ولكن الله تعالى أمَّنَ نبيه عليه الصلاة والسلام في المدينة من شر اليهود والمنافقين، كما حفظه في مكة من شر المشركين، فما احتاج إلى حراسة بعد تأمين الله تعالى له؛ كما روت عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ حتى نَزَلَتْ هذه الْآيَةَ (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)المائدة:67 فَأَخْرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ من الْقُبَّةِ فقال لهم: يا أَيُّهَا الناس، انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي الله)رواه الترمذي وصححه الحاكم.
الحمد لله اللطيف الخبير؛ هدى عباده إلى دينه، ودلَّهم على طريقه، فمنهم من قبل عن الله تعالى هداه فكان من السعداء، ومنهم من استكبر عنه فكان من الأشقياء (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشُّورى:7].
نحمده على وافر نعمه، ونشكره على جزيل عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ حفظ أولياءه من كيد أعدائه، ومكن في الأرض لأهل دينه، وكتب الذل والصغار على المخالفين لأمره (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) [الطًّارق:15-17].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أعلى الله تعالى ذكره في العالمين، وعصمه من اليهود والمشركين والمنافقين، وأظهر دينه على الدين كله وإن رغمت أنوف الكافرين والكارهين، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ) [التوبة:33] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وذبوا عن دينه، وانصروا شريعته، ولا تحيدوا عن صراطه؛ فإن الثبات على الدين في الدنيا سبب للثبات في القبر ويوم النشر (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27].
أيها الناس: من عادة أهل الباطل اجتماعُهم على أهل الحق، وتحالفهم ضدهم، ومنابذتهم بالعداء، ولو اختلفت أديانهم ومذاهبهم ومشاربهم؛ لأن الحق خطر على باطلهم الذي به يستغلون الضعفاء، ويبخسونهم حقوقهم، ويأكلون أموالهم.
وهكذا تحالف المشركون في مكة مع يهود يثرب ومنافقيها ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
وكان اليهود من أخطر الناس في عدائهم للإسلام وأهله؛ لأنهم أهل مكر وخديعة ودهاء؛ ولأنهم أُوتوا كتابا يفاخرون به على الناس، ويجادلونهم به؛ وقد أُعطوا قدرة فائقة على قذف الشبهات ولبس الحق بالباطل، وبذلك عابهم الله تعالى، وأنكره عليهم، ونهاهم عنه (يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [آل عمران:71].
لقد عزم اليهود على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم منذ سمعوا دعوته، وقابلوه إبَّان هجرته، وعلموا وصفه، وأيقنوا صدقه، قال الله تعالى مخبرا عنهم (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة:89].
وروى ابن إسحاق في سيرته عن أم المؤمنين صفيةَ بنتِ حُيَّيِّ بنِ أخطب رضي الله عنها قالت: .... لما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباءً في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيَّيُّ بنُ أخطبَ وعمي أبو ياسرٍ بنُ أخطبَ مغلسين فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالَّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، قالت: فهششتُ إليهما كما كنت أصنع فو الله ما التفت إليَّ واحد منهما مع ما بهما من الغم، قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت.
إنه عزم من كبار اليهود على العداوة والحرب من أول يوم وطئ فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لما عرفوا أنه المبشر به في كتبهم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخشاهم على نفسه، ويخاف من غدرهم، ويحذر خديعتهم، مع أنه كتب كتابا وادعهم فيه، وأبان لهم حقوقهم وواجباتهم كَوْنَهم يشاطرون المسلمين سُكنى المدينة روى الشيخان عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: "سَهِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لَيْلَةً فقال: لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا من أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، قالت: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ فقال: من هذا؟ قال: سَعْدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ، فقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بِكَ؟ قال: وَقَعَ في نَفْسِي خَوْفٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ، فَدَعَا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَامَ" وفي رواية: "فَنَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعتُ غَطِيطَهُ".
ولكن الله تعالى أمَّنَ نبيه عليه الصلاة والسلام في المدينة من شر اليهود والمنافقين، كما حفظه في مكة من شر المشركين، فما احتاج إلى حراسة بعد تأمين الله تعالى له؛ كما روت عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ حتى نَزَلَتْ هذه الْآيَةَ (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة:67] فَأَخْرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ من الْقُبَّةِ فقال لهم: يا أَيُّهَا الناس، انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي الله" رواه الترمذي وصححه الحاكم.
وتعاضد اليهود مع مشركي مكة، ومع منافقي المدينة لإطفاء نور الله تعالى الذي بلَّغه رسوله عليه الصلاة والسلام، وما ترك اليهود سبيلا للنيل من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا سلكوه، ولا حيلةً للصد عن دينه إلا أتوها، ولا شبهةً للتشكيك فيما جاءهم به إلا قذفوا الناس بها، ولكن الله تعالى عصم نبيه من شر اليهود ومكرهم، وحفظ دينه من لبسهم وشكوكهم، وحفظ الصحابة رضي الله عنهم من الاستماع إليهم، والتأثر بأقاويلهم وشبهاتهم.
وكان أكبر شيء اجترأ اليهود عليه محاولةَ قتلهم النبي عليه الصلاة والسلام، وليس ذلك ببعيد عن أخلاقهم فهم قتلةُ الأنبياء بخطاب الله تعالى لهم في قوله سبحانه (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) [البقرة:87].
وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءهم ليستعين بهم على دية قتيلين فأجلسوه في حائط لهم ثم عزموا على قتله، بقذفه برحى عظيمة من فوق الحائط، ولكن الله تعالى عصمه من شرهم، وأحبط سبحانه كيدهم، وأبلغ رسوله بعزمهم ففارق موضعهم، وكان ذلك من أسباب جلائهم عن المدينة المذكور في سورة الحشر.
فلما عجزوا عن قتله سحروه عليه الصلاة والسلام بعد رجوعه من الحديبية على يدِ رجل منهم أظهر الإسلام وأبطن يهوديته فشفاه الله تعالى من سحرهم، وكان ما أصابه من أذاهم رفعةً لدرجاته، والأنبياء عليهم السلام يُبتلون بأعظم ما يبتلى به الناس، قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: "سُحِرَ النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه لَيُخَيَّلُ إليه أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وما فَعَلَهُ حتى إذا كان ذَاتَ يَوْمٍ وهو عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ ثُمَّ قال: أَشَعَرْتِ يا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قد أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فيه؟ قلت: وما ذَاكَ يا رَسُولَ الله؟ قال: جَاءَنِي رَجُلانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ ثُمَّ قال أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ما وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قال: مَطْبُوبٌ، قال: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قال: لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ من بَنِي زُرَيْقٍ، قال: فِيمَا ذَا؟ قال: في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قال: فَأَيْنَ هو؟ قال: في بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ، قال فَذَهَبَ النبي صلى الله عليه وسلم في أُنَاسٍ من أَصْحَابِهِ إلى الْبِئْرِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ثُمَّ رَجَعَ إلى عَائِشَةَ فقال: والله لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رؤوسُ الشَّيَاطِينِ، قلت: يا رَسُولَ الله أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ قال: لا، أَمَّا أنا فَقَدْ عَافَانِيَ الله وَشَفَانِي، وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ على الناس منه شَرًّا، وَأَمَرَ بها فَدُفِنَتْ" متفق عليه.
فلما نجاه الله تعالى من سحرهم حاولوا قتله بالسم في غزوة خيبر كما في حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: "أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ منها فَجِيءَ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهَا عن ذلك فقالت: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ، قال: ما كان الله لِيُسَلِّطَكِ على ذَاك أو قال عَلَيَّ" رواه الشيخان.
وجاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: "لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فيها سُمٌّ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجْمَعُوا إليَّ من كان هَا هُنَا من يَهُودَ فَجُمِعُوا له فقال: إني سَائِلُكُمْ عن شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عنه....فسألهم سؤالين ثُمَّ قال: هل أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عن شَيْءٍ إن سَأَلْتُكُمْ عنه؟ فَقَالُوا: نعم يا أَبَا الْقَاسِمِ، قال: هل جَعَلْتُمْ في هذه الشَّاةِ سُمًّا؟ قالوا: نعم، قال: ما حَمَلَكُمْ على ذلك؟ قالوا: أَرَدْنَا إن كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لم يَضُرَّكَ" رواه البخاري.
وكان من عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام أن السم لم يقتله في الحال، بل مكث بعد أكله أربع سنوات؛ أكمل الله تعالى به الدين، وأتم به النعمة، ثم توفاه إليه بعد أن بلغ رسالات ربه، وامتثل أمر الله تعالى له حين أمره عز وجل بقوله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ) [المائدة:67].
فالحمد لله الذي عصم نبيه صلى الله عليه وسلم من كيد اليهود والمشركين والمنافقين حتى بلغنا دين الله تعالى، وجزاه الله تعالى عنا خير ما جزى نبيا عن أمته. وأقول ما تسمعون وأستغفر الله....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال:1].
أيها المسلمون: كان اليهود معادين للنبي صلى الله عليه وسلم ولدينه ولا يزالون. حاولوا قتله غدرا، فعصمه الله تعالى منهم، وسحروه فشفاه الله تعالى من سحرهم، ووضعوا له السم فأكله فأبقاه الله تعالى ليرى اليهود من كمال دينه ما يسوءهم. وكان موته صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بسمهم حجة له يوم القيامة عليهم، وشهادة له صلى الله عليه وسلم أن يقتله قتلة الأنبياء عليهم السلام، قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه: يا عَائِشَةُ، ما أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الذي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي من ذلك السُّمِّ" رواه البخاري.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الأبهر عرق يكتنف الصلب والقلب متصل به فإذا انقطع فلا حياة لصاحبه.
ولأجل ذلك كان ابن مسعود رضي الله عنه يحلف بالله تعالى أن الله سبحانه قد جمع للرسول صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة، فيقول رضي الله عنه: "لأَنْ أَحْلِفَ بِالله تِسْعاً أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قُتِلَ قَتْلاً أَحَبُّ إليَّ من أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً أَنَّهُ لم يُقْتَلْ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل اتَّخَذَهُ نَبِيًّا وَجَعَلَهُ شَهِيداً" رواه أحمد.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم زرع اليهود الفتنة بين المسلمين، وحاول عبد الله بن سبأ اليهودي أن يقوم في الإسلام بالمهمة التي قام بها في الدين النصراني شاؤول اليهودي حين نقله من التوحيد إلى التثليث، وأدخل فيه من العقائد الفاسدة ما أبطل على النصارى دينهم، فأدخل ابن سبأ على المسلمين المذاهب الباطنية، والغلوَ في عليٍّ رضي الله عنه وآل البيت عامة، ولكن الله تعالى عصم دين محمد صلى الله عليه وسلم من أن يجري عليه ما جرى على النصرانية من التحريف والتغيير والتبديل، فبقي الإسلام هو الإسلام، وإن انحرف عنه كثير من الناس بفعل اليهود ومؤامراتهم وتحريفاتهم، ولن يضروا دين الله تعالى شيئا بل يضرون أنفسهم ومن يتبعهم في ضلالهم وانحرافهم.
وأكثر المذاهب المادية الإلحادية التي أُحدثت في العصور المتأخرة من ماركسية ووجودية وليبرالية وقومية ووطنية وغيرها كان لليهود أيادٍ خبيثة في إنشائها ونشرها في العالم، واجتهدت منظماتهم السرية وجمعياتهم الخبيثة في تعميمها على بلاد المسلمين، وانخدع بها من أبناء المسلمين من ضل عن الصراط المستقيم، وانبرى لها من أهل الإسلام من كشف شرها، وحذَّر من ضررها، وبقي دين الله تعالى الذي بلغه محمد عليه الصلاة والسلام محفوظا من التبديل، معصوما من التحريف، وسيظل كذلك إلى آخر الزمان.
وما طَعْنُ أهلِ الضلال يهودا كانوا أم نصارى أم ملاحدة أم منافقين أم مرتدين في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الدين الذي جاء به، وفي الشريعة التي فرضها، وفي القرآن الذي بلغه، وسخريتهم منه، واستهزاؤهم به، في رسوم أو روايات أو مسلسلات أو مسرحيات أو أفلام أو غيرها إلا امتداد لمحاولات السابقين في النيل من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن دينه ومن أتباعه، وهو نتيجةُ أحقاد امتلأت بها قلوبهم، فنفسوا عنها بطعنهم هذا.
وما ازدياد أعداد الداخلين في الإسلام من غير المسلمين، وعودةُ كثير من المسلمين إلى دينهم رغم حملات التشويه الضخمة الجبارة إعلاميا وسياسيا وثقافيا إلا من عصمة الله تعالى لدين محمد صلى الله عليه وسلم من أن ينال الأعداء منه مرادهم، أو يحققوا فيه مبتغاهم، ولو أنفقوا في سبيله خزائنهم كلها، ولو أعانهم عليه أهل الأرض جميعا.
هذا، ومن بواقع اليهود المعاصرة أن جمعية من جمعياتهم تعتزم محاكمة النبي صلى الله عليه وسلم غيابيا على قتله لبني قريظة، وإجلائه لبقية اليهود من المدينة.
وجمعية أخرى تخطط لمرحلة ما بعد السلام مع العرب؛ للمطالبة بتعويضات عن دماء بني قريظة، وأملاكهم وأملاك بقية اليهود الذين أجلوا بسبب غدرهم وخيانتهم، واليهود من أقدر الناس على ذلك، ومن نظر إلى خضوع العالم الغربي لهم لم يعجب من ذلك، ولا زال الألمان يدفعون أموالا طائلة عما يسمى بمحارق اليهود النازية مع أن الألمان خاصة والأوربيين عامة قد عانوا من الحكم النازي الجائر كما عانى منه اليهود وأكثر، ولكن لا اعتراف إلا باليهود، ولا عزاء إلا لضحاياهم ، في زمن سيطرت القوى الصهيونية على كثير من سياسات الدول والأمم. عصم الله تعالى المسلمين من شرهم، ورد عليهم كيدهم (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلا) [النساء:84].
وصلوا وسلموا على نبيكم ....
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي