عند بداية كل عام دراسي جديد يجدر التذكير والحديث عن أمرين مهمين هما التربية والتعليم، فأكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة في كافة مراحل التعليم العام، وأكثر من مليون طالب وطالبة في التعليم الجامعي يتجهون غدًا إن شاء الله مع بداية عام دراسي جديد لدور العلم والمعرفة، ومحاضن التربية والبناء ..
الحمد لله الذي رفع من أراد به خيرًا بالعلم والإيمان، وخذل المعرضين عن الهدى وعرضهم لكل هلاك وهوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكريم المنان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي كمل الله له الفضائل والحسن والإحسان، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم مدى الزمان.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى.
أيها المسلمون: عند بداية كل عام دراسي جديد يجدر التذكير والحديث عن أمرين مهمين هما التربية والتعليم، فأكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة في كافة مراحل التعليم العام، وأكثر من مليون طالب وطالبة في التعليم الجامعي يتجهون غدًا إن شاء الله مع بداية عام دراسي جديد لدور العلم والمعرفة، ومحاضن التربية والبناء.
إن ما يكتسبه الطالب خلال يومه الدراسي من المعلم والمنهج الدراسي، والبيئة المدرسية، من علوم ومعارف ومهارات وآداب، يعزز كثيرًا من القيم في نفوس الناشئة، ويسهم في بناء جيل بإذن الله قادر على خدمة دينه ووطنه.
إن هذا البناء يتطلب من الطالب أن يعي أنه أمل المستقبل، ولبنة المجد، وعماد الأمة القادم، وأن يستشعر مدى ما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين من دعم للعملية التعليمية والتربوية؛ لأن هذا الشعور الايجابي من الطالب والطالبة، يؤسس لجيل يسعى نحو الهدف الأسمى من بناء جيل واعٍ يشعر بمسؤوليته، ويقوم بدوره في تنمية مجتمعه، وذلك بأن يسعى بجد لاكتساب العلم النافع بجميع الوسائل المتاحة، بالاستفادة من المعلم، والمقرر الدراسي، وغيرهما، وأن يحرص على تنمية أفكاره ومهاراته، بالجديد والمفيد.
إن هذا السعي المبارك في طلب العلم والاستزادة منه طريق إلى الجنة إذا أخلصت النية وحسن المقصد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة". رواه مسلم.
قال النووي -رحمه الله-: "وفيه فضل المشي في طلب العلم، ويلزم من ذلك الاشتغال بالعلم الشرعي".
وقال ابن حجر -رحمه الله-: "فيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه؛ لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة".
أيها المسلمون: لقد حث الله على الاستزادة من العلم فقال الله -جل جلاله-: (وَقُل رَّبّ زدني عِلْماً) [طه:114].
قال الكرماني -رحمه الله-: "طلب زيادة العلم يدلّ على فضله؛ إذ لولا فضله لما أمر الله تعالى بطلبه".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "وكفى بهذا شرفًا للعلم أن أمر نبيّه أن يسأله المزيد منه".
معاشر الطلاب: إن شرف طلب العلم العظيم، يتطلب منكم إخلاص النية لله -سبحانه وتعالى-، والجد والاجتهاد، ولزوم الأدب في الطلب، واحترام المعلمين والإفادة منهم.
كما أنكم -معاشر المعلمين- مؤتمنون أمانة عظيمة، أمانة تعليم الأجيال وتربيتهم، تعليمهم العلم النافع، والخلق الحسن، وتوجيههم لمعالي الأمور، وإكسابهم مزيدًا من القيم والمهارات والأفكار التي تنفعهم في حاضرهم ومستقبلهم، وأبشروا فالأجر عظيم، والمثوبة كبيرة، فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ليصلون على معلمي الناس الخير". أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وعن أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله". أخرجه مسلم.
أيها الآباء: إن الحديث حول التربية حديث مهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته". رواه البخاري.
وهذان النصان من الكتاب والسنة تأمران بالعناية بالإحسان إلى الأولاد وأداء الأمانة إليهم بتربيتهم التربية الصالحة، وتحذر من إهمالهم والتقصير في حقوقهم.
فأول من يتأثر به الأولاد هو آباؤهم؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: "وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامتهم من قبل الآباء".
أيها المسلمون: إن الولد الصالح -ذكرًا كان أم أنثى- من أعظم النعم على الأبوين في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
وكان من دعاء الأنبياء -عليهم السلام-: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [آل عمران: 38]، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده، أو صدقة جارية".
اللهم رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، بارك الله لي ولكم في الوحيين، وبلغني وإياكم خير المنازل وأفضلها، استغفروا ربكم كثيرًا إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه.
معاشر المسلمين: التربية الصالحة التي نريد تتطلب من الأبوين بذل الجهد في التوجيه والتربية والإصلاح والنصح، والتربية على أمهات العبادات ويأتي في مقدمتها الصلاة، والحرص عليها وعلى مواقيتها، وأدائها مع جماعة المسلمين، انظر إلى دعاء إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم: 40].
إن من التربية الصالحة ربط الأبناء بالقرآن الكريم، حفظًا وتلاوة وتدبرًا، عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران". رواه البخاري ومسلم.
من التربية الصالحة للأبناء الحرص على الجليس الصالح، وإبعادهم وتحذيرهم من رفقاء السوء، فقد اقتضت حكمة الله تعالى في خلقه أن جعل الإنسان ميالاً بطبعه إلى مخالطة الآخرين ومجالستهم والاجتماع بهم، وهذه المجالسة لها أثرها الواضح في فكر الإنسان ومنهجه، وسلوكه وأخلاقه، وربما كانت سببًا فعالاً في مصير الإنسان وسعادته الدنيوية والأخروية؛ عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً". رواه البخاري ومسلم.
قال النووي –رحمه الله-: "فِيهِ تَمْثِيله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْجَلِيس الصَّالِح بِحَامِلِ الْمِسْك، وَالْجَلِيس السُّوء بِنَافِخِ الْكِير، وَفِيهِ فَضِيلَة مُجَالَسَة الصَّالِحِينَ وَأَهْل الْخَيْر وَالْمُرُوءَة وَمَكَارِم الأَخْلاَق وَالْوَرَع وَالْعِلْم وَالأَدَب، وَالنَّهْي عَنْ مُجَالَسَة أَهْل الشَّرّ وَأَهْل الْبِدَع، وَمَنْ يَغْتَاب النَّاس، أَوْ يَكْثُر فُجْرُهُ وَبَطَالَته، وَنَحْو ذَلِكَ مِن الأَنْوَاع الْمَذْمُومَة".
أيها الأكارم: من التربية الصالحة: إبعاد الأبناء عن مواطن الردى والسوء، وحفظهم من القنوات الفضائية التي تبث الرذيلة والفحشاء، ولله الحمد ففي القنوات الفضائية الهادفة غنية عن تعريض الأبناء لرؤية الحرام أو سماع الحرام، وتذكروا الأمانة التي أنيطت بكم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".
معاشر الآباء: إن من أسس التربية الصالحة -وخاصة في هذه الأزمان التي انفتح بها العالم على بعضها، وتوسعت فيها وسائل التقنية وتعددت- أقول: من أسس التربية الصالحة: تذكير الأبناء دائمًا بمراقبة الله تعالى، وغرس ذلك في نفوسهم، وبث حب الله ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قلوبهم.
من التربية الصالحة -إخوة الإسلام- تربية الأبناء على الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة من الصدق والأمانة والكرم، والشجاعة، والإيثار، والوفاء، وحب النفع للناس، وغيرها، وتحذيرهم من الصفات الذميمة والأخلاق السيئة من الغيبة والنميمة والكذب والبخل، والسب والشتم، وغيرها من الأخلاق التي على كل مسلم أن يتجنبها ويحذر منها.
اللهم أصلح أبناءنا وبناتنا واجعلهم قرة عين لنا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي