تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال

سامي بن خالد الحمود
عناصر الخطبة
  1. أهمية مرحلة الطفولة .
  2. نماذج من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال .
  3. أمور من فعل الآباء تنفع الأبناء .

اقتباس

لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يُلاعب الأطفال، ويمشي خلفهم أمام الناس، وكان يقبلهم ويضاحكهم؛ روى الإمام أحمد وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد عن يعلى بن مرة -رضي الله عنه- قال: خرجت مع النبي وقد دُعينا إلى طعام، فإذا الحسين بن علي يلعب في الطريق، فأسرع النبي أمام القوم ثم بسط يديه ليأخذه، فطفق الغلام يفرّ ها هنا ويفرّ ها هنا، ورسول الله يلحقه يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه ثم اعتنقه ثم أقبل علينا وقال: "حُسَيْنٌ مِنِّي، وأنا مِن حُسَيْنٍ".

أما بعد: زينة الحياة الدنيا وعدّة الزمان بعد الله هُم شباب الإسلام والناشئون في طاعة ربهم، لا تكاد تُعرَف لهم نزوة، أو يُعهد منهم صبوة، يتسابقون في ميادين الصالحات، أولئك لهم الحياة الطيبة في الدنيا، والنعيم المقيم في الآخرة، يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه؛ في الحديث: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم: شاباً نشأ في طاعة الله.

إن العناية بالنشء مسْلَكُ الأخيار، وطريق الأبرار، ولا تفسد الأمم إلا حين يفسد أجيالها الناشئة، ولا ينال منها الأعداء إلا حين ينالون من شبابها وصغارها.

لهذا كانت مرحلة الطفولة من أخطر المراحل، ولقد كان السلف الصالح يعنون بأبنائهم منذ نعومة أظفارهم، يعلّمونهم وينشِّئونهم على الخير، ويبعدونهم عن الشرِّ، ويختارون لهم المعلمين الصالحين والمربين والحكماء والأتقياء.

وكان محمد -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة في هذا الباب، فقد راعى الأطفال واهتم بأمرهم؛ فلم يكن يتضجر ولا يغضب منهم، إن أخطؤوا دلَّهم من غير تعنيف، وإن أصابوا دعا لهم.

وإليكم -يا عباد الله- نماذج من معاملته -صلى الله عليه وسلم- للأطفال:
روى الإمام أحمد في مسنده أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: كنا نصلي مع النبي العشاء، فإذا سجد رسول الله وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذًا رفيقًا ووضعهما على الأرض، فإذا عاد إلى السجود عادا إلى ظهره حتى قضى صلاته، ثم أقعد أحدهما على فخذيه، يقول أبو هريرة: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، أردهما؟ فبرقت برقة في السماء، فقال لهما: "الحقا بأمكما"، فمكث ضوؤها حتى دخلا.

وعن أم خالد -رضي الله عنها- قالت: أتيت رسول الله مع أبي وأنا صغيرة، وعليَّ قميصٌ أصفرُ، فقال رسول الله: "سنه سنه"، أي: حسن حسن، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة على ظهر رسول الله، فزبرني أبي، فقال رسول الله: "أبلي وأخلِقي، ثم أبلي وأخلقي"، فعمرت أم خالد بعد ذلك. رواه البخاري.

ولما جاءت أم قيس بنت محصن إلى رسول الله بابنٍ لها صغيرٍ لم يأكل الطعام، فحمله رسول الله فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله؛ وتقول أم الفضل -رضي الله عنها-: بال الحسين بن علي -رضي الله عنهما- في حِجر النبي، فقلت: يا رسول الله، أعطني ثوبك والبس ثوبًا غيره حتى أغسله، فقال: "إنما ينضج من بول الذكر، ويُغْسَل من بول الأنثى" رواه الثلاثة.

عباد الله: لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يُلاعب الأطفال، ويمشي خلفهم أمام الناس، وكان يقبلهم ويضاحكهم؛ روى الإمام أحمد وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد عن يعلى بن مرة -رضي الله عنه- قال: خرجت مع النبي وقد دُعينا إلى طعام، فإذا الحسين بن علي يلعب في الطريق، فأسرع النبي أمام القوم ثم بسط يديه ليأخذه، فطفق الغلام يفرّ ها هنا ويفرّ ها هنا، ورسول الله يلحقه يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه ثم اعتنقه ثم أقبل علينا وقال: "حُسَيْنٌ مِنِّي، وأنا مِن حُسَيْنٍ".

ويقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: سمعت أذناي هاتان، وبصرت عيناي هاتان، رسول الله أخذ بيديه جميعًا بكفي الحسن أو الحسين، وقدماه على قدم رسول الله، ورسول الله يقول: "ارْقَهْ ارْقَهْ"، قال: فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله ، ثم قال رسول الله: "افتح فاك"، ثم قبله، ثم قال: "اللهم أحبه فإني أحبّه" رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني في معجمه.

وجاء الأقرع بن حابس إلى رسول الله فرآه يقبّل الحسن بن علي، فقال الأقرع: أتقبّلون صبيانكم؟! فقال رسول الله: "نعم"، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبلت واحدًا منهم قط، فقال له رسول الله: "مَن لا يَرْحَم لا يُرْحَم" متفق عليه.

أيها الناس: لقد بلغ من عناية الرسول بأطفاله أن ألقى لهم باله حتى أثناء تأديته للعبادة، يقول أبو قتادة: "كان رسول الله يصلي وهو حامل أمامة بنت بنته زينب، فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها". "وكان إذا سمع بكاء الصبي وهو في صلاته تجوّز فيها مخالفة الشفقة من أمه" متفق عليهما.

وكان رسول الله يخطب ذات يوم فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق الله ورسوله: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن:15]، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"، ثم أكمل خطبته. رواه أهل السنن.

عباد الله: هذا رسول الله، وهذه معاملته لأطفاله، أترونه يهمل تعليمهم؟! روى البخاري ومسلم أن عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله: "يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك".

ولما أراد الحسين أن يأكل تمرة من تمر الصدقة قال له الرسول: "كخ كخ، أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة؟!".

وروى البخاري أن النبي كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول: "أعيذكما بكلمات الله التامة من كلّ شيطان وهامة، ومن كل عين لامة".

ألا فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه فيما تحت أيديكم وما استرعاكم ، فإنه سائل كل راع عن رعيته. والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه...

أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، واشكروا نعمة الله عليكم بهؤلاء الأولاد الذين جعلهم الله فتنة لكم، فإما قرّة عين في الدنيا والآخرة، وإما حسرة وندم ونكد.

وإنَّ مِن شكر نعمة الله عليكم فيهم أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من رعايتهم وتأديبهم بأحسن الأخلاق والأعمال، وتنشئتهم تنشئة صالحة.

عباد الله: الأطفال هم حياة البيوت، بيت لا أطفال فيه بيت فيه نقص. إنهم -أيها الإخوة-يملؤون البيت إزعاجًا ولكنهم يملؤونه فرحًا وسرورًا، يملؤونه فوضى ولكنهم يملؤونه ضحكًا وابتهاجًا.

سئل غيلان بن سلمة الثقفي: من أحب ولدك إليك؟ فقال: "صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ، وغائبهم حتى يحضر".

عباد الله: شعور يحسّ به الوالد حين يرى صغاره أمامَه، ويتذكّر قول الرسول: "لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرٌّ منه"، ويرى ما هو فيه وما مر به من فتن لا يثبت فيها إلا من عصمه الله، وماذا بعده؟ أو كيف السبيل إلى وقايته مما أمامه؟.

ألا فاعلموا -عباد الله- أن ثمة أمورًا جعلها الله من فِعل الأب وتنفع الابن من بعده، ومن أهمّ هذه الأمور صلاح الوالد في نفسه، فإنه سبب لحفظ الله -عز وجل- لأبنائه من بعده، يقول الله -سبحانه-: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [الكهف:82]، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: حفظهما الله بصلاح والدهما ولم يذكر الله للولدين صلاحًا.

وإن الله بفضله وكرمه إذا أدخل المؤمنين الجنة يلحِق بالآباء أبناءهم وإن كانوا دونهم في العمل، يقول الله -سبحانه-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الطور:21]، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- عند هذه الآية: "إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل كي تقرّ بهم أعينهم"، وجاء في حديث مرسل: "إن الله لَيحفظ المرء المسلم من بعده في ولده وولد ولده وفي داره والدويرات حوله".

عباد الله: لا يغلبنّكم الشيطان على باب آخر مفتوح للمؤمنين وهو دعاء الوالد لولده، فقد صحّ عنه من حديث أبي هريرة أنه قال: "ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهن"، وذكر منهن: "دعوة الوالد لولده".

ولقد كان دأب الأنبياء -عليهم السلام- الدعوة لأبنائهم، يقول إبراهيم: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) [إبراهيم:35]، (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [إبراهيم:40]، وقال هو وولده إسماعيل: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة:128]، وقال زكريا: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران:38].

فاتقوا الله عباد الله، واعملوا صالحًا، وسيروا على النهج، وأصلحوا النشء؛ تسعدوا في حياتكم وبعد وفاتكم.

ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على خير البرية...
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي