ثم طوفوا به طواف العمرة سبعة أشواط بدءا من الحجر الأسود وانتهاء به، وإن تيسر تقبيله فحسَن، وإن لم يتيسر فيُستلم، وإن لم يتيسر -كما هو الحال في هذه الأزمنة التي تشتد فيها الزحام- فيكتفى بالإشارة إليه، وكل هذا سُنة، فلو طاف الإنسان دون تقبيل ودون إشارة للحجر ولا لمس له كان طوافه صحيحا ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل-؛ استجابة لوصية مولاكم، اتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ تسعدوا وتفلحوا في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة المسلمون: يستقبل المسلمون في هذه الأيام السفر إلى بيت الله الحرام، يرجون من ربهم مغفرة الذنوب والآثام، ويأملون الفوز بالنعيم المقيم في دار السلام، ويأملون بالخلف العاجل من ذي الجلال والإكرام.
أيها الإخوة المسلمون: يا من عقدتم العزم على حج بيت الله الحرام، اعلموا -رحمكم الله- أنكم تتوجهون في زمن فاضل إلى أمكنة فاضلة، إلى مشاعر عظيمة، تؤدون عبادة من أجَلِّ العبادات، وأعظم القربات والطاعات.
فاحرصوا على أداء هذه العبادة كما أمركم ربكم -عز وجل-، وكما شرع لكم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، من غير غلو ولا نقص ولا زيادة؛ ليحصل لكم ما أردتم من مغفرة الذنوب، والفوز بالنعيم، فإن الأعمال كلها لا تقبل إلا إذا كانت خالصة لوجه الله تعالى، معمولة على وفق ما شرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
إذا وصلتم إلى الميقات فاغتسلوا وتطيبوا في أبدانكم في الرأس واللحية، والبسوا ثياب الاحرام غير مطيبة إزارا ورداءا أبيضين نظيفين للذكور؛ فأما النساء فليبسن ما شئن من الثياب، غير متبرجات بزينة ولا متطيبات.
لا تجاوزوا الميقات بدون احرام، أحرموا من أول ميقات تمرون به؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقَّت المواقيت وقال: "هن لهنّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن".
ومن كان في الطائرة فليتهيأ للإحرام من قبلُ ثم ينوي الإحرام إذا حازى الميقات قبل مجاوزته، ولْيقُل إن كان متمتعا من العمرة إلى الحج: لبيك عمرة.
وبعد الإحرام سيروا إلى مكة ملبين بتلبية النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك"، يرفع الرجال بهذه التلبية اصواتهم، حتى تصلوا الكعبة المشرفة، فإذا بلغتم البيت وأردتم الطواف فأمسكوا عن التلبية.
ثم طوفوا به طواف العمرة سبعة أشواط بدءا من الحجر الأسود وانتهاء به، وإن تيسر تقبيله فحسَن، وإن لم يتيسر فيُستلم، وإن لم يتيسر -كما هو الحال في هذه الأزمنة التي تشتد فيها الزحام- فيكتفى بالإشارة إليه، وكل هذا سُنة، فلو طاف الإنسان دون تقبيل ودون إشارة للحجر ولا لمس له كان طوافه صحيحا.
فإذا أكملتم الطواف فصلوا ركعتين خلف مقام إبراهيم قريبا منه ان تيسر أو بعيدا منه، اقرؤوا في السورة الأولى بعد الفاتحة سورة "قل يا أيها الكافرون"، وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة الإخلاص "قل هو الله أحد".
ثم اتجهوا بعد ذلك إلى الصفا، فإذا قربتم منه فاقرؤوا قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ، ثم ليقل الحاج: أبدأ بما بدأ الله به.
اسعوا بين الصفا والمروة سعي العمرة سبعة أشواط، تبدؤون بالصفا وتختمون بالمروة، الذهاب من الصفا إلى المروة شوط، والرجوع من المروة إلى الصفا شوط أخر.
فإذا أكملتم السعي فقصِّروا رؤوسكم من جميع جوانب الرأس لا من جانب واحد منه، ولا من أجزاء فقط من الرأس، كما يفعله بعض الناس، بل عمموا الرأس كله بالتقصير، وتقصر المرأة من أطراف شعر رأسها بقدر أنملة، وبذلك تمت العمرة للمتمتع، وحللتم الحل كله.
فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة فأحرموا بالحج من مكانكم الذي انتم فيه، فاغتسلوا وتطيبوا والبسوا ثياب الاحرام، وأحرموا بالحج، وسيروا ملبين إلى مِنَىً إن لم تكونوا بها، وصلُّوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرا للرباعية من غير جمع، بل تؤدون كل صلاة في وقتها.
فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع يوم عرفه فسيروا ملبِّين إلى عرفة، وصَلُّوا بها الظهر والعصر على ركعتين جمع تقديم، ثم تفرغوا لذكر الله ودعائه والتضرع إليه -سبحانه وتعالى- مستقبلي القبلة، رافعي أيديكم، مؤملين من ربكم -عز وجل- إجابة دعائكم، ومغفرة ذنوبكم.
تأكدوا من الوقوف داخل عرفة، فإن كثيرا من الحجاج ينزلون خارج حدود عرفة، ومَن لم يقف بعرفة فلا حج له، وإن كنتم تجهلون فاسألوا من يعلمون من رجال الأمن وغيرهم: هل انتم في عرفة أم في خارجها؟.
فإذا غربت الشمس فسيروا إلى مزدلفة، وصلّوا بها المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين وأوتروا، وبيتوا بها حتى تصلوا الفجر، ثم ادعوا الله -سبحانه وتعالى-، واستغفروه، وكبِّرُوه، ووحِّدوهُ، إلى أن تسفروا جدا، كما فعل رسولكم -صلى الله عليه وسلم-.
ثم سيروا إلى منى كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- للضعَفة أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل بعد مضي منتصف الليل، فإذا وصلتم إلى منى فابدؤوا برمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات، كل حصاة أكبر من الحمّصة قليلا، والقطوها من حيث شئتم، وكبروا مع كل حصاة.
واعلموا -رحمكم الله- أن الحكمة من رمي الجمرات هي إقامة ذكر الله -عز وجل- وتعظيمه، ولذلك يكبِّر الرامي عند رميه، ولستم ترمون شياطين كما يظن بعض الناس ويعتقدون، وإنما ترمون هذه الأحجار في هذه الأماكن تأسيا بنبيكم -صلى الله عليه وسلم-، وتعظيما لله -عز وجل-، وذكرا لله سبحانه وتعالى.
فإذا رميتم جمرة العقبة يوم النحر يوم العاشر فاذبحوا الهدي إن تيسر، ولا يجزئ منه إلا ما يجزئ في الأضحية، فمن لم يجد الهدي لفقره او لعدم وجود الهدي فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة بعد الانتهاء من الحج.
وإذا وكلتكم مشروع الاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي في ذبح الهدي عنكم فقد أحسنتم، لاسيما إن كنتم لا تستطيعون توزيع لحوم الهدي والاستفادة منه.
وإذا ذبحتم الهدي المتيسر فاحلقوا رؤوسكم، والنساء يقُصَّرن، وإذا رميتم وحلقتم حل لكم كل شيء من محظورات الإحرام إلا النساء، فتلبسون ثيابكم، وتستخدمون الطيب.
ثم تنزلون إلى مكة فتطوفون بالبيت طواف الحج، طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج، وتسعون له بين الصفا والمروة، وبذلك تحلون الحل كله؛ فيحل لكم بعد ذلك جميع محظورات الإحرام.
أيها الإخوة المسلمون: إن الحجاج يؤدون يوم العيد مناسك عظيمة، يؤدون يوم النحر يوم العاشر من ذي الحجة مناسك عظيمة؛ ولذلك سماه الله يوم الحج الأكبر، إنهم يرمون جمرة العقبة، ويذبحون هديهم وقرابينهم، ثم يحلقون او يقصرون رؤوسهم، ثم يطوفون بالبيت المشرف، ثم يسعون بين الصفا والمروة، والأكمل أن تفعلوا هذه الأعمال على الترتيب السابق.
فإن قدم الحاج بعضها على بعض فلا حرج؛ فإن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ما سئل يوم العيد يوم النحر عن شيء قُدِّمَ ولا أخر من أفعال يوم النحر إلا قال للسائل: "افعل ولا حرج"؛ تيسيرا على العباد، ورحمة بهم.
ولو أخرتم طواف الإفاضة وسعي الحج حتى تنزلوا من منى في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر فلا حرج، غير أنكم لا تتمتعون بالنساء قبل ذلك، وإن أخرتم ذبح الهدي إلى اليوم الثالث عشر وذبحتموه بمكة فلا حرج أيضا.
أيها الإخوة المسلمون: بعد أفعال يوم العيد يوم النحر يبيت الحجاج بمنى ليلتين: ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، ويرمون الجمار الثلاث في اليومين التاليين في اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر بعد زوال الشمس، بدءا من الصغرى التي تلي منى ترمى بسبع جمرات، ثم الجمرة الوسطى ترمى بسبع جمرات كذلك، ثم الكبرى ترمى بسبع جمرات كذلك.
ولا ترموا قبل زوال الشمس في الأيام التي بعد العيد، أي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرمي فيها إلا بعد الزوال، ولاسيما بعد الانتهاء من هذا المشروع العظيم التي وفرته حكومة خادم الحرمين الشريفين من توسعة مكان رمي الجمار، وجعله على أدوار متعددة، حتى صار الرمي في هذه الأيام بعد الزوال بمنتهى اليسر والسهولة، ولله الحمد والمنة.
ولكم الرمي قبل الغروب، وإذا كان الزحام شديدا جاز لكم أن تؤخروا الرمي إلى الليل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقَّت أول الرمي دون آخره.
ارموا بأنفسكم ولا توكلوا أحدا يرمي عنكم؛ لأن الرمي عبادة واجبة على الذكور والإناث، فيجب على المرء أن يؤديها بنفسه إلا عند الضرورة، كأن يكون مريضا أو كبيرا أو امرأة حاملا تخاف على نفسها أو حملها من الزحام فيجوز التوكيل حينئذ إن شق عليها الرمي.
يرمى الوكيل جمرة الأولى عن نفسه، ثم يرميها عن موكله، ثم يرمى الجمرة الثانية عن نفسه بسبع حصيات، ثم يرميها عن موكله بسبع حصيات أخرى، ثم يرمى الثالثة الجمرة الكبرى بسبع حصيات عن نفسه، ثم يرميها بسبع حصيات أخرى عن موكله.
فإذا رميتم الجمار في اليوم الثاني عشر فقد تم الحج، فمن شاء تعجل فخرج من منى قبل غروب الشمس، ومن شاء تأخر فبات بمنى ليلة الثالث عشر ورمى الجمار من الغد، أي من اليوم الثالث عشر بعد الزوال، وهذا أفضل؛ لأنه فعل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولأنه أكثر عملا، حيث يحصل المبيت والرمي في اليوم الثالث عشر.
ثم طوفوا للوداع إذا أردتم ثم السفر والعودة إلى بلدكم بعد تمام أفعال الحج كلها، فمن كان من الحجاج يريد البقاء في مكة أيام أُخَرَ كاليوم الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر أو نحو ذلك فليس عليه طواف وداع لابد أن يأتي به في اليوم الثالث عشر مثلا، بل عليه ان يؤخر طواف الوداع حتى يعزم على الرجوع إلى بلده؛ من أجل أن يخفف أيضا على الطائفين الذين يريدون مغادرة مكة والرجوع إلى بلادهم.
اجعلوا طواف الوداع بعد تمام أفعال الحج؛ لأن طواف الوداع ليس واجبا، ويخطئ بعض الحجاج حينما يؤخر رمي الجمار بعد طواف الوداع، فتراه يذهب إلى مكة ضُحى ذلك اليوم الذي يريد فيه الرجوع إلى أهله فيطوف طواف الوداع ثم يعود بعد الظهر بعد الزوال إلى منى ويرمى الجمرات، وهذا خلاف السنة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أن يكون آخر عهد الناس بالبيت. ومن رمى بعد الطواف فقد جعل آخر عهده بالجمار لا بالبيت.
نسأل الله -عز وجل- التوفيق لسنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأداء المناسك على الوجه الأكمل، كما نسأله -سبحانه وتعالى- أن يحفظ حجاج بيته الحرام، وأن يجعلهم يؤدون مناسك الحج في أمن وأمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثير إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: إن من نعم الله تعالى على عباده المؤمنين أن جعل لهم مواسم فاضلة تضاعف فيها الأعمال، وتكثر فيها أنواع الطاعات، ومن هذه المواسم عشر ذي الحجة.
أخرج البخاري -رحمه الله- في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام -يعني أيام العشر-، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".
فهذا الحديث أيها الإخوة- المسلمون دليلا واضح على أن العمل الصالح في هذه الأيام العشر أحب إلى الله -عز وجل- من العمل في سائر أيام الدنيا.
أيها الإخوة المسلمون: إن الأعمال الصالحة تكون أجدر للقبول وأعظم أجراً بحسب الأزمان والأماكن الفاضلة، فاجتهدوا -رحمكم الله- في أعمال الخير في هذه الأيام، ولا تكن أيام العشر هذه وأيام سائر العام عندكم سواء، أكثروا من قراءة القرآن الكريم، وأكثروا من صلاة النفل.
ومن الأعمال المشروعة في هذه العشر التكبير والتحميد والتهليل، وقد دل على استحباب التكبير في هذه الأيام قوله -عز وجل-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) ، فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر.
وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكْثِرُوا فيهنَّ مِنَ التَّهْليل والتكبير والتحميد".
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبِّران، ويكبر الناس بتكبيرهما.
وصفة التكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وذلك في كل وقت من دخول أول أيام العشر إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق، وهذا هو التكبير المطلق.
أما التكبير المقيد بأدبار الصلوات فيبدأ بعد صلاة فجر يوم التاسع يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، هذا هو التكبير المقيد. فاحرصوا رحمكم الله على هذه السنة واجتهدوا في إحيائها.
كما أن من الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر صيامها كلها أو بعضها، أي تسعة أيام منها، أما يوم النحر فيحرم صومه بإجماع المسلمين.
وأفضل أيام العشر يوم عرفة؛ فإن صيامه يكفر سنة ماضية وسنة لاحقة، ومن الأعمال الصالحة في هذه العشر الصدقة والإنفاق على الفقراء والمحتاجين، والإنفاق في سائر وجوه الخير والبر.
أيها الإخوة المسلمون: قد دلت السنة على أن من أراد أن يضحي عن نفسه عليه أن يمسك عن شعره وأظفاره فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره ولا من بشرته شيئا من دخول العشر إلى أن يضحي، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وإظفاره حتى يضحي".
ومن احتاج أن يأخذ شيئاً من أظفاره أو شعره، كما إن انكسر ظفره أو خرج من موضع عليه شعر دم يحتاج لأخذ ذلك الشعر، فلا حرج في ذلك.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن هذه الأحكام إنما تتعلق بالمضحي نفسه صاحب الأضحية، وأما الزوجة والأولاد والوكيل والوصي على الأضحية فلا يتعلق به شيئا من هذه الأحكام.
أيها الإخوة المسلمون: شريعة الله وأحكامه لا تجب إلا مع القدرة والاستطاعة، ومن ذلك الحج، فلا يجب الحج -بحمد الله- إلا على المستطيع، ودين الله -عز وجل- يسر، ما جعل عليكم في الدين من حرج، (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) .
ومن وجوه الاستطاعة في هذا الزمن حصول الإنسان على التصريح للحج، فمن لم يستطع الحصول عليه فلا حرج عليه في تأخير الحج، حتى وإن كان لديه قدرة بدنية، لا حرج عليه في تأخير الحج إلى حين قدرته على تحصيل التصريح، وأما الحج بدون تصريح فهو مخالفة لولي الأمر في أمرٍ وضعه تحقيقا لمصلحة الحُجَّاج، لاسيما في هذه الأزمنة التي كثرت فيها أعداد الحجيج.
فالتزموا -رحمكم الله- بهذا الأمر استجابة لأمر مولاكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، ولما يترتب على الحج بدون تصريح من مفاسد كثيرة على الحاج نفسه وعلى مجتمع الحجيج.
أسأل الله -عز وجل- بمنه وكرمه أن يكتب التوفيق للجميع، وان يحفظ حجاج بيته الحرام في بَره وبحره وجوه، وأن يجعلهم يؤدون مناسك حجهم في أمن وأمان وصحة وعافيةـ حتى يعودوا إلى أهليهم غانمين فائزين.
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم -عز وجل- في كتابه، فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي