وموضوعنا اليوم عن سورةِ المطففين، السورةِ الثالثةِ والثمانين في ترتيب المصحف الشريف، وهي ست وثلاثون آية، قيل إنها مكية، وقيل إنها نزلت بالمدينة ..
الحمد لله الذي أمرنا بإيفاء الكيل والميزان، ونهانا عن التطفيف والنقصان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا إخوة الإسلام: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، وموضوعنا اليوم عن سورةِ المطففين، السورةِ الثالثةِ والثمانين في ترتيب المصحف الشريف، وهي ست وثلاثون آية، قيل إنها مكية، وقيل إنها نزلت بالمدينة.
قال السيوطي بسند صحيح، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما قدِمَ النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل الله: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين:1]، ويلٌ: كلمة عذاب، أو وادٍ في جهنَّم، والمطففين: جمع مطفِّف، وهو المنْقِص، وحقيقته الأخذ في الكيل أو الميزان شيئاً طفيفاً، أو نزراً حقيراً.
ثم وصفهم الله بقوله: (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) [2]، أي يستوفون الأكيال، والأخذ بالكيل من الناس. قال المفسرون: يعني الذين إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا الكيل والوزن، وإذا باعوا لغيرهم نقصوا، وهو معنى قوله: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [3].
ثم خوَّفَهُم الله سبحانه فقال: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) [4]؟ والمعنى؛ أي: ألا يخطر ببالهم أنهم مبعوثون فمسؤولون عما يفعلون؟ وقيل: الظن بمعنى اليقين، أي: ألا يوقن أولئك؟ ولو أيقنوا ما أنقصوا المكيال والوزن، (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) [5] هو يوم القيامة الذي وصفه الله بقوله: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [6]، أي: يقومون من قبورهم لأمر رَبِّ العالمين، أو لجزائه، أو لحسابه، أو لحكمه وقضائه.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه"، وفي رواية لمسلم: "حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه".
ثم قال: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) [7]، كلا للردع والزجر للمطففين الغافلين عن البعث وما بعده، بمعنى: حقا إن كتاب الفجار لفي سِجِّين، الذي فسره الله بقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ) [8-9]، أي: مسطور، قيل هو كتابٌ جامعٌ لأعمال الشر، والصادر من الشياطين والكفَرة والفسَقة.
وقوله (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [10]، أي يوم القيامة ويل لمن وقع منه التكذيب به وبما جاءت به الرسل، ثم بيَّن الله سبحانه هؤلاء المكذبين فقال: (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) [11]، أي يوم الجزاء، (وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) [12]، أي فاجر جائر متجاوز في الإثم، منهمك في أسبابه، (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا) المنزلة على محمد -صلى الله عليه وسلم- (قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [13]، أي: أحاديثهم وأباطيلهم التي زخرفوها.
(كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [14]، أي: غلب على قلوبهم الرين، والرين: كثرة المعاصي والذنوب المحيطة بقلوبهم، وقيل الطبع على قلوبهم بما كسبوا من الذنوب، ثم ذكر سبحانه الردع والزجر لهم فقال: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [15]، أي: لا يرونه يوم القيامة فلا ينظرون إليه، ولا ينظر إليهم .
(ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ) [16]، أي داخلوا النار وملازموها غير خارجين منها، (ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [17]، أي: يقول لهم خزَنة جهنم تبكيتا وتوبيخاً: هذا الذي كنتم تكذبون به في الدنيا فانظروه وذوقوه.
وبعد أن بيَّن الله سبحانه حال الأشقياء بين حال السعداء الأبرار فقال: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) [18]، أي: حقاً إن كتاب الأبرار المطيعين لله لفي عليين، والمراد صحائف حسناتهم، وعليين: ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له، قيل إنه السماء السابعة.
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ) [19]، أي وما أعلمك يا محمد ما هي عِلِّيُّون؟ على وجه التفخيم والتعظيم لعليين، ثم فسره فقال: (كِتَابٌ مَرْقُومٌ) [20]، أي: مسطور، (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) [21]، أي يحضره الملائكة المقربون: قيل المقربون هنا إسرافيل، فإذا عمل المؤمن عمل البر صعدت الملائكة بالصحيفة ولها نور يتلألأ في السماوات كنور الشمس في الأرض، حتى تنتهي بها إلى إسرافيل فيختم عليها، وقيل: المقربون من الملائكة.
قال المفسرون: إن روح المؤمن إذا قُبضت صعد بها إلى السماء، وفتحت لها أبواب السماء، وتلقَّتْها الملائكة بالبشرى، ثم يخرجون معها حتى ينتهوا إلى العرش، فيخرج لهم رق مكتوب فيه، ويُختم عليه بالنجاة من الحساب والعذاب، ويشهده المقربون.
ثم ذكر سبحانه حالهم في الجنة بعد أن ذكر كتابهم فقال (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) [22]، أي: إن أهل الطاعة لفي نعيم عظيم لا يُقْدَرُ قَدْرُه، (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ) [23]، الأرائك: الأسِرَّة التي في الحجال، ينظرون إلى ما أعَدَّ الله لهم من الكرامات، (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [24]، أي: إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعمة؛ لما تراه في وجوههم من النور والحسن والبياض والبهجة والرونق.
(يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) [25]، الرحيق المحتوم: هو الشراب الذي لم تمسه يد إلى أن يفك ختمه للأبرار، وقوله (خِتَامُهُ مِسْكٌ)، أي: آخر طعمه ريح المسك، إذا رفع الشارب فاه من آخر شربه وجد ريحه كريح المسك، وقوله (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [26]، أي فليرغب الراغبون. وأصل التنافس: التشاجر على الشيء، والتنازع فيه بأن يحب كل واحد أن يتفرد به دون صاحبه.
(وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) [27]، صفحة أخرى للرحيق، أي: ومزاج ذلك من تسنيم، وهو شراب ينصب من علوم وهو أشرف شراب أهل الجنة، وقيل: تسنيم عين في الجنة، وهو صرف للمتقين، ويمزج لأصحاب اليمين، (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [28]، أي: يشرب بها المقربون.
ثم ذكر الله سبحانه بعض قبائح المشركين فقال: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ) [29]، وهم كفار قريشٍ ومَن وافقهم على الكفر، كانوا في الدنيا يستهزؤون بالمؤمنين، ويسخرون منهم، (وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) [30]، أي إذا مر المؤمنون بالكفار تغامزوا، من الغمز، وهو الإشارة بالجفون والحواجب، أي يغمز بعضهم بعضاً، ويشيرون بأعينهم وحواجبهم، وقيل: يعيرونهم بالإسلام، ويعيِّبُونَهُم به.
(وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) [31]، أي: إذا انصرف الكفار إلى مجالسهم انصرفوا معجبين بما هم فيه، متلذذين، يتفكهون بذكر المؤمنين، والطعن فيهم، والاستهزاء بهم، والسخرية منهم.
(وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ) [32]، يقول الكفار عن المؤمنين: إن هؤلاء ضالون في اتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتمسكهم بما جاء به! (وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) [33]، أي: لم يرسَلوا على المسلمين من جهة الله موكلين بهم، يحفظون عليهم أحوالهم وأعمالهم.
(فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) [34]، المراد باليوم: اليوم الآخر، والمعنى: أن المؤمنين في ذلك اليوم يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مغلوبين قد نزل بهم ما نزل من العذاب، كما ضحكوا منهم في الدنيا، (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ) [35]، أي يضحكون منهم، ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الحال الفظيع، والمؤمنون على أسرة الدر والياقوت.
(هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [36]، أي هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلون بالمؤمنين، والثواب: ما يرجع على العبد في مقابلة عمله، ويطلق على الخير والشر.
عباد الله: هذه بعض معاني سورة المطففين، أسأل الله أن ينفعنا بها وبكتابه الكريم، وسنة خاتم المرسلين، وبما نقول ونسمع، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي رفع السماوات بلا عمد نراها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صَلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: نبدأ كلامنا عن سورة الانشقاق، وهي السورة الرابعة والثمانون في ترتيب المصحف الشريف، وهي خمس وعشرون آية، وهي مكية بلا خلاف.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي رافع قال: صليت مع أبي هريرة رضي الله عنه العتمة فقرأ: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ)، فسجد، فقلتُ له [أي: أنكرتُ عليه]، فقال: سجدت خلف أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم-، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه.
بدأت السورة بقول الله تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق:1]، قال المفسرون: انشقاقها من علامات القيامة، ومنى انشقاقها: انفطارها بالغمام الأبيض.
(وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) [2]، أي أطاعته في الانشقاق، من الإذن، وهو الاستماع للشيء، والإصغاء إليه.
(وَحُقَّتْ) [3]، أي: وحُقَّ لها أن تطيع وتنقاد، (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) [4]، أي: بُسِطَتْ كما تبسط الأُدُم، ودُكَّتْ جبالُها حتى صارت: (فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طه:106-107].
وقوله: (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) [5]، أي: أخرجت ما فيها من الأموات والكنوز وطرحتهم إلى ظهرها، (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) [6]، أي: سمِعَت وأطاعت لما أمرها الله به من الإلقاء والتَّخَلِّي.
(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [7]، المراد جنس الإنسان، المؤمن والكافر، والكدح في كلام العرب: السعي في الشيء بجهد، من غير فرق بين أن يكون ذلك الشيء خيراً أو شراً، والمعنى: أنك ساعٍ إلى ربك في عملك، أو إلى لقاء ربك فمُلاقٍ عملَكَ لا محالة؛ لتنال جزاءه، وما يترتب عليه من الثواب والعقاب.
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) [8]، وهم المؤمنون، (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) [9]، لا مناقشة فيه، قال المفسرون: هو أن تُعرَضَ عليه سيئاتُه ثم يَغفرها الله، فهو الحساب اليسير، (وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا) [10]، أي: وينصرف بعد الحساب اليسير إلى أهله الذين هم في الجنة من عشيرته أو إلى أهله الذين كانوا له في الدنيا، من الزوجات والأولاد، وقد سبقوه إلى الجنة، أو إلى ما أعده الله له في الجنة من الحور العين، والولدان المخلدين، أو إلى جميع هؤلاء، مسروراً مبتهجاً بما أوتى من الخير والكرامة.
ثم انتقل الله سبحانه إلى ذكر الفئة الثانية، فئة الكفار والعصاة، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) [11]، قيل: لأن يمينه مغلولة إلى عنقه، وتكون يده اليسرى خلفه، (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا) [12]، أي: إذا قرأ كتابه قال: يا ويلاه! يا ثبوراه! والثُّبُورُ: الهلاكُ، (وَيَصْلَى سَعِيرًا) [13]، أي: يدخلها ويقاسي حَرَّها وشِدَّتَها.
(إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا) [14]، أي كان بين أهله في الدنيا مسروراً باتِّباعِ هواه، وركوب شهوته، بطِراً أشِراً؛ لعدم حضور الآخر بباله، (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) [15]، الحور: الرجوع، وقيل: التردُّد في الأمر، أي: ظن أن لن يرجع إلى الآخرة، أو إلى الله، (بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا) [16]، أي: بلى! ليحُورَنَّ ولَيُبْعَثَنَّ، وذلك أن الله كان بأعماله عالماً، لا يخفى عليه خافية.
(فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) [17]، أي: أقسم بالشفق، وهو الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء الآخرة، (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) [18]، الوسق: ضم الشيء بعضه إلى بعض، أي ما جمع وضم وحوى ولفَّ، والمعنى: أنه جمع وضم ما كان منتشراً بالنهار في تصرُّفِهِ، وذلك أن الليل إذا أقبل أوى كلُّ شيءٍ إلى مأواه، (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) [19]، أي: اجتمع وتكامل واستوى، ويكون ليله ثلاث عشرة إلى ست عشرة.
(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) [20]، هذا جواب القسم، أي: ليركبن حالا بعد حال، كل حالة منها مطابقة لأختها في الشدة، وقيل: المعنى لتركبن حالا بعد حال، كل حالة منها مطابقة لأختها في الشدة، وقيل: المعنى لتركبن يا محمد سماء بعد سماء.
(فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [21]، أي: أيُّ شيءٍ جعل الكفار لا يؤمنون بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وبما جاء به من القرآن، مع وجود موجبات الإيمان بذلك؟ (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ) [22]، أي: أيُّ مانع لهم حالَ عَنْ عَدَمِ سجودهم وخضوعهم عند قراءة القرآن؟.
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) [23]، أي: يُكَذِّبُونَ بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وبما جاء به من الكتاب المشتمل على إثبات التوحيد والبعث والثواب والعقاب، (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ) [24]، أي: عالم بما يُضمِرون في أنفسهم من التكذيب، مأخوذ من الوعاء الذي يجمع ما فيه.
(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [25]، أي: اجعل ذلك بمنزلة البشارة لهم، (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [26]، هذا استثناء، أي: لكن الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح لهم أجر عند الله غير مقطوع.
عباد الله: سورة الانشقاق تحدَّثَتْ عن أهوال يوم القيامة، وذكرت بعض مشاهد الآخرة، وعن الانقلاب الذي يحدث في الكون عند قيام الساعة، ثم تحدثت عن الإنسان الذي يكدُّ ويتعب في تحصيل أسباب رزقه ومعاشه ليقدم لآخرته ما يشتهي من صالح وطالح، ومن خير أو شر.
ثم وضَّحت مآل السعداء ومآل الأشقياء في الآخرة، وختمت السورة بتوبيخ المشركين على عدم إيمانهم بالله مع وضوح آياته، وبشَّرَتهم بالعذاب الأليم، إلا مَن آمن وعمل صالحاً فلهم أجر غير منقطع عند الله -عز وجل-.
هذا مجمل معاني سورة الانشقاق، أسأل الله أن ينفعنا بها وبما جاء فيها من المواعظ والتذكرة، وبكتاب الله الكريم، وهدي خاتم المرسلين، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصَلُّوا وسلِّمُوا -عباد الله- على خاتم رسل الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي