موضوعنا اليوم سورة النمل، وهي السورة السابعة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ثلاث وتسعون آية، وهي مكية النزول، اهتمت بالحديث عن أصول العقيدة: التوحيد والرسالة والبعث. وهي إحدى ثلاث سور نزلت متتالية، ووضعت في المصحف متتالية، وهي: الشعراء والنمل والقصص، ويكاد يكون منهاجها واحداً في سلوك مسلَك العظة والعبرة عن طريق قصص الأمم السابقة ..
الحمد لله الذي أنزل القرآن العظيم، (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [النمل:2-3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعلى آله وصحبه ومن والاه، واتَّبَعَ هداهُ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: موضوعنا اليوم سورة النمل، وهي السورة السابعة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ثلاث وتسعون آية، وهي مكية النزول، اهتمت بالحديث عن أصول العقيدة: التوحيد والرسالة والبعث.
وهي إحدى ثلاث سور نزلت متتالية، ووضعت في المصحف متتالية، وهي: الشعراء والنمل والقصص، ويكاد يكون منهاجها واحداً في سلوك مسلَك العظة والعبرة عن طريق قصص الأمم السابقة.
وقد تناولت السورة الكريمة القرآن العظيم، معجزة محمد -صلى الله عليه وسلم- الكبرى، وحجته البالغة إلى يوم الدين، فوضحت أنه تنزيل من حكيم عليم، هدى للمؤمنين إلى صراط مستقيم، ومبشراً لهم بجنات النعيم، الذي يؤدون الصلاة على الوجه الأكمل بأركانها وخشوعها وآدابها، ويدفعون زكاة أموالهم، طيبة بها نفوسهم، ويصدقون بالآخرة تصديقاً جازماً لا شك فيه.
أما المنكرين المكذبين بالآخرة فقد زين الشيطان لهم أعمالهم القبيحة، وأن لهم أشد العذاب في الدنيا بالقتل والأسر والتشريد، وفي الآخرة خسارتهم أشدُّ، ومصيرهم إلى النار المؤبد والجحيم والأغلال.
وقد تحدثت السورة عن قصص الأنبياء، بعضها بإيجازٍ كقصة موسى وقصة صالح وقصة لوط، وبعضها بإسهابٍ كقصة داود وسليمان -عليهم السلام جميعاً-، وبيَّنَتْ ما نال أقوامهم المكذبين بهم من العذاب والنكال بسبب إعراضهم عن دعوة الله، وتكذيبهم لرسلهم الكرام.
وتحدثت بالتفصيل عن قصة داود وولده سليمان -عليه السلام-، وما أنعم الله عليهما من النِّعَم الجليلة، وما خصهما به من الفضل الكبير، بالجمع بين النبوة والملك الواسع، ثم ذكرت قصة سليمان -عليه السلام- مع بلقيس ملكة سبأ.
ففي قصة داود وسليمان امتنَّ الله عليهما بأن أعطاهما علماً واسعاً من علوم الدنيا، وجمَع لهما بين سعادة الدنيا والآخرة، وقالا شكراً لله والحمد لله الذي فضلنا بما آتانا من النبوة والعلم، وتسخير الإنس والجن والشياطين على كثيرٍ من عبادة المؤمنين.
وورث سليمان أباه في النبوة والعلم والمــــُلْك دون سائر أولاده، وتحدثت بنعمة الله عليه فقال: يا أيها الناس، لقد أكرمنا الله فعلَّمَنا منطق الطير، وأصوات جميع الحيوانات، وأعطانا من كل شيء من خيرات الدنيا مما يُعطَاها العظماء والملوك، إن هذا لهو الفضل الواضح الجلي.
وجُمعتْ لسليمان جيوشه، وأحضرت له في مسيرة كبيرة فيها طوائف الجن والإنس والطير، يتقدمهم سليمان، في عظمة كبيرة، فهم يكفون عن التقدم بين يديه.
ثم يأتي سبب التسمية (سورة النمل) في الآيتين (18-19)، وتفسيرها: لما وصلوا إلى وادٍ في الشام كثير النمل قالت إحدى النملات لرفيقاتها: ادخُلوا بيوتكم، لا يحطمنَّكم أو لا يكسرنكم سليمان وجيوشه بأقدامهم وهم لا يشعرون بكم ولا يريدون حطمكم عن عمد، حذرت ثم اعتذرت؛ لأنها علمت أنه نبي رحيم.
فسمع سليمان كلامها فتبسم سروراً بما سمع من ثناءٍ عليه وعلى جنوده، ودعا ربه أن يلهمه ويوفقه لشكر نعمائه وأفضاله التي أنعم بها عليه وعلى والديه، وأن يوفقه لعمل الخير الذي يقربه من الله، والذي يحبه ويرضاه، وأن يُدخلَه الجنة دار الرحمة مع عباد الله الصالحين.
ثم تذكُرُ السورة قصة سليمان -عليه السلام- مع بلقيس ملكة سبأ، حيث بحث سليمان عن جماعة الطير وتفقدَها فلم ير الهدهد، قال المفسرون: كانت الطير تصحبه في سفره وتظله بأجنحتها، فلما فصل سليمان عن وادي النمل ونزل في قفر من الأرض عطش الجيش، فسألوه الماء، وكان الهدهد يدله على الماء، فإذا قال: ها هنا الماءُ شَقَّت الشياطين الأرض، وفجرت العيون.
فطلبه في ذلك اليوم فلم يجده، فقال: مالي لا أراه؟ بل هو غائب! ذهب دون إذن مني! لأعاقبنَّهُ عقاباً أليما بالسّجن أو نتْف الريش، أو الذبح، أو لَيَأتِيَنِّي بحجة واضحة تبيِّن عذره.
فأقام الهدهد زمانا يسيراً ثم جاء إلى سليمان فقال: اطلعت على ما لم تطلع عليه، وعرفت ما لم تعرفه، وأتيتك من مدينة سبأ باليمن بخبر هام، وأمر صادق خطير!.
فمن عجائب ما رأيت أن امرأة تسمى "بلقيس" هي ملكة لهم، وهم يدينون بالطاعة لها، وأعطيَتْ من كل شيء من الأشياء التي يحتاج إليها الملوك من أسباب الدنيا من سعة المال، وكثرة الرجال، ووفرة السلام والعتاد، ولها سرير كبير مكلل بالدر والياقوت. قال قتادة: كان عرشها من ذهب، قوائمه من جوهرٍ مكلَّل باللؤلؤ.
ثم قال الهدهد: وجدتهم جميعا مجوساً يعبدون الشمس ويتركون عبادة الله الواحد الأحد! وحسَّن لهم الشيطان عبادتهم للشمس وسجودهم لها من دون الله فمنعهم بسبب هذا الضلال عن طريق الحق والصواب، فهم بسبب إغواء الشيطان لهم لا يهتدون إلى الله وتوحيده.
ثم قال الهدهد متعجباً من حالهم: أيسجدون للشمس ولا يسجدون لله الخالق العظيم الذي يعلم الخفايا، ويعلم كل خبيئة في السماء والأرض، ويعلم السر والعلن، وما ظهر وما بطن، وهو المتفرد بالعظمة والجلال، رب العرش الكريم، المستحق للعبادة والسجود؟! فقال سليمان: سننظر في قولك ونتثبَّتْ هل أنت صادق أم كاذب فيه.
قال ابن الجوزي: وإنما شك في خبره لأنه أنكر أن يكون لغيره سلطان، ثم كتب كتاباً وختمه بخاتمة ودفعه إلى الهدهد وقال: اذهب بهذا الكتاب وأوصِلْه إلى ملكة سبأ وجنْدها، ثم تنحَّ إلى مكان قريب مستتِراً عنهم فانظر ماذا يرون من الجواب؟.
قال المفسرون: أخذ الهدهد الكتاب وذهب به إلى بلقيس وقومها، فرفرف فوق رأسها ثم ألقى الكتاب في حِجرها، فقالت لأشراف قومها: إنه أتاني كتاب عظيم جليل، إن هذا الكتاب مرسل من سليمان.
ثم فتحته فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، وهو استفتاح شريف بارع، فيه إعلان الربوبية لله، ثم الدعوة إلى توحيد الله، والانقياد لأمره، ألَّا تتكبروا عليَّ كما يفعل الملوك، وجيئوني مؤمنين أو طائعين أو موحدين.
فنادت في قومها: أنْ أشيروا عليَّ في الأمر، ما كنت أقضي أمراً بدون حضوركم ومشورتكم. قالوا: نحن أصحاب كثرة في الرجال والعتاد، وأصحاب شدة في الحرب، وأمرنا إليك، فمُرِينا نمتثل أمرك.
قالت: إن عادة الملوك أنهم إذا استولوا على بلدة عنْوةً وقهراً خربوها وأهانوا أشرافها وذلوهم بالقتل والأسر والتشريد، وهذه طريقتهم في كل بلد يدخلونها قهراً. ثم عدلت إلى المسالمة فقالت: إني سأبعث إلى سليمان بهدية عظيمة تليق بمثله، فأنظر هل يقبلها أم يردها؟.
قال قتادة: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها! علمت أن الهدية تقع موقعاً من الناس. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: قالت لقومها: إن قبِل الهدية العظيمة فهو ملِكٌ يريد الدنيا فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي صادق فاتَّبِعوه.
فلما جاء رسل بلقيس إلى سليمان -عليه السلام- بالهدية العظيمة، وقد اختلف المفسرون في هذه الهدية، فمنهم من قال إنها أرسلت إليه لبِنَةً من ذهب، وقيل صفائح من ذهب، وقيل جواهر، وقيل غيرها، لكن سليمان قال منكراً عليهم: أتصانعونني بالمال والهدايا لأترككم على كفركم؟ فما أعطاني الله من النبوة والملك خير مما أعطاكم من زينة الحياة الدنيا، فلا حاجة لي بهديتكم، بل أنتم تفرحون بالهدايا؛ لأنكم أهل مفاخرة ومكاثرة في الدنيا.
ثم قال لرئيس الوفد: ارجع إليهم بهديتهم، فوالله! لَنأتينَّهم بجنود لا طاقة لهم بمقابلتها، ولا قدرة لهم على مقاتلتها، ولنخرجهم من أرضهم ومملكتهم أذلاء حقيرين إن لم يأتوني مسلمين.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان وأخبروها الخبر قالت: قد عرفت، ما هذا بملك، وما لنا به من طاقة. وبعثت إلى سليمان: إني قادمة إليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرُك، وما تدعو إليه من دينك.
ثم ارتحلت إلى سليمان في اثني عشر ألف من جندها، ثم قال سليمان لأشرافِ مَن حضر من جنده: أيكم يأتيني بعرشها المرصَّع بالجواهر قبل أن تصل إليَّ مع قومها مسلمين؟ قال مارد من مرَدة الجن: أنا أحضره إليك قبل أن تقوم من مجلس الحكم. وكان يجلس من الصبح إلى الظهر في كل يوم، وغرضه أن يأتيه به في أقل من نصف نهار. وإِنِّي على حمله لَقادرٌ، وأمين على ما فيه من الجواهر والدرر وغير ذلك.
(قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل:40]، قال المفسِّرون: هو (آصف بن برخيا)، كان من الصدِّيقين، يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وهو الذي أتى بعرش بلقيس.
والمعنى: إني آتيك به بلمح البصر، فدعا اللهَ فخضر العرش حالاً، فلما نظر سليمان ورأى العرش (السرير) حاضراً لديه، قال: هذا من فضل الله عليَّ، وإحسانه إليَّ؛ ليختبرني أأشكر إنعامه أم أجحد فصله وإحسانه؟ فمن شكر فمنفعة الشكر لنفسه؛ لأنه يستزيد من فضل الله، ومن لم يشكر وجحد فضل الله، فإن الله مستغنٍ عنه وعن شكره، كريم بالإنعام على من كفر بنعمته.
ولما قرب وصول ملكة سبأ إلى بلاده أمر بأن تُغَيَّرَ بعضُ معالم عرشها امتحاناً لها للنظر إذا رأته، هل تهتدي إليه وتعرفه أم لا؟ أراد بذلك اختبار ذكائها وعقلها، (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ) [42]، أي: أمثل هذا العرش الذي رأيتِه عرشك؟ (قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) [42]، أي يشبهه ويقاربه، ولم تقل نعم هو أو لا ليس هو! قال ابن كثير -رحمه الله- وهذا في غاية الحزم والذكاء.
وقال سليمان تحدثاً بنعمة الله: لقد أوتينا العلم من قَبْل هذه المرأة، يريد العلم بالله وقدرته، وكنا مسلمين لله من قبلها، فنحن أسبق منها علماً وإسلاماً، ومنَعَها عن الإيمان بالله عبادتها للشمس والقمر بسبب كفرها ونشوئها بين قوم كافرين.
وقيل لها: ادخلي الصرح. أي: القصر العظيم الفخم. فلما رأت ذلك الصرح الشامخ ظنته لجةَ ماء، أي ماء غمراً كثيراً، وكشَفَتْ عن ساقها لتخوض فيه، قال سليمان: إنه قصر مملس من الزجاج الصافي! قالت بلقيس حينئذ: ربِّ إني ظلمت نفسي بالشرك وعبادة الشمس، (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [44]، أي: وتابعت سليمان فدخلت في الإسلام مؤمنة برب العالمين.
قال ابن كثير -رحمه الله-: والغرض أن سليمان -عليه السلام- اتخذ قصراً عظيماً مُنِيفاً من زجاج لهذه الملكة ليريها عظمة سلطانه وتمكّنه، فلما رأت ما آتاه الله، وجلالة ما هو فيه، وتبصَّرَت في أمره، انقادت لأمر الله تعالى، وعرفت أنه نبي كريم، وملك عظيم، وأسلمت لله عز وجل.
عباد الله: هذه نبذة عن معاني الجزء الأول تقريباً من سورة النمل، أي إلى نهاية الآية الرابعة والأربعين، أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، إنه قريب مجيب الدعاء، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين جعل في قصص القرآن العبر والعظات والتذكرة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: استكمالاً للحديث عن سورة النمل فإنها بعد أن تناولت القصص السابقة ذكرت قصة صالح ثم قصة لوط، وكل هذه القصص غرضها التذكير، والاعتبار، وبيان سنة الله في إهلاك المكذبين، ثم أُتْبِعا بذكر البراهين الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة، ثم ذكرت شبهات المشركين في الإيمان بالآخرة والبعث والنشور، وأردفها بذكر الدلائل القاطعة، وذكر بعض الأهوال التي تكون بين يدي الساعة.
ولأن في القصص العبر والتذكرة سنتكلم عن قصة صالح -عليه السلام- باختصار وإيجاز كما جاءت في هذه السورة، فالله سبحانه أرسل نبيه صالحاً -عليه السلام- إلى قبيلة ثمود قومه، وهو أخوهم في النسب لا في الدين، يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته، فإذا هما جماعتان: مؤمنون وكافرون، يتنازعون في شأن الدين.
قال لهم صالح بتلطف ورفق: يا قوم لم تطلبون العذاب قبل الرحمة؟ ولأي شيء تستعجلون بالعذاب ولا تطلبون الرحمة؟ هلا تتوبون إلى الله من الشرك ليتوب عليكم ويرحمكم؟! قال المفسرون: كان الكفار يقولون لفرط الإنكار: يا صالح ائتنا بعذاب الله، فقال لهم: هلا تستغفرون الله قبل نزول العذاب؟! فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر.
قالوا: تشاءمنا بك يا صالح وبأتباعك المؤمنين؛ فإنكم سبب ما حل بنا من بلاء، وكانوا قد أصابهم القحط وجاعوا. فقال: حظكم في الحقيقة من خير أو شر عند الله وبقضائه، إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم، وأخبرهم أن شؤمهم بسبب أعمالهم لا بسبب صالح والمؤمنين، وأنكم في الحقيقة قوم يفتنكم الشيطان بوسوسته وإغوائه؛ ولذلك تقولون ما تقولون.
وكان في مدينة صالح -وهي الحِجْر- تسعة رجال من أبناء أشرافهم، شأنهم الإفساد وإيذاء العباد بكل طريقة ووسيلة؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: وهم الذين عقروا الناقة. وقال بعضُهم لبعض: احلفوا بالله لنقتلنَّ صالحاً وأهله ليلاً، ثم لنقولن لولي دمه ما حضرنا مكان هلاكه، ولا عرفنا قاتله ولا قاتل أهله، ونحلف لهم بأنا لَصادقون.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أتوا دار صالح شاهرين سيوفهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة فقتلتهم، وقال تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا)، أي: دبروا مكيدة لقتل صالح، (وَمَكَرْنَا مَكْرًا) [50]، أي: جازيناهم على مكرهم بتعجيل هلاكهم -سماهُ مكراً بطريق المشاكلة، أي المعاملة بالمثل- من حيث لا يدرون ولا يعلمون.
فتأمل يا محمد وتفكَّرْ في عاقبة أمرهم ونتيجة كيدهم! أنَّا أهلكناهم أجمعين، وكان مآلهم الخراب والدمار، فتلك مساكنهم ودورهم خالية بسبب ظلمهم وكفرهم؛ لأن أهلها هلكوا.
إن في هذا التدمير العجيب لَعبرةً عظيمة لقوم يعلمون قدرة الله فيتعظون، ونجى الله من العذاب المؤمنين المتقين الذين آمنوا مع صالح -عليه السلام- وقد ختمت السورة بقوله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل:93].
عباد الله: لم نوفِ السورة حقها، ولكن أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأدعوكم لا لقراءتها فقط وإنما قراءة تفسيرها، وتدبر معانيها، والاتعاظ والاعتبار بها لإدراك قدرة الله العظيمة، ووحدانيته سبحانه.
وفقنا الله وإياكم لطاعته، والعمل بكتابه الكريم، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصَلُّوا وسلِّموا على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي