دعاءٌ دَعَاهُ النبي صلى الله عليه وسلم فيه العبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، دعاء دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فيه القدوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، هذا الدعاء لم يخص النبي صلى الله عليه وسلم به نفسه، ولم يخص به أهله، هذا الدعاء لم يدعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، لم يدعه مرة واحدة ولا عشرا ثم توقَّف بعدها. فما هي قصة هذا الدعاء؟ ..
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد: دعاءٌ دَعَاهُ النبي صلى الله عليه وسلم فيه العبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، دعاء دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فيه القدوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر،
هذا الدعاء لم يخص النبي صلى الله عليه وسلم به نفسه، ولم يخص به أهله، هذا الدعاء لم يدعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، لم يدعه مرة واحدة ولا عشرا ثم توقَّف بعدها. فما هي قصة هذا الدعاء؟.
أيها المؤمنون بالله: في صحيح البخاري ومسلم والسنن، عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صَلاَةِ الفجر شَهْرًا، يَقُولُ فِى قُنُوتِهِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ... اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، ثم يستمر في دعائه فيقول: "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى قريش، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِىِّ يُوسُفَ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "وَمَا تَرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا".
أيها المؤمنون بالله: مَن هم هؤلاء الذين قنَت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا يدعو لهم؟ إنهم الذين أسلموا بمكة ولم يقدروا على الهجرة؛ لأن كانوا مستضعفين من قِبَل أعداء الإسلام، كانوا مضطهدين من قبل الظلَمة والمستبدِّين، ضيقوا عليهم وحاصروهم وشددوا الخناق عليهم، وظلموهم وأساءوا إليهم، وفوق هذا منعوهم من أن يهاجروا في سبيل الله إلى المدينة، هؤلاء الثلة المؤمنين المستضعفين، لأجلهم يقنت نبينا صلى الله عليه وسلم، ولأجلهم يدعو، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم ليس كدعاء أيّ أحد فينا، فدعاؤه وحْيٌ من الله، دعاؤه تشريع للأمة، دعاؤه تعليم للأمة، دعاؤه منهج للمسلمين.
دعاؤه صلى الله عليه وسلم للمستضعفين من المؤمنين والمؤمنات هو نهجٌ نبويٌّ أصيلٌ اتَّبعَه صلى الله عليه وسلم ضمن وسائلَ وطرقٍ متعددةٍ أخرى لنصرة المستضعفين، فهو ليس الطريقَ الوحيد؛ لكنه طريقٌ ثابتٌ وقويٌّ وأصيلٌ، لا تستغني عنه الأمة مهما حازت من الوسائل الأخرى لنصرة المستضعفين.
أيها الأخوة المؤمنون: يقنت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا وهو يدعو ويقول: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ"، "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، فما هي عبر هذا الدعاء؟ فما هي دلالات هذا الدعاء؟ ما حكمه؟ وما دروسه؟.
الهمّ على الأمة، يا أيها الأخوة هذا الدعاء فيه عبرةٌ عجيبة، فيه قدوةٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم نادرة، نعم نحن نقتدي برسولنا في صلاتنا، في حَجِّنا، في صومنا، في بيعنا، لكننا هنا نقتدي به في شيء عجيب، إنه: الهمّ على الأمة، نعم! يريدك رسول الله -يا أيها المؤمن- أن تقتدي به في همّه على الأمة، في همّه على المسلمين، فنبينا صلى الله عليه وسلم كان دائما يحمل هَمَّ الأمة كلها.
فعن عائشة أنها قالت: لما رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم طيب نفس، قلت: يا رسول الله، ادع الله لي. فقال: "اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخَّر، ما أسرَّتْ وما أعلنَتْ"، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيسرُّك دعائي؟" فقالت: ومالي لا يسرني دعاؤك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "والله إنها لَدُعائي لأمَّتي في كل صلاة!". هذا هو همّه صلى الله عليه وسلم على الأمة يدعو لها.
ولكن همّه هذا كان يزداد ويكبر حينما يجد المسلمين مستضعفين ومظلومين فيشتد في الدعاء لهم، كما في دعائه هذا للمستضعفين في مكة.
وهو يريدك أن يكون همك كبيرا على الأمة إذا مرت بها أحوال عصيبة، إذا استضعفت طائفة منهم، إذا تعرض بعضهم للمجاعات، للكوارث، انظر إليه صلى الله عليه وسلم الرحيم الشفوق بهذه الأمة: يقلق، ويهتم، ويغتم شهراً كاملاً لما علم أنّ بعض المسلمين مستضعف في مكة، لم يقل: هم بمكة وأنا بالمدينة! بل قال: دينهم وديني واحد، وهمهم وهمي واحد، وربهم وربي واحد؛ فيدعو ويدعو ما يملّ، حتى فرَّج الله عنهم.
"اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ".
أيها الأخوة المؤمنون: دعاء يعلمنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء سلاح المؤمنين، يعلمنا أن لا نتخلى عن سلاح الدعاء، يعلمنا أنّ الدعاء الصادق الخالص سلاح ضارب، وأنه سلاح مَن بيده حيلة، ومَن ليس بيده حيلة، وما أمضاه من سلاح حينما تصدح به حناجر المظلومين من عباد الله البسطاء! حينما يخالط دعاؤُهم دموعَهم وعبَراتِهم! بل ودماءهم! ويرتفع إلى الله نصير المظلومين!.
استمع إلى ما يقول نبيك صلى الله عليه وسلم، استمع إلى نظرته إلى دعاء المسلم البسيط، استمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبين للأمة أثر دعاء المؤمنين المخلصين العاديين، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: "هل تُنصَرون وترزقون إلا بضعفائكم، بدعوتهم وإخلاصهم؟" وقال: "إنما تنصر هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم"، قال شُرَّاح الحديث: ليس النصر وإدرار الرزق إلا ببركتهم، فأبرزه في صورة الاستفهام لمزيد التقرير؛ وذلك لأنهم أعظم إخلاصا في الدعاء، وأكثر خضوعا.
وقال ابن بطال: إن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء، وأكثر خشوعا في العبادة؛ لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا. وفي فيض القدير: والضعيف إذا رأى عجزه وعدم قوته تبرأ عن الحول والقوة بإخلاص، واستعان بالله، فكانت له الغلبة.
"اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ".
أيها الأخوة المؤمنون: لماذا دعا نبينا صلى الله عليه وسلم للمستضعفين؟ ولماذا يريد منا أن ندعو للمستضعفين؟ أيها المؤمن: دعاؤك للمستضعفين من المسلمين هو عبادة لله تعالى، هو قربة لله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة"، فتذكَّرْ أنك لما تدعو لهم فأنت في عبادة عظيمة، وقربة جليلة، وأنت مأجور مأجور على دعائك هذا، وتذكّر أن دعاءك هذا لعباد الله المستضعفين يرضي الله. نعم، الله يرضى ويحب الدعاء للمستضعفين.
وربما بسبب دعائك هذا الصادق يرضى الله عنك، فحينما ينظر الله إليك فيجد في قلبك الهمَّ عليهم والدعاء الصادق لهم فلربما يكتب الله لك رضوانه، ووالله لربما عبودية دعائك للمستضعفين تعدل أضعاف أضعاف عبادات أخرى!.
أيها المؤمن: دعاؤك للمستضعفين من المسلمين هو دليل على صحة عقيدتك، دليل على أنك مؤمن حق الإيمان، قال ربك -سبحانه-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:71]، ووصف الله العلاقة بين المؤمنين بقوله -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]، وقوله:(رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح:29]، وقوله: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [المائدة:54]، قال الطبري: أذلة على المؤمنين، أي: أرقَّاء عليهم، رحماء بهم. فَلْيَكُنْ رابطُ الدين الذي جمعنا على الصيام يجمعنا على الدعاء لبعضنا بعضا.
أيها المؤمن: دعاؤك للمستضعفين من المسلمين هو تفريج لكرب عظيم يعانون منه، فأي كرب أشد من سطوة المستبدِّين، ومن قهر المجرمين، ومن تعدي الظالمين؟ فدعاؤك هذا شعور بمعاناتهم، وبأحزانهم، وبأوقاتهم العصيبة، وبآلامهم، هو تعاطف معهم، هو استجابة لاستغاثاتهم التي لعِظَمِها ولحرقتها ولشدتها سجَّلَها الله تعالى في القرآن.
نعم، سجَّل القرآن لنا استغاثات المستضعفين، فقال ربنا -سبحانه- فيهم: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) [النساء:75].
أيها المؤمن: دعاؤك للمستضعفين من المسلمين هو تثبيت لهم، وتقوية لشوكتهم، هو تصبير لهم، هو مساندة ودعم لهم، هو شدٌّ من أزرهم في وجه العتاة والمستبدين والظلَمة، وهذا ما كان يفعله نبينا صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال لأبي جندل -رضي الله عنه-، أحد المستضعفين الذين كانوا بين أيدي قريش: أبا جندل، اصبر واحتسب، فإنّ الله جاعلٌ لكَ ولِمَن معك من المستضعفين فرَجاً ومخرجا.
"اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ".
عباد الله: تأمّلوا معا بقلوب مبصرة: دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمستضعفين من المؤمنين، للمظلومين من المؤمنين، ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد، لم يكتف بالدعاء للمستضعفين، بل أكمل دعاءه العظيم هذا الذي أراده أن يكون منهجا للأمة، أكمله فدعا على من يَستضعف المؤمنين، دعا على من يظلمهم ويقهرهم، استمعوا إلى دعائه الخالد هذا، فبعد أن قال: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" استمر في دعائه فقال: "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى قريش، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ".
أيها الإخوة المؤمنون: النبي صلى الله عليه وسلم هنا في هذا الدعاء يعلمنا أن لا نكتفي بأن ندعو للمستضعفين من المؤمنين بالنجاة والنصرة، بل علينا أن نُتبع ذلك بالدعاء على مَن يَستضعِف المؤمنين ويستبدّ بهم ويؤذيهم ويعذبهم، هذا هو منهج نبينا صلى الله عليه وسلم، تأمّل معي دعاء نبي الله صلى الله عليه وسلم حينما يقول: "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى قريش، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ".
اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ: أصل الوطء: الدَّوْسُ بالقدم: أي:اللهم شدِّد عقوبتك وأهْلِكْهُم غاية الإهلاك. اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ: أي: في الشدة والقحط والبلاء. فالنبي يعلِّمك -أيها المؤمن- إذا دعوت على من يظلم عباد الله أن تشدد عليهم في الدعاء، فقد دعا على بعض أعداء الله بقوله: "مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً"، "مَللأ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا".
ودعا على آخرين بقوله: "اللَّهُمَّ مَزِّقْهُم كُلّ مُمَزَّق"، ودعا على قبائل وأحياء معينة بقوله: "اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِى لِحْيَانَ وَرِعْلاً وَذَكْوَانَ"، ودعا على أشخاص مجرمين باسمائهم بقوله: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِى جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ".
يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ويقسو في دعائه على من استضعف المسلمين الذين بمكة، "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى قريش اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ"، ويستمر بالدعاء على هؤلاء الظلَمة شهرا كاملاً، وهُمْ، ماذا عملوا؟ منَعوا بعض الشيوخ والأطفال والنساء والرجال من الهجرة، وضيقوا عليهم في مكة، ومع ذلك يغضب لهم رسول الله، ويعظم في نفسه هذا الإيذاء؛ فيدعو عليهم بشدة شهرا كاملا.
فكيف لو يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عينة من المسلمين المستضعفين اليوم؟ كيف لو يرى شيوخا هرمة تُداس بأقدام الظلمة، وشبابا يافعة تطحن بدباباتهم؟ كيف لو رأى عفيفات تنتهك أعراضهن، وأطفالاً تزهق أرواحهم؟ كيف لو رأى بيوت الله وهي تدنس وتهدم مآذنها؟ أبو جهل الكافر الظالم الذي كان يستضعف المسلمين بمكة، ما ثبت انه ذبح هرِماً، ما ثبت أنه زنا بمسلمه عفيفة، ما ثبت انه دنس بيت الله، ولكن فراعنة بعض العرب والمنتسبين للإسلام فعلوا هذا!.
ماذا تتوقعون أن يكون دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم لو عايش ذلك؟ إذا كانت قريش فقط حبست بعض المسلمين عن الهجرة، يقنت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا في كل صلاة فجر وهو يدعو ربه قائلا: "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى قريش اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ".
لذلك ادع -يا أيها المؤمن بالله، يا أيها المؤمن برسول الله- ادع لإخوانك المستضعفين من المسلمين والمسلمات، ومن المؤمنين والمؤمنات المستضعفين، ادع للمنكوبين، ادع للمسلمين، للجياع، للفقراء، للمرضى، ادع للمسلمين المظلومين المقهورين في كل بلد وحي وأرض.
ادع، يا أيها المؤمن بالله، فمَن تنتظر أن يدعو لهم؟ تنتظر المترفين السامدين في غيهم، الساهرين في الفنادق والمقاهي وعلى الأرصفة؟ مَن تنتظر أن يدعو لهم؟ أؤلئك الذين أهمَّتهم أنفسهم فقط؟ أولئك الذين نسوا أنهم إلى ربهم راجعون؟.
أيها المؤمنون البسطاء: ادعوا، فمَن يدعو إن لم تدعوا أنتم يا رواد المساجد؟ من يدعو إن لم تدعوا أنتم أيها المصلون والمصليات؟ أيها الصائمون والصائمات؟ من يدعو إن لم تدعوا أنتم أيها المتصدقون والمتصدقات، أيها العابدون والعابدات؟.
"اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ".
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: يا أيها المؤمنون، يا عباد الله المخلصين، لنا قدوة في رسولنا صلى الله عليه وسلم، فواجب علينا أن نناصر إخواننا المؤمنين المستضعفين والمظلومين في كل بقاع الأرض، أن نناصرهم بالدعاء المخلص الصادق لهم بأن ينجيهم الله، ويثبتهم، وينصرهم، ويجعل لهم مخرجا، وأن ندعو على من يظلمهم ويعاديهم ويسومهم سوء العذاب.
بل وشُرع لأجل ذلك القنوت إذا ما حلت بهم شدة وكرب، ووقع عليهم ظلم من ظالم غاشم مجرم، قال أبو حاتم -رضي الله عنه- في شرحه لهذا الدعاء الوارد في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المتقدم: في هذا الخبر بيانٌ واضحٌ أن القنوت إنما يقنت في الصلوات عند حدوث حادثة، مثل: ظهور أعداء الله على المسلمين، أو ظلم ظالم ظلم المرء به، أو تعدى عليه، أو أقوام أحبّ أن يدعو لهم، أو أسرى من المسلمين في أيدي المشركين وأحب الدعاء لهم بالخلاص من أيديهم، أو ما يشبه هذه الأحوال، فإذا كان بعض ما وصفنا موجودا قنت المرء في صلاة واحدة أو الصلوات كلها أو بعضها دون بعض بعد رفعه رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من صلاته، يدعو على مَن شاء باسمه ويدعو لمن أحب باسمه".
وقال النووي أيضا: قوله: "اللهم أنج الوليد بن الوليد... فيه استحباب القنوت والجهر به، وفيه جواز الدعاء لإنسان معين، وعلى معين ".
عباد الله: ولا ننسى إخواننا المسلمين الذين يمرون بكوارثَ وزلازلَ ومجاعاتٍ من الدعاء لهم أينما كانوا، فهذه هي أخوة الإسلام التي تجمعنا، وهذا هو الدين العظيم الذي نؤمن به جميعا؛ فالمسلم أخو المسلم، لا يسلمه لظلم ولا لجوع ولا لضرّ؛ بل ينصره ويقف الى جنبه.
وانظر إلى هذا الدعاء من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وتأمل معي كلماته، والذي يقول فيه، داعيا لطائفة من أصحابه: "اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ". وأمتنا اليوم لا تعدم الآلاف من هؤلاء، بل لا تعدم دولا بأسرها أصابها الهلاك والضيم والفقر.
أيها المؤمن: ادع ولا تتوقف حتى يفرج الله عنهم الكرب، ويزيل المظالم، وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "وَمَا تَرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا؟" فتوقف عن الدعاء لما خلصهم الله وفرج عنهم.
فيا مَنْ في قلبك الهمّ على الأمة والشفقة والرحمة كما كان ذلك قي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ادع للمستضعفين كما دعا رسولك صلى الله عليه وسلم، وادع على الظالمين كما دعا رسولك صلى الله عليه وسلم.
اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم أنج المنكوبين من المؤمنين، يا ربّنا: نسألك بحق قولك: (وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) [آل عمران:126، الأنفال:10]، أن تنزل نصرتك على عبادك المستضعفين.
اللهم اشدد وطأتك على أعداء هذه الأمة في كل مكان، اللهمّ اشدد وطأتك على المستبدين المجرمين القتَلة لهذه الأمة، اللهمّ عذب من يعذب المؤمنين، واقتل من يقتلهم، وأخِفْ مَن يخيفهم، واهتك ستر مَن يهتك ستر العفيفات منهم.
اللهمّ كما هدموا مآذن بيوتك فاهدم عروشهم وهم أحياء، واهدم عليهم قبورهم وهم أموات،
يا رب، مَنْ أجرى عيون أطفال المؤمنين وأمهاتهم دموعاً، فأجْرِ عيونه دماً، آمين آمين يا رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي