تعظيم الأشهر الحرم

الحسين أشقرا
عناصر الخطبة
  1. سر ذكر الأشهر الحرم في القرآن .
  2. تلاعب العرب في الجاهلية بالأشهر الحرم .
  3. حجة الوداع منطلق لضبط الأشهر .
  4. حكم سب الدهر .
  5. اصطفاء الله أزمة وأمكنة مخصوصة .
  6. التحذير من الظلم في الأشهر الحرم .

اقتباس

لقد كان العرب قبل نزول القرآن يتلاعبون في جاهليتهم الجَهلاء تلاعب الصبيان بحرمة هذه الشهور، فيؤخرون حرمة محرم إلى صفر إذا أرادوا فيه القتال، ويسمونه :النسيء، وأبطل الله -عز وجل- هذا التلاعب فقال -عز من قائل-: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ)، ويقولون: شهر بشهر، ويرحلوا حرمة المحرم إلى صفر، ويحلون المحرم عامًا ويحرمونه عامًا ..

إن الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 102، 103].

أيها المسلمون، أيتها المسلمات: إن المؤمنين بالله هم أهل بشارات القرآن، أعدت لهم روضات حسان، جزاءً على طاعة الملك الديان، وخوفًا من العذاب بالنيران، واستشعارًا لحرمة ما حرّم المنان، وتعظيمًا لما عظم الرحمن، وكل هذا مؤكد بالحجة والبرهان.

أيها المؤمنون: قال الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36].

أيها المسلمون: إن الإسلام الذي رضيه للبشر على الأرض بتشريعاته العادلة التي تحمي حقوق الناس وواجباتهم، صاحب هذا الإسلام هو الله، هو صاحب إسلام هذا الكون كله، وصاحب قانون الكون كله: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40]، فلا الشمس تعتدي على القمر، ولا الليل يتعدى ويتجاوز مدته المخصصة له على حساب مدة النهار، حتى يكون كل كائن مسخرًا لخدمة هذا الإنسان الخليفة عن الله في الأرض ليعمرها بالخير والرشد، وأن لا يفسد فيها ويسفك الدماء بغير حق.

عباد الله: لقد جعل الله السنة في الأرض مقسمة إلى اثني عشر شهرًا، ومن هذه الأشهر اختار -سبحانه وتعالى- أربعة حرمًا هي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب.

فما سر ذكرها في كتاب الله؟!

لقد كان العرب قبل نزول القرآن يتلاعبون في جاهليتهم الجَهلاء تلاعب الصبيان بحرمة هذه الشهور، فيؤخرون حرمة محرم إلى صفر إذا أرادوا فيه القتال، ويسمونه :النسيء، وأبطل الله -عز وجل- هذا التلاعب فقال -عز من قائل-: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) [التوبة: 37]، ويقولون: شهر بشهر، ويرحلوا حرمة المحرم إلى صفر، ويحلون المحرم عامًا ويحرمونه عامًا، قال تعالى: (فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [التوبة: 37].

والحمد لله سبحانه على أن جعل حجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السنة العاشرة للهجرة منطلقًا لضبط الأشهر، وأعلن -عليه الصلاة والسلام- من فوق جبل عرفة: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض". وبعد بطلان النسيء، جاء الهلال ليجعل من الشهر ثلاثين أو تسعًا وعشرين يومًا: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) [البقرة: 189].

وأمام هذه النعمة الزمنية لضبط وقت عبادات المسلمين، ننبه على عادة سيئة شاعت بين الناس وهي عادة السب للزمان، اعتقادًا منهم أن الدهر هو المسبب للضرر اللاحق بهم، وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن سب الدهر.

فإذا أغضبك الشيطان -أيها المسلم- فلا تسب الزمان. وإذا غضبت -أيها المسلم- من شخص فلا تلعن الساعة التي جمعتك به. وإذا غضبت من زوجك يومًا ما فلا تلعن اليوم الذي جمعكما. وإذا أغضبك شريكك في التجارة أو آذاك جارك فلا تسب الشهر الذي جمعكما. لا تسب الدهر والزمان مهما كان، وإلا فكأنك تسب الملك الديان خالق الدهر والزمان.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين. آمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين.

أما بعد:

فيا عباد الله: إن الله يفعل ما يشاء في ملكه ويختار، فقد اصطفى من الملائكة رسلاً، واصطفى من الناس أفضلهم وجعلهم أنبياء ورسلاً، واختار من الكلام ذكر، واصطفى أفضل الأماكن في الأرض المساجد، واختار أفضل الشهور شهر رمضان، واصطفى أحسن الأيام يوم الجمعة، وأحسن الليالي ليلة القدر.

فعظموا -أيها المسلمون- ما عظّم الله، واتقوا ربكم واستشعروا حرمة هذا الشهر من الأشهر الحرم، واحذروا من ظلم أنفسكم فيه وفي سائر الشهور، وأقبلوا على موائد الطاعة بما صح وتبث لديكم عن الله والرسول، وأعرضوا عن كل ما ابتدعه الناس في الدين، واعبدوا الله كما أراد وأمر لا كما تريدون، واعلموا -يا من نويتم أداء مناسك الحج لبيت الله- أن بداية استعدادكم من الآن تدريبًا وتوطينًا للنفس على الخير واستعدادًا لحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور.

وقد أمر الله بالصلاة والسلام على خير الأنام فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي