظفر الكافرون منه بشيء، بل سيرتدون على أعقابهم خاسرين، وإذا انتشر هذا المفهوم في أوساط الأمة المسلمة فهي حرية بالنصر والتمكين؛ لأنها لن تبدل دينها خوفاً من الذين كفروا، ومن ثبت على دينه فهو الأولى بنصر الله وتأييده.

وأمَّا إذا ركن المسلمون إلى الذين ظلموا، وأخلدوا إلى الأرض، وتعلَّقت قلوبهم بالدنيا، وغيّروا دينهم إرضاءً للكافرين والمنافقين، فيخشى عليهم من فوات الدنيا والآخرة، فمن تنازلوا عن دينهم لأجلهم لن يرضوا عنهم مهما تنازلوا، وبتنازلهم يستجلبون سخط الجبار -جلَّ وعلا-، ويحجبون نصره، و"مَن التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضَى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"، كما ثبت ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

إن ما تعانيه الأمة المسلمة من تسلط أعدائها من كفارٍ ومنافقين على دينها ومبادئها وأخلاقها ومناهجها يستوجبُ رصَّ الصفوف، واجتماع الكلمة، ووأد الخلافات، والاعتصام بحبل الله جميعاً؛ فكل الأمة مستهدف، من قاعها إلى قمتها، والأعداءُ إذا تمكنوا فلن يرحموا حتى من كان معهم من المأجورين والخونةِ والمنافقين؛ لأنهم ينظرون إلى غيرهم من علو، ولا يفرقون بين صديق وعدو، فالكل عندهم سواء ما داموا مسلمين، وبالأخص إن كانوا شرق أوسطيين.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- سأل ربه ثلاث مسائل فأجابه في اثنتين ولم يجبه في الثالثة، سأل ربه أن لا يهلك أمته بسنه عامة فأجابه، وسأله أن لا يسلط عليهم عدواً من سواهم يستبيح بيضتهم، ويستأصل شأفتهم فأجابه لذلك، وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فما أجابه لذلك، فلن تؤتى الأمة إلا من قِبَل أفرادها؛ ولذلك فإن اجتماع الكلمة واجبٌ في كل حين، ويتأكد ذلك في مثل هذه الظروفِ العصيبة، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103].

ومن أعظم أسباب الهزيمة والانتكاس التناحرُ والاختلافُ، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيتها المرأة المسلمة، أيتها الصائمة القائمة، أيتها الراكعة الساجدة: لقد كشر الأعداء عن وجوههم القبيحة، وأظهروا نواياهم الخبيثة، وجعلوكِ ميداناً من ميادين غزوهم، ومادة من موادِ إفساد المسلمين، وسبباً من أسباب تخليهم عن دينهم، كما فعلوا بأكثر نساء العالمين
لقد حولوا الأسرة الصالحة المترابطة إلى أسرة مفككة متحللة، وحولوا حياة الأسرة السعيدة إلى جحيم لا يطاق، ونقلوا المرأة من أحضان أسرتها إلى ميادين الشهوات؛ لتشبع غرائزهم الحيوانية بعريِّها وابتذالها.

فالبنت التي كانت تعيش في كنف والديها صارت ملزمة بالنفقةِ على نفسها، والخروج للعمل في ميادين الرجال، ولا تسلمُ من تحرش هذا أو تهديد ذاك؛ والزوجة التي يُلزم الزوج بالنفقة عليها ألزموها بالنفقة على نفسها، وصار خروجها وعملها مع الرجال مُفقِداً لثقة زوجها بها؛ فاتخذ له من الخدينات سواها، وقابلته هي بالمثل انتقاماً منه!.

والأمُ التي أوجب الله تعالى بِرَّها على أولادها سمحت قوانينهم لأولادها بعقوقها، ورميها في حال شيبتها؛ لتقضي ما بقي من عمرها في كنيسة، أو ملجأ، أو وحيدة في بيتها، قارني تلك الحال بحال النساء المسلمات اللائي ينعمن في أسرهن بعيشة هنية رضية.

لقد تآمر الأعداء على المرأة المسلمة في مؤتمرات وتوصيات كانت من قبل تطرح اختياراً، أما اليوم، ومع موجة التسلط والعنجهية الغربية، وسيادة قانون فرعون: (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) [الأعراف:127]، فإن رعاة البقر وأتباعهم باتوا يلزمون المسلمين ببنود حضارتهم المفككة فيما يتعلق بجوانب المرأة والأسرة، ويفرضون ذلك عليهم بالقوة السياسية والاقتصادية؛ بل وحتى العسكرية إذا لزم الأمر.

وهذا يستوجبُ على نساءِ المسلمين أن يَكُنَّ على قدر المسؤولية في التزامِ شرع الله تعالى في كل شؤونهن، وتربية أبنائهن وبناتهن على الاعتزاز بالإسلام وأحكام شريعته، وعدم الخضوع إلا لله وحده دون من سواه.

وإن نساء الأمة اللائي خرجن القادة والعلماء والمجاهدين في القديم والحديث لقادراتٌ بإذن الله تعالى على رد عدوان المعتدين عليهن، وعلى عفافهن وعفاف بناتهن، حفظ الله نساء المسلمين بحفظه، وأسبغ عليهن ستره.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الصائمون القائمون: لئن كنتم تفرحون في عيدكم هذا بما منَّ الله تعالى به عليكم من إتمام الصيام والقيام، وحُقَّ لكم ذلك، فتذكروا إخواناً لكم يعيشون اليوم في أحزانهم، ويعالجون مشاكلهم وهمومهم، قد عملت فيهم أيدي الظلم والطغيان عملها؛ فسلبتهم فرحتهم التي كانوا يفرحونها من قبل في مثل هذا اليوم.

تذكَّروا إخواناً لكم قد شردتهم قوى الظلم والطغيان، فهم يعيشون في ملاجئ ومخيمات، لا يجدون فيها ما يسد جوعتهم، ولا ما يكسو عورتهم، ولا ما يقيهم برودة الجو، وصقيع الأرض، يموت منهم كلَّ يوم مئات من البرد والجوع والمرض.

تذكَّروا أطفالاً حُرموا حنان الأبوة، وأراملَ فقدن أزواجهن، لا تنسوهم فهم إخوانكم، واسألوا الله تعالى أن يفرج همومهم، وأن ينفس كروبهم، وأن ينتقم ممن شردهم وآذاهم.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الصائمون القائمون: عبادة الله تعالى تكون في رمضان وفي غيره، فلا تنقضوا العهد مع الله بعد رمضان، فرَبُّ رمضان هو ربُّ الشهور كلها، وأتبعوا رمضان ستاً من شوال، فمن فعل ذلك كان كمن صام الدهر كله، كما صحَّ ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وإيَّاكم إيَّاكم ومنكراتِ العيد! والاستمتاع باحتفالاته ومهرجاناته وأغانيه؛ فإن ذلك من كفر النعمة، وحريٌ بمن شارك في ذلك أو رضيه أن يُرد عليه عمله، نسأل الله العافية.

وإنه لَمِن أعجب العجب أن تقام المهرجانات الاحتفالية، وتعلو أصوات المعازف والغناء عبر الشاشات والبيوت، ويُعصى الله -عزَّ وجلَّ- جهاراً نهاراً في وقت تشهد فيه الأمة تحدياً كبيراً، وتعاني عدواً شرساً متربصاً، وهي في أشد الحاجة إلى عونِ الله تعالى ومدده ونصره، فهل يُستجلبُ نصر الله تعالى وحفظه وتأييده بمعصيته؟! نعوذ بالله من سخطه، ونبرأ إليه مما فعل السفهاء منا، ونستغفره لذنوبنا وذنوبهم.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها المؤمنون: افرحوا بعيدكم في حدود ما أحل الله تعالى لكم، وبروا والديكم، وصلوا أرحامكم، وأزيلوا الشحناء من نفوسكم، وابسطوا أيديكم بالسَّلام والإحسان، ووجوهكم بالبشاشة والبشر في وجوه إخوانكم، وكونوا عباد الله إخواناً.

أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبَّل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال.

-------------------
(1) أخرجه من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- البخاري في الصلاة باب الخوخة والممر في المسجد (466) واللفظ له، وأحمد (3/18) وعبد بن حميد (968)، وأبو يعلى (1155).
(2) وذلك في حديث عائشة -رضي الله عنه-ا عند ابن المبارك في الزهد (199)، والترمذي في الزهد باب عاقبة من التمس رضى الناس بسخط الله، ومن عكسه (2414)، والبغوي في شرح السنة (4213)، والقضاعي في مسند الشهاب (499- 500) وجاء مرفوعاً وموقوفاً عند الترمذي، وصححه ابن حبان (276).
(3) كما في حديث ثوبان -رضي الله عنه- عند أحمد (5/278)، ومسلم في الفتن باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض (2889)، وابن ماجه في الفتن باب ما يكون من الفتن (3952)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/181)، وابن حبان في صحيحه (6714).
(4) وذلك في حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- عند مسلم في الصيام باب استحباب صوم ستة أيام من شوال (1164)، وأبي داود في الصوم باب صوم ستة أيام من شوال (2433)، والترمذي في الصوم باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال (759)، وابن ماجه في الصيام باب صيام ستة أيام من شوال (1716).


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي