اعلموا عباد الله أن اللعن صفة من صفات أهل النار الذين تباغضت قلوبهم وساءت أعمالهم وفسدت ألسنتهم وزاد شرهم وانعدم خيرهم واتبعوا الشيطان من الغاوين يقول الله تعالى:(كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا )الأعراف: من الآية38، أي في النار إذ كل منهم يعاتب الآخر ويقول: أنت السبب في عذابي فشتان بينهم وبين أهل الجنة الذين نزع الله الغل من صدورهم فهم إخوان على سرر متقابلين وبين أن سبب كثرة النساء في النار لكثرة اللعن
الحمد لله الكريم المنان، أمرنا بحفظ اللسان، وحرم علينا اللعن بغير برهان، وجعله من كبائر العصيان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحمن أنزل علينا القرآن وجعله هدى ورحمة وبيان.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان، لم يكن فاحشاً ولا بذيئاً ولا لعاناً صلى الله عليه وسلم كلما اجتنب اللعن وسلمت الأمة من الوهن.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله الذي أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وجعلها كثيرة لا تخفى سراً ولا علانية فأديموا شكرها بالعبادة الدائمة وراقبوا الذي جعلها لكم صحة وعافية واعلموا أنه يحصي عملكم لا تخفى عليه خافية، فإما أن تسعدوا بجنة عالية لا تسمعوا فيها لاغية فيها عين جارية، وأما أن تشقوا بنار حامية وتسقون من عين آنية فكونوا من أهل الآذان الصاغية والقلوب الواعية والألسن الذاكرة فإن الإحسان لا يجزى إلا بالإحسان وإن الحياة لا تصلح إلا بالإيمان وأن العمل لا يتقن إلا بمراقبة الرحمن وتذكروا نعمه في السماء فإنه دائم العطاء وتذكروا نعمه في الأرض فلقد فضل بعضكم على بعض وتذكروا نعمه في النفس إذ هي ظاهرة بدون لبس ودائمة بدون حبس قال تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات:21].
وإن من نعمة الله علينا نعمة اللسان جعله الله جمالاً للفم، وقوة للإنسان يظهر به البيان ويدافع به العصيان ويطرد به الشيطان، به يكون للطعام والشراب مذاقاً وبه يكون الطعام والشراب لذيذاً وشهياً وبه يكون الأكل سهلاً ليناً ولو فقده الإنسان لم يجد لطعامه لذة ولم يستطع بلعه فسبحان الخالق العظيم.
وقد جمله الله بالكلام ليميز الإنسان به ما في نفسه ويدافع به عن حقه وليتعلم به العلم ويدعو به الآخرين وهو أمانة عند صاحبه يجب حفظه، ووديعة يجب صيانتها فإنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، جعله الله واحداً خلف أربعة مغاليق الشفتين والفكين، من حفظه كان قائداً له إلى رضوان الله ومفتاح نجاة إلى الجنة يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر وقد سأله عن النجاة أي كيف أنجو وأسلم لأصل إلى دار النجاة دار السلام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك".
واللسان يدعو إلى الكلمة الطيبة التي تحفظ صاحبها وتثمر له العمل الصالح الدائم ويستمر بها رضوان الله تعالى إلى يوم القيامة وفي الحديث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة" ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل الناس نيام".
ومن ضيعه وأطلقه وفتح مصاريعه كان قائداً يقوده إلى النار ولذا نبه معاذاً إلى خطورة اللسان فقال له: "ألا أدلك على ملاك ذلك كله" أي ما تملك به الإسلام وأبواب الخير ورأس الأمر وعموده وذروة سنامه قال بلى: قال: "أمسك عليك هذا" قال: يا رسول الله أنؤاخذ بما نتكلم به قال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن أكثر ما يدخل النار قال: "الأجوفان الفم والفرج" ويروى أن سيد لقمان قال له "اذبح ذبيحة وأعطني أفضل ما فيها فذبحها وأعطاه القلب واللسان ثم ذبح أخرى فقال أعطني أخبث ما فيها فأعطاه القلب واللسان فلما سأله قال: ما "أطيب منهما إن طابا وما أخبث منهما إن خبثا" ولخطورة اللسان حث الإسلام على استعماله في الخير أو الصمت يقول صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".
وكان أبو بكر رضي الله عنه يأخذ بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد.
ويقول عمر: من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه فالنار أولى به، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان، ويقول طاووس اليماني: لساني سبع إن أرسلته أكلني. وكان السلف رحمهم الله يعدون كلامهم في الأسبوع لكثرة آفات اللسان.
وإن من أعظم آفاته آفة اللعن التي تظهر الخبث الذي ينطوي عليه قلب صاحبه وتكشف عن رداءة معدن قائله، وتجعل صاحبه مفلساً في الدنيا ومفلساً في الآخرة أما إفلاسه في الدنيا فلأنه عطل هذه الجارحة عن الخير وأشغلها بالشر يتساقط منها الكلام الساقط كما يتساقط الدود المنتن من اللحم المنتن، ويفوح منها الكلام القذر كما تفوح الرائحة القذرة من المجاري، وأما إفلاسه في الآخرة فلأنه يأتي بحسنات أمثال الجبال من صلاته وصدقته وصيامه ولكنها تؤخذ منه بجنايات لسانه على الغير يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من الفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".
ولقد انتشر اللعن في أوساط الناس بشكل كبير جداً حتى أصبح اللسان السليم منه غريباً والأسرة السليمة منه غريبة والمجتمع السليم منه غريباً وطوبى للغرباء الذي يصلحون إذا فسد الناس ويصلحون ما أفسد الناس.
والأشد من هذا أن من الناس من يلعن نفسه التي بين جنبيه ويسعى إلى هلاكها بالقول فهو يدعو عليها بالهلاك ونسي هؤلاء أن رجلا سعى إلى هلاك نفسه بالفعل فقال الله: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ويطلب طردها من رحمة الله وإخراجها من رضوان الله وتعرضها لسخط الله والعمل على إضلالها وانحرافها فأي عقل عند هذا الذي يطلب عذاب الله وأي فطرة عنده وقد اجتالته الشياطين، ومن الناس من يلعن والديه فيقابل معروفهما بالإساءة وبرهما بالعقوق وحقهما بالجحود ويغضب ربه لأن رضي الله في رضي الوالدين وسخطه في سخطهما ويخالف هدي رسوله صلى الله عليه وسلم: "إذ يقول لمن سأله من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك قال: ثم من قال: أمك، قال: ثم من قال: أمك، قال: ثم من قال: أبوك".
ومن لعن والديه قطع رحمه وقد قال الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23]، ولقد حذر القرآن من قول الأف للوالدين فكيف باللعن يقول الله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ) [الإسراء: من الآية23].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من لعن والديه". قالوا يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟ -وهذا من استغرابهم رضي الله عنهم واستبعادهم لذلك- قال: " يلعن الرجل أبا الرجل فيلعن أباه ويلعن أمه فيلعن أمه" والذي نسمعه اليوم ليس كذلك بل أشر إذ نسمع تعمد الأولاد لعن والديهم عمداً ومن الناس من يلعن ولده فيفسده ويجني عليه ومنهم من يلعن زوجته وفراشه وثوبه ونعله وبيته وسيارته ويلعن المخلوقات الأخرى وهذا من الظلم الذي حرمه الله، ومن الاعتداء في الدعاء ومن ضعف العقل إذ يلعن من لا يعقل ويفسد على نفسه والأولى أن لا ينتفع بشيء لعنه لأنه أصبح ملعوناً بلعنته، فإذا لعن الثوب فيتصدق به ويلبس غيره وإذا لعن السيارة فيبيعها ويستبدلها بغيرها وهكذا كل ما لعنه وهو يملكه يتركه ويعطيه غيره والأصل في ذك حديث عمران بن حصين قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد.
وفي فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إبعاد للشيء الملعون وتأديب للنفس حتى لا تعود إلى ذلك مرة أخر واللعن كبيرة من الكبائر وموبقة من الموبقات ومعصية من المعاصي وسيئة من السيئات نهى الله عنه رسوله في قوله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) آل عمران: من [الآية128]، إذ كان يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام في صلاة الفجر بعد الركوع من الركعة الثانية، ونهى عنه الرسول إذ قال لمن لعن من شرب الخمر فقال: "لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم" وجعله الله عقوبة من العقوبات لأعدائه وحفظ منه أولياءه وعاقب به الكفار فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) [الأحزاب:64]، وقال: (فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [البقرة: من الآية89].
وقد استحقوا بهذه اللعنة عذاب الله الدائم الذي لا ينقطع، وعاقب به الظالمين الذين وضعوا الشيء في غير موضعه قال تعالى: (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود: 18]وجعله عقوبة لأهل الكذب الذين يأتون بخلاف الواقع يقول تعالى: (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [آل عمران: 16]، وعاقب الله به اليهود وجعلهم قردة وخنازير قال تعالى: (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ) [النساء:47]، وأهل السبت قوم من بني إسرائيل منعوا من الصيد يوم السبت فاحتالوا بحيل محرمة فعاقبهم الله على حيلهم باللعنة الدائمة وجعلهم قردة وماتوا وهم قردة قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) [المائدة: 64]، وعاقب الله به الذين يكتمون العلم ولا يعلمونه الناس ولا ينفقونه بل يقبرونه في صد الحق يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:160]، وجعله عقوبة للشيطان الذي أمره أن يسجد لآدم تحية فأبى، وقال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف: 12]، فقال الله له: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) [صّ:77-78].
فاستحق بهذه اللعنة الطرد من السماء العالية إلى الأرض السافلة ومن الجنة والنعيم إلى النار والجحيم وحرم من جوار ربه ومن صحبة الملائكة وسلطت عليه المخلوقات: السماء لا تقبله والنجوم تحرقه والأرض تتزلزل به والمخلوقات تتعوذ بالله منه وتلعنه وحرم الله عليه التوبة وجعله خالدا مخلدا في النار.
وجعله الله عقوبة لقاطع الرحم الذي قطع القرابة والمودة والمحبة وفرق بين الأسر وزرع البغضاء والشحناء قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23].
وجعله عقوبة للذين يؤذون الله ورسوله قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) [الأحزاب:57]، وجعله عقوبة لأهل النفاق الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يعتقدون ويحاربون المخلصين ويسخرون من المؤمنين قال تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) [الأحزاب:60-61]، واللعن عقوبة لأهل معاصٍ كثيرة لعنهم الرسول صلى الله عليه وسلم منهم: آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ومنهم الراشي والمرتشي ومنهم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ومنهم المحلل له ومنهم المصورون ومنهم من ذبح لغير الله ومن غير منار الأرض ومنهم من سب الصحابة وغيرهم كثير.
واعلموا عباد الله أن اللعن صفة من صفات أهل النار الذين تباغضت قلوبهم وساءت أعمالهم وفسدت ألسنتهم وزاد شرهم وانعدم خيرهم واتبعوا الشيطان من الغاوين يقول الله تعالى: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ) [الأعراف: 38]، أي في النار إذ كل منهم يعاتب الآخر ويقول: أنت السبب في عذابي فشتان بينهم وبين أهل الجنة الذين نزع الله الغل من صدورهم فهم إخوان على سرر متقابلين وبين أن سبب كثرة النساء في النار لكثرة اللعن ففي حديث أبي سعيد: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت امرأة منهن: وما لنا أكثر أهل النار؟ فقال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير...".
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله –صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
اعلموا عباد الله أن اللعان معاقب بعقوبات كثيرة منها استحقاقه لغضب الله وسخطه لأنه أتى بكبيرة من الكبائر ومنها بغض المخلوقات له لأن اللعنة تعود عليه ففي الحديث: "إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها" فإذا كانت المخلوقات كلها لا تقبلها فلماذا تقبلها ألسنتنا ولماذا نقبلها في بيوتنا وفي مجتمعاتنا وعلى أهلنا وأقربائنا وإخواننا.
ومنها الفسق بخروجه عن الطاعة وملازمته للمعصية يقول صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" فإذا كان اللعن فسوق فإن الفسق صفة من صفات أهل النار قال تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [السجدة:20]، ومنها أذية المؤمنين والمؤمنات إذ يدعو عليهم بالهلاك والشقاء والعذاب وقد حرم الله أذيتهم إذا يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب:58].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ويقول "لعن المؤمن كقتله". لأن اللعن دعوة عليه بالهلاك فكأنما أهلكه ومنها حرمان اللعان من الشفاعة يوم القيامة لأنه أغضب ربه باللعن فلا يأذن له بالشفاعة ومن شروط الشفاعة يوم القيامة الإذن للشافع والرضا عن المشفوع يقول: صلى الله عليه وسلم "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة" فلا يشفعون لأنفسهم ولا يشفعون لغيرهم بل محرومون من هذا الخير العظيم. ومنها حرمانهم من الشهادة لعدم أهليتهم لها فتقسط عدالتهم باللعن وترد شهادتهم باللعن.
ومنها حرمانه من الصديقية والصديقية درجة بعد النبوة لا تكون إلا لأهل الإيمان الراسخ والعمل الصالح الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين وقد نالها أبو بكر رضي الله عنه بصدقه في قوله وصدقه في عمله: "ولو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر" يقول صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً" ومنها حرمانه من الإيمان الذي هو أمن في الكلام وأمن في الأعمال وأمن في الديار وأمن في الآخرة وأمن في الظاهر وأمن في الباطن يقول صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش و لا البذيء" .
فيا عباد الله احفظوا ألسنتكم من اللعن وجنبوه أنفسكم وأهليكم ومجتمعاتكم فإنما هو للكافرين والظالمين والكاذبين ومن نحى نحوهم.
ومما يروى أن قوماً سبوا بلال بن بردة لأنه آذى ابن عون وابن عون ساكتاً فقالوا: ما لعناه إلا من أجلك قال لهم: لا تفعلوا ولا أفعل فإنما هي كلمتان تخرج من صحيفتي "لا إله إلا الله" وإما "لعن الله فلاناً" وأنا أحب أن تخرج لا إله إلا الله ولا تخرج لعن الله فلاناً.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي