وماء زمزم من أعظم المنافع المشهودة التي يشهدها الحجاج والعمار في حرم الله، حيث يشربون ويتضلعون منه، وينالون من خيراته وبركاته، ويكسبون الدعاء المستجاب عند شربه؛ حيث إن ماء زمزم لِما شرِب له من حوائج الدنيا والآخرة، فهو حقًّا من نعم الله العظمى التي جعلها الله تعالى للمؤمنين في هذا المكان المبارك مكة المكرمة. وهو أولى الثمرات التي أعطاها الله تعالى لنبيه إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- حين دعا ..
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله ربكم، وتوبوا إليه، وأنيبوا له، يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار.
أيها المؤمنون: حديثنا في هذا اليوم عما ورد في فضل ماء زمزم، ولا يخفى أن ماءَ زمزم نعمة عظمى وآية كبرى من آيات الله البينات في بيت الله وحرمه؛ إذ هو من عيون الجنة، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن زنجيًا وقع في زمزم فمات، قال: فأنزل إليه رجلاً فأخرجه، ثم قال: انزفوا ما فيها من ماء، ثم قال للذي في البئر: "ضع دلوك من قِبل العين التي تلي البيت أو الركن، فإنها من عيون الجنة". أي: أن لها مادة من الجنة.
وماء زمزم من أعظم المنافع المشهودة التي يشهدها الحجاج والعمار في حرم الله، حيث يشربون ويتضلعون منه، وينالون من خيراته وبركاته، ويكسبون الدعاء المستجاب عند شربه؛ حيث إن ماء زمزم لِما شرِب له من حوائج الدنيا والآخرة، فهو حقًّا من نعم الله العظمى التي جعلها الله تعالى للمؤمنين في هذا المكان المبارك مكة المكرمة.
وهو أولى الثمرات التي أعطاها الله تعالى لنبيه إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- حين دعا بقوله: (ربَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلوةَ فَجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَرْزُقْهُمْ مّنَ الثَّمَرتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم:37]، فكان ماء زمزم سقيا الله وغياثه لولد خليله إسماعيل -عليهما الصلاة والسلام-؛ ذلك أن إبراهيم -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام- لما ترك هاجر وابنها إسماعيل عند البيت المحرم، وقالت له: آلله أمرك بهذا؟! قال: نعم، قالت: إذًا لا يضيعنا، وانطلق إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- حتى إذا كان عند الثَّنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: (رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلوةَ فَجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَرْزُقْهُمْ مّنَ الثَّمَرتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم:37]، فكان ماءُ زمزم أولى الثمرات التي أعطاها الله لخليله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- حين دعا بقوله: (وَرْزُقْهُمْ مّنَ الثَّمَرتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ). وبهذا يتصف ماء زمزم بالأولية، كما يتصف البيت العتيق بالأولية، حيث هو أول بيت وضع للناس.
وهو الماء المبارك الشريف الذي ظهر في أطهر بقعة مباركة لسيد مبارك، بواسطة الأمين جبريل -عليه السلام-، ماء له فضل عظيم وقدر كبير، فهو سيد المياه وخيرها وأشرفها وأجلها، وفي هذا يقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم". قال الهيثمي في المجمع (3/286): رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات. وهو ماء غسل به قلب النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، وما كان ليغسل إلا بأشرف المياه.
وقد خص الله تعالى هذا الماء المبارك بخصائص فريدة وبركات عميمة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنها مباركة، إنها طعام طعم وشفاء سقم".
وهو ماء بارك فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بريقه الشريف، فزاد بركة على بركة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى زَمْزَمَ فَنَزَعْنَا لَهُ دَلْوًا فَشَرِبَ ثُمَّ مَجَّ فِيهَا -أي: أخرج الماء من فمه الشريف-، ثُمَّ أَفْرَغْنَاهَا فِي زَمْزَمَ. رواه أحمد (3517). كان -صلى الله عليه وسلم- يشرب من زمزم حتى يشعر بالري في أضلاعه.
وماء زمزم طعام طعم؛ إذ جعل الله تعالى من خصائص ماء زمزم وفضائله أنه يقوم مقام الغذاء في تقوية الجسم، بخلاف سائر المياه؛ ففي قصة هاجر أم إسماعيل حين تركها إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- هي وابنها عند بيت الله الحرام وضعهما ووضع عندهما جرابًا -وعاءً من جلد- فيه تمر، وسقاء فيه ماء، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه حتى ظهر الماء، فجعلت تشرب من الماء، ويدر لبنها على صبيها. وهكذا جعل الله تعالى ماء زمزم غذاءً لأم إسماعيل وابنها -عليهما السلام-.
وماء زمزم علاج للحمى، فعَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ فَأَخَذَتْنِي الْحُمَّى، فَقَالَ: أَبْرِدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ، -أَوْ قَالَ:- بِمَاءِ زَمْزَمَ". رواه البخاري (3261).
وذكر أحد المؤرخين قصة عجيبة عن فضل زمزم فقال: حججت مع جماعة ومعهم رجل مفلوج، فوجدته يطوف بالبيت سالمًا من الفالج، فقلت له: كيف ذهب ما بك؟! فقال: جئت إلى بئر زمزم، فأخذت من مائها، فحللت به دواة كانت معي، وكتبت في إناء: بسم الله الرحمن الرحيم: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَلشَّهَـادَةِ هُوَ الرَّحْمَـانُ الرَّحِيمُ...) [الحشر:22] إلى آخر السورة، (وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ...) [الإسراء:82] إلى أخر الآية، وقلت: اللهم إن نبيك محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قال: "ماء زمزم لما شرب له"، والقرآن كلامك فاشفني بعافيتك، وحللته بماء زمزم وشربته، فعوفيت وتخلصت من الفالج بإذن الله تعالى من غير معالج، فلله الحمد على ذلك.
وقال الإمام ابن القيم: "وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورًا عجيبة من عدة أمراض، فبرأت بإذن الله"، "ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها -أي: بزمزم- بقوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5]، آخذ شربة من ماء زمزم، وأقرؤها عليها مرارًا، ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع".
وذكر الإمام تقي الدين الفاسي أن أحمد بن عبد الله الشريفي الفراش بالمسجد الحرام شربه -أي: زمزم- للشفاء من عمى حصل له فشفي منه.
عباد الله: ولو أردت أن أعدد القصص التي روتها لنا كتب التاريخ وغيرها من المجلات في عصرنا الحاضر عن كثير من المؤمنين شربوا ماء زمزم لمرض نزل بهم لطال بي الوقت، لكن الأهم من ذلك أن تشربه بعقيدة قوية ونية صادقة وإيمان لاشك فيه ويقين في كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن ماء زمزم لما شرب له، فاشربه إذًا لنيات الخير الكثيرة المختلفة في الدنيا والآخرة، فمن السلف من شربه لظمأ يوم القيامة، ومنهم من شربه لزيادة العلم كالشافعي، فكان أعلم أهل زمانه، وشربه للقوة والفروسية والرماية، فكان قويًّا فارسًا يركب الخيل ويتقلب عليها ولا يسقط، وكان راميًا تصيب سهامه كلها، وغير ذلك من نيات الخير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَمًا ءامِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْء رّزْقًا مّن لَّدُنَّا وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [القصص:57].
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: بعد كل ما تقدم بيانه من خاصية الشفاء التي جعلها الله في ماء زمزم وما فيه من خيرات وبركات وهو لما شرب له، فليحذر كل من نفّر الناس عن ماء زمزم، أو زهدهم فيه، ولا سيما بعض الأطباء الذين ينصحون المرضى بشرب ماء الصحة بدل زمزم، بل يتعدى بعضهم إلى القول بأن ماء زمزم فيه أملاح كثيرة تضر بالمريض، ونحو هذا من الكلام الذي فيه تعدٍّ وجرأة على ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وهو -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى، إنما يخبر عن الله -عز وجل- الخالق للمخلوقات والعالم بخصائصها، وما جعل الله تعالى فيها من الخيرات والبركات. والمؤمن بالله ورسوله يكون حاله كما قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـالاً مُّبِينًا) [الأحزاب:36].
قال ابن كثير -رحمه الله- عند تفسير هذه الآية: "قال ابن عباس -رضي الله عنه-: هذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد ها هنا ولا رأي ولا قول، وفي الحديث: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".
وماء زمزم قد قضى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخبرنا عن خاصيته وما جعل الله تعالى فيه من الشفاء، فما على المسلم المؤمن إلا أن ينقاد ويسلم تسليمًا مطلقًا من غير توقف، والواجب على الآراء أن تكون تابعة لرأيه -صلى الله عليه وسلم-، فلا يرفع صوت فوق صوته -صلى الله عليه وسلم-، ولا رأي فوق رأيه -صلى الله عليه وسلم-، وإلا فمن حكّم عقله ورأيه فيما جاء عن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فقد حبط عمله، قال تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَـالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ) [الحجرات:2].
فهذا ما يجب أن يكون راسخًا في قلب المؤمن، وهناك أمر آخر يشيعه بعض ضعاف النفوس من أن ماء زمزم تغير عما كان عليه في عهد رسول الله، ودخلت عليه مياه المجاري، وبالتالي يكون قد فقد خصائصه، وهذه أيضًا من الأمور التي تفتت العقيدة في قلوب المؤمنين، وهو كلام باطل، وعن حلية الحق عاطل، ورحم الله الملك فيصل حينما قالوا له: نريد أن نحلل ماء زمزم في مختبرات فرنسا لأن به تلوثًا من مياه المجاري، فقال: نحن أعرف بماء زمزم من مختبرات فرنسا، ولم يرضَ أن يفعل ذلك.
فاتقوا الله عباد الله، واشربوا ماء زمزم، وتمتعوا بها، واذكروا أن غيركم في البلاد الإسلامية يتمنى الواحد منهم القليل منه، وأنتم في مكة المكرمة تشربونه وتتوضؤون منه، فاحمدوا الله على نعمه، فبالشكر تدوم النعم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي