فإذا كان أفاضل هذه الأمة الذين أقاموا الإسلام، ونصروا الدين، وهاجروا في سبيل الله تعالى، وأخرجوا من ديارهم، يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يُسألون عن تمر سدُّوا به جوعهم، فعن مه سَنُسأل وقد أغرقتنا النعم من رؤوسنا إلى أقدامنا؟! وأسرفنا فيها وبطرنا وقلَّ فينا شكرها، والرضا بها
الحمد لله خالق الخلق ومدبرهم، ورازق العباد وكافيهم، وإليه مرجعهم، وعليه حسابهم، نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على عطائه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظم حلمه على عباده فأمهلهم، وأنزل عليهم القرآن هدى وعبرة لهم؛ فذكرهم فيه ووعظهم، وعلمهم ما ينفعهم، وحذرهم مما يضرهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ) [فاطر:5]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان أعلم الناس بحقيقة الدنيا وزوالها، فزهد فيها، وتقلل منها، ولم يغتر بها، وقال صلى الله عليه وسلم فيها: "مالي وَلِلدُّنْيَا ما مثلي وَمَثَلُ الدُّنْيَا الا كَرَاكِبٍ سَارَ في يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً من نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا" صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى وآله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا الفتنة بالدنيا وزخارفها فإنها إلى زوال، وإن الآخرة هي دار القرار، ولن يجد العبد فيها إلا ما عمل في الدنيا، ولا يجزي أحد عن أحد شيئا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ ) [لقمان:33].
أيها الناس: كتاب الله تعالى هو الهدى والنور، وهو العاصم من الضلال والهوى، من تمسك به نجا، ومن حاد عنه هلك.
والقرآن العظيم فيه علاج أمراض الأفراد والأمم، وحل مشكلاتهم، وصلاح قلوبهم، وزكاء نفوسهم، وما شقيت البشرية إلا لما حُكمت بغيره، وما ضعف المسلمون ولا هانوا إلا لما استبدلوا به غيره (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة:16].
وسورة التكاثر من السور العظيمة التي تعالج ما في النفس البشرية من حبِّ التملك والأنانية والاستئثار على الغير. والتكاثر يقع فيما يزيد على حاجة الإنسان في المال والمتاع وكل شيء، وهذا التكاثر صار من سمات هذا العصر الرأسمالي الذي تربى فيه البشر على القسوة والوحشية والأثرة والأنانية، ولسوف يقودهم ذلك نحو الهلاك والبوار في الدنيا والآخرة، ونذر ذلك في الدنيا ماثلة للعيان في المشكلات الاقتصادية، والقلاقل والفتن التي تنتج عنها.
(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ) [التَّكاثر:1-2] التكاثر تفاعل من الكثرة، أي مكاثرة بعضكم لبعض، وهذا هو واقع جمهور الناس يكاثر بعضهم بعضا في أمور الدنيا، ويغفلون عن الآخرة.
وأعظم شيء يَسْتَرِقُّ العبدَ ويسلبُه عقلَه شُغلُ قلبِه فيما لا نفع فيه، أو فيما نفعه زائل، وأكثر ما يشغل القلوب في هذا الزمن لهوها بالدنيا، وكثرة التفكير فيها، وكيفية الحصول عليها، والتزود منها، والاستمتاع بها، على نحو قبيح مخيف.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: قوله (ألهاكم التكاثر) أبلغ في الذم من شَغَلَكم فإن العامل قد يستعمل جوارحه بما يعمل وقلبه غير لاه به؛ فاللهو هو ذهول وإعراض.
ولم يذكر في الآية نوع المتكاثر به؛ ليكون عاما مطلقا، وأنَّ كلَ ما يكاثر به العبدُ غيرَه سوى طاعةِ الله ورسوله وما يعود عليه بنفعِ معادِه فهو داخل في هذا التكاثر، فالتكاثر في كل شيء من مال أو جاه أو رياسة أو نسوة أو حديث أو علم ولا سيما إذا لم يحتج إليه، والتكاثر في الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها، والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره وهذا مذموم إلا فيما يقرب إلى الله تعالى فالتكاثر فيه منافسة في الخيرات ومسابقة إليها.اهـ
إن من التكاثر المذموم التكاثرَ بعلم لا ينفع صاحبه كتشقيق المسائل، والبحث عن شواذها وغريبها، وما لا يتعلق به عمل؛ للمفاخرة على الأقران، ولفت الأنظار، أو لتفصيل الشريعة على أهواء الناس، كما يقع من بعض المفتونين بالجاه والإعلام في هذا الزمان، ويخشى على من كان كذلك أن يقال له يوم القيامة: "تعلمت ليقال عالم وقد قيل فيؤمر به فيسحب على وجهه إلى نار جهنم" .
والتكاثر بالمال إن لم ينفع صاحبه ضره؛ كأن يجمعه من أي كسب لا يراعي حلالا ولا حراما، وينفقه في الحرام، فإنه مسئول عن اكتسابه وإنفاقه، ولن ينتفع إلا بالقليل من ماله، ثم هو لوارثه؛ فغرمه عليه وغنمه لغيره. وقد جاء في الحديث "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ" ويفهم منه ذم المال غير الصالح عند الرجل غير الصالح؛ لأنه يعود عليه بالضرر.
ومن التكاثر بالمال التكاثر بالدور والمزارع والضيعات والسيارات والهواتف النقالة والكماليات التي أصبحت من سمات هذا العصر، وأضحت المفاخرة بها ظاهرة للعيان، وتعدت الضرورة والحاجة إلى الكماليات وإلى السرف المذموم، ويخشى أن يدخل ذلك في الأشر والبطر والظلم والكبر، ويخشى على الناس أن يسلبوا ما أُنعم عليهم بسبب سوء استخدام هذه النعم.
والتكاثر بالولد إن لم يراع فيه الوالد ما أوجب الله تعالى عليه فيهم من صلاح النية، وحسن التربية والتأديب، وأن لا يكون مقصده بتكثيرهم: التكاثر بهم على سائر الأسر والقبائل، أو الفخر بهم أمام قرابته وبني عمومته، ولا حسبة له في نفع الإسلام بهم، وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ورجاء دعوتهم له، ثم يهملهم في أمور دينهم، ويعتني بأمور دنياهم، ويغذي أبدانهم، ويهمل قلوبهم، فهذا يخشى أن يكون تكاثره بولده وبالا عليه، والوليد بن المغيرة لم ينفعه كثرة ولده وحضورهم عنده فقال الله تعالى فيه: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا) [المدَّثر:13].
وهذا التكاثر يلازم أكثر الناس حياتهم كلها، فتطول أعمارهم، وتنسج أكفانهم وهم معرضون عن الآخرة، متنافسون في الدنيا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الشَّيْخُ يَكْبَرُ وَيَضْعُفُ جِسْمُهُ وَقَلْبُهُ شَابٌّ على حُبِّ اثنتين طُولِ الْحَيَاةِ وَحُبِّ الْمَالِ" رواه أحمد.
وهكذا التكاثر في كل شيء مذموم إلا ما كان فيما يقرب إلى الله تعالى، ويستجلب رضوانه؛ ولذا جاء بعد الإخبار عن لهو الناس بالتكاثر الوعيد على ذلك (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التَّكاثر:3-8].
وهذا النعيم الذي سيسأل عنه العباد هو كل نعيم حسي ومعنوي يناله العبد، ونعم الله تعالى على عباده لا تحصى، ومع كثرة النعم يكثر السؤال، والتكاثر من النعم والمتع الدنيوية سبب لتكاثر السؤال يوم القيامة، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا وجاعوا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في الله تعالى وعذبوا، ولما حصل لهم في بعض الأوقات أمنٌ وشِبَعٌ أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سيسألون عن نعيمهم ذاك، ووردت حوادث عدة في ذلك.
روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: "خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ أو لَيْلَةٍ فإذا هو بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فقال: ما أَخْرَجَكُمَا من بُيُوتِكُمَا هذه السَّاعَةَ؟ قالا: الْجُوعُ يا رَسُولَ الله، قال: وأنا وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَأَخْرَجَنِي الذي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا فَقَامُوا معه فَأَتَى رَجُلًا من الْأَنْصَارِ فإذا هو ليس في بَيْتِهِ فلما رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قالت مَرْحَبًا وَأَهْلًا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أَيْنَ فُلَانٌ؟ قالت: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لنا من الْمَاءِ إِذْ جاء الْأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ ثُمَّ قال: الْحَمْدُ لله، ما أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قال: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فيه بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ فقال: كُلُوا من هذه، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ، فَذَبَحَ لهم فَأَكَلُوا من الشَّاةِ وَمِنْ ذلك الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فلما أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَتُسْأَلُنَّ عن هذا النَّعِيمِ يوم الْقِيَامَةِ أَخْرَجَكُمْ من بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ ثُمَّ لم تَرْجِعُوا حتى أَصَابَكُمْ هذا النَّعِيمُ" رواه مسلم.
وفي حادثة أخرى قال جَابِرٌ رضي الله عنه: "أتاني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَطْعَمْتُهُمْ رُطَباً وَأَسْقَيْتُهُمْ مَاءً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مِنَ النَّعِيمِ الذي تُسْأَلُونَ عنه" رواه أحمد.
وعن الزُّبَيْرِ بنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه قال: "لَمَّا نَزَلَتْ: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عن النَّعِيمِ، قال الزُّبَيْرُ: يا رَسُولَ الله، فَأَيُّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ عنه وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ؟ قال: أَمَا إنه سَيَكُونُ" رواه الترمذي وحسنه.
فإذا كان أفاضل هذه الأمة الذين أقاموا الإسلام، ونصروا الدين، وهاجروا في سبيل الله تعالى، وأخرجوا من ديارهم، يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يُسألون عن تمر سدُّوا به جوعهم، فعن مه سَنُسأل وقد أغرقتنا النعم من رؤوسنا إلى أقدامنا؟! وأسرفنا فيها وبطرنا وقلَّ فينا شكرها، والرضا بها، بل نطلب المزيد والمزيد؛ فنسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يعاملنا بعفوه ولطفه، وأن يرزقنا شكر نعمته وحسن عبادته.
وأقول ما تسمعون....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا غضبه فلا تعصوه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71].
أيها المسلمون: إن ما نرفل فيه من نعم المولى جل جلاله تستحق منا شكرا، وقليل من عباد الله الشكور.
وليست النعم التي يسأل عنها العباد يوم القيامة محصورة في النعم المادية المحسوسة، بل حتى النعم المعنوية من راحة البال، وانشراح الصدر، وعافية الجسد، والأنس بالأهل والولد والصحب كلها وغيرها نعم يسأل عنها العباد ضمن ما يسألون عنه من النعيم يوم القيامة؛ كما في حديث مُعَاذِ بن عبد الله بنِ خُبَيْبٍ عن أبيه عن عَمِّهِ قال: "كنا في مَجْلِسٍ فَجَاءَ النبي صلى الله عليه وسلم وَعَلَى رَأْسِهِ أَثَرُ مَاءٍ فقال له بَعْضُنَا: نَرَاكَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ، فقال: أَجَلْ وَالْحَمْدُ لله، ثُمَّ أَفَاضَ الْقَوْمُ في ذِكْرِ الْغِنَى، فقال: لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنْ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنْ اتَّقَى خَيْرٌ من الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ من النَّعِيمِ" رواه ابن ماجه.
وأول نعيم يسأل عنه العبد يوم القيامة صحة الجسد، والماء البارد؛ كما في حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ ما يُسْأَلُ عنه يوم الْقِيَامَةِ -يَعْنِي الْعَبْدَ- من النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ له: أَلَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ وَنُرْوِيَكَ من الْمَاءِ الْبَارِدِ" رواه الترمذي وحسنه.
وإذا كان الناس يسألون عن نعيمهم ولو لم يسرفوا فيه فكيف بنعيم من توسعوا في المآكل والمشارب والمراكب والمساكن والأثاث والمتاع وأنواع الرفاهية واللهو المباح وغير المباح؟!
ثم كيف سيكون سؤال الناس عن نعيم قد بالغوا في التمتع به، وتوسعوا فيه توسعا تعدى الكماليات إلى السرف والبطر، وفي الأرض جوعى لا يجدون بلغة من عيش، وفيها من يحتاجون لما يرمى في النفايات من بقايا الطعام واللباس والأثاث وغيره؟!
انظروا رحمكم الله تعالى إلى أحوال إخوانكم المحاصرين في غزة، وقد قارب الحصار المضروب عليهم عاما كاملا، ثم أتبع اليهود حصارهم وتجويعهم ضربا وقتلا وحرقا بقنابلهم وآلياتهم، ولا زالوا كذلك إلى الآن.
وانظروا إلى إخوانكم المستباحين في العراق وفي الصومال وفي بلاد الأفغان وفي الشيشان وفي غيرها.
لا يجدون أمنا كما تجدون، ولا يأكلون كما تأكلون، ولا ينامون كما تنامون، ولا يهنئون بعيش كما تهنئون، قد استباحتهم جيوش الظلمة المحتلين فسلبت أمنهم، ونهبت خيراتهم، وأحلت الفوضى في بلادهم، من سلم من نيران غدرهم تسلط عليه وباء مهلك، أو جوع مفترس، فإن تجاوز ذلك عاش عيشة بئيسة يتمنى معها الموت كل يوم مئة مرة.
أين شكرنا لنعم ربنا علينا؟! وأين إحساسنا بمصاب إخواننا؟! ألا نخاف أن تسلب نعمنا كما سلبت من غيرنا؟! ثم كيف نقابل ربنا للحساب وهذه نعمه تترا علينا، ونحن لا زلنا في سرفنا ولهونا وغفلتنا، وقد رأينا النذر من بين أيدينا ومن خلفنا؟!
ألا نقتصد في سرفنا ولهونا؛ شكرا لربنا، ومواساة لإخواننا، وإحساسا بمصاب غيرنا، فإن هذه الغفلة المطبقة مع كثرة النعم، وتتابع النذر؛ مؤذنة بعقوبات الدنيا، وإذا حلت العقوبة فلات حين مندم، وسؤال الآخرة أعظم وأشد (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التَّكاثر:8] (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام:44].
وصلوا وسلموا على نبيكم.....
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي