إنَّ الأممَ جميعَها، مسلمَها وكافرَها، وصالحَها وفاسدَها، قد اتفقت كلمتُهم، وتوحَّدَتْ تشريعاتُهم على تحريم المخدِّرات، وتجريم المروجين لها، والمتاجرين بها، وشنّ الحرب على مصادرها، والسعي لعلاج آثارها المدمِّرة، هذا مع ما لدَى كثيرٍ مِن تلك الأمم مِن الفواحش والفجور، وأنواع الخمور، والملاهي المحرّمة، وغيرها؛ وما ذاك إلا لاتفاق جميع العقلاء والعلماء والخبراء ..
الحمد لله الذي شرع لحفظ العقول ما لم تشرعه ملة سابقة، ولا نظم لاحقة، فحرم الخمور والمخدرات، وحصنها من الانسياق وراء الأوهام والخرافات، وزكَّاها بالآيات والبينات، والحجج الباهرات، والصلاة والسلام على مَن جاء لِيُحَرِّمَ الخبائث ويحلَّ الطيبات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأوصيكم ونفسي -عباد الله- بتقوى الله.
الإخوة المؤمنون: إنَّ الأوبئة إذا تجمَّعَتْ وتكثَّفَتْ وبقِيَتْ دون علاجٍ اتسعت دائرتها وتوالدت، وأنتجت صنوفاً جديدة من الوباء، وحاصرت الناس بالتعاسة والبلاء.
ومن ثمار الأزمات المتلاحقة التي تمر بها بلادنا انتشار وباءٍ طارئٍ على بلادنا لم يكن معهوداً فيها من قبل، هو وباء المخدرات الذي أضحى يفتك بأبنائنا وشبابنا، بل ببعض نسائنا، وبِكثيرٍ كثيرٍ من أطفالنا.
لقد أوقعنا تجارُ المخدرات ومن يحميهم ويسهل طريقهم من متنفذين في شر مستطير، وخطر جسيم كبير؛ فظهر من أبنائنا مروجون وباعة للمخدرات، وظهر تجار صغار ومتوسطون وكبار، وظهرت بؤر موبوءةٌ تكاد تستعصي على العلاج والحل، وتعلن تمردها على الجهات المختصة بمكافحة المخدرات، تلك الجهات التي تعاني من الضعف وقلة الإمكانيات، بل من التهميش والإهمال المتعمَّد مِن قِبَل الأجهزة والسلطات المشرفة عليها، رغم أن إدارة المخدرات في هذه المحافظة تضم نخبة من أفضل الرجال وأنزهها وأشدِّها غَيرة على البلاد وأبنائها وتفانياً في أداء مهامها، لكنها أصبحت كما قال الشاعر:
ألقاهُ في اليمِّ مَكْتُوفَاً وقال له *** إيَّاكَ إيَّاكَ أنْ تَبْتَلَّ بالماءِ
هذا على مُسْتَوَى المـــُفْسِدِين المخرِّبين المحاربين لله ورسوله وللمؤمنين من عصابات المتاجرة بالمخدرات، فقبَّحَهُمُ الله! وقطَع دابرهم ودابر كلِّ مَن يُعينهم أو يسكت عنهم، مع علمه بهم، وقدرته على الأخذ على أيديهم.
أما على مستوى ضحايا المخدرات من أبنائنا شباباً وأطفالاً وبعض النساء فحدث ولا حرج، فما من حي إلا وفيه شللٌ من هؤلاء شباب في عمر الزهور، كان يمكن أن يتجهوا إلى البناء والتنمية، والعمل على إسعاد أسرهم، ورفع رؤوس آبائهم وأقاربهم، والعمل على رفعة ومجد ورضا مجتمعهم، فإذا بهذه الآفة تحوِّلهم إلى مخلوقات ضارة؛ بل عدوانية شهوانية، تهدم ولا تبني، وتضر ولا تنفع، وتجلب الخزي والعار لكل من له بها قرابة أو صِلة بدل أن تكون مصدر اعتزازه وافتخاره .
فاسألوا الأسر المحطمة بسببهم، اسألوا الآباء الحائرين العاجزين عن دفع الضرِّ واللوم عن أنفسهم وأسرهم بسبب أولئك الواقعين في جحيم المخدرات، سلوا الأمهات المحطَّمات من الحزن والهمِّ بسببهم، واللائي قد وصل الحال ببعضهن إلى أن يضربها ابنها، ويعتدي على مالها وحُليِّها.
سلوا الزوجات البائسات، وربما الضائعات، بسبب ضياع أزواجهن وما جره عليهم وباء المخدرات، سلوا الأولاد الذين يشتهون لقمة العيش الكريمة، والبدلة النظيفة من الملابس، بل يتلوون من الأوجاع دون أن توفر لهم حبة أو جرعة الدواء ولو في أبسط أشكاله؛ لأن المخدرات قد استهلكت كل ما يملك، سلوا الحرائر العفيفات اللاتي يأتين في هَدَآتِ الظهيرة أو جنح الظلام إلى أبواب المحسنين أو الساعين في الخير، يسألنهم معونة لسدِّ الرمق، أو إنقاذ الطفل المريض، أو شراء علبة أو كيس اللبن، كل ذلك لأن أزواجهن ابتلوا بهذه الآفة الملعونة، فعَمَّ شؤمها الأسرة بكاملها.
عباد الله: إنَّ الأمم جميعها، مسلمها وكافرها، وصالحها وفاسدها، قد اتفقت كلمتهم، وتوحدت تشريعاتهم على تحريم المخدرات، وتجريم المروجين لها، والمتاجرين بها، وشن الحرب على مصادرها، والسعي لعلاج آثارها المدمِّرة، هذا مع ما لدَى كثيرٍ مِن تلك الأمم مِن الفواحش والفجور، وأنواع الخمور، والملاهي المحرمة، وغيرها؛ وما ذاك إلا لاتفاق جميع العقلاء والعلماء والخبراء، واتفاق الشرع والعقل والمنطق على قبحها، وسوء آثارها، وعموم مخاطرها.
فكيف بنا -نحن المسلمين-؟! ونحن أبناء هذه البلاد التي عرفت على مدار تاريخها بحشمتها وعفتها وترفُّعها عن النقائص، كيف تنبت من بلادنا هذه النبتة الخبيثة ثم تنمو وتثمر ثمراتها القبيحة التي هي كرؤوس الشياطين، وحمم البراكين في تدميرها وتخريبها، كيف نسمح بذلك؟.
عباد الله :لقد نص القرآن على تحريم الخمر بنصوص صارمة لا تدع مجالاً للتأويل، أو وجهاً للتعليل، أو التراخي في تطبيقها، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ؟) [المائدة:90]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "كُلُّ مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب منها لم يشربها في الآخرة" رواه مسلم، والأحاديث في ذلك كثيرة.
هذه بعض الأدلة الشرعية على تحريم الخمر، واعتبار أن كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، وهذا بإجماع من يُعْتَدَّ بهم من العلماء المتقدمين والمتأخرين، بل الأمر كما سبق عليه البشرية كلها.
عباد الله: لماذا هذا الإجماع من جميع الأمم على تحريم المخدرات؟ إنه لما تحتوي عليه من أضرار، ومفاسد، وقد قسمها الباحثون إلى أضرار: دينية – خلقية – صحية – اجتماعية – واقتصادية.
من الدينية كونها معصية منصوص عليها، تورث سخط الله وعقابه الدنيوي والأخروي، وهي تُبعد عن الله وعن الصالحين من عباده، وتقرب من شياطين الإنس والجن، وحسبك أنها تُبعِد عن ذكر الله وعن الصلاة .
أما الخُلقية فإنها تعلم سوء الخلق، وتجعل المرء مزاجياً ضيق الصدر، شديد الانفعال، وتنزع عنه الحياء، وتعلمه أنواعاً من الأخلاق السيئة كالكذب، وإخلاف الوعود، ونقض العهود، وسقوط النفس بالسؤال والسرقة.
أما الاجتماعية فمنها تمزيق الأسر، فينفق كل ما في جيبه وينكفئ على نفسه، ويخسر وظيفته وتجارته ويمد يده إلى كل ما هو جميل في البيت، ويتعامل بكل عدوانية مع زوجته وأطفاله وأهله، وانتشار العديد من الأمراض المترتبة على ذلك، والبطالة والتسول، ثم الانجرار إلى السرقة وبيع الذمم؛ فلا يبالي بعد ذلك بلوم ولا عيب، فضلاً عن الدين، والبلاطجة والشبيحة خير مثال على ذلك...الخ.
والصحية أكثر من أن تحصر، ومنها الايدز، وبعض أنواع السرطان، كسرطان المرئ وغيره، والتهابات المعدة والقرحة، ولها علاقة بأمراض الكبد والقلب؛ وأهم شيء إفساد العقل، ومنها الهلوسة، واضطرابات التفكير، وفقدان الذاكرة.
أما الأضرار الاقتصادية فإنَّ المتعاطي للمخدِّرات تُهدَم في نفسه كل القوى، فلا يصلح لوظيفة، ولا ينفع لعمل ولا تجارة، فيبقى هادماً للاقتصاد، مفسداً له.
تلك هي المخدرات، وهذا هو وجهها القبيح، وهذه أخطارها وأضرارها، وهذه صيحة نذير للجميع، وإن شاء الله المعالجات ستأتي في خطبة أخرى؛ لأنها انتشرت انتشاراً سريعاً، فكل أولادنا معرضون لأن يكونوا رأوها أو لمسوها أو استخدموها؛ لأنها عصابات شرسة ونشطة وفي كل تجمعاتنا السكانية موجودة.
لا تقلْ: أنا أسرتي محافظة، نسأل الله أن يحفظ أسرنا جميعاً، لكن، مع ذلك، فقد تكون أنت أشد استهدافاً؛ فإنهم يحرصون على استهداف بيتك أكثر من أي بيت آخر، فلنحرص ونحذر وننتبه ونراقب أولادنا ونحذر عليهم ونعلمهم ونوعيهم بأضرارها ومصائبها، لعلنا أن نسلم وإياهم، وهذا إنما هو للتذكير: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى:9-15].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي