وحديثنا اليوم عن سورة الواقعة، السورة السادسة والخمسون في ترتيب المصحف الشريف، وهي ست وتسعون آية، وهي مكية، تحدثت عن أهوال يوم القيامة، وما يكون بين يدي الساعة.
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وحديثنا اليوم عن سورة الواقعة، السورة السادسة والخمسون في ترتيب المصحف الشريف، وهي ست وتسعون آية، وهي مكية، تحدثت عن أهوال يوم القيامة، وما يكون بين يدي الساعة.
وجاء في فضلها أحاديث، منها ما روي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قرأ سورة الواقعة كُلَّ ليلةٍ لم تصبه فاقة أبدا"، كما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سورة الواقعة سورة الغنى فاقرؤوها وعلموها أولادكم"، كما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "علموا نساءكم سورة الواقعة فإنها سورة الغنى". كما ورد عنه قوله: "شيبتني هود والواقعة".
والواقعة: هي القيامة، سميت واقعة لأنها كائنة لا محالة، أو لقرب وقوعها، أو لكثرة ما يقع فيها من الشدائد، فإذا وقعت ليس لوقوعها تكذيب؛ ومن صفاتها أنها تخفض أقواماً في عذاب الله، وترفع أقواماً إلى نعيم الله بقدرة الله، وتكون عندما تتحرك الأرض حركة شديدة، وتفتت الجبال حتى تصير فتاتاً صغيراً، قال تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) [الواقعة:1-6].
ثم ذكر الله سبحانه أحوال الناس واختلافهم، فقال: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) [7]، أي: أصنافاً ثلاثة، ثم فسَّر سبحانه هذه الأصناف فقال: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) [8]، أي: أصحاب اليمين، وهم الذين يأخذون كتبهم بأَيْمانهم، أو الذين يؤخذ بهم إلى ذات اليمين إلى الجنة.
(وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) [9]، أي: أصحاب الشمال الذي يأخذون الذي يأخذون صحائف أعمالهم بالشمال، أو يؤخذ بهم إلى ذات الشمال، ثم إلى النار، والعياذ بالله! والمراد تعجيب السامع من حال الفريقين في الفخامة، كأنه قيل: فأصحاب الميمنة في نهاية السعادة وحسن الحال، وأصحاب المشأمة في نهاية الشقاوة وسوء الحال.
ثم ذكر سبحانه الصنف الثالث فقال: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) [10]، التكرير للتفخيم والتعظيم، وقيل المراد الذين اشتهرت حالهم بذلك، وقيل السابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة، وقد أخر الله عز وجل هذا الصنف بعد الصنفين السابقين لشرفه.
ثم قال فيهم سبحانه: (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [11-12]، أي: المقربون إلى جزيل ثواب الله وعظيم كرامته، (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) [13]، الثلة: التي لا يحصر عددها، والأولون المراد بها الأمم السابقة من لدن آدم -عليه السلام- إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ) [14]، أي: من هذه الأمة، وسموا قليلاً بالنسبة إلى مَن كان قبلهم وهم كثيرون؛ لكثرة الأنبياء فيهم وكثرة مَن أجابهم.
ثم ذكر الله سبحانه حالهم في تلك الجنات فقال: (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) [15]، أي: منسوجة بقضبان من الذهب، (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ) [16]، أي: ينظر بعضهم إلى بعض، (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ) [17]، أي: يدور لخدمتهم غلمان لا يهرمون ولا يتغيرون، (بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ)، الأكواب: هي الأقداح التي لا عُرى لها، والأباريق: ذات العُرى، وهو الذي يبرق من صفائه، (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) [18]، أي: خمر جارية ليست كخمر الدنيا، فهي لا تذهب العقول، (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا)، أي: لا تتصدع رؤوسهم من شربها كما تتصدع رؤوس من شرب الخمر في الدنيا، (وَلَا يُنْزِفُونَ) [19]، أي: لا يسكرون فتذهب عقولهم.
(وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [20]، أي: مما يختارونه (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) [21]، أي: مما يتمنونه وتشتهيه أنفسهم (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) [22-23]، أي: أزواجهم من الحور العين أمثال اللؤلؤ المكنون وهو الذي لم تمسه الأيدي ولا وقع عليه الغبار فهو أشد ما يكون صفاء (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [24]، أي: جزاء لعملهم في الدنيا (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا) [25]اللغو: الباطل من الكلام والتأثيم: النسبة إلى الإثم (إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) [26]، أي: لا يسمعون إلا تحية بعضهم لبعض.
ثم ذكر سبحانه أحوال أصحاب اليمين، وأنهم (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) [28]، أي: قُطِعَ شوكُه، (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) [29]، قيل هو شجر الموز، والمنضود: المتراكب، (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) [30]، أي: دائم باق لا يزول، وفي الحديث: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها" أخرجه البخاري.
(وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ) [31]، أي: مصبوب يجري بالليل والنهار أينما شاءوا لا ينقطع عنهم، (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ) [32]، أي: ألوان متنوعة كثيرة، (لَا مَقْطُوعَةٍ) في وقت من الأوقات كما تنقطع فواكه الدنيا في بعض الأوقات، (وَلَا مَمْنُوعَةٍ) [33]، أي: لا تمنع على من أرادها في أي وقت على أي صفة.
(وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) [34]، أي: مرفوع بعضها فوق بعض، وقيل أنها هنا كناية عن النساء اللواتي في الجنة، والمراد: ارتفاعها على الأرائك، أو مرتفعات الأقدار في الحسن والكمال، (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً) [35]، أي: خلقناهن خلقاً جديداً من غير توالد، وقِيل غيره، (فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا) [36] أي: عذارى، (عُرُبًا أَتْرَابًا) [37]، أي: متحببات إلى أزواجهن، على ميلاد واحد، وسن واحد، (لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ) [38-40].
ثم شرع الله سبحانه في ذكر أصحاب الشمال وما أعده لهم من العذاب فقال: (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) [42]، السموم: حر النار، والحميم: الماء الحار الشديد الحرارة، (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) [43]، أي: يفزعون إلى الظل فيجدونه ظلاً من دخان جهنم شديد السواد، (لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) [44]، أي: ليس بظل بارد كغيره، بل هو حار ليس فيه حسن منظر، ولا كرامة فيه.
ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي استحقوا بها هذا العذاب فقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ) [45]، أي: كانوا قبل العذاب النازل بهم منعمين في الدنيا، بما لا يحل لهم، (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) [46]، أي: يصرون على الذنب العظيم، وهو الشرك بالله، (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [47]؟ أي: استنكروا واستبعدوا أن يبعثوا بعد الموت وقد صاروا عظاماً وتراباً، (أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) [48]؟ أي: إنكارهم لبعث آبائهم الأولين، فيرون أنه أبعد من بعثهم هم.
ثم رد الله سبحانه ورسوله على استبعادهم هذا فقال: (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [49-50]، وهو يوم القيامة، (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ) [51]، فوصَفَهُمُ اللهُ سبحانه بوصفين قبيحين هما الضلال عن الحق، والتكذيب، (لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) [52]، وهو شجر كريه المنظر، كريه الطعم، (فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ) [53]، أي: لما يلحقهم من شدة الجوع، (فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) [54]، أي: فشاربون على الزقوم عقب أكله من الماء الحار، (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) [55]، مثل شرب الإبل الهيم العطاش التي لا تروى لداءٍ يصيبها، (هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [56]، أي: ما أعَدَّ لهم يوم القيامة من نُزُلٍ، وفي هذا تهكم بهم؛ لأن النزول هو ما يعد للضيوف تكريماً لهم.
ثم التفت سبحانه إلى خطاب الكفرة تبكيتاً لهم، وإلزاماً للحجة، فقال: (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ) [57]؟ أي: خلقناكم ولم تكونوا شيئاً، فهلا تصدقون بالبعث؟ (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ) [58]، أي: أخبروني ما تقذفون وتصبون في أرحام النساء من النطف؟ (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) [59]؟ أي: تقدرونه وتصورنه بشراً أم نحن المقدرون المصورون له؟ (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) [60]، أي: قسمنا الموت ووقَّتنا لكل فرد منكم، وما نحن بمغلوبين أو غير قادرين (عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ) [61]، أي: قادرين على أن نأتي بخلق مثلكم ونجعل ذلك على صور وهيئات مختلفة، (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ) [62]، وهي ابتداء الخلق من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، فهلا تذكرون قدرة الله سبحانه على النشأة الأخيرة وتقيسونها على النشأة الأولى؟.
(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ) [63]، أي: ما تطرحون في أرضكم من البذور؟ (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [64]؟ أي: تنبتون زرعه أم نحن المنبتون له والجاعلون له زرعاً؟ (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) [65]، أي: متحطماً متكسراً، ولا يحصل منه حب ولا شيء مما يطلب من الحرث، فصرتم تتعجبون: (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) [66]! ملزمون غرماً بما هلك من زرعنا، والمغرم: الذي ذهب ماله بغير عوض (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) [67]، أي: حرمنا بهلاك زرعنا، والمحروم من حرم الرزق الذي لا حظ له فيه.
(أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) [68]؟ فتسكِّنون ما يلحقكم من العطش، وتدفعون به ما بكم من الظمأ؟ (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) [69]؟ المزن: السحاب: أي نحن المنزلون له بقدرتنا دون غيرنا، (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [70]، الأجاج: الماء الشديد الملوحة الذي لا يمكن شربه، فهلا تشركون نعمة الله؟!.
(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) [71]؟ أي: تستخرجونها بالقدح من الشجر الرطب، (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ) [72]؟ قيل هي المرخ والعفار، فالله الذي أنشأها بقدرته، (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ) [73]، أي: جعلنا هذه النار في الدنيا تذكرة لنار جهنم الكبرى، ومنفعة للذين ينزلون بالأرض القفر كالمسافرين وأهل البوادي النازلين في الأرض المقفرة، (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [74]، أي: نزِّهْهُ عن كل ما لا يليق به.
عباد الله: هذه بعض معاني آيات من سورة الواقعة، وسنكمل الحديث عنها في الخطبة الثانية، إن شاء الله، نفعني الله وإياكم بها، وبهدي كتابه الكريم، وسنة خاتم المرسلين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: استكمالا ً للحديث عن سورة الواقعة نبدأ بقول الله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) [75]، أقسم الله بمساقط النجوم، وهي مغاربها وقيل منازلها، وقيل غيره، (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [76]، للتفخيم في القسم والتعظيم، والمقسم عليه قوله: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ) [77]، أي: كرَّمه الله ورفع قدره على جميع الكتب، وكرمه عن أن يكون سحراً أو كهانة أو كذباً، (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) [78]، أي: مستور مصون، وقيل محفوظ من الباطل، هو اللوح المحفوظ، (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [79]، وهم الملائكة، وقيل الملائكة والرسل من بني آدم، وقيل المطهرون من الأحداث والأنجاس، (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [80].
(أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) [81]؟ أي: بالقرآن تنافقون أو تكذبون أو تداهنون الكفار؟ (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [82]، أي: تجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون بنعمة الله فتضعون التكذيب مكان الشكر؟.
(فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) [83]، أي: بلغت النفس أو الروح إلى الحلق عند الموت، (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) [84]، أي: تنظرون يا أهل الميت إليه ولا يمكنكم دفع الموت عنه، ولا تستطيعون شيئاً ينفعه أو يخفف عنه ما هو فيه، ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) [85]، أي: لا تدركون ذلك، أو لا تبصرون ملائكة الموت الذين يحضرون الميت ويتولون قبضه.
(فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا ) [86-87]، أي: فهلا إن كنتم غير مربوبين ومملوكين ترجعون النفس إلى مقرها الذي كانت فيه (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [87]، ولن ترجعونها، وبطل زعمكم أنكم غير مربوبين ومملوكين.
ثم ذكر سبحانه طبقات الخلق عند الموت وبعده فقال: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [88]، أي: السابقين من ثلاث الأصناف المتقدم تفصيلها في أول السورة، (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [89]، أي: راحة في الدنيا، واستراحة منها، ورزق في الجنة، وجنة ذات تنعم؛ (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) [90-91]، أي: أنت سالم من الاغتمام بهم.
(وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) [92]، وهم أصحاب الشمال المتقدم ذكرهم، (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) [93]، أي: ماء شديد الحرارة، (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) [94]، أيجعله في النار تصلاه، (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) [95]، أي: ما ذكر في السورة محض اليقين، (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [96]، أي: نزِّهْهُ عما لا يليق به.
عباد الله: بشكل مختصر ذكرنا بعض معاني سورة الواقعة، وهي القيامة وأحوال الناس فيها، كما أقسم الله عز وجل بها، ونسأل الله أن نكون من السابقين إلى الجنة، المقربين إلى الله، أو من أصحاب اليمين؛ ونعوذ بالله أن نكون من أصحاب الشمال، وما أعده الله لهم من سوء العاقبة، والعذاب في الآخرة، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصلوا وسلموا عباد الله على خاتم رسل الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي