ثم انتقلت السورة للحديث عن مشهد الخلق الأول للحياة، خلق السماوات والأرض بذلك الشكل الدقيق المحكم، الذي يلفت أنظار المعرضين عن آيات الله، والنظر والتفكر والتدبر، ولكن ظلمات الكفر تحول بينهم وبين الإيمان، فالكون كله نطَّاقٌ بعظمة الله، شاهد بوحدانيته جل وعلا ..
الحمد لله الذي القرآن الكريم بلسان عربي مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله، ومع سورة فصلت أو فصلت السجدة حديثنا اليوم، وهي السورة الحادية والأربعون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها أربع وخمسون، آية نزلت بعد غافر.
وهي سورة مكية تناولت جوانب العقيدة الإسلامية: الوحدانية والرسالة والبعث والجزاء؛ وهي الأهداف الأساسية لسائر السور المكية التي تهتم بأركان الإيمان.
وسميت (فصلت) لأن الله تعالى فصل فيها الآيات، ووضح فيها الدلائل على قدرته ووحدانيته، وأقام البراهين القاطعة على وجوده وعظمته وخلقه لهذا الكون البديع، الذي ينطق بجلال الله، وعظيم سلطانه.
ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن القرآن المنزل من عند الرحمن، بالحجج الواضحة، والبراهين الساطعة الدالة على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهو المعجزة الدائمة الخالدة للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [فصلت:1-3]، أي: كتاب جامع للمصالح الدينية، بينت معانيه ووضحت أحكامه بطريقة القصص والمواعظ والحكم والأمثال، في غاية البيان.
(بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)، أي: مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذراً للكافرين بعذاب الجحيم، فأعرض أكثر المشركين عن تدبر آياته مع كونه نزل بلغتهم فهم لا يسمعون سماع تفكر وتأمل.
(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ)، أي: قالوا ذلك للرسول -صلى الله عليه وسلم- حين دعاهم إلى الإيمان، (وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ)، أي: وفي أذاننا صمم وثقل يمنعنا من فهم ما تقول، (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ)، أي: وبيننا وبينك يا محمد حاجز يمنع أن يصل إلينا شيء مما تقول، (فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ)، أي: اعمل أنت على طريقتك ونحن نعمل على طريقتنا، واستمر على دينك فإنا مستمرون على ديننا.
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، أي: قل للمشركين يا محمد لست إلا بشراً مثلكم خصَّني الله بالرسالة والوحي وأن أدعوكم إلى توحيد خالقكم فلا داعي إلى تكذيبي، (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ)، أي: توجهوا إليه بالاستقامة على التوحيد والإخلاص في الأعمال، واسألوه المغفرة لسالف الذنوب.
(وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)، أي: دمار وهلاك للمشركين الذين لا يعقلون الخير، ولا يتصدقون ولا ينفقون في طاعة الله، وهم بالآخرة وما فيها من جزاء وحساب وبعثة ونشور مكذبون.
ثم ذكر الله سبحانه حال المؤمنين بعد ذكره لحال الكافرين فقال: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)، أي: إن الذين جمعوا بين التصديق بالله والعمل الصالح لهم أجر دائم غير مقطوع عند ربهم، مستمر بدوام الجنة.
ثم انتقلت السورة للحديث عن مشهد الخلق الأول للحياة، خلق السماوات والأرض بذلك الشكل الدقيق المحكم، الذي يلفت أنظار المعرضين عن آيات الله، والنظر والتفكر والتدبر، ولكن ظلمات الكفر تحول بينهم وبين الإيمان، فالكون كله نطَّاقٌ بعظمة الله، شاهد بوحدانيته -جل وعلا-.
(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، أي: كيف تكفرون بالله العلي الشأن، القادر على كل شيء؟ خلق الأرض على كبرها في يومين! وتجعلون له شركاء وأمثالاً تعبدونها معه، ذلك الخالق المبدع هو رب العالمين كلهم، فيكف يجوز جعل الأصنام والأوثان التي لا تنفع ولا تضر ولا تقدر على شيء شركاء له في الألوهية والعبودية؟.
(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ)، أي: جعل في الأرض جبالاً ثوابت لئلاً تميد بالبشر، وأكثر خيرها بما جعل فيها من المياه والزروع والضروع، وقدر أرزاق أهلها ومعاشهم في تمام أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان، وهذا بيان للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها.
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)، أي: عمَد إلى خلقها وقصَد إلى تسويتها وهي بهيئة الدخان، قال ابن كثير رحمه الله: المراد بالدخان بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض. (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا)، أي: استجيبا لأمري طائعين أو مكرهتين، (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، أي: أتينا لأمرك طائعيْن.
(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)، أي: صنعهن وأبدع خلقهن سبع سماوات في وقت مقدر بيومين، فتم خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ولو شاء لخلقهن بلمح البصر، ولكن الله سبحانه أراد أن يعلم عباده الحلم والأناة، (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا)، أي: أوحى في كل سماء ما أراده وما أمر فيها، (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا)، أي: وزينا السماء الأولى القريبة منكم بالكواكب المنيرة المشرقة على الأرض، وحرساً من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى، (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
بعد ذلك عرضت السورة للتذكير بمصارع المكذبين، وضربت الأمثلة بأقوى الأمم وأعتاها: قوم عاد الذي بلغ من جبروتهم أن يقولوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)؟، وذكرت ما حصل بهم وبثمود من الدمار الشامل، والهلاك المبين حين تمادوا في الطغيان، وكذبوا رسل الله، وذلك في الآيات (من 13 إلى 17).
وتحدثت السورة عن المجرمين، وما يصيب الكفار بعامة من العذاب والدمار، ليحصل منه تمام الاعتبار بالزجر والتحذير عن ارتكاب المعاصي، والكفر بنعم الله، (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)، أي: يحبس أولهم إلى آخرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا.
(حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، أي: نطقت جوارحهم وشهدت عليهم بما اقترفوه من آثام، (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، أي: قالوا لأعضائهم وجلودهم توبيخاً وتعجباً: لم أقررتم علينا وشهدتم بما فلعنا وإنما كنا نجادل ندافع عنكم؟ قالوا معتذرين: ليس الأمر لنا وإنما أنطقنا الله بقدرته الذي ينطق الجماد والإنسان والحيوان، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح، وهو الذي أوجدكم من العدم، وإليه تردون بعد البعث.
(وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ)، أي: وما كنتم تستخفون من هؤلاء الشهود في الدنيا حين مباشرتكم الفواحش؛ لأنكم لم تظنوا أنها تشهد عليكم.
(وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، أي: وذلكم الظن القبيح برب العالمين، ظنكم أنه -سبحانه- لا يعلم كثيراً من الخفايا، هو الذي أهلككم فأدخلكم النار فخسرتم سعادتكم وأنفسكم وأهليكم، وهذا تمام الخسران والشقاء.
(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) أي فإن يصبروا على العذاب فالنار منزلهم ومقامهم وأن يطلبوا إرضاء الله عنهم فما هم من المرضي عنهم ومعنى العتبى : رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب وتمضي السورة في بيان حال المجرمين في الآيات السابقة (من الآية 19 إلى الآية 29).
ثم تتنقل إلى ذكر حال السعداء المؤمنين، الذين استقاموا على شريعة الله ودينه، فأكرمهم الله سبحانه بالأمن والأمان في دار الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقاً، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، أي: آمنوا بالله إيمانا صادقا وأخلصوا العمل له، ثم استقاموا على توحيد الله وطاعته، وثبتوا على ذلك حتى الممات، (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)، أي: تتنزل عليهم ملائكة الرحمة عند الموت بأن لا تخافوا مما تقدمون عليه من أهوال القيامة، ولا تحزنوا على ما خلفتموه في الدنيا من أهل ومال وولد، فنحن نخلفكم فيهم، وأبشروا بجنة الخلد التي وعدكم الله بها على ألسنة رسله.
(نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)، أي: تقول لهم الملائكة نحن أعوانكم وأنصاركم في الدنيا والآخرة، ولكم في الجنة ما تشتهيه نفوسكم وتقر به عيونكم، ولكم فيها ما تطلبون وتتمنون.
(نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)، أي: ضيافة وكرامة من رب واسع المغفرة، عظيم الرحمة لعباده المتقين. (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، أي: لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى توحيد الله وطاعته بقوله وفعله وحاله، وفعَل الحسنة مع فعل السيئة، بل بينهما فرق عظيم في الجزاء وحسن العاقبة.
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، أي: ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن مثل أن تدفع الغضب بالصبر، والجهل بالحلم، والإساءة بالعفو؛ فإذا فعلت ذلك صار عدوك كالصديق القريب الخالص الصداقة في مودته ومحبته لك.
(وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، أي: وما ينال هذه المنزلة الرفيعة والخصلة الحميدة إلا من جاهَد نفسه بكظم الغيظ واحتمال الأذى، وما يصل إليها وما ينالها إلا ذو نصيب وافر من السعادة والخير.
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، أي: وإن وسوس إليك الشيطان بترك ما أمرت به من الدفع بالتي هي أحسن، وأراد أن يحملك على البطش والانتقام، فاستعذ بالله من كيد الشيطان وشَرِّه، فالله هو السميع لأقوال العباد، العليم بأفعالهم وأحوالهم، وبكل الأمور والأشياء.
عباد الله: هذه بعض معاني آيات سورة فصلت، وسنكمل في الخطبة الثانية بمشيئة الله، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله، ونكمل ونقول: تحدثت سورة فصلت عن الآيات الكونية المعروفة للأنظار في هذا الكون الفسيح الزاخر بالحكم والعجائب، ومنها الليل والنهار والشمس والقمر، وموقف الملحدين من آيات الله، المتعامين عن كل تلك الآيات الظاهرة الباهرة، وهذا في الآيات من (37 إلى 40).
وتحدثت السورة الكريمة عن حال الإنسان في الدنيا، فقال تعالى: (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) ، أي لا يمل الإنسان من الدعاء بالخير لنفسه، فإن أصابه فقر أو مرض فهو عظيم اليأس، أي: قنوط من رحمة الله.
(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) [50-51]، أي: إذا أنعم الله على الإنسان أعرض عن شكر ربه واستكبر عن الانقياد لأوامره وشمخ بأنفه تكبراً وترفعاً، وإن أصابه المكروه فهو ذو دعاء كبير يديم التضرع ويكثر الابتهال.
وختمت السورة بوعد الله للبشرية بأن يطلعهم على بعض أسرار هذا الكون في آخر الزمان ليستدلوا على صدق ما أخبر عنه القرآن، (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ)، أي: في أقطار السماوات والأرض، (وَفِي أَنْفُسِهِمْ)، أي: وفي عجائب قدرة الله في خلقهم وتكوينهم، (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، أي: حتى يظهر لهم أن يظهر لهم أن هذا القرآن حق، (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، أي: أو لم يكف برهاناً على صدقك أن ربك لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، وانه مطلع على كل شيء لا تخفى عليه خافية.
(أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)، أي: ألا فانتبهوا أيها القوم! إن هؤلاء المشركين في شك من الحساب والبعث والجزاء؛ ولهذا لا يتفكرون ولا يؤمنون، وانتبهوا فإن الله تعالى قد أحاط علمه بكل الأشياء جملة وتفصيلاً، فهو يجازيهم على كفرهم.
عباد الله: هذا معاني لبعض آيات سورة فصلت، بعضها فيها نوع من التفصيل، والبعض أجملناه إجمالاً، والبعض لم نذكر معانيه خشية الإطالة، فأسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأدعوكم إلى قراءة معاني هذه السورة ومعرفة معاني الآيات جميعها؛ ففيها حكم عظيمة، ومواعظ جليلة، وأسأل الله أن ينفعنا بما نقول ونسمع إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصلُّوا وسلِّموا عباد الله على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي