وسميت الزخرف لما فيها من التمثيل الرائع لمتاع الدنيا الزائل وبريقها الخادع بالزخرف اللامع الذي ينخدع به الكثيرون، مع أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة؛ ولهذا يعطي الله الدنيا للأبرار والفجار، وينالها الأخيار والأشرار؛ أما الآخرة فلا يمنحها الله إلا لعباده المتقين، فالدنيا ليست دار قرار، وإنما الآخرة هي دار البقاء ..
الحمد لله منزل الكتاب بالحق المبين، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى اللهُ عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.
عباد الله: الزخرف اسم سورة في كتاب الله الكريم هي السورة الثالثة والأربعون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها تسع وثمانون آية.
وهي سورة مكية تناولت أسس العقيدة الإسلامية وأصول الإيمان: الإيمان بوحدانية الله وبالرسالة وبالبعث والجزاء، كشأن سائر السور المكية.
وسميت الزخرف لما فيها من التمثيل الرائع لمتاع الدنيا الزائل وبريقها الخادع بالزخرف اللامع الذي ينخدع به الكثيرون، مع أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة؛ ولهذا يعطي الله الدنيا للأبرار والفجار، وينالها الأخيار والأشرار؛ أما الآخرة فلا يمنحها الله إلا لعباده المتقين، فالدنيا ليست دار قرار، وإنما الآخرة هي دار البقاء.
وحيث إن هذه السورة طويلة نوعاً ما، آياتها تسع وثمانون آية، فسوف نعرض بقدرة الله تعالى في خطبتنا هذه إلى بعض القضايا التي عالجتها، ومن أراد الاستزادة ففي كتب التفسير إيضاح كبير، وبالله التوفيق.
وقد عرضت السورة الكريمة لإثبات مصدر الوحي وصدق القرآن الذي أنزله الله -عز وجل- على النبي الأمي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، بأفصح لسان، وأنصع بيان؛ ليكون معجزة واضحة له -صلى الله عليه وسلم-، حيث أقسم سبحانه بالقرآن البين الواضح الجلي أن المقسم عليه وهو القرآن أنزله بلغة العرب، مشتملاً على كمال الفصاحة والبلاغة، بأسلوب محكم، وبيان معجز؛ لتفهم أحكامه، وتتدبر معانيه.
وإن لشرفه مكتوب في اللوح المحفوظ عند الله، رفيع الشأن، عظيم القدر، ثم قال سبحانه: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا)، أي: أنترك تذكيركم ونعتبركم كالبهائم فلا نعظم بالقرآن؟ (أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) [الزخرف:5]، أي: لأجل أنكم مسرفون في التكذيب والعصيان؟ لا بل نذكركم ونعظكم به إلى أن ترجعوا إلى طريق الحق.
وبين الله سبحانه لرسوله -صلى الله عليه وسلم- تسلية له أنه أرسل كثيراً من الأنبياء في الأمم السابقة فاستهزئ بهم وسُخِر منهم، أي: فلا تحزن يا محمد فإنه وقع للرسل قبلك ما وقع لك، وأنه سبحانه أهلك أقواماً كانوا أشد قوة من كفار مكة وأعتى منهم وأطغى، وسبق ذكر إهلاكهم في القرآن ليكونوا عظة وعبرة.
ثم قال: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [9]، فأهل الشرك يقرون بأن الله خلقهم وخلق كل شيء ثم عبدوا معه غيره؛ جهلا منهم وسفهاً.
ثم بين تعالى لهم صفاته الجليلة الدالة على كمال القدرة والحكمة فقال: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا)، أي: بسطها كالفراش، (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا)، أي: طرقا تسلكونها في أسفاركم، (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [10] إلى قدرة الخالق الحكيم.
(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ)، أي: بمقدار ووزن معلوم بحسب الحاجة والكفاية، (فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا)، أي: فأحيينا به بلدة ميتة مقفرة من النبات، (كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) [11]، أي: نخرجكم من قبوركم كما نخرج النبات من الأرض.
(وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا)، أي: خلق جميع الأصناف من الحيوان والنبات وغيرها، (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) [12]، أي: وسخر لكم من السفن في البحر والإبل في البر ما تركبونه في أسفاركم.
(لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ)، أي: لتستقروا على ظهور هذا المركوب سفينة كانت أو جملا، (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) [13]، أي: وما كنا قادرين ولا مُطيقين لركوبه لولا تسخيره من الله تعالى لنا. (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) [14]، أي: صائرون إليه بعد الموت.
ثم تناولت السورة ما كان عليه المجتمع الجاهلي من الخرافات والوثنيات، فقد كانوا يكرهون البنات، ومع ذلك اختاروا لله البنات سفهاً وجهلا ً فزعموا أن الملائكة بنات الله! فجاءت الآيات لتصحيح تلك الخرافات، ورد النفوس إلى الفطرة وإلى الحقائق الأولى القطعية، قال تعالى: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) [15]، حيث قالوا: الملائكة بنات الله!.
(أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ) [16]، أي: هل اتخذ تعالى لنفسه البنات وخصكم واختار لكم البنين؟ وهذا إنكار عليهم، (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [17]، أي: صار وجهه أسود من الكآبة والحزن وهو ممتلئ غيظاً وغماً من سوء ما بشر به.
(أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ)، أي: يُرَبي في الزينة وينشأ ويكبر عليها، وهن من الإناث، (وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [18]، أي: وهو في الجدال غير مُظهِر لحجته لضعف رأيه!.
(وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [19]، أي: سنأمر الملائكة بكتابة شهادتهم الكاذبة في ديوان أعمالهم ويسألون عنها يوم القيامة، وهو وعيد شديد مع التهديد.
قال المفسرون حكى -سبحانه وتعالى- عن كفار العرب ثلاثة أقوال شنيعة: أنهم نسبوا إلى الله الولد، وأنهم نسبوا إليه البنات دون البنين، وأنهم حكموا على الملائكة المكرمين بالأنوثة بلا دليل ولا برهان فكذبهم القرآن الكريم في تلك الأقوال.
ثم ازدادوا ضلالا وبهتاناً فزعموا أن ذلك يرضى الله: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [20]، أي: قالوا على سبيل الاستهزاء والسخرية لو شاء الله ما عبدنا هؤلاء الملائكة ولا الأصنام، ولمــَّا كانت عبادتنا بمشيئة الله فهو راض بها. وما لهم بذلك القول حجة ولا برهان وإن هم إلا يتقولون على الله كذباً وزوراً.
(أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) [21]، ردٌّ آخر على المشركين، أي: هل وجدوا ذلك منزلاً قبل القرآن حتى يتمسكوا به؟.
(بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)، أي: على دين وطريقة، (وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [22]، أي: ونحن ماشون على طريقتهم مهتدون بآثارهم.
(وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [23]، أي: إلا قال المتنعمون فيها الذين أبطرتهم النعمة وأعمتهم الشهوات عن تحمل المشاق في طلب الحق: إنا وجدنا أسلافنا على ملة ودين وإنا مقتدون بهم في طريقتهم!.
(قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) [24]، أي: قال أوَلو جئتكم بدين أهدى وأرشد مما كان عليه آباؤكم؟ قالوا: إنا كافرون بكل ما أرسلتم به من التوحيد والإيمان بالبعث والنشور، فقال سبحانه: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [25]، أي: فانتقمنا من الأمم المكذبين فانظر كيف صار حالهم ومآلهم!.
وتحدثت السورة بإيجاز عن دعوة الخليل إبراهيم -عليه السلام- الذي يزعم المشركون أنهم من سلالته وعلى ملته فكذبتهم في تلك الدعوة، وبينت الآيات إن إبراهيم أول من تبرأ من الأوثان: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [26-28].
ثم انتقلت إلى تفنيد تلك الشبهة التي أثارها المشركون حول رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد اقترحوا أن تتنزل الرسالة على رجل من أهل الجاه والثراء لا على يتيم فقير كمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فجاءت الآيات لتقرير أن الجاه والثراء ليسا ميزاناً لكرامة الإنسان واستحقاق المناصب الرفيعة، وأن الدنيا من الحقارة والمهانة بحيث لو شاء الله لأغدقها على الكافرين ومنعها عباده المؤمنين.
قال تعالى (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، أي: جعلنا هذا فقيراً وهذا غنياً وفاوتنا بينهم في الأموال والأرزاق، (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا)، أي: جعلنا الخلق مراتب ليكون كل منهم مسخراً للآخر ويخدم بعضهم بعضاً لينتظم أمر الحياة، (وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [32]، أي: وإنعامه تعالى عليك يا محمد بالنبوة خير مما يجمع الناس من حطام الدنيا.
(وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ)، أي: ولولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكافر في سعة من الرزق ويصيروا أمة واحدة في الكفر لخصصنا هذه الدنيا بالكفار، وجعلنا لهم القصور الشاهقة المزخرفة بأنواع الزينة والنقوش، سقفها من الفضة الخالصة (وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) [33]، أي: وجعلنا لهم مصاعد وسلالم من فضة عليها يرتقون ويصعدون.
(وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ) [34]، أي: أبواباً من فضة وسرراً من فضة يتكئون ويجلسون على تلك السرر الفضية، (وَزُخْرُفًا)، أي: وجعلنا لهم زينة من ستور ونمارق ونقوش، (وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، يتمتعون به في الدنيا الزائلة، (وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) [35]، أي: والجنة وما فيها من النعم والملاذ التي يقصر عنها الوصف والبيان هي خالصة للمتقين لا يشاركهم فيها أحد.
وتحدثت السورة عن أمور أخرى كما ذكرت قصة موسى عليه السلام وفرعون لتأكيد تلك الحقيقة السابقة وهي افتخار فرعون الجبار على موسى بملكه وسلطانه كما يعتز الجاهلون من رؤساء قريش على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم كانت نتيجته الغرق والدمار لفرعون وقومه وذلك ليعتبروا ويتعظوا.
عباد الله: هذه بعض معاني سورة الزخرف وفي الخطبة الثانية سنتكلم عن جزء آخر منها إن شاء الله واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: تحدثت سورة الزخرف عن قضايا أخرى منها أمر عيسى -عليه السلام- ودعوته إلى الدين الحق، أتبعه الله سبحانه بذكر ضلال أهل الكتاب حيث تفرقوا شيعاً وأحزاباً في شأنه، فقال بعضهم إنه إله، وقال بعضهم إنه ابن الإله، وقال آخرون إنه ثالث ثلاثة.
ثم ذكر تعالى أحوال القيامة وأهوالها، وختمت السورة ببيان صفات المعبود الحق، الواحد الأحد -جل وعلا-.
ومن الآيات التي أحب أن أتوقف عندها قوله تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [67]، أي: الأصدقاء يوم القيامة يصبحون أعداء إلا من كانت صداقته ومحبته لله، ثم وضَّحهم الله بقوله: (الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) [69]، أي: الذين صدقوا بالقرآن، واستسلموا لحكم الله وأمره، وانقادوا لطاعته.
(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) [70]، أي: تنعمون فيها وتسرون منها سروراً يظهر أثره على وجوهكم، (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [71]، أي: يُطاف على أهل الجنة بأوان من الذهب فيها الطعام، وأقداح فيها الشراب، وفي الجنة كل ما تشتهيه النفس من أنواع الملذات والمشتهيات، وتُسَرُّ به الأعين من فنون المناظر الجميلة، والمشاهد اللطيفة، وهم باقون فيها دائمون.
(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [72]، أي: أعطيتموها بسبب أعمالكم الصالحة التي قدمتوها في الدنيا، هذا حال السعداء.
أما حال الأشقياء فقال الله فيه: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) [74-75]، أي: لا يخفف عنهم لحظة، (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) [75]، أي: آيسون من كل خير، (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [76]، أي: كانوا هم الظالمين لتعريضهم أنفسهم للعذاب الخالد.
(وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)، أي: ونادى الكفار مالكا خازن النار قائلين: ليُمِتْنَا الله حتى نستريح من العذاب، (قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) [77]، أي: أجابهم: إنكم مقيمون في العذاب أبداً لا خلاص لكم منه بموت ولا بغيره، (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [78]، والمراد الحق الساطع المبين وهو القرآن.
(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) [79]، أي أحكموا أمراً في كيد محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنا محكمون أمرنا في نصرته وحمايته وإهلاكهم وتدميرهم.
(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [80]، أي: يحسبون أنا لا نسمع ما حدثوا به أنفسهم، بلى نسمع سرهم وعلانيتهم، وملائكتنا الحفظة يكتبون عليهم أعمالهم.
عباد الله: هذه بعض معاني بعض آيات سورة الزخرف، نفعنا الله بما نقول ونسمع إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصلُّوا وسلِّموا عباد الله على خاتم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي