ولما تطور البث الفضائي، وتيسر الحصول عليه؛ استغل ذلك من يتاجرون بآلام الناس ومصائبهم، فبرزوا إليهم عبر الشاشات يزعمون حل مشاكلهم، وإنهاء معاناتهم، فكان الإقبال على هؤلاء الدجاجلة الكذابين يفوق حسابات الحاسبين، وما ذاك إلا لوجود القابلية عند كثير من الناس أن يُضحك عليهم، ويستخف بعقولهم، ويتلاعب بدينهم.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71 ].
أما بعد:
فإن خير الكلام كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: أنعم الله تعالى على البشر بالوحي الرباني؛ هداية لهم في الدنيا من الضلال، ونجاة لهم في الآخرة من العذاب، لمن آمن به واتبعه (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشُّورى:7] ولولا هذا الوحي لما اهتدى المؤمنون من البشر إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) [الشُّورى:52] قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " فلا روح إلا فيما جاء به، ولا نور إلا في الاستضاءة به؛ فهو الحياة والنور والعصمة والشفاء والنجاة والأمن".
ولما كان الوحي نورا وهدى من الله تعالى للبشر كان الضلال والظلمات فيما عارضه من الديانات والأفكار والأفعال، يتيه فيها من لم يتبع نور الوحي (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ) [الأنعام:39] وفي الآية الأخرى (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) [الأنعام:122] وهؤلاء عميٌ عن الحق ولو كانوا يبصرون، وصمٌ عنه ولو كانوا يسمعون، ولم توفق عقولهم لإدراكه ولو كانوا يعقلون (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ) [الأعراف:179] وفي آية أخرى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46] وفي آية ثالثة (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) [الرعد:19] وفي آية رابعة (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44].
وأهل الضلال مجتهدون في طمس الهدى، ودائبون في صد الناس عن الحق والنور، إلى الضلال والظلمات (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا) [الإسراء:73] وفي آية أخرى (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [الزُّخرف:37].
وكل بُعْد عن وحي الله تعالى فإن مآل أصحابه إلى الضلال والعمى، ومن أعظم سبل أهل الضلال في صد الناس عن الحق: تعليق قلوبهم بغير الله تعالى، وصرفهم إلى الخرافات والشعوذات التي يقوم بها السحرة والكهان والمنجمون والعرافون فيخدعون بها من رقَّ دينهم، وضعفت عن إدراك الحقائق عقولهم، فلم يعودوا يميزون بين ما يضرهم وما ينفعهم، ولا يدركون من يصدق معهم ممن يكذب عليهم.
إن هذا العصر يوصف بأنه عصر العقل والعلم والحضارة والمعرفة بما فتح الله تعالى فيه للبشرية من مغاليق المعارف العلوم، وما هيأ لهم من وسائل الاتصال السريع، ولكنه في الوقت ذاته عصر الدجل والخرافة والكذب والشعوذة؛ إذ مع تطور وسائل الاتصال زادت نسبة خداع الناس، والكذب عليهم، والاستخفاف بعقولهم، وإفساد عقائدهم بزعم إيجاد حلول سريعة لمشاكلهم عن طريق السحر والكهانة والشعوذة، والإحصاءات العربية تفيد بأن العرب ينفقون سنويا على السحر وحده خمسة مليارات دولار، وأن هناك دجالا واحدا لكل ألف من العرب، وقد ازدهرت سوق ترويج السحر والكهانة حتى بلغت مبيعات كتبها أرقاما قياسية، وبعض الصحف في بعض الدول الإسلامية أرباحها الكبرى من موارد إعلانات السحر الشعوذة، وكل هذا يدل على ما آل إليه حال الناس في هذا العصر الموصوف بالعلم والحضارة!!
ولما تطور البث الفضائي، وتيسر الحصول عليه؛ استغل ذلك من يتاجرون بآلام الناس ومصائبهم، فبرزوا إليهم عبر الشاشات يزعمون حل مشاكلهم، وإنهاء معاناتهم، فكان الإقبال على هؤلاء الدجاجلة الكذابين يفوق حسابات الحاسبين، وما ذاك إلا لوجود القابلية عند كثير من الناس أن يُضحك عليهم، ويستخف بعقولهم، ويتلاعب بدينهم.
إنه ما ازدهرت سوق فضائيات السحر والشعوذة إلا لكثرة المتصلين بهم، الشاكين لهم، وهي في ازدياد يوما بعد يوم بقدر ازدياد زبائنها والمتصلين بها، وهذا ينذر بخطير عظيم، وإثم كبير لا بد أن يتداعى الغيورون لتخفيفه وإزالته؛ حماية الناس من شرها وإثمها.
إن أكبر سبب للإقبال على برامج السحر والشعوذة هو ضعف الإيمان بالله تعالى، وسوء الظن به، والاعتماد على غيره، وإلا فمن آمن بالله تعالى فإنه لا يرجو جلب نفع أو دفع ضر إلا منه سبحانه وتعالى؛ لعلمه أن البشر لا يملكون ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
ومن حسن ظنه بربه علم أنه لا يُقَدِّر عليه شرا محضا، وأن ما يصيبه من آلام وأحزان وأمراض وهموم ومشكلات فإنما هي كفارات لسيئاته، ورفعة في درجاته، وزيادة في حسناته، فلا يسعى في إزالتها بما حرم الله تعالى عليه.
إن الظروف المعيشية الضاغطة على الناس، ومحبتهم للثراء السريع، واستبداد الجشع بهم، وخوفهم من المستقبل المجهول، وإقبالهم على الدنيا، وإعراضهم عن الآخرة، قد أدى بكثير منهم إلى الخوف والاضطراب والقلق، فأتاهم أبالسة الناس من نقطة الضعف هذه، فأوردوهم مهالك لم تُزِلْ همومهم، ولا حلت مشاكلهم، ولكنها استنزفت أموالهم، وأفسدت عقائدهم، فلا أصلحوا لهم دنياهم، ولا أبقوا لهم دينهم، والنساء ضعيفات في هذا الباب.
والمشاكل الأسرية سواء بين الزوج وزوجته، أو بين الأب وبناته قد ألقت بظلالها على هذه الفتنة العظيمة، حتى هدمت أسر بسبب هذا البلاء، ومن أراد حفظ أهله وبناته فليكن قريبا منهن، متلمسا لمشاكلهن، ساعيا فيما يصلحهن، وإلا شكون إلى غيره، فاصطادهن أرباب السحر والكهانة والشعوذات.
إن كثيرا من الناس قد لا يمنعه مانع في حل مشاكله من الذهاب إلى السحرة والكهان؛ لضعف إيمانه، وقلة صبره، أو لجهله بخطورة هذا الأمر، ولكنه لا يستطيع الذهاب إليهم لأنه لا يجدهم بسهولة، أو يخاف على سمعته، وكانت ولا تزال الجهات المسئولة من الشرط وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلاحق السحرة والمشعوذين، وتكف شرهم عن الناس. أما الآن فقد سَهُل الاتصال بهم عن طريق قنواتهم الخبيثة، وصار المتصل بهم وبالأخص من النساء والفتيات تجد نفسها في مأمن من الفضيحة، مع سهولة وصولها إلى ما تريد منهم، وهذا هو مكمن الخطورة على نساء المسلمين وفتياتهم، وهن الفئة الأضعف، والأكثر تصديقا لهذا الدجل؛ ولذا تستهدفهن هذه القنوات الخبيثة أكثر من غيرهن، وفي بعض الإحصائيات أن أكثر من ثلثي المتابعين لهذه القنوات الشيطانية والمتصلين بها هم من النساء والفتيات.
فكيف ستكون حال بيوت المسلمين إذا وصلت إليها أدوات السحر والشعوذة عن طريق بناتها ونسائها، وبفعل هذه القنوات الشيطانية التي لا تنظر إلا إلى الربح ولو فرقت بين المرء وزوجه، وبينه وبين والديه أو أولاده، ولو قلبت بيوت المسلمين إلى بؤر للشياطين، وأحدثت ما أحدثت فيها من العداوات والبغضاء والشقاء.
والداعي إلى هذا التحذير وتكراره مرة بعد مرة: هو أن الإقبال على هذه القنوات الخبيثة كبير جدا، وهي تزداد يوما بعد يوم، حتى إن المتصل بها ربما اتصل عشر مرات ولا يستطيع الوصول إلى الساحر أو الكاهن من شدة الزحام عليه، وفي بعضها يأخذون رقم المتصل ويعدونه بالاتصال به بعد أسبوع أو أكثر لكثرة من ينتظرون قبله، فهل هذا إلا دليل على قابلية كثير من الناس أن يُضحك عليهم بسبب اليأس الذي أحاط بهم، أو الجهل الذي أطبق عليهم، مع ضعف إيمانهم وتوكلهم على الله تعالى، وقلة صبرهم واحتسابهم، وسوء ظنهم بربهم سبحانه وتعالى.
فما أسرع الناس إلى الخرافة في عصر يوصف بأنه عصر العلم والمعرفة والحضارة، التي ما زادت كثيرا من الناس إلا جهلا بدينهم، وتعلقا بالدجل والشعوذة، ولا تسل حينئذ عما يقع من فساد القلوب والعقول من جراء ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات، فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع... وسر ذلك: أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن، فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء ولا فهم لحديثه، كما إذا مال إلى غير محبة الله لم يبق فيه ميل إلى محبته ..." .اهـ
ولا يشك عاقل في أن هذه القنوات التي تبث السحر والكهانة تفرغ قلوب مشاهديها والمتصلين بها من محبة الله تعالى، والتعلق به، إلى التعلق بشياطين الإنس في سحرهم وشعوذاتهم، وربطهم بشياطين الجن، فيرجون نفعهم، ويخافون ضرهم، نعوذ بالله تعالى من الإثم والضلال.
فحري بكل مسلم أن يَحذر ويُحذر من هذا البلاء الماحق الذي غزا المسلمين في عقر دورهم، يستهدف دينهم، ويدمر توحيدهم، ويفسد قلوبهم، ويستنزف أموالهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) [الأنعام:112-113] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. ..
الخطبة الثانية :
الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه، والزموا طاعته ولا تعصوه (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ) [النور:52].
أيها المسلمون: لقد زاد هذا الأمرَ سوء واستفحالا تصديرُ بعض المفتونين المضلين في وسائل الإعلام، الذين لا يتركون شذوذا من القول والرأي إلا قذفوا به بين الناس، وأحدثوا به ضجة في وسائل الإعلام، قد ركبهم أرباب الأفكار المنحرفة لتمرير ما يريدون من ضلال عبرهم، بعد دمغه بفتاواهم الشاذة، وآرائهم المضلة. وقد أباح هذا الفريق المفتون المنحرف العلاج بالسحر، ورخص للناس في الاتصال بالسحرة وغشيان مجالسهم، في دعاية فجة، ودعم كبير، لكل ساحر ومشعوذ، مع مخالفة صريحة للنصوص الواضحة في ذلك، وما هذا الصنف من المفتونين المحرفين للشريعة إلا دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها.
والله تعالى يقول (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) [طه:69] فإذا كان الساحر لم يفلح في نفع نفسه حتى إن السحرة هم من شر الناس حالا ومآلا، وواقعهم يدل على ذلك، فكيف يفلح في نفع غيره؟ وكيف يفلح من أجاز للناس أن يذهبوا للسحرة والمشعوذين؟ نعوذ بالله تعالى من الهوى والردى.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد جعل السحر من السبع الموبقات التي أمر باجتنابها، وعده علماء الإسلام ناقضا من نواقض الإسلام، فكيف يسوغ لعاقل أن يفتي بجواز الاستشفاء به وهو من الموبقات؟ وكيف يرضى مسلم أن يوبق نفسه عند سحرة ومشعوذين؟وعن جابر رضي الله عنه قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: هو من عمل الشيطان" رواه أبو داود.
والنشرة هي حل السحر بالسحر , ولو جازت النشرة السحرية لكانت الشريعة متناقضة تعالى الله عن ذلك؛ إذ كيف يُحكم بالكفر على متعلم السحر بنص القرآن في قول الله تعالى (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [البقرة:102] ثم يباح حل السحر بمثله، والعلماء يستدلون بهذه الآية على أن ممارسة السحر كفر كما أن تعلمه كفر، ثم كيف تأتي النصوص تذم السحرة والكهان، وتحذر من سؤالهم واتباعهم والإصغاء إليهم، وتصديقهم فيما يقولون، ثم تجيز التداوي بسحرهم وشعوذاتهم؟! وهذا من أبين التناقض عند من يقول به من المفتونين المحرفين.
إن الاتصال ببرامج السحرة والكهان قد يؤدي إلى كفر المتصل بهم ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، فإن طلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى من شفاء المرضى، أو رد غائب، أو حصول الرزق أو نحو ذلك فقد أشرك بالله تعالى في ربوبيته، وتلك من خصائص الربوبية التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، ولو كان هؤلاء السحرة والكهان يرزقون الناس أو يدلونهم على أسباب الرزق لرزقوا أنفسهم، ولم يرهقوها بالجلوس ساعات متتابعة أمام الشاشات يصيحون في زبائنهم، يخدعونهم، ويستدرون أموالهم.
ومن سألهم عن حظه أو مستقبله أو غير ذلك مما يُهمه فصدقهم كان كافرا بالله تعالى، مكذبا لصريح القرآن، الذي فيه أن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد.
فإن سأله لكن لم يصدقه بما قال رُدت عليه صلاته بنص قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " رواه مسلم.
ويخشى أن يلحق هذا الوعيد من شاهد القنوات التي تبث السحر والكهانة للفرجة أو التسلية أو حب المعرفة؛ لأن مشاهدتها تشبه الحضور عند هؤلاء السحرة والكهان، مع ما في ذلك من خطر التاثر بها، وتصديق دجاجلتها فيقع في الكفر من حيث لا يشعر.
وواجب على كل من يهمه أمر إخوانه المسلمين أن يسعى بما يستطيع للحيلولة بين هذه القنوات المفسدة وبين الناس؛ نصحا لإخوانه المسلمين، وحفظا لدينهم ودنياهم، ودحرا لهؤلاء الدجالين المشعوذين، عسى الله أن يرد مكرهم عليهم، وان يحفظنا والمسلمين من شرهم، إنه سميع قريب.
وصلوا وسلموا على نبيكم....
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي