ولكن؛ لِيَعْلَمَ العالمُ كلُّه أن الله -سبحانه و تعالى- فوق كل شيء، الله فوق الطائرات الحربية و الأقمار الصناعية، الله أقوى من القنابل الذرية، الله أكبر من أي عدو، الأمر بيده وحده، والنصر من عنده دون غيره، و هو الذي ينصر عباده -كما وعدهم- إذا آمنوا به واتبعوا أمره.
الحمد لله مُزيل الكربات، وفارج الملمات، ومنفِّس الشدائد والمصيبات؛ والصلاة والسلام على هادي البرية، وأزكى البشرية، بلغ الرسالة...
أما بعد: فإن الناظر في مجريات الأحداث، وما يدور في الساحة اليوم، يجد أن الأمر خطير، والخطب جسيم، فعندما أعلن الرئيس الأمريكي على الملأ أنه سيجعلها حرباً صليبية، ها هو الآن يكشِّر عن أنيابه، ويظهر ما كان يُخفيه من أحقاده.
ووالله! لا تجد تفسيراً لهذا الموقف أصدق مما نطق به المعصوم -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "يُوشِكُ أن تَداعَى عليكُم الأممُ كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقيل له: ومِن قِلَّةٍ نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولَينزعَنَّ اللهُ من صدور عدوِّكم المهابة منكم، ولَيَقْذِفَنَّ في قلوبكم الوهن"، فقالوا: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حبُّ الدنيا، وكراهية الموت".
هاهم اللئام، أدعياء السلام، يستبيحون بلاد الإسلام، ويلقون على رؤوس إخواننا القنابل والصواريخ، في حرب صليبية جديدة، وتحَدٍّ صارخٍ لهذه الأمة وأبنائها. فيا لله! كم من امرأة مسلمة قد ضمت حولها أطفالها، وقد أطلقت صافرات الإنذار، لا تدري أين تذهب، ترمق السقف بعينيها، أتراها تنجو، أم يخر السقف عليها وعلى أبنائها؟! قد أصابها الخوف والهلع، وهي تتذكر أختاً لها في أفغانستان دُفِنَتْ مع أطفالها وهم أحياء بعد سيل وابل، من الصواريخ والقنابل. فاللهمَّ إليك الـــمُشتَكَى، وأنت الـمُـلْتَجا، وأنت المستعان، وعليك التكلان.
دماء المسلمين غاليةٌ، حرمة المسلم والمسلمة أعظم عند الله من حرمة الكعبة، بل هي أعظم من زوال الدنيا بأسرها، كما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- عند ابن ماجه أنه قال: "لَزَوالُ الدنيا أهْوَنُ على الله مِن قتل مؤمنٍ بغير حق".
وقد يتساءل المرء في ظل الظروف الصعبة، والمواقف الحرجة، ماذا يفعل؟ ما هو دوره في هذه النازلة؟ وهل بمقدوره أن يدفع البلاء، أم يكتفي بالتفرج على مسرح الأحداث؟ إن من المحزن حقاً أن ترى بعض إخواننا وشبابنا ممَّن تعلقت قلوبهم بالمباريات، والأغاني والتمثيليات، وكأنما هم يعيشون على هامش التاريخ!.
لقد آن الأوان للعمل، العمل الذي يريده الله منا في مثل هذه الظروف، لا نريد أمة تتكلم و لا تفعل، لا نريد أن نكون أُمة لا تعرف سوى الشجب والاستنكار، كما قال أحد أعدائنا من اليهود حينما استنكر العرب بعض تصرفاته، قال: دعوهم، فإنهم سوف يتكلمون قليلاً، ثم يتعبون من الكلام فيسكتون.
نريد من كُلِّ واحدٍ مِنَّا أن يستشعر أنه مُطالَب بنصرة هذه الأمة، وإعلاء هذا الدين؛ ولهذا أذكر نفسي وإخواني ببعض ما يتوجب علينا في هذه الأزمة:
أولا: التوبةُ والرجوعُ إلى الله تعالى، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة؛ قال الله تعالى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس:98].
يقول قتادة -رحمه الله- في هذه الآية: لم ينفع قريةً كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب فتُركت إلا قومَ يونس لما فقدوا نبيهم، وظنوا أن العذاب قد دنا منهم؛ قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، وألهوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم.
فهل من توبة صادقة؟ هل من رجعة إلى الكريم الوهاب، الرحيم التواب، ليدفع عنا العذاب؟ فيتوبُ أصحاب الربا من الربا، وأصحاب الغناء من الغناء، ومَن فرطوا في صلاتهم إلى صلاتهم، والمرأة تتوب من تقصيرها في تفريطها في جنب الله؟ كلنا يتوب من ذنبه، ويعود إلى رشده، ويكثر من الاستغفار.
ثانيا: كثرة الأعمال الصالحة: يقول الله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلَاةِ) [البقرة:45]، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر صلَّى، رواه أحمد، ويقول -صلى الله عليه وسلم-:" العبادة في الهرج -أي في الفِتن- كهجرة إليَّ".
وإن من المؤسف أن ترى بعض الناس ينشغلون في هذه الأحداث بمتابعة القنوات الفضائية والإذاعات العالمية ويكون هم الواحد: منهم ماذا حدث؟ وماذا جرى؟ ويتخلف عن الصلاة، وينصرف عن الذكر وطاعة الله.
ثالثاً: الإكثار من الصدقة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الصدقة لَتطفئُ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء" رواه الترمذي، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أكثِروا الصدقة في السر والعلانية تُرزقوا وتنصروا وتجبروا" رواه ابن ماجه وغيره. فأين المستغفرين بالأسحار؟ أين المنفقين في الليل والنهار؟ فلا تتردد -أخي- في البذل والعطاء لإخوانك المحتاجين والمجاهدين، فالوقوف معهم من أوجب الواجبات، وأهم المهمات.
رابعاً: السلاح المعطل، الذي هو أشد فتكاً من القنابل الذرية، والصواريخ البالستية، سلاح لا تقوم دونه أي قوة على وجه الأرض: الدعاء. فكم دمر الله به من أقوام، وكم نجى الله به من فئام، يقول الله تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) [الفرقان:77] أي لولا دعاؤكم إياه عند الشدائد والكروب لهلكتم. فأين القلوب الخاشعة؟ أين العيون الباكية؟ أين الدعوات الصادقة؟ هل عدمت هذه الأمة مَن لو أقسم على الله لأبره؟.
إخوة الإيمان: إن من حق إخوانكم عليكم نصرتهم بالتضرع إلى الله، والدعاء والإلحاح عليه، والتذلل بين يديه، وسؤاله لإخوانكم النصر والثبات والتمكين، فرُبَّ دعوة صادقة خرجت من قلبٍ مؤمن، في ظلمة الليل، يُدمّر الله -سبحانه وتعالى- بسببها جحافل الكفر والنفاق، ويمزق شملهم قبل أن يرتد إليهم طرفهم.
فاللهَ اللهَ إخوة الإيمان! الله الله في الدعاء لإخوانكم! الدعاءَ الدعاءَ! فإن الله قريب مجيب: (وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186]. وتحروا الدعاء، في القنوت، وفي أوقات الإجابة، وألحوا على الله، فإنه سبحانه أكرمُ من أن يردّ سائلاً.
خامساً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117]، ولم يقل: صالحون؛ فهم يدعون الناس إلى الهدى، وينهون عن الفساد والردى، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده" صححه الألباني.
سادساً: اجتناب الظلم: وهو التعدي على الناس في دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم بغير حق، فإن الظلم سبب الهلاك، كما قال تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف:59].
وهذا الظلم له صور عديده، فمن تلك الصورِ ظلمُ العمالة، وعدم تسليم الرواتب لهم، أو تحميلهم ما لا يستطيعون؛ ومنه ظلم الناس بالغيبة والنميمة والبهتان، وظلم الناس بأكل أموالهم من رشوة وغصب وغش ونحوها، وظلم الناس في قطيعة الرحم، ظلم الناس لزوجاتهم، ظلم الأولاد وعدم النصح لهم بإحضار أجهزة الفساد لهم.
سابعاً: الالتفاف حول العلماء الربانيين، والأئمة المهديين، الأتقياء الصالحين، فإن الالتفاف حولهم يعد سبيلا مهما للنجاة من الفتن، كما أعز الله دينه بالصديق -رضي الله عنه- يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة.
وعلى العلماء وطلاب العلم أن يتقوا الله تعالى في الأمة، وأن يقولوا كلمة الحق، ظاهرة بلا خفاء، بينة بلا غموض.
ثامناً: التوكل على الله تعالى، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3]؛ وأنْ يتيقَّن العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه،كما قال المعلم الأول -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام، وجفَّت الصحف" رواه أحمد والترمذي وصححه.
فأعدّوا، وتوكلوا، وإياكم والتعلقَ بالأسباب دون المسبِّب! أو التعلُّقَ بالمُسبِّب وإهمال الأسباب! والله تعالى تكفل بالدفاع عن المؤمنين إذا هم امتثلوا أمره، فقال -سبحانه-: (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج:38]، فمَن يغالب قوماً يدافع عنهم العزيز الجبار؟ وأي قوة في الأرض توازي قوة الواحد القهار؟.
تاسعاً: التبشير والتفاؤل: إن هذا الدين منصور، وإن نصر الله قريب، وعلى الإنسان أن يبشِّر غيره ويتفاءل، خاصة في وقت الأزمات والمــُلِمَّات؛ لأن النفوس بأمَسِّ الحاجة إلى التفاؤل الذي يدفعها إلى العمل. لا تقل: هلك المؤمنون، بل قل: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المـُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [يوسف:18].
وهكذا كان هديه -صلى الله عليه وسلم-، ها هو في أحلك الظروف، ومنتهى القلق والخوف، يحفر الخندق هو وأصحابه، حتى إذ واجهتم صخرة شقت عليهم أخذ -صلى الله عليه وسلم- المعول فيفتتها بضربة واحدة، فينبعث منها النور، وإذ به يبشر أصحابه بفتح مدائن كسرى وقصور قيصر!.
قدَرُ الله نافذ، وحُكمه واقع، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216]. وأُمتنا اليوم مهزومة هزيمة نفسية، قبل أن تكون مهزومة هزيمة اقتصادية أو عسكرية.
ولكن؛ ليعلم العالمُ كله أن الله -سبحانه و تعالى- فوق كل شيء، الله فوق الطائرات الحربية و الأقمار الصناعية؛ الله أقوى من القنابل الذرية، الله أكبر من أي عدو، الأمر بيده وحده، والنصر من عنده دون غيره، و هو الذي ينصر عباده -كما وعدهم- إذا آمنوا به واتبعوا أمره.
ثم إن على أجهزة الإعلام أن تبث مثل هذه الروح في نفوس أبناء الأُمة و شبابها، وعندها لن تخيفنا الدعايات و الإعلانات التي يعلنها العدو عن قدرته العسكرية و الاقتصادية: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139].
وأخيرا، (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]؛ فإذا غيرنا ما بأنفسنا من المعاصي والذنوب، وانتقلنا إلى فعل الطاعات، والمسابقات إلى الخيرات، غيَّر الله علينا ما كان فينا من الشقاء إلى الخير والهناء.
إنها دعوة صادقة من محب لأحبابه، ومن أخ في الله لإخوانه، أناشدكم فيها بالمسارعة إلى التغيير، قبل أن تسكب العبرات، وترتفع الآهات، وتحل الأحزان، وتكثر الأشجان، ويفرح الأعداء، ويحزن الأصدقاء، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
أيها المؤمنون، إني داع فأمنوا بقلوب صادقة مؤمنة: اللَهُمَّ أنْتَ عَضُدنا وَنَصيرنا، بِكَ نحُولُ وَبِكَ نَصُولُ، وَبِكَ نُقاتِلُ، اللَّهُمَّ إنا ننْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ أنْجِزْ لنا ما وَعَدْتَنا.
اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحابِ، وَهازِم الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ، اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ، اللَّهُمَّ أنْتَ رَبُّنا وَرَبُّهُمْ، وَقُلُوبُنا وَقُلُوبُهُمْ بِيَدِكَ، وإنَّمَا يَغْلِبُهُمْ أنْتَ، اللهم أرنا ما وعدتنا في أعدائنا، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ على عبادك المؤمنين، اللهم أمدَّهم بجند من جندك، وروح من عندك، يا مَن لا يُهزَم جنده.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي