ولذلك -أيها المؤمن- إذا دخل الشتاء عليك فلا بد أن يحرك قلبك، وأن يحييك، وأن يزيد إيمانك ويقوي عقيدتك، وأن يذكرك بالله ربك؛ يذكرك بقدرته وقوته ومشيئته ورحمته وإرادته وملكه، يذكرك بآيات الله التي غفل الناس عنها اليوم، حتى بات بعضهم لا يرى في فصل الشتاء سوى أن منسوب الماء يزيد وقوة البرد تشتد، وتَعُمّ السيول، وتكثر الحاجة للمدافي. دون أن ينبض قلب هؤلاء بلحظات تفكر وتأمل إيمانية ..
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد:
أيها المؤمنون: هل ذكر الله الشتاء في القرآن الكريم؟ نعم، ذكر الله الشتاء في كتابه العزيز، في قوله تعالى: (رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) [قريش:2]
أيها المؤمنون: حينما يدخل فصل الشتاء فإنه يدخل حاملا معه نبض الإيمان والعقيدة؟
كيف ذلك؟
حينما يدخل فصل الشتاء هذا يعني أن السماء فوقنا ستتغير، وأن الأرض تحتنا سوف تتجدد، وأن الهواء من حولنا سوف يتموج. والسؤال هو : بقدرة من وقع ذلك؟ ومن الذي أذن بذلك؟ ومن الذي يملك تلك القدرة حتى يفعل ذلك؟ أسألوا أهل الأرض قاطبة، من منكم فعل ذلك؟ اسألوا عظماء الدنيا، من منكم فعل ذلك؟ لن تجد إجابة من أحد مطلقاً. ولن تسمع كلمة أنا من أحد. فالكل هنا يخنس؟ لن تجد جوابا في الأرض ولكنك ستجد الجواب في السماء فقط، ومن رب السماء فقط، ومن القادر المقتدر، الذي أخبر عن قدرته العظيمة حينما قال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ)، وما يجري في السماء والأرض من تغيرات هنا وهناك فهي بأمره سبحانه. فحينما يذهب فصل ويأتي فصل فبإذن الله، وحينما ترتوي أرض وتجف أرض فبأمر الله، وحينما تفتح السماء أبوابها بماء منهمر فبإذن الله، وحينما تمسك السماء ماءها فبإذن الله، فربك هو قيوم السموات والأرض، وهو مالك خزائن السموات والأرض (فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)، فبأمر ربنا سبحانه يأتي الشتاء ويذهب الصيف، وبأمر ربنا سبحانه ينزل القطر من السماء.
ولذلك -أيها المؤمن- إذا دخل الشتاء عليك فلا بد أن يحرك قلبك، وأن يحييك، وأن يزيد إيمانك ويقوي عقيدتك، وأن يذكرك بالله ربك؛ يذكرك بقدرته وقوته ومشيئته ورحمته وإرادته وملكه، يذكرك بآيات الله التي غفل الناس عنها اليوم، حتى بات بعضهم لا يرى في فصل الشتاء سوى أن منسوب الماء يزيد وقوة البرد تشتد، وتَعُمّ السيول، وتكثر الحاجة للمدافي. دون أن ينبض قلب هؤلاء بلحظات تفكر وتأمل إيمانية، يتذكر فيها أن الشتاء هو آية من آيات الله، (إِنَّ فِى السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ لأَيَاتٍ لّلْمُؤْمِنِينَ وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ ءايَاتٌ لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنَزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مَّن رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ ءايَاتٌ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الجاثية:3-5]. فالقرآن يصحح نظرة الناس إلى فصل الشتاء ونزول الغيث، ويعلمهم أنه الشتاء وما فيه: هو آية من آيات الله، فالناس مطلوب منهم أن يصحّحوا نظرتهم لفصل الشتاء، والمؤمن مدعو للتفكر في آيات الله، وما فصل الشتاء إلا آية من آيات الله سبحانه.
أيها المؤمن: في فصل الشتاء نزول للماء.
هذا الماء يذكرك بأسرار الله العظيمة التي أودعها في هذا الكون. فلولا الماء لما استطاع الإنسان العيش على هذه الأرض، فالماء آية ونعمة ومدَد للكائنات كلها، بل هو أصل الحياة والأحياء، قال ربنا الخالق سبحانه: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) أي: أصل كل الأحياء منه. وقد ثبت علميا بتحليل الكائنات الحية المختلفة: أن الماء يكون 80-90 بالمئة من وزنها. والماء نعمة تعم على عالم الإنسان وعالم الحيوان وعالم النبات، القريب من هذه العوالم والبعيد، والظاهر والخفي، قال ربك الخلاق العليم: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) (الفرقان 48-49) . وقال تعالى ممتناً على عباده: (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ) (البقرة 22 ). وقال تعالى داعيا عباده إلى التفكر: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ) (الزمر،21)،وقال كذلك: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) يعني: السحاب. فهذا هو فصل الشتاء يجعلك ترى آية الله ونعمته الكبرى عليك وعلى الكائنات من حولك في الماء الذي ينزله من السماء التي تظلك إلى الأرض التي تقلك.
أيها المؤمن: في فصل الشتاء: البرد، وما أدراك ما البرد؟
إن فصل الشتاء والبرد متلازمان ومترافقان وممتزجان. وما يعنينا أن ندرك بمنظورنا الإيماني، أن البرد آية عجيبة من آيات الله؛ هذا البرد متفاوت في قوته ومختلف في درجاته بين أصقاع العالم، فهناك مناطق يتخلل البرد كل مفاصلها وبواطنها فتصل فيها درجات الحرارة إلى خمسين درجة تحت الصفر وهناك ما هو دون ذلك مما لا يقوى الإنسان على تحمله. فمن أين مصدر كل هذا البرد. هنالك إجابة لا يمكن أن يقدمها لك البشر ولا العلم الحديث، ولكن يقدمها لك الوحي، فكما في الحديث الصحيح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعضاًً فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ. فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ ، فأما نفسها فى الشتاء فزمهرير، وأما نفسها فى الصيف فسَمُوم". والمراد بالزمهرير شدة البرد, ولا إشكال من وجوده في النار ففيها طبقة زمهريرية نسأل الله العافية. ( لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا ولا زَمْهَرِيرًا).
أيها المؤمن: في فصل الشتاء: نزولٌ للغيث وهطولٌ للمطر.
ولكن المؤمن لا بد أن يتفكر في ذلك. فمن أين يأتي هذا الغيث؟ ومن الذي يخلق هذا المطر؟ هذا ما يجيب عليه القرآن الكريم، الذي يقول لك: إن عملية تخليق المطر وتصنيعه تتم هناك في السماء، بدون أي تدخل من الإنسان، تتم بكافة مراحلها: برياحها وغيومها ومائها ونقلها وتراكمها وفرزها وتكاثفها وتجمدها وسيولتها، عشرات العمليات المعقدة تتم هناك في السماء قبل أن تنزل عليك قطرة من الغيث. فمن الذي خلق ذلك كله؟ ومن الذي صنع ذلك كله، ومن الذي أمر بذلك كله، ومن الذي أراد ذلك وشاءه وفعله؟ إنه ربك القادر المقتدر العليم الخبير (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، سبحانه، فعل ذلك كله بإراته المنفردة التي لا يشاركه فيها أحد، تفكر في ذلك-يا عبد الله- وتأمل، لتزداد تعظيما وإجلال لقيوم السموات والأرض سبحانه. فهو القائل عز وجل: (اللَّهُ الَّذِى يُرْسِلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِى السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ) . . .
يخبر سبحانه عن كمال قدرته وتمام نعمته، أنه يرسل الرياح فتثير السحاب فيتمدد في السماء ويتسع على الحالة التي يريدها سبحانه ثم يجعل السحاب كسفاً أي ثخينا قد طبق بعضه على بعض، فترى الودق وهو النقط الصغار المتفرقة تنزل من خلال السحاب، فلو نزل الماء مرة واحدة لأفسد ما وقع عليه. ويقول ابن القيم مظهرا حسن تدبير الله في ذلك: وهو يتحدث عن نزول المطر من السحاب على الأرض: فيرشُ السحاب على الأرض رشاً، ويرسله قطرات منفصلة، لا تختلط قطرة منها بأخرى، ولا يتقدم متأخرها، ولا يتأخر متقدمها، ولا تدرك القطرة صاحبتها فتمتزج بها، بل تنزل كل واحدة في الطريق الذي رسم لها لا تعدل عنه حتى تصيب الأرض قطرة قطرة، قد عينت كل قطرة منها لجزء من الأرض لا تتعداه إلى غيره، فلو اجتمع الخلق كلهم على أن يخلقوا قطرة واحدة أو يحصوا عدد القطر في لحظة واحدة لعجزوا عنه. ثم قال رحمه الله: فتأمل كيف يسوقه سبحانه رزقاً للعباد والدواب والطير والذر والنمل، يسوقه رزقاً للحيوان الفلاني، في الأرض الفلانية، بجانب الجبل الفلاني، فيصل إليه على شدة الحاجة والعطش في وقت كذا وكذا.
أيها المؤمن: في فصل الشتاء: برقٌ. أليس كذلك؟
لا نريد أن نكون كغيرنا ممن فقدوا بوصلة العقيدة الصحيحة فلا يرون في البرق وغيره سوى مظاهر طبيعية لا أكثر ولا أقل. بل المؤمن ينظر إلى البرق بمنظور القرآن الكريم، فاسمع إلى رب السماء سبحانه ماذا يقول لعباده عن هذه الظاهر الكونية: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ) الدالة على عظمته أنه (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ :خَوْفًا وَطَمَعًا) أي: تارة تخافون مما يحدث بعده من أمطار مزعجة، أو صواعق متلفة، وتارة ترجون وَمِيضَه وما يأتي بعده من المطر المحتاج إليه.
وقال سبحانه: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ )، أي: يرسلها- البرق والنار التي تخرج من السحاب- نقمَةً ينتقم بها ممن يشاء ، ولهذا تكثر في آخر الزمان.
عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، حتى يأتي الرجل القوم فيقول: من صعق تلكم الغداة؟ فيقولون صعِق فلان وفلان وفلان".
أيها المؤمن: الشتاء فيه الرعد. أليس كذلك يا عباد الله؟.
ولكن ماذا يقول ربك عن الرعد؟ قال ربنا سبحانه في الرعد: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ)، والرعد هو الصوت الذي يسمع من السحاب المزعج للعباد، فهو خاضع لربه مسبح بحمده، (و) تسبح (الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) أي: خشعا لربهم خائفين من سطوته، فالرعد المخيف لنا هو خلق من خلق الله . . خائف من الله مسبح بعظمة الله.
أيها المؤمنون: الشتاء فيه استذكار لملائكة الله وتفكر بحسن تدبير الله؟
يقول تعالى:( وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا).
قال السعدي قي تفسيره: "أقسم تعالى على البعث والجزاء بالأعمال، بالمرسلات عرفا، وهي الملائكة التي يرسلها الله تعالى بشئونه القدرية وتدبير العالم، وبشئونه الشرعية ووحيه إلى رسله. و(عُرْفًا) حال من المرسلات أي: أرسلت بالعرف والحكمة والمصلحة، لا بالنكر والعبث. (فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا) وهي -أيضا- الملائكة التي يرسلها الله تعالى وصفها بالمبادرة لأمره، وسرعة تنفيذ أوامره، كالريح العاصف، أو: أن العاصفات، الرياح الشديدة، التي يسرع هبوبها. (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) يحتمل أنها الملائكة، تنشر ما دبرت على نشره، أو أنها السحاب التي ينشر بها الله الأرض، فيحييها بعد موتها". يقول ابن كثير: ميكائيل موكل بالقطر والنبات وله أعوان يفعلون ما يأمرهم بأمر ربه يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب جل جلاله وقد أخرج أحمد والترمذي وصححه، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. قال عليه الصلاة والسلام : "ملك من ملائكة الله تعالى موكل بالسحاب بيديه مخراق، يزجر به السحاب يسوق حيث أمره الله تعالى " .
يا أيها الإنسان: الشتاء يذكر بيوم البعث.
نعم، يذكرك بتلك الحقيقة التي لا بد أن تواقعها وأن تعيشها، وأن تكون جزءا منها، فمن آيات الله في إنزال المطر إحياؤه للأرض بعد موتها، فأنت ترى الأرضَ قاحلة يابسة، وبينما هي كذلك تشكو جفافها، وإذا بالمطر ينزل، فإذا بها تهتز خضراء يافعة، كما قال ربك تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فصلت:39].
قال ابن كثير: "قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ) أي: على قدرته على إعادة الموتى (أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً) أي: هامدة لا نبات فيها، بل هي ميتة (فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) أي: أخرجت من جميل ألوان الزروع والثمار، وقال السعدي: " (إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا) بعد موتها وهمودها، (لَمُحْيِي الْمَوْتَى) من قبورهم إلى يوم بعثهم، ونشورهم (إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فكما لم تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها، لا تعجز عن إحياء الموتى". وقال تعالى: (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) [الزخرف:11]
أقول قولي هذا وأستغفر الله
الحمد لله رب العالمين. . . والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
عباد الله: في فصل الشتاء ازدياد وازدياد من القربات لله تعالى.
نعم -يا عبد الله- يا أيها المؤمن الكيس الفطن، يا من تعجل إلى ربك ليرضى عنك فصل الشتاء غنيمة وقتية نفيسة يستغلها العبد المؤمن ليكثر فيها من القربات لله تعالى وليزداد فيها من فعل الطاعات، اقتداء منه بسلفنا الصالح. وفي سنن الترمذي وصححه الألباني، عن عامر بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء".
وهكذا فقه السلف الصالح مواسم الكون وأزمان الفصول، فكان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: "ألا أدلكم على الغنيمة الباردة" قالوا: بلى, فيقول: "الصيام في الشتاء وقيام ليل الشتاء". وكان ابن مسعود يقول: "مرحبًا بالشتاء، تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام".
وكان عبيد بن عمير يقول -إذا جاء الشتاء-: "يا أهل القرآن، طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوا، وقصر نهاركم لصيامكم فصوموا".
وعن الحسن قال: "ونعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه".
قال ابن رجب رحمه الله : "قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف ولهذا بكى معاذ عند موته، وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركاب عند حلق الذكر".
وفي الشتاء البارد يضاعف لك أجرك على تلك العبادات الشاقة في البرد الشديد؛ ففي حديث أبي هريرة كما في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط". وإسباغ الوضوء على المكاره أن تسبغ وضوءك في شدة البرد. فلك الحمد يا ربنا على كرمك العظيم وعطائك الجزيل.
عباد الله: حتى يكتمل موقف العبد المؤمن من فصل الشتاء وما فيه، وحتى نكون لرسولنا صلى الله عليه وسلم أتبع، ولله أقرب، لا بد لنا جميعا من أن نعمل بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم الذي جاء عنه في الشتاء وتوابعه، فمن فضل الله علينا كمال ديننا وكمال هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، ولذلك دعونا نستذكر طائفة من السنن النبوية التي نحييها في حياتنا في فصل الشتاء ونتعبد الله تعالى بها.
فماذا يقول العبد المؤمن إذا هاجت الريح. عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح -اشتد هبوبها- قال : "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به".
ومن السنة عند نزول المطر: التعرض له؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ثوبه حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه تعالى" رواه مسلم. ومعنى حسر كشف أي كشف بعض بدنه. ومعنى حديث عهد بربه أي بتكوين ربه إياه، ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها.
وفي هذا الحديث دليل أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر. ويقول المؤمن أثناء نزول المطر كما في الحديث الصحيح: "اللهم صيبا نافعا" منهمرا متدفقا كثيرا ونافعا. ويقول المؤمن بعد نزول المطر -كما في الحديث الصحيح- "مطرنا بفضل الله ورحمته".
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا يا رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي