إن ما تُبتلى به الديار من قلة الغيث وغور الآبار، وما يصيب المواشي والزروع من نقص وأضرار، ليس ذلك ـ لعمرو الله ـ من نقص في جود الباري جل شأنه، وعظم فضله، كلا ثم كلا، ولكن سبب ذلك كله إضاعة أمر الله، والتقصير في جنب الله.
أما بعد: فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فتقوى الله طريق النجاة والسلامة، وسبيل الفوز والكرامة، بالتقوى تزداد النعم وتتنزل البركات، وبها تُصرف النقم، وتُستدفع الآفات.
عباد الله:
تأملوا في هذه الحياة، مدبرٌ مقبلُها، ومائلٌ معتدلُها، كثيرة عِللُها، إن أضحكت بزخرفها قليلاً، فلقد أبكت أكدارها طويلاً، تفكروا في حال من جمعها ثم منعها، انتقلت إلى غيره، وحمل إثمها ومغرمها، فيا لحسرة من فرط في جنب الله، ويا لندامة من اجترأ على محارم الله.
أقوام غافلون جاءتهم المواعظ فاستَثقلوها، وتوالت عليهم النصائح، فرفضوها، توالت عليهم نعم الله فما شكروها، ثم جاءهم ريب المنون فأصبحوا بأعمالهم مرتهنين، وعلى ما قدمت أيديهم نادمين (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ) [الشعراء: 205 ـ 207].
عباد الله، يا أمة محمد:
ما حلَّ بتاريخ الأمم من شديد العقوبات، ولا أُخذوا من غِيَر بفظيع المثلات إلا بسبب التقصير في التوحيد والتقوى، وإيثار الشهوات، وغلبة الأهواء، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ وَلَـاكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].
إن كل نقص يصيب الناس في علومهم وأعمالهم، وقلوبهم وأبدانهم وتدبيرهم وأحوالهم وأشيائهم وممتلكاتهم، سببه والله الذنوب والمعاصي (وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30]. (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].
إن ما تُبتلى به الديار من قلة الغيث وغور الآبار، وما يصيب المواشي والزورع من نقص وأضرار، ليس ذلك ـ لعمرو الله ـ من نقص في جود الباري جل شأنه، وعظم فضله، كلا ثم كلا، ولكن سبب ذلك كله إضاعة أمر الله، والتقصير في جنب الله.
المعاصي تفسد الديار العامرة، وتسلب النعم الباطنة والظاهرة، كيف يطمع العبد في الحصول من ربه على ما يحب، وهو مقصر فيما يجب؟!، ذنوب ومعاصي، إلى الله منها المشتكى، وإليه وحده المفر، وبه سبحانه المعتصم اضطرابٌ عقدي، وتحلّلٌ فكري، وتدهورٌ أخلاقي، جلبته قنوات فضائية ووسائل إعلامية وشبكات معلوماتية، ربا وزنا، وضعفٌ في العفة والحشمة، فتنٌ ومحن، بألوانها وأوصافها، ألوان من الجرائم والفسوق، والشذوذ والانحراف، بل وإلحادٌ وكفريات من خلال كثير من القنوات، ثم تظالم بين العباد، وأكلٌ للحقوق، وغصب لأموال الناس بالباطل، كيف يُرجى حصول الغيث وفي الناس مقيمون على الغش، ومصرون على الخيانات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد برئ من الغش والكذب؟!، المكاسب الخبيثة تستدرج صاحبها حتى تمحقه محقًا، وتنزع البركة منه نزعًا. نعم، لولا الذنوب وآثارها، والمظالم وشؤمها لصبت السماء أمطارها، ولبادرت غيثها ومدرارها.
عباد الله، إن من البلاء أن لا يحس المذنب بالعقوبة، وأشد منه أن يقع السرور بما هو بلاء وعقوبة، فيفرح بالمال الحرام، ويبتهج بالتمكن من الذنب، ويصر بالاستكثار من المعاصي.
ألا ترون المجاهرة بالمعاصي وإعلانها، كيف تُرجى السلامة والعافية مع المجاهرة، وقد قال نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرون)).
وإن من المجاهرة أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح قد ستره ربه فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه فيُصبح يكشف ستر الله عليه.
ومن المجاهرة أن يذكر الماجن مجونه، وينشر الفاسق فسقه، في خمور ومعازف وآلات من اللهو المحرم.
يا أصحاب الإعلام والأقلام اتقوا الله فيما تكتبون وتنشرون، إذا اشتدت ملابسة الذنوب للقلوب فقدت الغيرة على الأهل والمحارم، فلا تستقبح قبيحًا، ولا تنكر منكرًا.
أيها المسلمون، لقد فشا في كثير من المجتمعات الربا والزنا، وشُربت الخمور والمسكرات، وأدمنت المخدرات كثر أكل الحرام، وتنوعت به الحيل، شهادات باطلة، وأيمان فاجرة، وخصومات ظالمة، ارتفعت أصوات المعازف والمزامير، وفشت رذائل الأخلاق والعادات في البنين والبنات، فإلى متى الغفلة، عن سنن الله؟! ونعوذ بالله من الأمن من مكر الله (ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال: 53].
أيها الإخوة في الله، إن ربكم يخوفكم بالآيات والنذر، والشدة والنكال، زلازل وبراكين، ورياح وأعاصير، وحروب وفيضانات، يصيب بها من يشاء، ويصرفها عمن يشاء، وهو شديد المحال.
تفكروا ـ رحمكم الله ـ في حُكم المولى وحكمته في تصريف الأمور وتدبير الأحوال، ما أصاب العباد فبما كسبت أيديهم، ولكنه بفضله يعفو عن كثير (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ) [فاطر: 45].
ومن أجل هذا فارجعوا إلى ربكم وتوبوا إليه، واستغفروه، وأحسنوا الظن به، اجعلوا الرجاء في مولاكم نصب أعينكم، ومحط قلوبكم، فربكم نعم المولى، ونعم المرتجى، يغفر الذنوب، ويكشف الكروب، ولا يملأن قلوبكم اليأس من روح الله وفضله وإفضاله، فتظنون به ما لا يليق بجلاله وكماله، أليس هو الذي رزق الأجنة في بطون أمهاتهم، ربّاها صغارًا، وغمرها بفضله كبارًا.
تراكمت الكروب فكشفها، وحلت الجدوب فرفعها، أطعم وأسقى، وكفى وآوى، وأغنى وأقنى، نعمه لا تحصى، وإحسانه لا يستقصى، كم قصدته النفوس بحوائجها فقضاها، وانطرحت بين يديه ففرج كربها وأعطاها، سبحانه وبحمده، لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، هو ربنا ومولانا، وهو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
فراجعوا أنفسكم ـ رحمكم الله ـ بالاعتراف بتقصيركم وعيوبكم، وتوبوا إلى ربكم من جميع ذنوبكم، وجهوا قلوبكم إلى من بيده خزائن الرحمة والأرزاق، وأمِّلوا الفرج من الرحيم الخلاق، فأفضل العبادة انتظار الفرج، واحذروا اليأس والقنوط، واجتنبوا السخط والعجز، توبوا إلى ربكم من ذنوبٍ تمنع نزول الغيث وأقلعوا من مظالم تحجب أبواب البركات.
تعطفوا على فقرائكم بالرحمة والإحسان، أدوا الحقوق إلى أصحابها، وردوا المظالم إلى أهلها، قوموا بمسؤولياتكم على وجهها، أحسنوا إلى الخدم والعاملين، واليتامى والمستضعفين، أدوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تأكلوا أجرهم ومرتباتهم، مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وأصلحوا ذات بينكم، وأحسنوا تربية بناتكم وأبنائكم، وبروا والديكم، وصلوا أرحامكم، أدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، وتصدقوا من فضول أموالكم واتقوا النار ولو بشق تمرة.
ها أنتم قد حضرتم بين يدي ربكم تبسطون إليه حاجتكم، وتشكون جدب دياركم، وذلكم بلاءٌ من ربكم، فلعلكم إليه ترجعون، ومن ذنوبكم تستغفرون، فأقبلوا عليه وتقربوا بصالح العمل لديه، ابتهلوا وتضرعوا وادعوا واستغفروا، فقد ربط سبحانه في كتابه بين الاستغفار وحصول الغيث المدرار، اقرؤوا وصية نبي الله نوح عليه السلام لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) [نوح: 10 ـ 12] ووصية هود عليه السلام لقومه: (وَياقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) [هود: 52].
ولازموا الثناء على ربكم، لازموا الثناء على ربكم، وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم الهادي البشير، سيدنا وإمامنا وقدوتنا، فالدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يُصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الأثر.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم صل على محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه.
ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مرئيًا، صببًا سحًا مجللاً، عامًا نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين.
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.
سبحان الله، على الله توكلنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، اللهم ارفع عنا من الجوع والجهد والعُري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه إلا أنت، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا الغيث، وآمنا من الخوف، ولا تجعلنا آيسين، ولا تهلكنا بالسنين، اللهم ارحم الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، والبهائم الرتع، وارحم الخلائق أجمعين، اللهم ياذا الجلال والإكرام، يا بديع السماوات والأرض يا حي يا قيوم، لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى حولنا ولا إلى قوتنا فإننا فقراء إليك، محتاجون إليك، اللهم فارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وأغث قلوبنا وديارنا، اللهم أغدق علينا من كرمك العميم، وأسبغ علينا من فضلك العظيم، اللهم إنا نسألك البركة في أعمالنا وأعمارنا وأولادنا وبلادنا وأموالنا وأوقاتنا، وحروثنا وزروعنا وتجاراتنا وصناعتنا.
(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـافِرِينَ) [البقرة: 286].
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا وارزقه البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين.
اللهم رد عنا كيد الكائدين، وعداء المعتدين، واقطع دابر الفساد والمفسدين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، اقلبوا أرديتكم تأسيًا بنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم واجتهدوا في الدعاء، وألحوا في المسألة، وأخلصوا وأحسنوا، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، عسى ربكم أن يرحمكم فيغيث القلوب بالرجوع إليه، والبلد بإنزال الغيث عليه.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي