كانت غزوة بدر آية بَيِّنةً، وبرهاناً واضحاً على أنَّ مَن كان مع الله كان الله تعالى معه، ومَن نصر دين الله تعالى نصره الله، ومن توكل عليه كفاه، ومن ابتغى العزة في دين الإسلام أعَزَّه الله تعالى. وما أحوج الأمَّة المسلمة إلى فهم هذه المعاني العظيمة، ومعرفة أسباب النصر، في وقت اشتد فيه كربها، وكثرت أحزانها، وتكالب عليها أعداؤها، يفسدون في أراضيها، وينهبون خيراتها، ويسومون أبناءها، ويريدون تبديل دينها، أو القضاء عليها!.
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهـد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريـك له، وأشهـد أن محمداً عبده ورسـوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن خير الكلام كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: قدرة الله تعالى فوق كل قدرة، وعظمته لا تدانيها عظمة، خلَقَ الخلق وهو القادر عليهم، وأعطاهم ما أعطاهم وإليه مرجعهم.
ينصر أولياءه، ويكبت أعداءه، يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، (مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر:10]، ومن ابتغى العزة في غير دينه أذله الله تعالى.
وفي رمضان من السنة الثانية، أعزَّ سبحانه عباده المؤمنين بنصر مبين، وأذلَّ المشركين بهزيمة لم يتوقعوها، ونهاية لم ينتظروها، وتلك سُنَّة ربانية، وناموس كوني إلهي؛ يقضي بأن مرتع الظلم وخيم، ونهاية الكفر والاستكبار أليمة، وأن عاقبة الإيمان مع الصبر واليقين حميدة.
خرجَت قريش بفخرها وخُيَلائها تُحادِّ الله ورسوله، (بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [الأنفال:47]، وخرجت الطائفة المؤمنة تريد العير ولا تود القتال؛ ولكن الله تعالى قد قدَّر للمؤمنين نصراً عزيزاً، وظهوراً مبيناً، والمؤمنون لا يعلمون تدبير الرب جل جلاله!.
خرجت الطائفتان: المؤمنة والكافرة، ولكل واحدة منهما خطتها التي رسمتها، وأهدافها التي تريد تحقيقها، ولا ميعاد للقتال بينهما، ولكن الرب -جل جلاله- بتدبيره وحكمته إذا أراد أمراً هيأ أسبابه، ويسَّر طرقه: (وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي المِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا) [الأنفال:42].
لقد أتت ساعة انتقام الله -عز وجل- من أئمة الكفر، وصناديد قريش، وأذن سبحانه بفرجٍ لعباده المستضعفين، الذين أخرجوا من ديارهم بسبب إيمانهم.
إنها الساعة التي من علاماتها اشتداد الكرب على المؤمنين، وبلوغ المشركين المنتهى في الاستكبار والعلو والطغيان، والإعجاب بالكثرة والقوة، (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) [الأنفال:5].
نعم، إن هذا الفريق من المؤمنين كره لقاء المشركين لما يراه من كثرة عدوهم، وقِلَّتهم، وضعفهم وقوة عدوهم؛ بل فضلوا الظفر بالعير على لقاء جيش المشركين: (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [الأنفال:7].
ولكن إرادة الله تعالى غير إرادة البشر، وتقديره على خلاف حساباتهم: (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ) [الأنفال:7-8].
ونتيجةً لهذه الإرادة الربانية التقى الجمعان بلا ميعاد، واصطَفَّ الفريقان للقتال، واشتد الكرب على المؤمنين، وعظُم طغيان المشركين، وازداد غرورهم، ولا ملجأ للطائفة المستضعفة إلا الله تعالى؛ فاستغاثوا به -ونعم المغيث ربنا جل جلاله!-، (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) [الأنفال:9].
وكان من شدة استغاثة النبي -صلى الله عليه وسلم- بربه، واجتهاده في دعائه، أَنْ سقط رداؤه عن منكبيه، وأشفق عليه أخص أصحابه -رضي الله عنهم-.
وما له لا يستغيث ربَّهُ وهو ينظر إلى المشركين وقد بلغوا ألف مقاتل وأصحابه لا يبلغون ثلثهم؟! فلا طاقة لهم بهم إلا بنصر الله تعالى وتأييده، فاستقبل القبلة، ومدَّ يديه، وجعل يهتف بربه، ويلِحُّ عليه قائلاً: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه.
نظر -عليه الصلاة والسلام- إلى المشركين وهم يجدون الطعام، وينتعلون الحذاء، ويركبون المراكب، وقد دججوا بالسلاح، ونظر إلى أصحابه فرأى ما بهم من الحاجة والفاقة، والضعف والقلة، قد أنهكهم الجوع، وقلّت مراكبهم، وحفيت أقدامهم، وقصرت ثيابهم عن أبدانهم؛ فاستغاث بالله تعالى ودعاه فقال: "اللهم إنهم جياع فأشبعهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم" أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه.
لم يزل -صلى الله عليه وسلم- مستغيثاً ربه، رافعاً يديه إليه، ملِّحاً عليه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: "يانبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك"، "حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك" أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه.
لم يزل -عليه الصلاة والسلام- مستغيثاً بربه، مشتداً في إلحاحه، حتى بلغ به الجهد ما بلغ، وأعياه التعب، فخفق إخفاقة، وأخذته سِنَة من نوم، ويالها من إخفاقة جاءت معها البشرى! لقد أزالت الكرب، وذهب معها التعب، ورأى فيها الفرج من الله تعالى، انتبه من نومته وهو يقول: "أبشر يا أبا بكر! أتاك نصر الله، هذا جبريل معتجر بعمامته، آخِذٌ بعنان فرسه، يقوده على ثناياه النقع، أتاك نصر الله وَعِدَتُه".
خرج من عريشه الذي استغاث فيه ربه؛ ليبشر أصحابه بنصره وتأييده، وهو يقول: (سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر:45].
وحرض أصحابه على القتال؛ أخذاً بالأسباب، ودفعاً للاتكال، فلما دنا من المشركين قال لأصحابه: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض" أخرجه مسلم؛ فعانقوا المنايا، وخاضوا حِمَام الموت؛ يطلبون رضا ربهم، وينصرون دينهم، ويتسابقون إلى جنة عرضها السموات والأرض.
وهنا ظهرت نتيجة اللجوء إلى الله تعالى، والاستعانة به، والتوكل عليه؛ فكان جواب استغاثة النبي -صلى الله عليه وسلم- بربه، وإلحاحه عليه في دعائه: (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ) [الأنفال:9-14].
لقد كانت معركة شديدة، ولها نهاية عجيبة، فأهل البأس والشدة، والطغيان والكثرة، بين مجندلٍ في التراب، ومُقَرَّنٍ بالحبال! وأهل الضعف والقلة؛ فتح الله تعالى لهم، وأعزهم ونصرهم؛ فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا.
إنها معركة فاصلة بين أنصار الحق وأنصار الباطل، وهي أول منازلة وقعت بين الكفر والإيمان في هذه الأمة الخاتمة، فكانت عاقبتها لأهل الإيمان على عباد الأوثان، ولأنصار الحق على أتباع الباطل، وزادها شرفاً إلى شرفها أنها حدثت في أول رمضان يفرض على المسلمين، (إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ) [آل عمران:123-126].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حمداً يليق بجلاله وعظمته، وأشكره شكراً يديم نعمته، ويزيد فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ بيده مقاليد كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، سبحانه وتعالى عما يشركون.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أكثر الخلق إيماناً بربه، وأعظمهم يقيناً بوعده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجهم، واقتدى بسنتهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإنكم في شهر التقوى، وقد مضى شطره بما أودع العباد فيه من حسنات وسيئات، وما عملوا فيه من خير وشر.
ولْيكنْ ما بقي منه خيراً مما مضى؛ باكتساب الحسنات، والبعد عن المحرمات؛ فإن فيما بقي عشراً مباركة، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحييها بالصلاة والقرآن، والذكر والدعاء، معتكفاً في مسجده، منقطعاً لعبادة ربه.
وفي عشر رمضان الأخيرة ليلة القدر خير من ألف شهر، ليلة مباركة، مَن قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، فأروا الله تعالى من أنفسكم خيراً؛ يؤتكم خيراً، ويغفر لكم، والله غفور رحيم.
أيها المسلمون: كانت غزوة بدر آية بَيِّنةً، وبرهاناً واضحاً على أنَّ مَن كان مع الله كان الله تعالى معه، ومَن نصر دين الله تعالى نصره الله، ومن توكل عليه كفاه، ومن ابتغى العزة في دين الإسلام أعَزَّه الله تعالى.
وما أحوج الأمة المسلمة إلى فهم هذه المعاني العظيمة، ومعرفة أسباب النصر، في وقت اشتد فيه كربها، وكثرت أحزانها، وتكالب عليها أعداؤها، يفسدون في أراضيها، وينهبون خيراتها، ويسومون أبناءها، ويريدون تبديل دينها، أو القضاء عليها!.
إنها محنة عظيمة، وكرب شديد، قد مرَّ مثله وأعظم منه بخيار هذه الأمة نبيها محمد -صلى الله عليه وسلم-، وصحابته -رضي الله عنهم-، ولا يسع المسلمين إن أرادوا كشف كروبهم، وتفريج همومهم، وكسر أعدائهم، وحماية أنفسهم؛ إلا السير على خطى أسلافهم، واستلهام الدروس والعبر من غزوة بدر وأخواتها.
لقد كان الله عز وجل قادراً على أن يهلك المشركين بلا غزوةٍ ولا قتال من المؤمنين، ولا خروج من المدينة، ولا عدة ولا استعداد؛ كما أهلك عاداً بالريح، وثمود بالصيحة، وفرعون بالغرق، وقروناً بين ذلك كثيراً.
ولكن سنته في عباده تأبى ذلك، ولا يرضى إلا بأن يفتقر عباده إليه، ويلِحُّوا عليه، ويستغيثوا به، يطلبون مدده ونصره، مع أخذهم بالأسباب الأرضية، من الخروج للغزوة، والتخطيط للمعركة، ومشاورة الأصحاب، ومباشرة الأسباب، وعدم الاعتماد عليها، فلا اعتماد إلا على الله -عز وجل- وحده.
فلما فعل المؤمنون ذلك في بدر ما ضرتهم قلتُهم، ولا نفع أعداءَهم كثرتُهم، وجاء المدد من الله تعالى يتبع بعضه بعضاً، جيشٌ من الملائكة يقوده جبرائيل وميكائيل عليهما السلام، معهم أوامر الرب -جلَّ في علاه- بضرب المشركين فوق الأعناق، وتعطيل كلِّ بنان، إلى إلقاء النعاس على المؤمنين؛ ربطاً على قلوبهم، وإذهاباً لخوفهم، وتنشيطا لأجسادهم، ومن ينام وهو يقابل أعداءه؟! ولكن الله تعالى بحكمته أمَّنَهُم به، إلى إنزال المطر؛ تطهيراً للمؤمنين، وتثبيتاً لأقدامهم، وإذهاباً لرجز الشيطان، إلى إلقاء الرعب في قلوب المشركين.
فالملائكة جند الله تعالى، والنعاس جنده، والمطر جنده، والرعب جنده، وكل هؤلاء الجند كانوا مع المؤمنين، أفلا ينتصرون على المشركين مهما بلغت قوتهم؟! بلى وربنا القوي القاهر.
إن جند الله تعالى يكونون مع عباده المؤمنين في كل زمان ومكان، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدَّثر:31]؛ ولكن بشرط أن يأخذ المسلمون بأسباب إمدادهم بهذا الجند الكثير، ويحققوا شرط النصر المبين، المتمثل في قول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].
إنه شرط واضح، ومعادلة معقولة، وطلب عادل، لا استحالة فيه ولا تعسف؛ ونصر الله تعالى يكون بإقامة دينه، وتعظيم شريعته، والتزام أمره، واجتناب نهيه.
ومن رأى واقع المسلمين دولاً وأمماً، حكومات وشعوباً؛ يجد أنهم لم يحققوا هذا الشرط؛ ولذلك تخلف النصر.
ولو فتش كل واحد منا في نفسه وبيته لرأى أن عنده من العصيان والذنوب ما يوجب العذاب، ويحجب النصر، فمَن أراد النجاة في الدنيا والآخرة، ومن رام نصر الأمة وعزها؛ فليبادر بالتوبة قبل الفوات، فهذا هو الطريق الصحيح، ولا طريق غيره، ولن تجدي الحلول السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، ما دام الناس يعصون ربهم؛ بل سيتجرعون مزيداً من الذل والهوان، وسيجدون من أعدائهم كل ألوان الظلم والطغيان، ومن هان عليه أمر الله تعالى هان على الله.
فتوبوا -عباد الله- توبوا؛ نجاة لأنفسكم، ونصرة لإخوانكم، ورداً لعدوان أعدائكم، (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) [النساء:84].
ألا وصلوا وسلموا على محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي