مسائل في الوضوء

عبد الله الجار الله آل جارالله
عناصر الخطبة
  1. تميز الأمة الإسلامية عن غيرها بالطهارة .
  2. من فضائل الوضوء .
  3. مواضع يشرع فيها الوضوء .

اقتباس

الوضوء هو النظافة والطهارة، فإذا تنظَّف المُصلِّي، صارَ وَضيئًا مشرقًا مُقبلاً على الله، والوضوء فريضةٌ لازمةٌ على كلِّ مسلمٍ؛ يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ..

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: أوصيكم -أيها الناس- بتقوى الله -سبحانه وتعالى- فنِعْمَ بضاعةُ المؤمنِ التقوى، وهي وصيةُ اللهِ للخلقِ أجمعين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

عبادَ الله: إن من أول ما نزل على رسولنا -عليه الصلاة والسلام- من التشريعات قوله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 4]، والمقصودُ من الطهارة هنا كما ذكر شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة -رحمه الله- ثلاثة أنواعٍ: الطهارة من الكفرِ والفسوقِ، فكما أن الكافرَ يُوصف بالنجاسةِ، فبعكسهم المؤمنُ؛ قال الله تعالى عن المشركين: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة: 28]، والطهارةُ من الحدثِ، والطهارةُ من النجاساتِ كلِّها.

ولقد امتازت أمةُ الإسلام عن غيرها من الأمم بالطهارة والنظافةِ، حتى إن الطهارةَ من الأحداث تُعادلُ نصفَ الإيمانِ؛ يقول أبو مالكٍ الأشعريُّ: قال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "الطهورُ شَطرُ الإيمانِ". رواه مسلم.

عبادَ الله: الوضوء هو النظافة والطهارة، فإذا تنظَّف المُصلِّي، صارَ وَضيئًا مشرقًا مُقبلاً على الله، والوضوء فريضةٌ لازمةٌ على كلِّ مسلمٍ؛ يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة: 6].

إن أعظمَ ما شُرِعَ له الوضوء هو الصلاة؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا يقبلُ الله صلاةً بغير طهورٍ"، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا يقبلُ الله صلاةَ أحدِكم إذا أحدث حتى يتوضأ".

وإن من رحمة الله تعالى بكم -أيها المؤمنون- أن شرَعَ لكم من العبادات ما يكونُ سببًا لتكفيرِ السيئاتِ، وإنِّ أكثرَ ما يَصدُرُ من الإنسانِ من سيئاتٍ إنما تكونُ في الغالبِ من أربعة مواضع، هي: الوجهُ واليدان والرأس والرجلان، فحواسُّ الإنسانِ تجتمَعُ في هذه المواضع، وقد جاء الوضوء ليكونَ مُكفِّرًا لكلِّ ما يصدُرُ من هذه الأعضاء؛ روى الإمامُ مسلمٌ في صحيحِه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسولَ الله -عليه الصلاة والسلام- قال: "إذا توضأ العبدُ المسلمُ أو المؤمنُ، فغسلَ وجهَه، خرج من وجهِه كلُّ خطيئةٍ نظر إليها بعينِه مع الماءِ أو مع آخر قَطر الماءِ، فإذا غسل يديه، خرج من يديه كلُّ خطيئةٍ كان بطشتها يداه مع الماءِ أو مع آخرِ قَطر الماء، فإذا غسل رجليه، خرجت كلُّ خطيئةٍ مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماءِ، حتى يخرجَ نقيًّا من الذنوبِ". وروى مسلم أيضًا أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "من توضَّأ فأحسنَ الوضوء، خرجت خطاياه من جسدِه حتى تخرج من تحت أظفارِه".

عبادَ الله: الوضوءُ سببٌ لتكفيرِ الذنوب والخطايا؛ عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئٍ مسلمٍ تَحضُره صلاةٌ مكتوبةٌ، فيُحسنُ وضوءَها وخشوعَها وركوعَها؛ إلا كانت كفَّارةً لما قبلها من الذنوب، ما لم يأتِ كبيرةً، وذلك الدهرَ كلَّه". رواه مسلم.

عبادَ الله: إذا جاء يومُ القيامةِ واختلطت الأممُ، امتازت أمةُ محمدٍ -عليه الصلاة والسلام- بالوضوء من بين الأمم؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إن أمَّتي يُدعَون يومَ القيامةِ غُرًّا مُحجَّلين من آثارِ الوضوءِ".

والصلاةُ -عباد الله- مِفتاحُ الجنةِ، ومفتاح الصلاةِ الوضوءُ؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء". رواه أحمد والترمذي، بل الوضوءُ وحدَه -عبادَ الله- موجبٌ لانفتاحِ أبواب الجنة الثمانية، يتخيَّرُ العبدُ أيَّها شاءَ؛ كما صحَّ ذلك عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم.

عبادَ الله: الشيطان خَلَقَه الله من نارٍ، والنارُ إنما تُطْفَأ بالماء، ولأجل ذلك شُرِعَ الوضوءُ عند الغضب، فالوضوءُ يُخمِدُ ثَوَرانَ النفسِ؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إذا غَضِبَ أحدُكم، فليتوضَّأ". رواه أحمد.

وقد أُمِرَ المسلمُ إذا أراد أن ينامَ ويرتاحَ في نومه أن يتوضَّأَ؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إذا أتيتَ مضجَعَك، فتوضَّأ وضوءَك للصلاة، ثم اضطجع على شقِّك الأيمنِ، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك...". إلى آخر الدعاء المتفق عليه، وإن استيقظ النائمُ فبدأ بالوضوء، أفسد على الشيطانِ كلَّ ما صنع؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "يعقدُ الشيطانُ على قافيةِ رأسِ أحدِكم ثلاثَ عُقَدٍ إذا نام، بكلِّ عقدةٍ يضرب عليك ليلٌ طويلٌ، فإذا استيقظ فذكر الله -عز وجل- انحلَّت عقدةٌ، وإذا توضَّأ انحلَّت عقدتان، فإن قام فصلَّى انحلَّت عُقدُه الثلاث، وإلاَّ أصبح خبيث النفسِ كسلان". متفق عليه.

عبادَ الله: الوضوءُ مشروعٌ في مواضع كثيرةٍ، فلا يَمَسُّ القرآن إلا طاهرٌ، ولا يطوفُ بالبيت مُحدِثٌ، وإذا كان الإنسانُ جُنبًا فأراد أن يأكل، فيُسنُّ له أن يتوضَّأَ، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "كان -عليه الصلاة والسلام- إذا كان جنبًا فأراد أن يأكلَ أو ينامَ، توضَّأَ وضوءَه للصلاةِ". رواه مسلم.

ويشرع أيضًا عند المعاودة في الجِمَاع؛ روى مسلم أنه -عليه الصلاة والسلام- يقول: "إذا أتى أحدُكم أهلَه ثم أراد أن يعودَ، فليتوضَّأ".

ومن عان أخاه وأصابه بعينٍ فليتوضَّأ له، وذلك أن أحد الصحابة عانَ أخًا له، فأُخبِرَ -عليه الصلاة والسلامُ- فقال: "علامَ يقتلُ أحدُكم أخاه؟! ألا برَّكْتَ عليه؟! إنَّ العينَ حقٌّ، توضّأْ له". فتوضَّأ له، فقام ما به بأسٌ.

فاتقوا الله -عبادَ الله-، وواظبوا على ما أمركم به الله، تفوزوا وتفلحوا.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد الله الذي ميَّزنا على غيرنا بالطهورِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، جعل من الماءِ كلَّ شيءٍ حيٍّ، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، كان دينُه وسطًا بين الغُلوِّ والتفريطِ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى واجعلوها لكم شعارًا ودِثارًا.

عبادَ الله: إن حديثًا عن الوضوءِ لا بد أن يشتملَ على أمورٍ، منها:

أنَّ مَن حافظ على هذا الوضوء في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإنه جديرٌ أن يتصفَ بالإيمان؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خيرَ أعمالِكم الصلاةُ، ولا يحافظُ على الوضوءِ إلا مؤمنٌ".

ومن هذه الأمور -عبادَ الله-: أن الوضوءَ عبادةٌ، وكلُّ عبادةٍ لا بد أن تُؤخَذَ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا الوضوء مَن نَقَصَ فيه عن صِفة وُضوئِه -عليه الصلاة والسلام- فقد أخطأ، ومن زاد فقد تعدَّى؛ فقد رأى -عليه الصلاة والسلام- بعضَ الصحابةِ وأعقابُهم تلوحُ لم يَمَسَّها الماءُ، حيث تعجَّلوا في وضوئِهم، فقال لهم -عليه الصلاة والسلام-: ":ويلٌ للأعقابِ من النارِ، أسبِغوا الوضوءَ". رواه مسلم.

أيها الناس: توضَّأ -عليه الصلاة والسلام- وغسل أعضاءَه مرةً مرةً، وتوضَّأ أخرى فغسلها مرتين مرتين، وتوضَّأ ثالثةً فغسل أعضاءَه ثلاثًا ثلاثًا، فمن زاد عن الثلاث فقد خالف السنَّةَ، وجاء أعرابيٌّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن الوضوءِ، فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: "هكذا الوضوءُ، فمن زاد على هذا، فقد أساءَ وتعدَّى وظَلَمَ". والزِّيادة في ذلك تدخل في بابٍ واسعٍ من أبوابِ وسوسةِ الشيطان.

ومن هذه الأمور -عبادَ الله-: أنَّ هذا الوضوء الذي يتجدَّدُ على المرءِ في يومِه وليلتِه، يُذكِّرنا بنعمةٍ عُظمى مَنَّ الله بها على عبادِه وهي نعمةُ الماءِ الطهورِ: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان: 48]، (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30]، فأنزل الماءَ ليكونَ ريًّا للظمآن وإنباتًا للزرع، وإدرارًا للضرع وتطهيرًا للأبدان وجمالاً للمنظر، ألم تروا أن البلد إذا أجدب من المطرِ والغيثِ، ذهب عنه نورُه وبهاؤه؟! فاللهَ اللهَ بشكرِ هذه النعمة والحفاظِ عليها وعدم الإسراف فيها، وقد قيل: "مِن وَهنِ عِلم الرجل وُلوعُه بالماءِ في الطَّهورِ".

ومن الأمور المتعلِّقة بالوضوءِ: أنه يُستحبُّ لكلِّ صلاةٍ وإن كان على وضوءٍ، ولا يجبُ؛ لما ثَبَتَ في الصحيح عن أنسِ بن مالكٍ -رضي الله عنه- أنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضَّأ لكلِّ صلاةٍ، وكان يجزئ أحدنا الوُضوء ما لم يُحدِث"، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لولا أن أشقَّ على أمَّتي لأمرتهم بالوضوءِ عند كلِّ صلاةٍ".

اللهم اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين، اللهم علِّمْنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم صلِّّ على مُعلِّم الناس الخير محمدٍ بن عبد الله، وارضَ اللهمَّ عن أصحابه أجمعين وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأَذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدين، وانصر عبادَك المجاهدين يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين حُكَّامًا ومحكومين، يا ربَّ العالمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضاهم، وفُكَّ أسرانا وأسراهم، واغفر لموتانا وموتاهم، وألِّف بين قلوبهم يا أرحم الراحمين.

اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهم حبِّب إلينا الإيمانَ وزيِّنه في قلوبنا، وكرَّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم وأمِّنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، اللهم وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ.

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي