الثقافة عند هؤلاء أن تتناول قلماً وتكتب مقالة، ليس من شروطه الإنصاف والموضوعية، وليس من شروطه القوة والجدية، وليس من شروطها حسن العرض وسلامة الأفكار، وليس من شروطه الجِدةُ وروعةُ الابتكار؛ كل ذلك لا قيمةَ له ولا وزن، بل يكفي أن تهجو من خلالِه المقبلين على الله الملتزمين بشرع الله, وأن تحشر فيها عدة مصطلحات معروفة تكررها بين كل سطر والذي يليه، ففي السطر الأول مصطلح الظلاميين، وفي السطر الثاني مصطلح القرون الوسطى، وفي السطر الثالث مصطلح الماضوي ..
الحمد لله العليّ الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك شهادة أدخرها لليوم الأعظم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأكرم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه واتباعه وعلى كل من أمَّن وأسلم وسلَّم تسليما.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا ربَّكُمْ وقولوا قولا سديدا.
في زمن الوهن، ومع اقتراب آخر الزمن، ومع دنو الهمم وسفالات الاهتمامات، يخون الأمين ويؤتمن الخائن، وينطق الرويبضة، ويلبس الباطل لباس الحق، وتسمى الأشياء بغير مسمياتها، فالخمر شرابه حل، والربا فوائد، والدفاع عن الحرمات والأعراض والحقوق يسمى إرهاباً!.
ومن هذا الباب تسمى مزامير الشيطان فناً، وقلة الأدب أدباً، كما سمي الهتاف والسطحية والسخافة إبداعاً وثقافة!.
فالثقافة مصطلح معاصر لم يكن معروفا عند سلفنا، وتطلق على مجموعة من القيم والأفكار والمفاهيم والتطلعات وقواعد السلوك التي يؤمن بها المجتمع وتحدد مساره ومواقفه، وبالتالي فإن المثقف هو ذلك الإنسان الذي يستوعب ثقافة مجتمعه بدرجة من الوعي وتحمل المسئولية.
وإذا كان من معاني الثقافة التأديب والاستقامة وعدم الاعوجاج والانحراف عن كافة الصفات؛ فإن هذه الصفات السامية والمزايا النبيلة تجعل من اللازم في المثقف أن يكون مهذبا ومستقيما وساميا بروحه، ومحبا للخير، ومخلصا في عمله، وصاحبَ ضمير يقِظ، محبا للعلم والمعرفة، ساعيا لزيادة معلوماته وتوسيع أفق التفكير لديه.
الإنسان المثقف هو الإنسان المستقيم السائر على طريق الثواب، ولكي يدرك الإنسان هذا الطريق فلابد أن يؤمن بالمثل العليا نحو أمته ومجتمعه.
المثقف هو كل صاحب ضمير يقظ لا يقبل الهوان، ولا يقبل بأي ظلم يقع عليه أو على أبناء أمته؛ المثقف هو المهذب المستقيم الذي يجعل ضميره رائده ودينه، وعقله قائده، ومعاملة الناس بالحسنى شعاره.
لقد ابتليت الأمة الإسلامية في عصورها المتأخرة بجملة من الابتلاءات وسلسلة من التحديات التي تستهدف النيل من عقيدة الأمة وأخلاقها وقيمها ومبادئها، وكان مما ابتليت به طائفة من أبنائها تدنست خطاباتهم، وساءت مقاصدهم، وماتت ضمائرهم، تلك الطائفةُ البغيضةُ، متخبطة في عقائدها، متضاربة في ولاءاتها، حائرة في توجهاتها!.
إنَّهم طُغامٌ من البشر، يُكثرون الدندنةَ حول مصطلح الثقافة، ويُسمون أنفسهم بالمثقفين، ويُطيلون الجدل والفلسفةَ عبر المقروءِ والمرئي والمسموع من الوسائل الحديثة؛ لسوق الناس إلى متاهاتٍ من العقائدِ والأفكارِ, وسراديب مظلمةٍ منتنة من الأخلاق والسلوك!.
وتلمسُ روح التعالي ومنطق الاستعلاء ظاهرين بوضوحٍ في كل ما يتناوله أولئك البائسون، وإن المرءَ يتساءلُ: أيُّ ثقافةٍ تلك التي يفاخرون بها، ويشمخون بأنوفهم من أجلها؟ وعلى أي شيءٍ تثقفوا؟ ومن هم أساتذتهم المثقِّفون لهم؟!.
ولا يمضي طويل وقت، إلاَّ وتتكشف لك حقائق الأمور، ويفتضحُ أولئك الدجاجلة؛ لتجد ثقافتهم لا تعدو كونها ثقافةً وافدة شرقيةً إلحادية تارة، وغريبة انحلالية تارة أخرى!.
فليتَهم تثقفوا بما عند أسيادهم من علومٍ وثقافاتٍ مفيدة، كعلومهم في الطب والهندسة والزراعة والصناعة! لكن؛ يا لخيبتهم! فإنهم رضوا بزبالات الأفكار، ورديء السلوك والأفكار.
الثقافة عند هؤلاء أن تتناول قلماً وتكتب مقالة، ليس من شروطه الإنصاف والموضوعية، وليس من شروطه القوة والجدية، وليس من شروطها حسن العرض وسلامة الأفكار، وليس من شروطه الجِدةُ وروعةُ الابتكار؛ كل ذلك لا قيمةَ له ولا وزن، بل يكفي أن تهجو من خلالِه المقبلين على الله الملتزمين بشرع الله, وأن تحشر فيها عدة مصطلحات معروفة تكررها بين كل سطر والذي يليه، ففي السطر الأول مصطلح الظلاميين، وفي السطر الثاني مصطلح القرون الوسطى، وفي السطر الثالث مصطلح الماضوي، وغيرها من الشنشنة التي نعرفها من أقدم!.
وحتى تتبوأ منزلةً أعلى في سُلم المثقفين يحسن أن تحفظ قاموساً من الشتائم تسبُّ من خلالهِ في كل مناسبة ملتزما شريفا, وتسخرُ من كل ذي خلقٍ عفيف!.
ويجبُ أن يعلو صوتك, ويرتفع صراخك, وتملأُ الدنيا ضجيجاً وأنت تنادي بالتقدمية، وتنادي بالمدنية، وتنادي بالتبعية، وتنادي بمحاكاة الكفار في عقائدهم الوثنية، وفي أخلاقهم السافلة، وفي سلوكياتهم المنحرفة، وفي مناهجهم البائسة، وفي فلسفاتهم المتخلفة، وفي معاملاتهم الجافة، في ظلمهم، في بغيهم، في عدوانهم، في فجورهم، في انحلالهم في تهكمهم!.
هذا أحد أدعيائهم يقول: إنَّ الحضارةَ الأوربيةَ حضارةٌ مطلقة، يعني أنَّها قابلةٌ للتطبيق في كلِّ زمانٍ ومكان، بينما الحضاراتُ السابقة -ومنها الإسلامية- تاريخيةً نسبيةً.
ويقول داعٍ لهم آخَرُ: من المستحيل أن نقبل تقنيات الغرب، ونرفض في الوقت نفسه فلسفاته وثقافاته!.
هذه ثقافتهم، وذلك إفكهم! ولكي تكون مثقفا أكثر وأكثر فلابد أن تكون ممن يقيم كثيرا في بلاد الكفار، ويسيح في أرجائها، ويساير عادات أهلها وأخلاقها، وحتى تكتسب مزيدا من الوجاهة بين الناس لابد أن تحشر في ثنايا حديثك ألفاظاً أجنبية، ومصطلحات وحشية.
ولكي تكون مثقفا بارعا عند هؤلاء فاكتب رواية ولو كانت ساذجة في مضمونها،سخيفة في شكلها، رقيقة في أسلوبها لكن مدارها على الجنس والغرام وأفكارها تدور حول السفالة وقلة الحياء .
يكفي عند هؤلاء لترتقي سلم الثقافة التافهة أن تكتب مقالا تتهجم فيه على الهيئات، أو تسخر فيه من داعية من الدعاة، أو تثني على ساقطة من الساقطات، ألا ساء ما يذرون!.
الثقافة عند هؤلاء أن تظهر مع امرأة، وأن تحارب قرارها في بيتها، داعيا إلى رفع الحجر عنها، ومنحها حق الاختلاط، ومحاكاة الرجال، مع خضوع قول وليِّن كلام يهدم كل معالم الحياة؛ الثقافة عندهم هي الاختلاط والتبرج والسفور وقلة الحياء وانعدام الغيرة وتبلد الإحساس والتبعية لأعداء الله في الأفكار والسلوكيات.
المثقف عندهم هو من يتبنى فكرا منحرفا يصادم شريعة الله ويتعرض لثوابت الأمة، ولو كتابته كانت خالية من كل أدب وذوق، مجردة من كل صور الجمال والإبداع.
لم تعد الثقافة علوماً ومعارف وخبرات وتجارب، ولم تعد عندنا حضارة وتقدما وآداباً وأخلاقا؛ لكن باتت الثقافة عندنا: صوت غناء، ورسوم لذوات الأرواح، وطرح مصادم، وفكر متحجر، ومطالبات بصالات السينما، ولقاءات مختلفة، وجرأة على محارم الله، وسخرية من معالم الشريعة وآدابها. هذه هي ثقافتهم الذي يزعمون، ومن خلالها يتجمعون، وعلى ضوئها يحددون ويختارون.
لقد أصبحت ثقافتنا مشوهة بفعل أولئك المتعالمين المتفيهقين الذين تطفح الصحف والمنتديات بكتاباتهم وإنتاجهم الرديء، عبر أكوام هائلة من الكتابات التي لا تستطيع أن تساير كثرتها إلا بلمحات خاطفة.
إن هناك في مجتمعنا نفساً أدبية طيبة، طيبة اللغة، سليمة الفكر، راجحة الوعي، زكية، بليغة اللسان، تلامس عقل المتلقين بكل أدب وتهذيب.
إن ما نشهده ما بين حين وحين من مؤتمرات تحمل اسم الثقافة والمثقفين -وهي منها ومنهم براء- وما نشهده من ابتزازٍ لَهُو داء فتاك يقصد الشرف والعفة، وينشر الفضيحة المقننة عبر مقالات تدعو لأن تتجرد المرأة من حيائها وعفتها.
الحاسة الأخلاقية لدى أدعياء الثقافة مصابة بالشلل الكامل، وسر بلادة الإحساس بالمسؤولية التي جبلوا عليها ناتج عن هوس في التصور، وسوء المعتقد، والخلل في التفكير؛ فهؤلاء المتنطعون عاجزون عن إدراك وفهم حقيقة باطنهم، وزيف منهجهم، وانحراف سلوكهم.
والعجيب في أمرهم والغريب في شأنهم أنهم يتناسون حجم المخاطر التي قد يعرِّضون لها أمن الوطن وسلامته؛ بسبب ضيق الأفق، وانطماس الخلق، والغفلة عن الحق، والانحراف عن كافة الصواب، واتباع هوى النفس، والاستسلام لزيغ الشيطان.
لقد ركب مثقفو التسويق موج استجلاب المقولات، واللهاث خلف منتجات الغرب، دون بذل أدنى عناء لتفهم غاياتها المتسترة، ودلالاتها المخبوءة.
إن ثقافتنا تواجه تحديات، أخطرها تلك التي يمثلها سفراء الغرب من أبنائها، فلندعو إلى إغلاق حوانيتهم، وإسكات أبواقهم، وبالتالي التأسيس لثقافة الحوار، ومقارعة الحجة بالحجة، وتعرية الداخل والدخيل.
أعتقد أن هذه الانبهارية وهؤلاء الانبهاريون هم الذين استجلبوا الغرب ذات يوم كاستعمار على الأرض، وهم الذين سيجلبونه اليوم كاستعمار على الثقافة والأخلاق والقيم.
وما أصدق قول الشاعر عن هؤلاء الأدعياء:
وجوهكم أقنعة بالغة المرونهْ
طلاؤها حصافة، وقعرها رعونه
صفق إبليس لها مندهشا، وباعكم فنونه
وقال : إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإذا أدركنا -يا مسلمين- ما عليه أدعياء الثقافة اليوم، وأن ثقافتهم التافهة دوافعها أهداف غربية، وركائزها ضعف في البصيرة، وهوس في العقل، وتبلد في الشعور، وعناصرها تنكُّر للإسلام، وحقد على حملته، وهجوم على شرعيته.
فنحن -أتباعَ محمد، صلى الله عليه وسلم- ثقافتنا قرآن وسنة، ثقافتنا قال الله ورسوله، ثقافتنا عنوانها: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85]، وشعارها: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36].
المثقف الحقيقي هو من جعل الإسلام شعاره، والعزة بدين الله جداره، والولاء لله ولرسوله والمؤمنين عقيدته وأفكاره.
المثقف عندنا هو من يحمل هم الأمة، ويدافع عن أعراضها، ويسعى للحفاظ على وحدتها وصالحها وأمنها.
الثقافة الحقة لم تصنع في دار الندوة حيث متانة البناء، وسعة المكان، وصفوة المجتمعين؛ وحيث يمكر الماكرون -والله خير الماكرين-؛ وإنما صنعت في دار الأرقم بن الأرقم حيث بساطة المكان، ورواده المستضعفون؛ لكن كان النور يشع في أرجائها، وكانت الهداية تنطلق من بين جنباتها، حيث كان رائد هذه الثقافة من لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم-.
ثقافتنا المميزة ربانية المصدر، أصيلة ثابتة، واقعية، مرنة، شاملة، متصلة لا ينفصل فيها القول عن العمل.
ثقاتنا ملةٌ إبراهيمية, وشريعةٌ محمدية , ثقاتنا أن وراء الحياة موتاً , وأن وراء الموت قبراً , وإن وراء القبر بعثاً, وأن وراء البعث حساباً, وأن وراء الحساب جنة أو ناراً , وأن في الجنة نعيماً وحوراً، وأن في النار جحيماً وثبوراً .
ثقافتنا عميقة الأصول، ثقافتنا ضاربة الجذور، ثقافتنا ممتدة الجوانب، ثقافتنا مشرقة الأنحاء، ثقافتنا تفسير وحديث, ثقافتنا فقهٌ ولغة، ثقافتنا تاريخٌ وأدب، ثقافتنا علومٌ نافعة, ومعارف جامعة.
مثقفونا علماء ودعاة، خطباء وأدباء، فصحاء وبلغاء، مناضلون ومجاهدون، سياسيون واقتصاديون، اجتماعيون وتربويون، فهل يسمع أولئك الأفاكون هذا الكلام؟!.
ثقافتنا تصنع في المساجد والحلقات، وتبني في المدارس والجامعات، على هدي من شريعة رب الأرض والسماوات.
ثقافتنا يرسمها المبدعون من الأطباء والمهندسين، ويصدرها حماة الدين والديار والأعراض في الثغور والخنادق، لا أولئك الذين يمارسون الغزل والسفور وقلة الأدب في صالات الفنادق.
إن الثقافة التي ينتظرها المجتمع هي التي تصعد به الدرجات، وتنقيه من شوائبه، وتضفي عليه المحاسن وتعالجه، لا التي تطالب بأن تقيم على أرضه ساحات الخنا والفساد!.
إن الثقافة التي ننتظرها كلنا هي التي تسعى لطرد الرذيلة بكل مسمياتها ومعتقداتها وتلميحاتها؛ بل تسعى لرفعة الفضيلة والشرف، والتخلي عن كل ما يخدش المروءة، ويدنس المعاني السامية الإنسانية التي جاء بها النور.
إن المثقف المضيء هو الذي يشعل الحياة بأحرفه، ويعيد للنفس توازنها واستقرارها، ويكون عاملاً مساعداً لنهضة أمته في شتى فروعها؛ والمثقف المظلم هو الذي يعمل على إخماد حركة المثقف المضيء.
لينظر كل مثقفٍ: ماذا تريد الساحة؟ وما الذي ينقصها؟ ولينطلق إلى الميدان، ويكتب؛ لتُقارِن محتوياته الثريّا لا الثرى.
إنك لتعجب من أولئك الأدعياء، كيف أنه حينما نبأنا الله من أخبارهم وكشف أسرارهم على من يملك غيرة صادقة على الدين والوطن والحرمات ثارت ثائرتهم، وكشفوا عن سفالة أخلاقهم في التعامل مع من خالفهم، ونادوا بحسن الظن، وباتوا يذكرون بالله، ويخوفون به، وهم الذين تلوثت أقلامهم بكل رديء من القول إن لم يتوبوا إلى الله، وتدنست سيرتهم بكل خزي إن لم يتوبوا إلى الله.
يا هؤلاء! إن أعظم رجل عرفته البشرية يقف مع امرأة من أطهر نساء عرفتهم البشرية في أطهر بقعة وأطهر زمن وأطهر جيل، ومع هذا يقول: "على رسلكم! إنها صفية"؛ ورجال ونساء يذهبون إلى أقذر المذاهب الفكرية، وفي أعفن التجمعات الإنسانية وأكثرها تذبلا، ومع هذا يطالبون بحسن الظن! فسبحان الله عما يفترون!.
وختاما: يا مسلمون، إننا لندرك أن القوم غالبيتهم لا يملكون من مقومات الثقافة الأصيلة فتيلا ولا قطميرا، وليسو بآباء للثقافة ولا أبناء ولا عم ولا خال، ولكنهم قوم تسلقوا جدار الشهرة على سلم الهجوم على الثوابت والقيم، ويريدون أن تميل الأمة ميلا عظيما.
إن علينا أن ندرك الخطر الذي تتعرض له أمتنا على يد هؤلاء تحت غطاء الثقافة والمثقفين، وإن من واجبنا أنْ نُطَالِبَ بالتصدِّي لفئران القلم، الذين يستهدفون لهدم سمت الأخلاق والقيم؛ ليغرقنا سيلٌ عرِمٌ! وإن واجبنا يتطلب الإنكار والمطالبة بتأديب هؤلاء وردعهم، فليسو بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، وإنْ تدرعوا بغطاء هزيل من الرسمية؛ فالحق فوق الجميع.
إن علينا أن نعلم جميعاً خطورة المنهج الذي يقوم به هؤلاء وينطلقون منه؛ فهؤلاء الكُتَّاب -والمقصود به غالب الكتاب وليس الكل- ينطلقون من منطلقات خطيرة، وهناك وسائل يروجون من خلالها المنكر والفحشاء كالملتقيات الاقتصادية، والمهرجانات الثقافية، ومشاريع تأنيث المحلات النسائية، وغيرها من البوابات التغريبية التي تنتهي بمجتمعنا إلى جرف هار، وانحلال وانهيار.
وإلى الكتاب وأصحاب الأقلام الشريفة إلى الذين يحترمون أنفسهم، ويغارون على دينهم، ويحبون العدل، ويكرهون الظلم؛ لتؤدوا دوراً مهما في بيان الحق ونصرته، وكشف الباطل وإزهاقه، هنا دوركم لكبح جماح الأقلام القذرة التي تتقيأ السم الزعاف، وأنتم بذلك على ثغر عظيم من ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلام من قبلكم!.
إن واجبنا أن نذب عن عِرض كل منافح عن الفضيلة، وإن اختلفنا معه أحيانا؛ فالنصرة من سمات المؤمنين.
والخطاب إلى كل مَن زَلَّ قلمه، وكتبت المنكر يده: أيها الكاتب، يا من جردت قلمك، وأهرقت مداده الأسود، مردِّدا تهماً ومزاعم، ومروِّجاً للمحرمات؛ ألا تعلم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً؟ ألا تتقي الله؟ ألا تقدِّر الأمانة، أمانة الكلمة ، وشرف المهنة؟ اعلم أنك غداً بين يد الله مسؤول، بين يدي ربك، فماذا عساك تجيب؟!.
ويا أيها المسلمون، متى نقوم بدورنا في صنع المثقف المسلم الذي يدين بالولاء لله ولرسوله ولدينه وللمؤمنين؟ متى تقوم المؤسسات التربوية من مدارس وجامعات وحلقات بدورها في صنع جيل من المثقفين معتز بدينه، فخور بهويته، غزير بعلمه، أصيل بثقافته، لا يعرف الوهن ولا الانهزامية، ولا يضعف أمام المغريات المادية، ولا يعرف بالتبعية؟.
أليس فينا أولي بقية ينهون عن الفساد في الأرض؟ فإن سنة الله أنه (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117]، وإلا فالسنة الأخرى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38].
اللهم صل وسلم وبارك على مَن بلَّغَ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي