اليوم نفرح بعيدنا، لبسنا جديدنا، وضاحكنا أهلنا، وأمِنَّا في ديارنا؛ لكن، ليت شعري! شمس هذا العيد أشرقت علينا بهذه الحال، فعلى أي حال أشرقت شمس عيد الأقصى ويافا والخليل؟ على أي حال أشرقت شمس عيد بغداد والفلوجة وبلاد الرافدين؟ على أي حال أشرقت شمس عيد الأفغان أو الشيشان؟ أو النيجر أو باكستان؟ كم هي مرارة هذا العيد في حلوق الأرامل واليتامى، والضعفاء والثكالى!.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الله أكبر! الواحد الذي مَن قصد غيره ضلَّ، العزيز الذي من اعتز بغيره ذلَّ، الكبير الذي من نازعه في كبريائه قُصِمَ وذلَّ، العظيم الذي تفرد بصفات الكمال تعالى وجلَّ.
الله أكبر أنت الغني ونحن الفقراء، أنت القوي ونحن الضعفاء، أنت العزيز ونحن بين يديك الأذلاء.
الله أكبر! شَهِدَتْ بوُجوده آياته الباهرة، ودلت على كرمه نعمه الباطنة والظاهرة، وسبحت بحمده الأفلاك الدائرة، والرياح السائرة، ومهما قالت الألسن وسبَّحت وكبرت وهللت وعظمت فهي عن وصف كبريائه قاصرة.
لك اللهم الحمد أن اصطفيتنا من بين خلقك مسلمين، لك اللهم الحمد أن أحييتنا فأتممنا شهر رمضان صائمين قائمين.
مَن غيرك يعطي الفضل الجزيل؟ من سواك يستر الذنب الوبيل؟ من عداك يغفر الوزر الثقيل؟ ومن غيرك يقبل ويعفو ويُقيل.
يَا مَن يرَى ما في الضَّمِيرِ ويَسْمَعُ *** أنتَ المـُعَدُّ لِكُلِّ ما يُتَوَقَّعُ
يَا مَنْ يُرَجَّى للشَّدائدِ كُلِّها *** يا مَن إليهِ المـُشْتَكَى والمــَفْزَعُ
يا مَنْ خزائنُ مُلْكِهِ في قوْلِ كُنْ *** امنُنْ فإنَّ الخيرَ عندَكَ أجمعُ
ما لي سِوَى قَرْعي لبابكَ حيلةٌ *** ولَئنْ طُرِدْتُ فأيَّ بابٍ أقرعُ؟
اجعَلْ لَنا مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجَاً *** والطُفْ بنا يا مَنْ إليهِ المــَرْجِعُ
وأشهد أن لا إله إلا الله لا معبود بحق سواه، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والصراط الممدود، بأبي هو وأمي، غرة الزمن، وشامة التاريخ، لا حرمنا الله رؤياه في الجنة، والشرب من حوضه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، نجوم الهدى، ومن تبعهم بإحسان وتقى، وسلم تسليماً كثيراً.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أولئك هُم، غريبٌ أمرهم، عظيم شأنهم، هم ثروة الأمة الغالية، وعدتها الباقية، هم الخير والنعمة حينما يُستثمر، وهم الضرر المستطير والشر الوبيل حينما تفترسه مخالب الفساد.
نعم ذلكم هم الشباب، مناط آمال الأمة، ومعقِد رجائها، ذلكم هم الشباب، المرحلة العمرية العظيمة التي سيَسأل عنها الله يوم القيامة، "وعن شبابه فيم أبلاه".
ذلكم هم الشباب الذين ابتعدنا كثيراً عن آمالهم وآرائهم وهمومهم، وأمانيهم وأحاديثهم، ومجالسهم وتفكيرهم، ابتعدنا عن توجيههم، عن حوارهم، عن تلمس حاجتهم، عن إشباع أرواحهم، ما بين قاسٍ في خطابهم، مغلظ في ندائهم، وبين متساهل في أمرهم، مشرع أبواب الترف والميوعة واللهو على مصراعيه لهم، وافق هذا زمن سعار الشهوات المحموم، وقنوات الفساد التي صبت جام خبثها وغرَرَها بهؤلاء الفتية، مما جعل بيوتات كثيرة تشتكي منهم، أمهات يبكين دمعاً، وآباء بهم يضيقون ذرعاً، وتجمعات مشبوهة وشللية مقيتة، لطالما ضج المجتمع من أذاها، واكتوى بلظاها.
نعم -يا رعاكم الله-، إن انحراف الشباب قضية خطيرة، قضية تحتاج إلى وقفة صادقة من الجميع، ودعونا نتصارح ولا نلقي باللائمة كلها على هؤلاء الشباب؛ فأين دور الأسرة الواعية الصالحة التي تخرج منها هذا الشاب، وخرج إلى المجتمع يحمل ما تعلَّمه وما عليه تربى؟.
كيف نرجو إصلاح شبابنا وأول ما انفتحت عيونهم الصغيرة في صغرهم إذا بها تنفتح على بيت لا يعرف الصلاة أو بعضها؟ انفتحت عيناه في البيت على قنوات فضائحية تهدم الفضائل، وتربي على الرذائل، انفتحت عيناه على مواقع إنترنيت تزف ما خبث إليه، انفتحت عيناه على بيت ليس لذِكْر الله والقرآن صدى فيه ظاهر، انفتحت عيناه على أب لا يسأله لا يعلم أين ذهابه وإيابه، قد غذى بدنه وكساه وما قصر، لكن ما كسا يوماً روحه أو جاهد أن يلبسه لباس التقوى.
ثم الخطاب إلى المعلمين، والجهد الذي قدموه لاستصلاح هؤلاء الفتية، كفى يأساً من الواقع، وتذمراً وتقنيطاً من الإصلاح، لكن السؤال ماذا قدمتم لهذه الناشئة التي تدخل عليهم في كل صباح؟ أين نصحك؟ أين تلمسك لمشاكلهم؟ أين أنشطتك؟ أين جماعتك المدرسية التي تضمهم فيها إليك تملأ وقتهم، تربي أبدانهم وأرواحهم؟.
ثم أنتم -معاشر الأئمة والخطباء- أين طَرق مواضيع الشباب؟ أين عرض مشاكلهم وعلاجها؟ أين التواصل في الحي معهم زيارة ونصحاً وهدية واجتماعاً ودعوة؟.
وأنتم، معاشرَ الشباب الملتزم، كم أنتم غائبون عن هؤلاء! هل زرنا أحبابنا في الطرقات؟ في المقاهي؟ أين دوركم معهم في مدارسكم؟ في أحيائكم؟ أين دعوتكم إليهم؟ إنه لزاماً علينا جميعاً أن ندعم مادياً ومعنوياً حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد، وأن ننوع في برامجها وأنشطتها؛ لاحتواء هؤلاء الشباب، إنه لابد أن تدعم مراكز احتواء الشباب الموسمية الصيفية وغيرها، وإن قضية الشباب وانحرافهم وماذا قدمنا لهم قضية كبرى لابد لها من طرح ونقاش وحوار وحلول عملية؛ لئلا تضيع ثمراتنا بين أيدينا.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
(الَـمَ * أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوَاْ أَن يَقُولُوَاْ آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:1-3].
نعم، هي الفتن تعدَّدَتْ أشكالها، وتنوعت أصنافها، وتشكلت ألوانها، حلقات من الفتن، وزوابع من المحن، تخبَّطَ سوادٌ عظيم من الناس فيها، وهذَتْ ألسن بالغث و السمين في حديثها، وزلت أقدام أو كادت تزل بعد ثبوتها.
ومن تلك الفتن فتنة عمياء، سفكت فيها دماء وقتل أبرياء، في حلقات متتابعة، ما تكاد تبرأ أسماعنا من واحدة إلا والأخرى في أثرها تصك أسماعنا صكاً، وتجرح أنفسنا جرحاً، ألا وهي فتنة التكفير، ومسلسل التفجير والتدمير، راح ضحيته رجال أمننا، وفي المقابل شبابنا وأبناؤنا، ألا وإن هذه شرارات فتنة إن لم نلتفت إليها، ونسارع بالماء إليها، لَتكاد تحرق أمْناً نتفيأ ظلاله سنين عدداً.
ألا وإن صهوة جواد هذه الفتنة هو الجهل بمسائل الولاء والبراء والجهاد والحدود والدماء، نعم وقفوا عند ظواهر النصوص، فأين أقوال أهل العلم؟ وأين حوارهم ومناقشتهم؟.
ما كان -والله!- الإنترنت وكتابة الأسماء المقنعة يوماً من الأيام مصادر العلم، أفلا جلسوا في موائد العلماء، وعرضوا الشُّبَه؛ ليجدوا بياناً شافياً؟.
أهو هين عند الله أن يُرْمَى مُسلمٌ بكفر؟ صح في مسلم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".
أهو هيِّن عند الله أن يراق دم امرئ مسلم؟ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لِأن تُنْقَض الكعبة حجَرَاً حَجَراً، أهونُ عند الله من أن يراقَ دمُ أمرئٍ مسلم".
أين التمعُّن في عواقب الأمور؟ وما هو أثرها؟! وهل ما فعلوا في بلاد الحرمين نُكْأٌ في إسرائيل؟ أو جرح في الصليبيين المعتدين؟ أم أنه الذريعة لهم للتسلط على ديار الإسلام والتضييق عليها وعلى دعوتها؟.
ألا وإن من الفتن ما الخمر والربا والزنا والقتل عندها هي -وربّي!- أشدُّ وأقوى، وفي الفتك أمضى وأنكى، تلك جريمة القول على الله بغير علم، (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلّ أُولـَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء:36]، نعم إنها الجرأة على الفتوى، وما علموا أن الجرأة على الفتوى جرأة على النار.
وذيل هذه الفتنة الطويل، والذي يقع فيه القطاع العريض من الناس التلاعب بفتاوى العلماء، والبحث عن الرخص، وعن التحليل، ولو كان في قول دخيل على العلم، ويرمي بفتاوى كبار العلماء عرض الحائط، وتجد من العامة من يقول لك: المهم أن الشيخ فلان أفتى بجوازها، وليس هذا هو الواجب في حقه، والمأمور به شرعاً، بل الواجب أن يتحرى لدينه وسؤاله مَن هو أعلم وأورع، الأمثلُ فالأمثل.
وإذا كان جمع من العلماء قالوا في مسألة بكذا، وقال واحد أو اثنين بخلافهم، فلا شك أن العامي كفة العلماء بغالبيتهم عنده أرجح، وهذا مفاد كلام الشيخ بن عثيمين -رحمه الله- عندما سئل عن الاستفتاء، كما أن من العامة من يضيق أفقه باختلاف العلماء، وتعدد أقوالهم في المسألة الواحدة، بل ويشكك فيهم، وهذا خطأ، فالاختلاف وجد بين أبي بكر وعمر والصحابة، ولا تثريب، إذ الخلاف في مسائل الفروع، أما قطعيات الشريعة فلا خلاف فيها.
ألا وإن من الفتن فتنة خافها -صلى الله عليه وسلم- على أمته، بل أظهر خوفه منها في آخر حياته وأيامه، يصعد على المنبر -صلى الله عليه وسلم- وهو في مرض الموت ليقول للأمة كلها: "ألا والله ما الفقر أخشى عليكم! وإنما أخشى عليكم من الدنيا، أن تبسط لكم فتتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم"، صدق -صلى الله عليه وسلم-.
ألا وإن رأس مفاتن هذه الدنيا المال، وما هذا التنافس المحموم عليه هذه الأيام، وتلك المساهمات والمضاربات التي أصبحت حديث الناس في مجالسهم، وسميرهم في متكآتهم، بل وخواطرهم ووساوسهم في صلاتهم، ما هو إلا مصداق لكلام الحبيب -صلى الله عليه وسلم-.
وطلب المال والسعي إليه لا تثريب فيه، بل هو أمْرٌ حَثَّ الشرع عليه؛ لكن المذموم الانغماس والانكباب عليه، لتكون هاجسه وفكره ليله ونهاره؛ إن فتنة المال وتحصيله أذهلت عقول وأطارت قلوب، فأصبحت تلهث خلف المال بأي وادٍ كان، حلالاً أم حراماً.
ألا أين التحري وسؤال أهل العلم الثقات عن تلك المساهمات والشركات والتيقن في أمرها؟ فكم والله من والغ في الحرام يملأ منه بطنه وهو ما سأل يوماً أهل العلم، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أيما جسد نبت من الحرام فالنار أولى به". ثم كم من الناس اليوم من يتحمل حمالات من الديون التي لا يستطيع سدادها من أجلها؟ واعلموا أن من الشركات ما هو مباح المساهمة فيه، ومنه ما هو حرام، ألا فاسألوا وتثبتوا.
ألا وإن من الفتن التي نتج عنها مصائب وفضائح روائحها تزكم الأنوف، ومشاهد والله تجرُّ إلى مهاوي الحتوف، جوَّال الكاميرا الذي أساء استخدامَه كثيرٌ ممن يحملونه؛ وليس القبح في هذا الجوال بذاته، إنما في استخدامه واستعمالاته، كم عبث هذا الجوال بالأعراض والمحارم! نعم، صور لنساء وبنات أسر ما عرف عنهن إلا الخير والدين تُلتقط لهم على حين غفلة في مناسبات وأفراح، وتُتَناقل عبر البلوتوث بالجوالات، وهذا -وربي!- إخلال بالأعراض، وهَتْكٌ لحجاب الحشمة والحياء، وإفساد بين الأسر، وإشاعة للفواحش، وأذية للمؤمنين والمؤمنات.
فأين الغَيْرةُ يا عباد الله! لما أراد الأعداء الاقتحام على عثمان -رضي الله عنه- ليقتلوه جاءت امرأته نائلة ونشرت شعرها، أرادت أن تستره لتحميه، فقال لها عثمان: خذي خمارك! فلَعَمْري! لَدُخُولهُم عليَّ -يعني لقتلي- أهونُ علي من حرمة شَعرك!.
فاللهَ اللهَ بالأخذ على أيدي المراهقين والمراهقات بعدم السماح لهذا الجهاز أن يكون بين أيديهم! لابد من إحكام الرقابة على قاعات الأفراح والاستراحات ومجمعات النساء، لابد من نشر الوعي بمخاطر وسوءات هذا الجهاز، لابد من إحياء الخوف من الله سبحانه في القلوب، وتذكير فاعل هذا بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، (إِنّ الّذِينَ يُحِبّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ) [النور:19].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عجباً ثم عجباً لهم! كم من مَعقل للإسلام هدموه؟ وكم من علم له طمسوه؟ هم رسل الفساد، وخفافيش الظلام؛ نعم، إنهم المنافقون، إنهم العلمانيون الخبثاء، يلبسون ثياب الإصلاح على أفئدة عشَّش فيها النفاق، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ قَالُوَاْ إِنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلآ إِنّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـَكِن لاّ يَشْعُرُونَ) [البقرة:11-12].
نعم، ينادون دوماً بالإصلاح والتغيير والتجديد، وتالله! أي إصلاح هو إصلاحهم؟.
تتقطع أفئدتهم حنقاً على المرأة المسلمة المعتزة بحيائها وحجابها، لَكَم شوَّشُوا على حجابها بالتشكيك في شرعيته تارة، وبلمزه وهمزه تارة، وبالمقارنة بالغير تارة، لم تبح أصواتهم أبداً وهم يدعون إلى الاختلاط في الأعمال والوظائف، وكل هذا بغلاف الدين، في تزييف وتلبيس، يؤازهم فيه إبليس.
لا يفتأون في مقالاتهم ولقاءاتهم ومشاهدهم في لمز الدين والإستهزاء بأهله، (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65-66]، ماذا قالوا عن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولفقوا؟! وبماذا تكلموا عن حلقات القرآن الكريم وافتروا؟.
وعلى المؤسسات الخيرية أرعدوا وأزبدوا، يبثون سمّهم مقروءاً ومشاهداً ومسموعاً في عدوان سافر، واعتداء فاجر، ألا فاحذروهم! صدق الله فيهم: (هُمُ الْعَدُوّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون:4]، لزاماً كشف أقنعتهم، لزاماً رد شبههم، وإظهار عوارهم، ألا وإن مما يجب أمام حملتهم هم ومَن خلفهم من أعدائنا الكفار أن نحافظ على ثوابتنا وركائزنا التي أثبتها القرآن، وصحيح السنة بالبيان.
ألا وإن رأس هذه الثوابت أن الحكم الأعلى في حياتنا كلها إنما هو للشرع لا غير، فلا تحل معارضته بذوق أو رأي، (فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُواْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مّمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [النساء:65]. فالشرع هو الحكم في قضايانا كلها، عقدية كانت أو أخلاقية أو سياسية أو اقتصادية أو غيرها.
إن من ثوابتنا أنه عند النزاع يُرجَع إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن هم الأمانة على هذه النصوص اجتهاداً أو استنباطاً، إنهم العلماء أهل الذكر، (فَاسْئَلُوَاْ أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:43، الأنبياء:7].
إن من ثوابت الأمة الولاء والبراء، الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين، إن من ثوابت الأمة مشروعية الجهاد في سبيل الله، وأنه ماضٍ إلى قيام الساعة، كما أخبر الحبيب -صلى الله عليه وسلم-.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قائد الغر المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: اليوم نفرح بعيدنا، لبسنا جديدنا، وضاحكنا أهلنا، وأمِنَّا في ديارنا؛ لكن، ليت شعري! شمس هذا العيد أشرقت علينا بهذه الحال، فعلى أي حال أشرقت شمس عيد الأقصى ويافا والخليل؟ على أي حال أشرقت شمس عيد بغداد والفلوجة وبلاد الرافدين؟ على أي حال أشرقت شمس عيد الأفغان أو الشيشان؟ أو النيجر أو باكستان؟ كم هي مرارة هذا العيد في حلوق الأرامل واليتامى، والضعفاء والثكالى!.
جِرَاحُ المــُسْلِمينَ أَسَىً كئيبُ *** فمالَكَ لا تَحُسُّ ولا تُنِيبُ؟
لياليهِمْ مآسٍ في مآسٍ *** فلا فَجْرٌ بَعيدٌ أو قريبُ
وقَدْ أضْحَى ثراهُمْ دونَ حامٍ *** وبينَ بُيوتِهِمْ شبَّ اللَّهِيبُ
تلُفُّهُمُ الهُمُومُ بِكُلِّ حَدْبٍ *** ولولا الصَّبْرُ ما كانت تطِيبُ
يكادُ الصَّخْرُ من حُزْنٍ عليهِمْ *** يذوبُ، وأنتَ قلبُكَ لا يذوبُ
إخواني: اللهَ اللهَ بالدعاء الصادق لهم! وليكن موسم العيد إعادة لقضيتهم، ونشراً لصحيح أخبارهم، وأحسِنوا الظن بربكم، واعلموا أن الله من فوق سبع سموات مطلع وشاهد؛ وإن أمة أهانت كتابه ودنسته واعتدت على عباده وبلغت في الظلم عتوها إن الله لَيُمْهلها ولا يهملها، إن أمة تألَّت وقالت: مَن أشدّ منا قوة؟ أوَلَم يرَوا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة؟.
ها هو رب العالمين يعرض بشيء يسير من قوته في أعاصير مدمرة تأكل خضراءهم ويابسهم، أين قوتهم؟ أين تقنيتهم؟! عند الله لاشيء، عند قوته عند عظمته لا شيء، وثِّقوا صلتكم بالعظيم، وأحسنوا ما بينكم وبينه، واعلموا أن الله هو الناصر، وأن الله هو القادر، وأن الله هو القاهر.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشر النساء: اللهَ اللهَ في بيوتكن بحسن التربية! فالنشأ الصغير تحت أنظاركن. الله الله في حق الأزواج وطاعتهم! جاء في الحديث الذي رواه الترمذي، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة"، جاء في الحديث الذي صححه الألباني، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟"، يعني: من نساء الدنيا، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: "الولود الودود، التي إذا غضبت أو أسيء إليها أو غضب زوجها قالت: هذه يدي في يدك، لا أكتحل بغمض حتى ترضى".
أُخَيَّتِي: احذري مشابهة الكافرات والماجنات بحجة الموضة، فـ "مَن تشبَّه بقوم فهو منهم"، واحذري دعوات التغريب وسهام التضليل التي يقذفها الأعداء، إحذري تمييع الحجاب؛ فالحجاب ستر وليس زينة، العباءة الضيقة والمخصرة واللماعة والشفافة ومطرزة الأكمام والفرنسيه كل هذه ليست حجاباً، (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [الزمر:49].
أيتها المرأة المسلمة في هذه البلاد: لقد صمدتِ كثيراً، ودافَعْتِ التغريب طويلاً، فأنت آخر حصنٍ بعدُ لم يسقط، ولن يسقط بإذن الله، لقد ضاق العلمانيون المنافقون بك ذرعاً فصاروا يحيكون المؤامرات لك ليلاً ونهاراً، أشعلوا قضية قيادة المرأة للسيارة، تكتب فيها أقلام مأجورة، وتعالت صيحات موتورة، ولَكأن قضية المرأة وعزّها المفقود في بلادنا هي القيادة! فإذا قادت حلت جميع مشاكلها.
وهو والله باب سوء، باب لخلع الحجاب، للاختلاط، لضياع الأعراض، فتبصري -يا رعاك الله-، وصموداً وصبراً وثباتاً واستعلاء على كيد الشيطان وحزبه، إن كيد الشيطان كان ضعيفا، (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ لاَ يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله حققوا التوحيد، وإن تحقيقه أن تجعل رضا الله بين عينيك، وخوفه يملأ جنبيك. اللهَ اللهَ بالصلاة! أقيموها في أوقاتها، أَتِمُّوها بخُشُوعها، وفي المساجد للرجال جماعة أحيوها، وقرينتها الزكاة، تفقهوا في أمرها، وبطيب نفس ابذلوها، مُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، احذروا من الربا وأبوابه، ولا تغرنكم الدعايات المضللة لقروضه، وسلوا أهل العلم في ذلك، اتقوا ربكم في أموال الناس، واحذروا الرشوة التي تفنن الناس اليوم في اسمها: أتعاب، إكرامية؛ فإن صاحبها ملعون ملعون، لعنه محمد -صلى الله عليه وسلم-، حللوا مرتباتكم ووظائفكم.
تذكروا -يا رعاكم الله- أنّ أفّ في حق الوالدين كبيرة يغضب لها رب العالمين، (فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) [الإسراء:23].
إياكم وقطيعةَ الرحم! فإن الله وعدها بقوله: "أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟".
ليكن عيدنا عيد صلة، (وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ) [التغابن:14]، أَيَسُرُّ المتقاطعين المتهاجرين أن أعمالهم، صلاتهم صيامهم دعاءهم عيادتهم، لا ترفع إلى الله؟ أَيَسُرهم ذلك؟ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "تُعرض الأعمال على الله يوم الاثنين والخميس إلا اثنين متهاجرين يقول الله انظرا هذين حتى يصطلحا" أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
اكظموا الغيظ، واحتسبوه عند الله، وأصلحوا فيما بينكم، ويا أهل الخير قربوا بين القلوب، واشفعوا تؤجروا.
اتقوا الظلم، اتقوه في النساء، اتقوه في زوجاتكم، كم هي البيوت التي تعيش جحيماً في علاقاتها الزوجية؟! وإن على الرجل كفل عظيم في ذلك، كفى ظلماً للنساء وامتهاناً للحقوق؟ إن قدرت عليها فتذكر أن الله أقدر عليك منها.
اتقوا الظلم في العمال والخدم والأجراء؛ فلطالما شكوا ظلم الكفلاء، ودعوة المظلوم تفتح لها أبواب السماء.
احفظوا فروجكم، (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَىَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32]، واحذروا رقيه الزنا: اللهو والغناء، وكفوا الألسن عن نهش لحوم الناس، (وَلاَ يَغْتَب بّعْضُكُم بَعْضاً) [الحجرات:12]، وتذكروا أنه لا يدخل الجنة نمام.
اعلموا -رحمكم الله- أن الأعياد في الإسلام ثلاثة: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع هو الجمعة، وما عداها من الأيام التي تتكرر في كل عام فهي بدعة لا يجوز الاحتفال بها ولا إحياؤها.
وحقّ لكم أن تفرحوا بعيدكم، فهو يوم فرح وسرور، فلقد فرح به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسُرَّ به، وأباح اللعب المباح فيه، وهذا يوم الجوائز، سَرَّنا الله وإياكم بطاعته، وإياكم وغفَلاتِ الأعياد! من التأخر عن الصلوات، والنوم عنها، وإسبال الثياب، وغيرها.
وإن من علامة قَبول الحسنة إتباعُها بمثلها، ومن ذلك صيام الست من شوال، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي