خنساوات فلسطين

أحمد حسين الفقيهي
عناصر الخطبة
  1. وقفة مع حدث غزة .
  2. نماذج من صمود المرأة الغزاوية المجاهدة .
  3. قيام الصراع بين اليهود والمسلمين أزلي ثابت .

اقتباس

قام المجاهدون قبل صلاة الفجر من يوم الجمعة بمشاغلة العدو بالأسلحة التي يملكونها والتي أوشكت على النفاد، وقام أخوانهم في خارج المسجد في الخطوط الخلفية بفتح جبهة أخرى لإنهاك العدو، وإطلاق القذائف على تجمع الآليات الصهيونية، أما دور النساء في هذه المعركة والتي أطلق عليها اسم معركة (أهل الجنة) فترويها لكم قائدة تلك المظاهرة فتقول ..

عباد الله: في مثل هذا اليوم، في الجمعة الماضية كان توقيت ذلك الحدث العظيم الذي تجلت فيه صور الشجاعة والإباء.
حدث أعاد لنا أمجادنا السابقة، وذكرياتنا الخالدة وسيبقى ذكرى تستلهم منه الأجيال اللاحقة الدرس والعبرة،
فيا ترى ما هو ذلك الحدث، وأين مكانه؟ ومتى زمانه؟ 

أيها المسلمون: لقد نما إلى علم اليهود أن مسجد النصر ببيت حانون يتحصن فيه قرابة سبعين مقاوماً من المقاومة الفلسطينية، فبدأت قوات الاحتلال بمحاصرة المدينة، وضيقت الخناق على الحي الذي يوجد فيه المسجد، ثم اقترب العدو بدباباته وجرافاته حتى أحاطت بالمسجد من جميع الجهات واعتلى القناصة من الجيش اليهودي أسطح المنازل المجاورة.

عباد الله: قام المجاهدون قبل صلاة الفجر من يوم الجمعة بمشاغلة العدو بالأسلحة التي يملكونها والتي أوشكت على النفاد، وقام أخوانهم في خارج المسجد في الخطوط الخلفية بفتح جبهة أخرى لإنهاك العدو، وإطلاق القذائف على تجمع الآليات الصهيونية، أما دور النساء في هذه المعركة والتي أطلق عليها اسم معركة (أهل الجنة) فترويها لكم قائدة تلك المظاهرة فتقول: "بعد توارد الأخبار عن حصار عدد من المجاهدين في مسجد النصر كنا نعد الثواني طوال الليل، وما أن صلينا الفجر، وأشرقت الشمس حتى وجدت مئات من النساء بانتظاري، خرجنا جميعاً في مسيرة حاشدةٍ صوب بيت حانون مستنفرات قابضات على الجمر، نبتغي نصرة إخواننا وأبنائنا، وإنقاذ المحاصرين سرنا وكان شعارنا في تلك المسيرة الله أكبر قادمون يا بيت حانون"، تقول إحدى المشاركات: "تسلحنا بلا إله إلا الله والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسرنا إلى بيت حانون، وكنا نتذكر أمهات المؤمنين عائشة وخديجة ونحن نسير نحو جيش الاحتلال، وكنا على يقين أن الله معنا ولن يتركنا".

لقد ساروا ولسان حالهم يقول:

من ذا يقوم ويسقي الترب من دمه *** من ذا يضرج باب المجد يستطر
من ذا يكبر لا يلوي على أحد؟ *** من ذا يشمر للعلياء يبتدر
الله أكبر في الساحات نسمعها *** الله أكبر بالأعداء تنفجر
الله أكبر يا رباه أحي بنا *** روح الشهادة فالأعداء قد كثروا
تكالبوا واستقروا في مرابعنا *** أواه يا أمتي الأورام تنتشر
لا يصلح الحال درب لا دماء به *** فما الحلول ولا الأوهام تزدهر
لا يرجع الحق إلا خفق ألوية *** تطوي الثريا وللأفاق تنتشر
لن يُسعف الحال إلا مهجة عزمت *** تسقي التراب وترويه وتصطبر

أيها المسلمون: اجتازت مسيرة النساء محطات من الحصار العسكري الصهيوني، ووصلت إلى مقربة من المسجد وعندها قام اليهود بالنداء على النساء عبر مكبرات الصوت بعدم الاقتراب والعودة إلى منازلهن، لكن مسيرة الماجدات لم تتوقف، وأصررن على فك الحصار حتى ولوكلفهن ذلك أرواحهن، عندها أطلق العدو الرصاص غزيراً، فسال الدم من سيدات فلسطين وصباياها، وسقط منهن عدد من الشهيدات وكثيرٌ من الجريحات، لكن إصرارهن كان أكبر من رصاص المحتل الغادر، وأكبر من الآلام التي ترافق الجراح، وأكبر من تمزيق الأجساد بالرصاص، تقول قائدة المسيرة: كنا نعلم أن العدو سيواجهنا بأي طريقة، وكنا نعلم أنهم جبناء، فقررنا المواجهة، ونحن مستعدات لدفع الثمن أياً كان إما الحياة بعزة أو الموت في سبيل الله، هكذا خرجنا، ومن يخرج بهذه النفس، وبهذه القوة فسينصره الله عز وجل.

عباد الله: استطاعت النساء الفلسطينيات رغم القذائف والدبابات من الوصول إلى مقر الحصار، ونجحن بحمد الله في التغطية على المجاهدين المحاصرين الذين انسحبوا من دائرة الحصار وانتشروا في خطوط أخرى لمواجهة الاحتلال.

أيها المسلمون: لقد هال خروج أولئك النسوة الأعداء قبل الأصدقاء، ولقد أنصف الأعداء أولئك الفارسات في ظل صمت قنواتنا وشاشاتنا وانشغالها بالفنانات والراقصات وأرباب الشهوات، يقول وزير القضاء الإسرائيلي السابق: إن ما قامت به هؤلاء النسوة هو أسطورة، وموقف بطولي، سيضفي المصداقية والاحترام على النضال الفلسطيني وسيصبحن هؤلاء النسوة مثالاً سيحرص على اقتدائه الفلسطينيون والعرب والمسلمون في جميع أنحاء العالم، ويقول أيضاً أحد المعلقين العسكرين: إن هؤلاء النسوة صنعن تاريخاً بعد أن تزودن بإيمان كبير وعقيدة صلبة جعلهن يقدمن على هذه المخاطرة من أجل العمل على فك الحصار عن المقاومين الفلسطينين الذين كانوا محاصرين في المسجد.

أيها المسلمون: لقد خرجن أولئك النسوة ونجحن في تحقيق مرادهن، خرجن ليسجلن موقفاً نحن في أمس الحاجة إليه وسط هذا العجز العربي القاهر خرجن ليلقين بأنفسهن في أتون الموت من أجل أن نعتدل في جلستنا، وحتى نرفع رؤوسنا قليلاً بعد حقبة من الطأطأة الطويلة.

لكن الله يا نساء فلسطين حيث أعدتن لنا ذكرى صفية وأم عمار، وأزلتن عنا خزي الجبناء وعار العملاء:
من خلفكن ألوفهم أصفار *** وكبارهم بجاوركن صغار
يا من فعلتن الذي عن فعله *** دول نأت واستنكف المليار
من قال إن المعجزات قد انتهت *** ووجودكن لعصرها استمرار
لا عذر بعد خروجهن لقاعد *** منا وليست تقبل الأعذار
يابيت حانون اشربي ما شئت *** من دمنا ولو منه جرت أنهار
لن نستريح وفي عيونك دمعة *** وفداؤك الأرواح والأعمار
والنصر آت لا محالة فاصبري *** فعدونا متخبطٌ منهار
زفت نهايته وهذا نعشه *** في كل زاويةٍ به مسمار
وظلام ليلك لن يطول فأبشري *** ميعادنا شمس غداً ونهارُ

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة..

الخطبة الثانية:

عباد الله: إن العداوة بيننا وبين اليهود مبدأ ثابت لا يتغير ولا يزول كما قرره ربنا سبحانه في كتابه ولذا فالحرب بيننا وبين اليهود مستمرة، ومهما حاول أذناب اليهود والنصارى وعملائهم من بني جلدتنا أن يقنعونا نحن المسلمين بإمكان أن تحل المحبة محل العداوة، وأن يحل السلام مكان الحرب فإن ذلك محال وسراب، كيف والمولى سبحانه يقول: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120].

أيها المسلمون: حدثوني بربكم ماذا جنينا من اتفاقات مدريد و أوسلوا وخارطة الطريق، هل قللت من عدد شهدائنا؟ وهل أعادت مقدساتنا؟ وهل حفظت ماء عزتنا وكرامتنا؟ أم أنها زادتنا وزادت إخواننا هناك عذاباً فوق العذاب بما كان يعمله ويعقده العملاء الخائنون، ولقد أثبتت لنا التجارب أن ما انتزع بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن راية الحق إذا ارتفعت تصاغرت أمامها كل راية.

يا مسلمون: ليس الخوف على الإسلام وانتصاره فلهذا الدين رب يحميه، ولكن الخوف أن يستبدل الله قوماً غيرنا لتحقيق موعوده (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).

عباد الله: إن عجزنا عن نصرة إخواننا بأنفسنا فلننصرهم بأموالنا ودعائنا ولن نعدم بإذن الله مستجاب الدعوة يفتح الله على أيديه أبواب النصر لإخوانه المسلمين.

ثم صلوا رحمكم الله على الهادي البشير.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي