العبث في الامتحانات

محمد بن مبارك الشرافي
عناصر الخطبة
  1. وقفات مع الامتحانات .
  2. ظواهر مؤسفة في أيام الامتحانات .

اقتباس

تأمّلوا في سرعة مرور الأزمان وتقضّي الأيّام والأحيان، فهذا عام دراسيّ انتصف وكنّا بالأمس بدأناه، وما أسرع ما يعود الطّلاب للدّراسة وهكذا عام بعد عام، وهذا إنذار بالسّير للآخرة، بل علامة من علامات السّاعة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "لا تقوم السّاعة حتّى يتقارب الزّمان، فتكون السّنة كالشّهر، والشّهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم...

الحمد لله الذي خلق الأرض والسماء وكتب على المخلوقات الفناء، وتفرّد سبحانه بالبقاء: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) [الرحمن: 26، 27]، أحمده وأشكره وأعوذ به من شرّ نفسي وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم البعث والنّشور.

أمّا بعد: فاتّقوا الله -أيّها المسلمون- واعتبروا بما يمرّ بكم من أحداث دنيويّة وانتفعوا بها في صلاح حياتكم الأخرويّة.

أيّها المؤمنون: غدًا يتوجّه آلاف الطّلاب والطالبات في أرجاء بلادنا الغرّاء إلى قاعات الامتحانات في نهاية الفصل الدّراسيّ الأوّل! وهذه وقفات بهذه المناسبة علّها تكون عبرةً ويكون بها فائدة:

الوقفة الأولى: تأمّلوا في سرعة مرور الأزمان وتقضّي الأيّام والأحيان، فهذا عام دراسيّ انتصف وكنّا بالأمس بدأناه، وما أسرع ما يعود الطّلاب للدّراسة وهكذا عام بعد عام، وهذا إنذار بالسّير للآخرة، بل علامة من علامات السّاعة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "لا تقوم السّاعة حتّى يتقارب الزّمان، فتكون السّنة كالشّهر، والشّهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالسّاعة، وتكون السّاعة كالضّرمة بالنّار". رواه التّرمذيّ وصحّحه الألبانيّ.

أيّها الإخوة: ثبت في البخاريّ عن عبد اللّه بن عمر -رضي اللّه عنهما- قال: أخذ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بمنكبي فقال: "كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل".

وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك! فهل نحن معتبرون؟! وهل نحن للقاء ربّنا مستعدّون؟!

الوقفة الثّانية: مع محاور العمليّة التّعليميّة الطالب والمعلّم ووليّ الأمر.

أيّها الطالب: إنّ كلّ ما تقوم به الدّولة وما تصرفه من الأموال الطّائلة، وما يفعله المعلّم في الصّفّ أو يعمله وليّ أمرك، كلّ هذا هو من أجلك ومن أجل تعليمك ولتكون عضوًا نافعًا لنفسك وأهلك ومجتمعك!

أيّها المعلّم: إنّك أنت القائد! وأنت العضو الفعّال والمحرّك للعمليّة التّعليميّة! إنّك سيّد الموقف، وربّان السّفينة، فهل أنت واعٍ لمكانتك؟! وهل أنت مقدّر للمسؤوليّة، ومتحمّل للأمانة؟!

وأنت -يا وليّ الأمر- فلك دور كبير ولك أثر واضح في توجيه أولادك، وإنّ المدرسة بتعاونك ينجح عملها، وإنّ ولدك إن نجح في حياته غنمت أنت وسلمت، وإن تعثّر حزنت أنت وتعبت، فإيّاك أن تغفل دورك أو تترك تعاونك!

أيّها الإخوة: إنّنا جميعًا في حاجة إلى التّعاون ليكون أولادنا من بنين وبنات على أحسن ما يكون في دينهم وأخلاقهم وتعاملهم ودراستهم! نحن في حاجة إلى أن يتعلّموا الاعتماد على الله في دراستهم مع بذلهم للأسباب، فنعلّقهم بالله -عزّ وجلّ- في نجاحهم، فهو الذي بيده النّفع وبيده دفع الضّرّ! نعلّمهم مراقبة الله والخوف من الله، فقبل أن يتوجّه لقاعة الامتحان يسبق ذلك بالدّعاء والتّضرّع إلى الله! وإن توضّأ وصلّى ركعتي الضّحى قبل أن يخرج فما أجمل هذا! ثمّ ودّعه أنت بدعوات يسمعها من لسان ذاكر ومن قلب خاشع، أقرّ الله عينك بصلاح ذرّيّتك!

أيّها المسلمون: إنّه يجب علينا جميعًا أن نعلم أنّ الغشّ حرام وأنّه مخالف لشرع الله، بل إنّ الغشّ من كبائر الذّنوب قلّ أو كثر، فعن أبي هريرة أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: "من غشّ فليس منّي". رواه مسلم.

فمن فعل الغشّ أو رضي به ناله نصيبه من هذا الحديث وما فيه من الوعيد، فكيف يرضى المسلم المصلّي الذي يرجو ربّه ويخافه أن يغشّ وقد سمع هذا الوعيد؟! كيف تسمح له نفسه أن يقترب من هذا الخطر؟! إنّ الخير -أيّها الإخوة- بيد الله، وإنّ رزق الله لا يطلب بمعصيته، ولا ينال بإغضابه!

إنّ الغشّ طريق لضياع المجتمع وخراب أفراده! إنّه طريق لوجود بناء هشّ ومؤسّسات ضعيفة ودوائر مهلهلة لا تتقن عملا ًولا تؤدّي أمانةً ولا تنفع مواطنًا ولا تساعد عاجزًا، لأنّها تربّت على الغشّ! وإنّ بعض النّاس ضعيف التّصوّر قليل التّدبير لا ينظر للأفق ولا يتجاوز تفكيره موضع قدميه.

إنّه بالغشّ يخرج غدًا عندنا طبيب فاشل وجنديّ جبان وموظّف خائن، يتعامل بالرّشاوى ويضيع مصالح المواطنين لأنّه هكذا نشأ، غدًا نندم حين يتولّى هؤلاء الطّلاب الذين عاشوا بين كنفات الغشّ -لا قدّر الله- يتولّون قيادة المجتمع، ويصيرون هم الرّواد لمصالحه، فأيّ خير يرجى ممّن تربّى تحت الخيانة وعاش على تضييع الأمانة؟!

إنّ الواجب على وليّ الأمر من البداية أن يحذّر أولاده من الغشّ، وكذلك يحب على المعلّم، لأنّه هو المربّي، بل إنّ الواجب على الطّالب نفسه أن يبتعد عن الغشّ ويحذّر غيره من زملائه وأقرانه، بل لو قدّر أن غيره غشّشه من معلّم أو طالب، أو حتّى مدير المدرسة: فيجب أن ينكر عليه ويناصحه ما استطاع، وإن ترك ذلك موجب للّعنة، ومؤذن بالسّخط، وما أكثر من جهل هذا!! قال الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78، 79].

وإنّ المسؤوليّة كبيرة على المعلّم في مراقبة الطّلاب أثناء الامتحان ومنعهم من أن يغشّوا، فلا يتهاون في ذلك؛ لأنّ التّهاون في المراقبة يجرّئ ضعفاء النّفوس من الطّلاب على الغشّ.

وإنّي أربأ بالمعلّم الفاضل أن يرضى بالغشّ، وأعيذه بالله أن يفعله هو أو يسمح به، سواء في المراقبة أو في تسريب الأسئلة، أو في عدم الدّقّة في التّصحيح، أو زيادة الطّالب من الدّرجات ما لا يستحقّ، فإنّ ذلك كلّه داخل في الغشّ، ومن غشّ فليس منّا، بل إنّ ذلك خيانةً للدين من جهة الله -عزّ وجلّ-، وخيانةً الدّولة التي حمّلتك هذه الأمانة وجعلت الثّقة فيك، وخيانةً من جهة وليّ الأمر الذي أطلق فلذة كبده بين يديك، فإيّاك أن تخون، بل إنّ هذا غشّ وخيانة حتّى للطّالب نفسه، لأنّك ضيّعته بتهاونك بالتّدريس ثمّ بعدم الدّقّة في التّصحيح، أو بالسّماح له بالغشّ، أو -والعياذ بالله- تغشيشه، ثمّ غدًا يندم عند دخوله في الجامعات وفي اختبار القياس وامتحان القدرات؛ لأنّه لا شيء عنده يقدّمه ولا علم معه يخدمه، فأيّ خير اكتسبه من شهادة حملها ومن ورقة مزوّرة ملكها؟! فأوّلها خيانة وآخرها ندامة، فهناك يعرف مدي غشّك له ومدى سوء عملك معه، وحينها يندم ولكن لا ينفع النّدم تلك السّاعة.

أيّها المعلّم: إنّي أعيذك بالله أن تكون من أهل هذه الشاكلة، أو تكون من هذه الفصيلة الضّارّة!

وإيّاك أن تخضع للضّغوط من الطّلاب أو من غيرهم أو حتّى للتّهديدات التي قد يطلقها بعض السّفهاء لبعض المعلّمين، فطريق الأمانة ليس مفروشًا بالورود ولا خاليًا من الصّعوبات، ثبّتك الله وأعانك.

وإنّ الواجب على أولياء الأمور بل والطّلاب أن يكونوا عونًا لأولئك المعلّمين الفضلاء والمدرّسين النّجباء الذين حملوا الأمانة وأدّوا الرّسالة لكي يتشجّعوا ويثبتوا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب: 72].

الخطبة الثانية:

الحمد لله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، والصّلاة والسّلام على النّبيّ الممجّد وعلى آله وصحبه ومن تعبّد.

أمّا بعد:

فاتّقوا الله -أيّها المسلمون- وتعاونوا على البرّ والتّقوى، وتناهوا عن الإثم والعدوان، ففي ذلكم نجاحكم وفلاحكم، وصلاح أمر دينكم ودنياكم.

أيّها الإخوة: يكثر في هذه الأزمان عمومًا وفي أيّام الاختبارات خصوصًا، ظواهر مؤسفة ومناظر محزنة، وأفعال مؤذية وأعمال مقلقة، شباب فارغون قلّ منهم الرّقيب وغاب عنهم الحسيب، ملكوا السّيّارات الجديدة، وظهرت منهم المخالفات العديدة، شباب بسيّاراتهم في وسط البلد وعلى الخطوط العامّة، سرعات مهلكة وتجاوز للأنظمة، وإيذاء للمارّة ومضايقة للعابرة، وإزعاج للمواطنين وترويع للآمنين.

وقوف في أماكن لا يسمح بها النّظام، وتحرّكات في الشّوارع تسبّب الزّحام: فليت شعري ما الذي جناه هؤلاء من الإشغال للمسلمين والتّعدّي على المساكين!!

إنّي أوجّه كلماتي للشّباب العقلاء والطّلاب النّبلاء: فأيّ مصلحة تجنيها عندما تقف بسيّارتك في وسط الطّريق وتجلس وقتًا طويلاً تكلّم الرّفيق؟!

أيّها الشّابّ: هل تستفيد من ذلك رفعةً في دينك أو محمدةً في دنياك؟!

أيّها الشّابّ: هل وقوفك ضرورة لابدّ منها، أو حاجة لك فائدة فيها؟!

أيّها الشّابّ: هل تعتبر هذا رجولةً؟! أم تعدّ إيذاءك للنّاس بطولةً؟! هل وصلت بك الحال إلى أن تتمتّع بإيذاء النّاس؟! وتمارس هوايتك في إزعاج المسلمين؟! أما تعلم أنّ الدّعوات ترفع ضدّك إلى ربّ الأرض والسّماوات، من أناس آذيتهم ومن مسلمين أقلقتهم؟!

أما علمت أنّ دعوة المظلوم ترتفع فوق الغمام فيقول الله لها: وعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين! أما سمعت قول النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: "واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينه وبين اللّه حجاب".

أيّها الشّابّ: أما علمت أنّك قد تتسبّب في فقد حياتك أو حياة غيرك؟! أما علمت أنّك ضيّعت مال أبيك بتفحيطك بالسّيّارة؟! فهل في هذا رفعة لرأس أبيك؟! أو محمدة لإخوانك وذويك؟! فيا أسفاه والله على شباب سقطوا إلى هذه الدّرجة حتّى صارت الرّجولة عندهم سرعة جنونيّة، أو حركات صبيانيّة!

شباب الإسلام: عودوا إلى الله وانظروا في طريقكم وراجعوا أنفسكم واقتدوا بأهل الصّلاح والاستقامة من طلبة العلم المفلحين ومن الدّعاة المصلحين! اقتدوا بالصّحابة -رضي الله عنهم- الذين اختارهم الله لصحبة نبيّه -صلى الله عليه وسلّم-، واسمعوا ماذا يقول القائل فيهم:

كن كالصّحابة في زهد وفي ورع *** القوم هم ما لهم في النّاس أشباه
عبّاد ليـل إذا جـنّ الظّلام بهم *** كـم عابد دمعه في الخدّ أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم *** هبّوا إلى الموت يستجـدون لقياه
يا ربّ فابعث لنا من مثلهم نفرًا *** يشيّدون لـنا مـجدًا أضعـناه

اللّهمّ ردّنا إليك ردًّا جميلاً، اللّهمّ ردّنا إليك ردًّا جميلاً، اللّهمّ ردّنا إليك ردًّا جميلاً! اللّهمّ أصلح شباب المسلمين واهدهم سبل السّلام، وأخرجهم من الظّلمات إلى النّور! اللّهمّ يسّر لهم النّجاح والفلاح في الدّنيا والآخرة! اللّهمّ أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90، 91].

اللّهمّ صلّ وسلّم على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين.
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي