صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

عبدالمحسن بن محمد القاسم
عناصر الخطبة
  1. ثناء الله عليهم .
  2. ثناء السلف على الصحابة .
  3. التوحيد الظاهر في أعمالهم .
  4. سباقهم للطاعات .
  5. صبرهم من أجل الدين .
  6. سخاء الصحابة .
  7. تواضع الصحابة .
  8. إذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون .

اقتباس

وكان توحيدهم لربهم ظاهراً في أعمالهم؛ لما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر -رضي الله عنه-: " من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ".. ولما رأى عمر -رضي الله عنه- الحجر الأسود قال: " إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا-.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

أيها المسلمون: اصطفى الله أصحاب نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم- واختارهم لصحبة أفضل رسله.. حازوا من السوابق والفضائل والمناقب ما سبقوا به من قبلهم ومن بعدهم..أثنى الله عليهم في الكتب المنزلة السابقة، فقال في التوراة: ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة )، ومدحهم في الإنجيل بقوله: ( ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه )، ووصفهم في القرآن العظيم فقال: ( تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ) [الفتح: 29].

وكان السلف يعلمون أولادهم حب الصحابة وسيرتهم.. قال الإمام مالك -رحمه الله-: " كانوا يعلموننا حب أبي بكر وعمر كما يعلموننا السورة من القرآن ".. هم صفوة الناس في الأمم، قال -عليه الصلاة والسلام-: " خير الناس قرني " متفق عليه، وهم صفوة قرون هذه الأمة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير أمتي قرني" متفق عليه.. فهم خيار من خيار، منَّ الله عليهم بالصحبة فعلا قدرهم.. قال القاضي عياض -رحمه الله– " فضيلة الصحبة -ولو لحظة- لا يوازيها عمل ولا تنال درجاتها بشيء، ولا يلحقهم أحد من هذه الأمة في السبق إلى الفضائل ".. قال ابن كثير -رحمه الله–: " لهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة ".

امتدحهم الله بالإخلاص في العمل، ولا يبتغون سوى رضوان الله عليهم قال -سبحانه وتعالى-: ( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) [الحشر: 8]..

لو أنفق أحد غيرهم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه؛ وذلك لصحبتهم ولصدقهم في توحيدهم: ( أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) [الفتح: 26].

وكان توحيدهم لربهم ظاهراً في أعمالهم؛ لما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر -رضي الله عنه-: " من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ".. ولما رأى عمر -رضي الله عنه- الحجر الأسود قال: " إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك ".. قال ابن عمر -رضي الله عنه-: " الإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال.. في ليلهم تلاوة وتهجد ".. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إني لأعلم منازل الأشعريين من أصواتهم بالقرآن بالليل " رواه مسلم..

يقومون لله ليلا طويلا قال -سبحانه- عنهم: ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ) [المزمل: 20]، وصفهم: ( تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ) [الفتح: 29]، نياتهم ( يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ) [الفتح: 29].. ومن كثرة عبادتهم ظهرت أمارات ذلك على جوارحهم قال -تعالى-: ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) [الفتح: 29].. قلوبهم لله لينة، وعظهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فغضوا رءوسهم ولهم خنين من البكاء، وأبو بكر -رضي الله عنه- لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، وعمر -رضي الله عنه- صلى بالناس فسمع أنينه من وراء ثلاثة صفوف.. وعائشة -رضي الله عنها - تقرأ قوله -تعالى-: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) فيبتل خمارها من الدمع..

سباقون لعمل الصالحات؛ فأبو بكر -رضي الله عنه- قبل صلاة الفجر تبع جنازة وأطعم مسكيناً وعاد مريضاً وأصبح صائماً.. وأبو هريرة -رضي الله عنه- يقتسم الليل صلاة هو وامرأته وخادمه أثلاثا.. ممتثلون لأوامر الله.. " نزلت آية الحجاب فشق النساء أزرهن فاختمرن بها " رواه البخاري.. ولما حرم الخمر أراقوها حتى جرت في طرقات المدينة، وقال عمر -رضي الله عنه-: " هاجرت هجرتين ونلت صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعته؛ فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله "..

قاسوا من الشدائد أشدها من أجل الدين، ففي غزوة الأحزاب زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وزلزلوا زلزالا شديد.. وفي حنين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، والزبير بن العوام -رضي الله عنه- ما من موضع في جسده إلا وقد جرح في سبيل الله.. قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: " وكل مؤمن آمن بالله فللصحابة عليه الفضل إلى يوم القيامة ".. وكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة؛ كانوا يحبون النبي -صلى الله عليه وسلم- حباً جماً.. فدوه بأنفسهم وأرواحهم؛ فقد شلت يد طلحة بن عبيد الله وهو يقي النبي -صلى الله عليه وسلم- من الرمي.. وخبيب -رضي الله عنه- يقول -وهو في الأسر-: " ما يسرني أن أكون في أهلي ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشاك بشوكة ".

جعلوا أموالهم بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.. قال سعد بن معاذ للنبي -صلى الله عليه وسلم-: " خذ من أموالنا ما شئت ودع ما شئت، وما أخذت أحب إلينا مما تركت "، وأبو بكر -رضي الله عنه- أنفق جميع ماله لله..

قال القاضي عياض -رحمه الله-: " إنفاقهم كان في نصرته وحمايته، وذلك معدوم بعده. وكذا جهادهم وسائر طاعتهم؛ إذا أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده".. قال عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: " لو سئلت أن أصفه لكم ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه إجلالا له ".. من رآهم هالهم توقيرهم لنبيهم، قال أحد العرب: " وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً قد يعظمه أصحاب مثل ما يعظم أصحاب محمد محمداً.."

وبينهم تواضع وإيثار ومحبة وشفقة.. وصفهم الله تعالى بقوله: ( رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29]، قال الحسن -رحمه الله-: " رأيت عثمان نائماً في المسجد في ملحفة ليس حوله أحد -وهو أمير المؤمنين- ". وقال مجاهد:

" صحبت ابن عمر في السفر فكان يخدمني ".. قال ابن كثير -رحمه الله-: " كل من نظر إليهم أعجبوه في صمتهم وحديثهم ".

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبهم، وأمر بحبهم، وجعل علامة الإيمان حبهم، فقال: " آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار" رواه البخاري.. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو لهم ولذراريهم ويقول: " اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار" رواه مسلم، ونهى -صلى الله عليه وسلم- عن سبهم فقال: " لا تسبوا أصحابي " متفق عليه.

والله -سبحانه وتعالى- رضي عنهم وبشرهم بالجنة وهم أحياء قال -عز وجل-: ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [التوبة: 100]، قال ابن حزم: " الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا ".

وبعد -أيها المسلمون-: أولئك ركض عظيم وجيل فريد، قال عنهم شيخ الإسلام -رحمه الله- " لا كان ولا يكون مثلهم ".

ذكر فضائلهم واجب وتوقيرهم إيمان وحبهم عبادة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله " رواه البخاري..

فيهم الصديق الذي ثبَّت المسلمين وقواهم بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيهم ثاني الخلفاء الراشدين الذي ما لقيه الشيطان سالكا فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجه، وثالثهم تستحي منه الملائكة.

وعلي -رضي الله عنه- قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: " يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " متفق عليه، وصعد بعض الصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-على جبل أحد فتحرك الجبل فضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- برجله وقال: " اسكن أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد " متفق عليه، واهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ، واستشهد عبد الله بن حرام في أحد فأظلته الملائكة بأجنحتها حتى رفعه الصحابة.

من دنا منهم رفعه الله حتى من كان يخدمهم قال عليه الصلاة والسلام: " اللهم اغفر لذراري الأنصار وموالي الأنصار" رواه مسلم.. أعلام اختارهم الله لنصرة دينه ورسوله فكانوا نعم النصير، وحملوا نشر الإسلام فأحسنوا التبليغ فجزاهم الله عن الإسلام وأهله أعظم ما يجازي به كريم من يحب ورفع درجاتهم في عليين وزادهم مع رضاه عنهم رضيً.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [التوبة: 88 – 89]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيداً.

أيها المسلمون: لما رحل الصحابة ظهرت الفتن في الدين.. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون " رواه مسلم.. قال النووي -رحمه الله-: " معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه ".

والله رضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان ورضي عن التابعين بشرط أن يكون اتباعهم بإحسان، وحسب من بعدهم من الفضل أن يبحثوا عن سيرتهم ويهتدوا بهديهم، ومن فاتتهم فضائلهم.. فحبهم وإجلالهم وتوقيرهم شافع للحوق بهم..

سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة فقال: " وماذا أعددت لها ؟ قال: لا شيء.. إلا إني أحب الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت فقال أنس -رضي الله عنه-: أنا أحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم ".. رواه البخاري..قال البشر بن الحارث - رحمه الله: " أوثق عملي في نفسي حب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم – ".

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب: 56].. اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين..

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين..

اللهم سلم الحجاج والمعتمرين، وأعدهم إلى بلادهم سالمين غانمين، اللهم اجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا وعملهم متقبلا ميسورا يارب العالمين..

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت.. أنت الغني ونحن الفقراء.. أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.. اللهم أغثنا.. اللهم أغثنا.. اللهم أغثنا، اللهم لا تحرمنا سوء ما عندنا بخير ما عندك يارب العالمين.. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

عباد الله: ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي