وَاعلَمُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ جَمِيعًا ، حُكَّامًا وَمَحكُومِينَ ، عُلَمَاءَ وَمُفَكِّرِينَ ، وَقَادَةً وَعَامَّةً ، أَن يَتَصَدَّوا لِهَذِهِ الفِرقَةِ الخَبِيثَةِ ، وَأَن يَعلَمُوا أَنَّ هُنَالِكَ مُخَطَّطًا رَافِضِيًّا يُرَوَّجُ لَهُ لإِسقَاطِ أَهلِ السُّنَّةِ ، وَمِمَّا ظَهَرَ مِن أَجزَائِهِ شِرَاءُ الأَرَاضِي في مُدُنِ أَهلِ السُّنَّةِ ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي أَفتى عُلَمَاؤُنَا بِعَدَمِ جَوَازِهِ ..
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفْسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: دِينُ اللهِ الحَقُّ وَاحِدٌ هُوَ الإسلامُ، لا يَرضَى -سُبحَانَهُ- بِغَيرِهِ وَلا يَقبَلُ سِوَاهُ، قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ) [آل عمران:19]، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
وَكَمَا حَصَلَ التَّفَرُّقُ في الأَديَانِ السَّابِقَةِ، وَخُرُوجُ فِرَقٍ شَاذَّةٍ تُخَالِفُ المَنهَجَ الصَّحِيحَ، وَتُنَاصِبُ الأَنبِيَاءَ وَالمُؤمِنِينَ العِدَاءَ، فَقَد حَصَلَ الأَمرُ نَفسُهُ في هَذَا الدِّينِ، مِصدَاقًا لِقَولِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "اِفتَرَقَتِ اليَهُودُ عَلَى إِحدَى وَسَبعِينَ فِرقَةً، فَوَاحِدَةٌ في الجَنَّةِ وَسَبعُونَ في النَّارِ، وَافتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثنتَينِ وَسَبعِينَ فِرقَةً، فَوَاحِدَةٌ في الجَنَّةِ وَإِحدَى وَسَبعُونَ في النَّارِ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ! لَتَفتَرِقَنَّ أُمَّتي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبعِينَ فِرقَةً، فَوَاحِدَةٌ في الجَنَّةِ، وَثِنتَانِ وَسَبعُونَ في النَّارِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَن هُم؟ قَالَ: "هُمُ الجَمَاعَةُ" رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبانيُّ، وَهَذَا لَفظُ ابنِ مَاجَه.
وَالكَلامُ في الفِرَقِ الَّتي نَشَأَت مُنذُ عَهدٍ مُبَكِّرٍ وفي صَدرِ الإِسلامِ يَطُولُ، غَيرَ أَنَّ مِن أَشهَرِهَا وَأَنكَرِهَا وَأَخطَرِهَا، وَأَلَدِّهَا لأَهلِ الحَقِّ عِدَاءً وَبُغضًا، وَأَشَدِّهَا بِأهلِ السُّنَّةِ تَرَبُّصًا وَفَتكًا، تِلكُمُ الفِرقَةُ البَاطِنِيَّةُ المُسَمَّاةُ زُورًا بِالشِّيعَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ في حَقِيقَتِهَا نَبتَةٌ يَهُودِيَّةٌ خَبِيثَةٌ، سَقَتهَا دِمَاءُ كَربَلاءَ وَالجَمَلِ وَصِفِّينَ، وَلم تَزَلْ أَحقَادُهَا تُشَبُّ في عَاشُورَاءَ مِن كُلِّ عَامٍ، في مَنَاحَاتٍ يَهرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ، وَيُرَبىَّ عَلَيهَا الصَّغِيرُ، تُشَقُّ فِيهَا الثِّيَابُ وَالجُيُوبُ، وَتُلطَمُ الصَّدُورُ وَالخُدُودُ، وَيُحلَقُ وَيُصلَقُ وَيُتَوَعَّدُ وَيُتَهَدَّدُ، في بُكَاءٍ وَصُرَاخٍ وَعَوِيلٍ، وَإِلفٍ لِمَشَاهِدِ الدِّمَاءِ تَسِيلُ، وَتَغَنٍّ بِالانتِقَامِ، وَحُلمٍ بِالثَّأرِ.
إِنَّهُمُ الرَّافِضَةُ، سَرَطَانُ الأُمَّةِ وَمَرَضُهَا العُضَالُ، خَدَعُوا بِالتُّقيَةِ حَتى العُلَمَاءَ، فَتَأَلَّفُوا عَلَى بَاطِلِهِم قُلُوبَهُم، وَأَعمَوا عَنِ الحَقِّ عُيُونَهُم، حَتى شَغَلُوا الأُمَّةَ عَشَرَاتِ السِّنِينَ بِدَعَوَاتِ التَّقرِيبِ بَينَ أَهلِ السُّنَّةِ وَالرَّافِضَةِ، مُتَنَاسِينَ أَنَّهُ، وَمُنذُ أَنِ انتَصَرَ المُسلِمُونَ في مَعرَكَةِ القَادِسِيَّةِ عَلَى أَجدَادِ الرَّافِضَةِ مِنَ الفُرسِ المَجُوسِ، وَمُنذُ أَن أَسقَطُوا المَدَائِنَ الَّتي كَانَت عَاصِمَةَ مُلكِهِم، وَهُم يَحمِلُونَ الحِقدَ في نُفُوسِهِمْ، وَتَمتَلِئُ بِالغَيظِ صُدُورُهُم، غَيرَ أَنَّهُم بَدؤُوا بِالثَّأرِ مُبَكِّرِينَ، فَقَتَلَ أَبُو لُؤلُؤَةَ المَجُوسِيُّ الخَلِيفَةَ الرَّاشِدَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-.
ثم ظَهَرَ عَبدُ اللهِ بنُ سبأٍ اليَهُودِيُّ، فَادَّعَى الإِسلامَ ظَاهِرًا مَعَ كُفرِهِ بَاطِنًا، وَلم يَزَلْ حَتى أَلَّبَ الثُّوَّارَ عَلَى ثَالِثِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُثَمَانَ بنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - فَقَتَلُوهُ، ثم مَا زَالَ حَتى جَعَلَ عَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- إِلَهًا، وَلَمَّا استَنكَرَ عَلَيهِ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- وَعَلَى فِرقَتِهِ مَقَالَتَهُم، وَنَفَاهُ، وَحَرَّقَ قَومَهُ بِالنَّارِ، طَفِقَ الخَبِيثُ يَكِيدُ لِلمُسلِمِينَ، وَيَشُبُّ بَينَهُمُ الفِتَنَ، وَيُوقِعُ المَعَارِكَ، وَلَمَّا اجتَمَعَت كَلِمَتُهُم عَلَى يَدِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهلِ الجَنَّةِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- إِذْ تَنَازَلَ لِمُعَاوَيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- بِالخِلافَةِ، تَخَلَّى الشِّيعَةُ عَنِ الحُسَينِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-، وَأَسلَمُوهُ، فَقُتِلَ في يَومِ عَاشُورَاءَ.
ثم مَا زَالُوا بَعدُ يَكِيدُونَ لِلمُسلِمِينَ وَيُؤَسِّسُونَ لِحَربِهِم، فَظَهَرَ القَرَامِطَةُ في الأَحسَاءِ وَالبَحرَينِ، وَنَشَأَتِ الزَّيدِيَّةُ في اليَمَنِ، وَقَامَت دَولَةُ العُبَيدِيِّينَ الرَّافِضِيَّةُ في مِصرَ وَالمَغرِبِ، وفي القَرنِ الرَّابِعِ ظَهَرَتِ الدَّولَةُ البُوَيهِيَّةُ الرَّافِضِيَّةُ في الدَّيلَمِ.
وَقَد كَانَ لِكُلٍّ مِن تِلكَ الفِرَقِ وَالدُّوَلِ نَصِيبٌ مِن عِدَاءِ أَهلِ السُّنَّةِ، فَالقَرَامِطَةُ قَتَلُوا الحُجَّاجَ في المَسجِدِ الحَرَامِ في إِحدَى السَّنَوَاتِ في يَومِ التَّروِيَةِ، وَاقتَلَعُوا الحَجَرَ الأَسوَدَ مِن مَكَانِهِ وَأَبقَوهُ بِحَوزَتِهِم في الأَحسَاءِ أَكثَرَ مِن عِشرِينَ عَامًا، وَالبُوَيهِيُّونَ أَظهَرُوا الفَسَادَ في بَغدَادَ، وَتَجَرَّأَ السُّفَهَاءُ في عَهدِهِم عَلَى شَتمِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُم-، وَكَانَ مِن أَمرِهِم أَن أَمَرُوا بِإِغلاقِ الأَسوَاقِ في يَومِ عَاشُورَاءَ، وَعَطَّلُوا البَيعَ، وَظَهَرَتِ النِّسَاءُ نَاشِرَاتٍ لِشُعُورِهِنَّ يَلطِمنَ في الأَسوَاقِ، وَأُقِيمَتِ النَّائِحَةُ عَلَى الحُسَينِ لأَوَّلِ مَرَّةٍ في تَارِيخِ بَغدَادَ.
وَأَمَّا العُبَيدِيُّونَ المُسَمَّونَ زُورًا بِالفَاطِمِيِّينَ، فَقَد كَانَ أَبرَزُ حُكَّامِهِمُ الحَاكِمَ بِأَمرِ اللهِ، الَّذِي ادَّعَى الأُلُوهِيَّةَ، وَدَعَا إِلى القَولِ بِتَنَاسُخِ الأَروَاحِ، وَعَزَمَ مَرَّتَينِ عَلَى نَبشِ قَبرِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَنَقلِهِ إِلى مِصرَ، وَبَنى لِذَلِكَ مَكَانًا وَأَنفَقَ عَلَيهِ مَالاً، فَأَخزَاهُ اللهُ وَأَذَلَّهُ، وَفي تِلكَ الدَّولَةِ نَشَأَت بِدعَةُ المَولِدِ النَّبَوِيِّ، وَمِن مَسَاوِئِهَا أَن بَنَت مَشهَدًا بِمِصرَ يُقَالُ لَهُ (تَاجُ الحُسَينِ)، حَيثُ زَعَمُوا أَنَّ بِهِ رَأسَ الحُسَينِ، وَمَازَالَ كَثِيرٌ مِنَ الرَّافِضَةِ يَزُورُونَهُ إِلى يَومِنَا هَذَا.
وَأَمَّا خِيَانَةُ الرَّافِضَةِ العُظمَى لِلمُسلِمِينَ وَبَلِيَّتُهُم الكُبرَى عَلَيهِم، فَقَد حَصَلَت بِقِيَادَةِ نُصَيرِ الدِّينِ الطُّوسِيِّ وَابنِ العَلقَمِيِّ الرَّافِضِيَّينِ، حَيثُ تَعَاوَنَا مَعَ التَّتَارِ وَأَدخَلُوهُم بِلادَ الإِسلامِ، فَقُتِلَ بِسَبَبِهِم أَكثَرُ مِن مِليُونَي مُسلِمٍ في بَغدَادَ وَحدَهَا، وَسَقَطَتِ الدَّولَةُ العَبَّاسِيَّةُ السُّنِّيَّةُ، وَخَرَجَتِ الفِرقَةُ النُّصَيرِيَّةُ الخَبِيثَةُ، وَالَّتي مَا زَالَ إِخوَانُنَا في سُورِيَّةَ يَذوقُونَ الأَمَرَّينِ مِنهَا إِلى اليَومَ.
وَفي القَرنِ العَاشِرِ قَامَتِ الدَّولَةُ الصَّفوِيَّةُ الرَّافِضِيَّةُ في إِيرَانَ عَلَى يَدِ الشَّاه إِسمَاعِيلَ الصَّفوِيِّ الرَّافِضِيِّ، الَّذِي قَتَلَ مَا يَقرُبُ مِن مِليُونَ مُسلِمٍ، لا لِشَيءٍ إِلاَّ أَنهَّم لا يَعتَنِقُونَ مَذهَبَ الرَّفضِ، وَلَمَّا قَدِمَ بَغدَادَ أَعلَنَ سَبَّهُ لِلخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَنَبَشَ قُبُورَ كَثِيرٍ مِن أَموَاتِ أَهلِ السُّنَّةِ، وَمِنهَا قَبرُ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَفي عَهدِ الدَّولَةِ السُّعُودِيَّةِ الأُولى قَدِمَ رَافِضِيٌ خَبِيثٌ مِنَ العِرَاقِ إِلى الدِّرعِيَّةِ، وَأَظهَرَ الزُّهدَ وَالتَّنَسُّكَ، وَلم يَزَلْ حَتى طَعَنَ الإِمَامَ عَبدَ العزِيزِ بنَ محمدِ بنِ سُعُودٍ -رَحِمَهُ اللهُ- وَهُوَ سَاجِدٌ في صَلاةِ العَصرِ بِخِنجَرٍ فَقَتَلَهُ، وَفي عَهدِ مُؤَسِّسِ هَذِهِ الدَّولَةِ المَلِكِ عَبدِ العَزِيزِ -رَحِمَهُ اللهُ- حَاوَلَ رَافِضِيٌّ أَن يَغتَالَهُ وَهُوَ يَطُوفُ في الحَرَمِ، فَقَتَلَ اثنَينِ مِن حُرَّاسِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ أَخزَاهُ وَأَبطَلَ كَيدَهُ.
وَفي نِهَايَةِ القَرنِ المَاضِي وَبِدَايَةِ هَذَا القَرنِ، قَامَت جُمهُورِيَّةُ الرَّفضِ في إِيرَانَ عَلَى يَدِ الهَالِكِ الخُمَينيِّ، وَبِاسمِ الثَّورَةِ الإِسلامِيَّةِ، قَامَت تِلكَ الدَّولَةُ وَمَا زَالَت تَقُومُ بِالإِفسَادِ، بَل جَعَلَت أَطهَرَ بِقَاعِ الأَرضِ وَأَشرَفَهَا وَهِيَ مَكَّةُ وَالمَدِينَةُ، وَأَشرَفَ الأَزمِنَةِ وَهُوَ مَوسِمُ الحَجِّ، جَعَلَت ذَلِكَ مَكَانًا وَزَمَانًا لإِفسَادِهَا، فَنَظَّمُوا المَسِيرَاتِ الغَوغَائِيَّةَ، وَحَاوَلُوا أَن يَعِيثُوا في حَرَمِ اللهِ وَفِيمَا حَولَهُ فَسَادًا، فَقَتَلُوا في إِحدَى السَّنَوَاتِ عَدَدًا مِن رِجَالِ الأَمنِ وَالحُجَّاجِ، وَكَسَّرُوا أَبوَابَ المَتَاجِرِ وَحَطَّمُوا السَّيَّارَاتِ، وَأَوقَدُوا النَّارَ فِيهَا وَفي أَهلِهَا.
ثم لم يَألُوا جُهدًا حَتى زَرَعَ جَمَاعَةٌ مِن مُخَرِّبِيهِم المُتَفَجِّرَاتِ حَولَ المَسجِدِ الحَرَامِ في سَنَةٍ أُخرَى، وَلَمَّا أَمكَنَ اللهُ مِنهُم وَقُتِلُوا، قَامَ آخَرُونَ انتِقَامًا لهم بِنَشرِ غَازٍ سَامٍّ في أَحَدِ الأَنفَاقِ في مِنى في السَّنَةِ الَّتي تَلِيهَا، وَقَتَلُوا مِنَ الحُجَّاجِ مَن قَتَلُوا.
وَهَكَذَا، مَا زَالُوا يُحَاوِلُونَ الإِفسَادَ قَدرَ استِطَاعَتِهِم، حَيثُ نَبَشُوا بَعضَ القُبُورِ قَبلَ عِدَّةِ أَعوَامٍ في البَقِيعِ، وَرَفَعُوا الأَهَازِيجَ الَّتي تُعلِنُ بُغضَ هَذِهِ الدَّولَةِ وَحُكَّامِهَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ، وَنَظَّمُوا المَسِيرَاتِ حَولَ المَسجِدِ النَّبَوِيِّ، وَاعتَدُوا عَلَى رِجَالِ الأَمنِ وَالهَيئَةِ، وَهَا هُم بَينَ حِينٍ وَآخَرَ في مُدُنِهِم في شَرقِ هَذِهِ البِلادِ يُنَظِّمُونَ مَسِيرَاتٍ، وَيَرفَعُونَ أَصوَاتًا، فَعَلِيهِم مِنَ اللهِ مَا يَستَحِقُّونَ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: وَمَعَ أَنَّ الشِّيعَةَ أَوهَمُوا المُسلِمِينَ في أَوَّلِ الأَمرِ أَنَّهُم مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- إِلاَّ أَنَّهُم في النِّهَايَةِ خَذَلُوهُ وَعَصَوهُ وَتَرَكُوهُ، بَل قَتَلَهُ مَن كَانَ يَدَّعِي التَّشَيُّعَ لَهُ بَعدَ أَن خَرَجَ عَلَيهِ، وَبَعدَ أَن كَانَ التَّشَيُّعُ لُعبَةً ظَاهِرُهَا الاختِلافُ حَولَ أَحقِيَّةِ عَلِيٍّ في الخِلافَةِ أَو تَفضِيلِهِ عَلَى عُثمَانَ، أَصبَحَ يَحمِلُ في طَيَّاتِهِ عَقَائِدَ بَاطِلَةً، كَانَ لِليَهُودِ يَدٌ مُبَاشِرَةٌ في إِقحَامِهَا في الإِسلامِ، وَقَد تَفَرَّقَتِ الشِّيعَةُ فِرَقًا شَتىَّ، غَيرَ أَنَّ الرَّافِضَةَ الاثني عَشَرِيَّةَ الإِمَامِيَّةَ، هِيَ أَشهَرُهَا وَأَكثَرُهَا انتِشَارًا، وَهُمُ الَّذِينَ يَسعَونَ لِتَشيِيعِ أَهلِ السُّنَّةِ، وَيُسَخِّرُونَ في ذَلِكَ القَنَوَاتِ الإِذَاعِيَّةَ وَالمَرئِيَّةَ.
وَلِهَؤُلاءِ الأَنجَاسِ الأَرجَاسِ اعتِقَادَاتٌ كُفرِيَّةٌ، حَيثُ يُجَاوِزُونَ بِأَئِمَّتِهِم القِيَادَةَ الدُّنيَوِيَّةَ وَالسِّيَاسِيَّةَ، فَيَجعَلُونَ أَحَدَهُم كَالنَّبيِّ، زَاعِمِينَ أَنَّ صِفَاتِهِ كِصِفَاتِهِ، وَأَنَّ لَهُ مُعجِزَاتٍ كَمُعجِزَاتِهِ، بَل يَزعُمُونَ أَنَّ أَئِمَّتَهُم يَعلَمُونَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَأَنَّهُم يَطَّلِعُونَ عَلَى اللَّوحِ المَحفُوظِ، وَأَنَّهُم لا يَمُوتُونَ إِلاَّ بِاختِيَارِهِم، وَأَنَّ تَعيِينَهُم كَتَعيِينِ النَّبيِّ لا يَتِمُّ إِلاَّ بِاختِيَارٍ إِلَهِيٍّ.
وَقَد تَجَرَّؤُوا عَلَى تَكفِيرِ الصَّحَابةِ إِلاَّ نَفَرًا قَلِيلاً، وَكَفَّرُوا حَفصَةَ وَعَائِشَةَ زَوجَتيِ النَّبيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، بَل وَاتَّهَمُوا عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةَ بِالزِّنَا.
ثم هُم يُؤمِنُونَ بِوُجُودِ إِمَامٍ هُوَ الثَّانيَ عَشَرَ، وَيُلَقِّبُونَهُ بِصَاحِبِ الزَّمَانِ، وَيَعتَقِدُونَ أَنَّهُ مُختَفٍ في سِردَابٍ بِمَدِينَةِ سَامُرَّاءَ، وَهُم يَنتَظِرُونَ خُرُوجَهُ.
وَالرَّافِضَةُ يُعرِضُونَ عَنِ القُرآنِ وَالسُّنَّةِ، وَيَعتَمِدُونَ عَلَى كَذِبِ أَئِمَّتِهِم، وَلَهُم عَقَائِدُ فَاسِدَةٌ حَتى في حَقِّ اللهِ -تَعَالى- حَيثُ يُشرِكُونَ بِهِ، وَيَزعُمُونَ أَنَّهُ -تَعَالى- يَبدُو لَهُ الشَّيءُّ فَيُغَيِّرُ مَا كَانَ قَد سَبَقَ لَهُ تَقدِيرُهُ، وَهَذِهِ عَقِيدَةٌ يَهُودِيَّةٌ تُسَمَّى البَدَاءَ.
وَمِن عَقَائِدِهِمُ التُّقيَةُ، حَيثُ يُجَوِّزُونَ لأَنفُسِهِم أَن يُظهِرُوا لِغَيرِهِم مَا لا يُبطِنُونَ، وَهِيَ فِكرَةٌ استَفَادُوهَا مِنَ اليَهُودِ، الَّذِينَ هُم مِن أَخبَثِ الخَلقِ وَأَشَدِّهِم إِتقَانًا لِلتَّخَفِّي وَالبَقَاءِ، وَعَلَى التُّقيَةِ تَرَبىَّ الرَّافِضَةُ مُنذُ نُعُومَةِ أَظَفَارِهِم، وَبها يَدَّعوُنَ الوَطَنِيَّةَ وَحُبَّ الوَطَنِ، وَهُم في الحَقِيقَةِ مِن أَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً لأَهلِ السُّنَّةِ وُلاةً وَعُلَمَاءَ وَعَامَّةً.
وَمِن عَقَائِدِهِمُ الفَاسِدَةِ القَولُ بِتَحرِيفِ القُرآنِ، حَيثُ يَرَونَ أَنَّ هَذَا القُرآنَ المَوجُودَ بَينَ أَيدِي النَّاسِ مُحَرَّفٌ، وَأَنَّهُ قَد ذَهَبَ مِنهُ أَكثَرُ مِنَ الثُّلُثَينِ.
ثم هُم، بِتَكفِيرِهِم لِصَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ، قَد أَدَارُوا ظُهُورَهُم لِكُلِّ مَا رَوَاهُ أُولَئِكَ الصَّحبُ الكِرَامُ مِن أَحَادِيثِ المُصطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَأَفعَالِهِ وَأَحوَالِهِ وَسِيَرِهِ وَأَيَّامِهِ، وَلِهَذَا لا يَقبَلُونَ الأَحَادِيثَ الَّتي يَروِيهَا أَهلُ السُّنَّةِ في كُتُبِهِم، وَبِهَذَا هَدَمُوا الإِسلامَ مِن أَسَاسِهِ، فَعَلَيهِم مِنَ اللهِ مَا يَستَحِقُّونَ.
وَمِن فَسَادِ أُولَئِكَ الرَّافِضَةِ تَحلِيلُهُم زَوَاجَ المُتعَةِ، وَبِهِ جَعَلُوا الزَّوَاجَ عِلاقَةً جِنسِيَّةً مَحضَةً، تَربُطُ رَجُلاً بِامرَأَةٍ دُونَ أَن يُكفَلَ لها أَيَّ حَقٍّ مِنَ الحُقُوقِ الَّتي يِكفلُهَا لها الزَّوَاجُ، وَبِذَلِكَ صَارَتِ المَرأَةُ لَدَيهِم مُجَرَّدَ وَسِيلَةٍ لِلمُتعَةِ وَقَضَاءِ الوَطَرِ، بِلا شَرطٍ سِوَى صِيغَةِ العَقدِ وَذِكرِ المَهرِ وَالمُدَّةِ، وَلَو يَومًا وَاحِدًا أَو سَاعَاتٍ مَعدُودَةً، وَهَذِهِ دَعوَةٌ مُبَاشِرَةٌ إِلى الفَسَادِ، وَنَشرٌ عَرِيضٌ لِلفَاحَشَةِ، بَلْ لم يَكتَفُوا بها حَتى رَتَّبُوا عَلَيهَا الثَّوَابَ وَالمَغفِرَةَ، حَيثُ يَزعُمُونَ أَنَّ الرَّجُلَ لا يُكَلِّمُ مَن يَتَمَتَّعُ بها كَلِمَةً إِلاَّ كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِذَا دَنَا مِنهَا غُفِرَ لَهُ بِذَلِكَ ذَنبٌ، فَإِذَا اغتَسَلَ غُفِرَ لَهُ بِعَدَدِ مَا مَرَّ المَاءُ عَلَى شَعرِهِ.
وَالرَّافِضَةُ -أُمَّةَ الإِسلامِ- يُبغِضُونَ أَهلَ السُّنَّةِ، وَيُسَمُّونَهُمُ النَّوَاصِبَ، وَيُكَفِّرُونَهُم، وَيَرَونَ قَتلَهُم، وَلا يُجِيزُونَ مُنَاكَحَتَهُمْ، وَلا أَكلَ ذَبَائِحِهِم، وَلا السَّكَنَ مَعَهُم، وَيَنهَونَ عَنِ الصَّلاةِ خَلفَهُم وَعَلَى أَموَاتِهِم إِلاَّ تُقيَةً، أَو لِكَي يَدعُوا عَلَيهِم بَدلاً مِنَ الدُّعَاءِ لهم، كَمَا يَحكُمُونَ بِنَجَاسَة السُّنِّيِّ، وَأَنَّ اليَدَ تُغسَلُ مِن مُصَافَحَتِهِ، بَلْ وُتَمسَحُ بَالتُّرَابِ.
فَمَاذَا بَعدَ كُلِّ هَذَا؟! إِنَّهُ مَا بَعدَهُ إِلاَّ الحَذَرُ منهم، وَمَعرِفَةُ أَنَّهُ لا مَجَالَ لِقَبُولِهِم إِخوَةً وَلا مُوَاطِنِينَ، وَالعِلمُ بِحَقِيقَةِ المَعرَكَةِ بَينَنَا وَبَينَهُم، وَفَهمُ طَبِيعَةِ الصِّرَاعِ مَعَهُم، وَأَلاَّ يَخفَى عَلَينَا خُبثُهُم، وَأَنَّهُ مَهمَا زَعَمُوا أَنَّهُم يُحِبُّونَ هَذَا الوَطَنَ أَو يَدِينُونَ بِالوَلاءِ لِوُلاةِ أَمرِهِ، فَإِنَّهُم إِنما يَتَحَيَّنُونَ كُلَّ فُرصَةٍ لِلإِيقَاعِ بِأَهلِهِ.
وَإِنَّ مَا نَشَرَتهُ وِزَارَةُ الدَّاخِلِيَّةِ ممَّا حَدَث في هَذَا الأُسبُوعِ مِنهُم مِن إِثَارَةٍ وَبَلبَلَةٍ في إِحدَى مُدُنِهِم، إِنَّمَا هُوَ غَيضٌ مِن فَيضٍ ممَّا تَحتَقِنُ بِهِ صُدُورُهُم، وَالوَاجِبُ عَلَى أَهلِ هَذِهِ البِلادِ الاعتِصَامُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلُزُومُ جماعَةِ المُسلِمِينَ وَإِمَامِهِم، وَالحِرصُ عَلَى وِحدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ وَائتِلافِهِم، وَالحَذرُ مِنَ التَّنَازُعِ وَالاختِلافِ بَينَهُم، عَمَلاً بِقَولِ اللهِ -جَلَّ وَعَلا-: (وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103]، وَقَولِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "تَرَكتُ فِيكُم أَمرَينِ لَن تَضِلُّوا مَا إِنْ تَمَسَّكتُم بهما: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتي" رَوَاهُ الحَاكِمُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
بَارَكَ اللهُ لي وَلَكُم في القُرآنِ وَالسُّنَّةِ...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ جَمِيعًا، حُكَّامًا وَمَحكُومِينَ، عُلَمَاءَ وَمُفَكِّرِينَ، وَقَادَةً وَعَامَّةً، أَن يَتَصَدَّوا لِهَذِهِ الفِرقَةِ الخَبِيثَةِ، وَأَن يَعلَمُوا أَنَّ هُنَالِكَ مُخَطَّطًا رَافِضِيًّا يُرَوَّجُ لَهُ لإِسقَاطِ أَهلِ السُّنَّةِ، وَمِمَّا ظَهَرَ مِن أَجزَائِهِ شِرَاءُ الأَرَاضِي في مُدُنِ أَهلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي أَفتى عُلَمَاؤُنَا بِعَدَمِ جَوَازِهِ، فَالحَذَرَ الحَذَرَ! وَلا تَكُنِ الدُّنيَا عِندَ أَحَدِنَا أَهَمَّ مِن دِينِهِ وَعَقِيدَتِهِ.
وَعَلَينَا الالتِفَافُ حَولَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَالدُّعَاةِ الصَّادِقِينَ، وَخَاصَّةً في أَزمِنَةِ الفِتَنِ، فَقَد قَالَ -تَعَالى-: (وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم) [النساء:83].
وَإِنَّ لَنَا فِيمَا حَصَلَ في لِبنَانَ عَلَى يَدِ حَرَكَةِ أَمَلٍ الرَّافِضِيَّةِ قَبلَ أَكثَرَ مِن عِشرِينَ عَامًا مِن قَتلٍ ذَرِيعٍ لِلمُسلِمِينَ الفِلَسطِينِيِّينَ، وَمَا حَصَلَ في العِرَاقِ مِن تَعَاوُنِ الرَّافِضَةِ مَعَ دَولَةِ الكُفرِ وَرَائِدَةِ الطُّغيَانِ، وَمَا يَحصُلُ الآنَ في سُورِيَّةَ مِن حَربِ النُّصَيرِيَّةِ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ، إِنَّ لَنَا في ذَلِكَ لِعِبرَةً، فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَهلَ السُّنَّةِ-، وَلْنَحذَرْ هَؤُلاءِ وَإِن أَظهَرُوا الوَطَنِيَّةَ أَوِ ادَّعُوا أَنَّهُم مَعَنَا، فَوَاللهِ إِنَّهُم لَيَدِينُونَ بِالوَلاءِ لِدَولَةِ الرَّفضِ إِيرَانَ!.
فَلْنَنتَبِهْ، وَلْنَنْصُرِ اللهَ بِنَصرِ دِينِهِ وَالمُؤمِنِينَ بِهِ، وَلْنبشِرْ بَعدَ ذَلِكَ بِنَصرِ اللهِ لَنَا حَيثُ قَالَ –سُبحَانَهُ-: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج:40].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي