ماذا سيقدمُ لنا البثُ الفضائيُ الأمريكي والفرنسي غيرَ أفلامِ الجنسِ الصاخبة, مسبوقةً بعبارةٍ سخيفةٍ تافهة, مضمونها هذه الأفلامُ للبالغينَ فقط؟! يا لقبحهم وفجورهم , هل سينسحبُ الأطفالُ الصغارُ بسلام، حين يقرءونَ تلك العبارة.. وكيف يسوغ للبالغين مشاهدةُ تلك المشاهدِ القذرة, بموجبِ فتوى التلفاز الأمريكي، أو المذهب الفرنسي؟
أما بعد:
عباد الله: ماذا يريد منا ربنا؟ وماذا يريد منا عُبَّادِ الشهوات, وأربابِ النزوات؟
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً).
هذه الآيةُ الجليلة، تكشفُ عن حقيقةِ ما يريدهُ اللهُ للناس من التوبةِ والاستقامةِ والنجاة، وحقيقةِ ما يريدهُ الشهوانيون من الانحرافِ والفسقِ والضلال, إنهم يريدون أنْ ينطلقَ جنونُ الشهوة بلا حواجزَ أو عقبات، انطلاقةً لا يقرُ معها قلبٌ, ولا تهدأ معها نفسٌ ولا يطمئنُ معها بيتٌ، ولا يسلمُ معها عرضٌ, ولا تقومُ معها أسرةٌ، ولا تبقى معها فضيلة.
وحتى أكون صريحاً جداً معكم أقول: إن كلُ هذا الفساد هو ما تريدُه بعض الأقلامُ عبر الصحفِ والمجلات, وما تريدُه الأفلامُ الهابطة عبر أشرطةِ الفيديو, وأخيراً عبر قنواتِ البثِّ الفضائي، والتي أخذتْ تغزو مجتمعاتِ المسلمين على حينِ غفلةٍ من أهلها، لتزيدَ البلاءَ بلاءً، والقلوبَ خواءً.
ليس بغريب أن يستغلها الأعداءُ الذين قال اللهُ فيهم: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ), ولكنَّ الغريبَ المؤسف، أنْ يستجيبَ أبناءُ المسلمين لمخططات أولئك المجرمين، فينشئوا القنوات الهابطة بأموالهم.. ويحملوا أوزار المشاهدين فوق أوزارهم.. (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون).
والغريب المؤسف الآخر، أن يعكف قوم على هذه القنوات المجرمة، ويعرضوا أنفسهم وأهاليَهم لفتنٍ كقطعِ الليلِ المظلم تجعل الحلم حيراناً.
ويا لله العجب! كيف يأمنُ مسلمٌ على عرضِ أولادهِ وبناته، وقد أحضرَ لهم بيده ما يُهيِّج شهواتِهم, ويثيرُ نزواتِهم, ويدفعهُم -شاءَ أم أبى- إلى تلبيةِ الشهوةِ، وإطفاء النزوةِ في حلالٍ أو حرام.
ماذا ننتظر من برامج وأفلام، تشجع الرذيلة، وتهدم الفضيلة، وتنظرُ إلى الفتاةِ العفيفة نظرةَ إشفاقٍ ورحمة, يُذهبُ بها إلى المصحاتِ النفسية، لحلِ عُقَدِها؟!
ماذا سيقدمُ لنا البثُ الفضائيُ الأمريكي والفرنسي غيرَ أفلامِ الجنسِ الصاخبة, مسبوقةً بعبارةٍ سخيفةٍ تافهة, مضمونها هذه الأفلامُ للبالغينَ فقط؟! يا لقبحهم وفجورهم , هل سينسحبُ الأطفالُ الصغارُ بسلام، حين يقرءونَ تلك العبارة.. وكيف يسوغ للبالغين مشاهدةُ تلك المشاهدِ القذرة, بموجبِ فتوى التلفاز الأمريكي، أو المذهب الفرنسي؟
ماذا سيقدمُ لنا البثُ الفضائيُ الأجنبي غيرَ أفلامِ العنفِ والجريمة، وتجارةِ الخمورِ والمخدرات, ومشاهد الأجساد العارية, واللقطات الفاضحة؟!
أمَّا البثُ الفضائي العربي، فلا يقلُ شراً عن سابقه, ولا يتوارى خجلاً من سالفهِ, بل إنَّنا لا نعدو الحقيقة إذا اعتبرنَا هذا النوعَ من البث أشدَّ خطراً, وأعظمَ ضرراً، بسببِ عاملِ اللغةِ المشترك, وتقاربِ الثقافات.
دعونا من مسلسلاتِ الحبِّ والغرام بقذارتِها من عشراتِ السنين, فهي أشهرُ من أن تذكر، لكنَّنا نُشيرُ على عجلٍ إلى ما يحاولُ المجرمون فرضَه, وإقناعَ الناس به من المفاهيمِ المنكوسةِ، والسلوكياتِ الماجنة، في قالبٍ من الخداعِ والمكرِ العظيم.
فعلى سبيل المثال: لا مانعَ لدى القائمينَ على تلكَ الأفلام الماجنةِ والتمثيلياتِ الهابطة , أن يدخلَ على المرأة رجلٌ أجنبيٌ عنها, وأن يخلوَ بها الساعاتِ الطوال.
وربما يجد أحدُ الممثلين زوجَته في الفيلم مع رجلٍ أجنبيٍ في بيتهِ لوحدها, فيستشيطُ غضباً, ويمتلأُ حنقاً, لا لأنَّ الرجلَ خلا بزوجتهِ، فتلكَ قضيةٌ عادية, ولكنَّه غضب، لأنَّه يكرَهُ هذا الرجلَ بالذاتِ ولا يحبه.
تأمل رحمك الله، من خلال هذا المشهدِ كيف تمكنَ المخرج من إيصالِ الفكرةِ التي يريد إلى ذهنِ المشاهد وعقلهِ الباطن, دون أن يَشعرَ المشاهدُ المخدوع بشيءٍ من ذلك , فلا بأسَ عندهم بخلوةِ الذكورِ بالإناث, ولا مانعَ من استضافةِ المرأةِ للرجلِ الأجنبيِ في بيتها، حتى ولو كانت المسافةُ الفاصلةُ بينهما وبين غرفةِ النوم بضعة أمتار.. وأما قضيةُ الحجاب فهي عندهم جزء من التقاليد البالية, أو هو على الأقل غطاءُ الرأس وللعجائزِ فقط.
وربما تشاهد في بعض المسلسلاتُ الممثل يدخلُ المنزل فتسارع الأمُ العجوز إلى تغطيةِ رأسها، أما البنتُ الشابة ذاتُ العشرينَ عاماً فتظل سافرةَ الوجه، حاسرةَ الرأس، تتغنج بضحكاتِها, وتتشدقُ بعباراتها, فأيُ مفهومٍ يحاولون فرضَه وتعميمه من خلالِ هذه المسلسلات؟!
الإجابة لا تحتاج إلى مزيد ذكاء.
ولا تزال القنواتُ العربيةُ الفضائية، تُمطرنا أربعاً وعشرين ساعةً، طوالَ العامِ، ببرامجَ الرذيلةِ والمجون، ومسلسلاتِ الخنا والفحش، وأغاني العُهرِ والفساد.. مكمِّلةً بذلك الدورُ الذي ابتدأتهُ القنواتُ الأرضية، لعُقودٍ طويلةٍ من الزمن بمشاركة المسرحُ والإذاعات، والمجلةُ والرواية!!
حتى كانت ثالثةَ الأثافي، وقاصمةَ الظهرِ، ذلك البرنامجُ الدياثيُّ الماجن " ستار أكاديمي " الذي عرُض في السابق عدة مرات، ويعاد هذه الأيام للمرة الرابعة.
برنامجٌ دياثة بثياب عربية وللأسف، يجتمعُ فيه شرذمةٌ من الفساق والفاسقات، في بيتٍ واحدٍ، وتحت سقفٍ واحد، ويُصورُونَ على الهواءِ مباشرةً، ويطالعُهم ملايينَ المفتونين والفارغين، ممن يرتدَّون إلى أسفلَ سافلين، بعد أن رفعهُم الإسلامُ لأعلى عليين، وصورَهُم ربَهُم في أحسن تقويم.
وبينما كنت أعد هذه الخطبة بالأمس، وقفت على خبرين، ينبيانك عن شيء من أحوال الأمة.
الخبر الأول: ما ستقوم به إحدى الجهات في المغرب العربي من إقامة ستار أكاديمي آخر.. لكنه يحترم خصوصية المشاركين، ويفصل بين الذكور والإناث في الإقامة،وستمنع المشاركات من لبس التنورة القصيرة، أوالملابس الكاشفة عن الصدر.. وكأن ما سوى هذا مباح لا بأس فيه.
ويذكر أنه وقع الاختيار على 14 مرشحاً من أحد عشر ألف مشارك ومشاركة تقدموا للاختبارات التي أقيمت في كل من تونس والمغرب والجزائر وفرنسا.. وأن المشاركين والمشاركات سيخضعون على مدى ثلاثة أشهر ونصف لدراسة الرقص والتعبير المسرحي.
أما الخبر الثاني: فإنه في هذا الوقت العصيب، الذي يجري في الدم المسلم الطاهر في فلسطين وفي العراق، لم أكن أعلم أن فتاة عراقية تشارك في البرنامج الخبيث، حتى طالعت خبراً سخيفاً بالأمس، يقول: إن العراقيين لم تشغلهم همومهم ومشاهد القتل والاحتلال عن التصويت لمرشحتهم فلانة.
سبحان الله.. ماذا يريد هؤلاء بالأمة، وهم الذين خدروا شبابها، وأفسدوا بناتها بهذه البرامج الماجنة؟
وأي أمة ستطرد المحتل، وتستعيد أمجادها، وأبناؤها وبناتها قصارى همهم التصويت لفلان الماجن، أو لفلانة العاهرة.
ولسنا نعجبُ في الواقعِ من جرأةِ القائمين والمشاركين، في هذا البرنامج الخسيس الخليع، فلستُ أشكُ بأنَّهم حُفنةً من أعداء الدين، وفي أحسنِ أحوالهم شرذمةٌ من الإباحيين الشهوانيين، الحاقدين على أخلاقِ الأمةِ وشبابها، المتاجرين بقيمها ومبادئها العليا.. لكنَّ العجبُ لا ينقضي من أُسرٍ مسلمةٍ، ذاتَ شرفٍ وسُمعة، يأذنونَ لقنواتٍ إباحيةٍ كهذه، بالدخولِ إلى منازلهم، ويتحلقُ حولَ عُروضها الماجنةِ، ذواتُ الخدور، وشبابُ الأمةِ المجبولِ على الدين والعفة.
ولسنا نرى كبيرَ فرقٍ بين من علمَ مقاصدَ وأهدافَ هذا البرنامجُ وأمثاله، من برامجِ الخنا والفاحشة، ثمَّ أصّر على مطالعةِ أهلهِ وأولاده وبناته لهذه الفواحشِ، وبين من قامَ بإنشاءِ محطةَ البثِّ نفسها، ونفَّذَ البرنامجَ وموّله، حتى أطلَّ بوجههِ القبيحِ، وسوءَتهِ المشبوّهة.
نسأل الله أن يهدي ضالنا.. ويكفينا شر شرارنا.. ونعوذ به أن يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، إنه جواد كريم.
الخطبة الثانية
الحمد لله
عباد الله: لماذا نحذر من القنوات الفضائية؟ وما الذي أحدثته هذه القنوات في مجتمعاتنا؟
في سنواتٍ محدودةٍ, أثمرتْ هذه القنواتُ المشؤومةُ ثمراتِها المرة، وتجرع بعضُ أولئكَ المبتلينَ بها ما جنتهُ أيديهم, فهذا مراهقٌ تثورُ شهوته فلا يجدُ في البيتِ غيرَ أخته, فيفجرُ بها ويرتكبُ ما حرمَ الله، وتلك فتاة صغيرة تذهبُ بها أمُها إلى المستشفى, فإذا التقاريرُ المخبرية تبشرُ الأمَّ بأنَّ طفلتَها حاملٌ من الزنا؟!
وذلك غلامٌ يتعلمُ شربَ الخمر من الأفلامِ، وآخر يدمن المخدرات، وهناك عشرات القَصَص المرة, التي يشيبُ من هولها الولدان.
أيها المسلمون: وقد يعترفُ بعضُ المبتلينَ بهذه القنوات بخطورتِها وشدةِ تأثيرِها, لكنَّهم يتمسكونَ بحججٍ واهية, كأن يحتجُ بعضهم بأنَّه قد وضَعَ الطبقَ الفضائي لمتابعةِ الأخبارِ العالمية, ومشاهدةِ الأحداثِ الدولية, ولنا أن نتساءل هل توازي هذه المنفعةُ المغمورةُ – إن اعتبرناها منفعة –بحرَ المفاسدِ الَّلامتناهية؟! و السيل الجارف من الأفلامِ والبرامج المدمرة؟! بل إن بعض القنوات الإخبارية لا تخلو من المفاسد العظيمة.
ثم إذا كان هدفُك متابعةَ الأخبار، هل تحكمت في الجهاز من حيث الضبط والتشفير للقنوات الأخرى، أم أنك تركت الحبل على الغارب؟.
عباد الله: إننا ندعو الجميعَ إلى التوبةِ من مطالعةِ هذه الفضائياتِ المُدمرة، وهذه البرامجُ على وجهِ الخصوصِ، وإلاَّ فليتربصَ الجميعُ بعقوبةٍ لا تُبقي ولا تذر، (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
وعلى من ولاهُ اللهُ أمراً من أمورِ المسلمين، أن يقومَ بدورهِ المُمكن، وواجبهِ المشروع، في كفِّ هذا البلاءِ عمن يستطيعُ ممن استرعاهُ الله أمره، ولنكن على ذكرٍ، بأنَّ اللهَ تعالى يغارُ، وغيرتُه أن يأتي المؤمنُ ما حرمَ اللهُ عليه.
علينا -معاشرَ المسلمين- أن نتقي الله عز وجل، وإذا أردنا أن نحفظِ مجتمعاتِنا من الزنا والشذوذ، والجرائم والمخدرات، فلنقضِ على أسبابِها وبواعثِها, وإن من أعظم أسبابِها تلك المجلاتُ والأفلامُ, والخمور.
اللهم صل على محمد...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي