الإيمان شُعَبٌ كثيرة، وأعمال متنوعة، منها ما يكون باللسان، ومنها ما يكون بالقلب، ومنها ما يكون بالجوارح، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق؛ والحياء شعبة من شعب الإيمان" خرَّجاه في الصحيحين ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغُ الناس شرعه، وصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين.. عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن مَن اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله -جل وعلا- عملٌ بطاعة الله، على نور من الله، رجاء رحمة الله، وبُعد عن معصية الله، على نور من الله، خيفة عذاب الله.
عباد الله: إن أشرف ما اكتسبته النفوس، وحصلته القلوب، ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة: الإيمان.
الإيمان -عباد الله- أشرفُ المطالب، وأجل المقاصد، وأنبل الأهداف على الإطلاق؛ الإيمان -عباد الله- سبب العز والفلاح، والرِّفعة في الدنيا والآخرة.
بالإيمان -عباد الله- تُنال أشرف المطالب، وأجمل المواهب؛ بالإيمان -عباد الله- يَنال العبد جنةً يوم القيامة عرضها كعرض السموات والأرض أعدّت للمؤمنين؛ بالإيمان -عباد الله- ينجو العبد من النار وحرها الشديد، وقعرها البعيد؛ بالإيمان -عباد الله- ينال المؤمن أشرف ما يُنال، ألا وهو رؤية الله -جل وعلا- يوم القيامة، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "إنّكم سترَوْنَ ربكم يوم القيامة لا تضامون في رؤيته"؛ بالإيمان -عباد الله- يُنال كل خير وفلاح ورفعة في الدنيا والآخرة، ويدفع كل شر وبلاء ونقمة.
عباد الله: إن الواجب على أهل الإيمان أن يحمدوا الله -جل وعلا- حمدا كثيرا على مِنَّتِه عليهم به، وهدايتهم إليه، كما قال -جل وعلا-: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) [الحجرات:7].
عباد الله: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي؛ ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدَّقَتْهُ الأعمال، الإيمان عقائدُ صحيحةٌ، وإيمانيات راسخةٌ، قوامُها وبناؤها على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره، ففي صحيح مسلم من حديث عمر -رضي الله عنه-، أن جبريل سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان، قال: أخبِرْنِي عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره".
الإيمان -عباد الله- طاعة زاكية، وعبادات عظيمة، وقُربات متنوعة يتقرب بها المسلم إلى الله، ومباني هذه العبادات خمس، جاء بيانها في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث قال: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام".
فهذه الأعمال الخمسة، وسائر أعمال الدين وشعائره، كلها داخلة في الإيمان، ففي الصحيحين، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في ذِكر مجيء وفد عبد القيس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي الحديث قال لهم -صلى الله عليه وسلم-: "آمركم بالإيمان بالله. أتدرون ما الإيمان بالله؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تُعْطوا الخُمسَ من المغنم"، فدلّ هذا الحديث العظيم على أن شعائر الإسلام وأعمال الدين وأنواع الطاعات والقربات كل ذلك داخل في الإيمان.
الإيمان شُعَبٌ كثيرة، وأعمال متنوعة، منها ما يكون باللسان، ومنها ما يكون بالقلب، ومنها ما يكون بالجوارح، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق؛ والحياء شعبة من شعب الإيمان" خرجاه في الصحيحين.
الإيمان -عباد الله- بُعدٌ عن الحرام، وتَوَقٍّ للآثام، وترك للذنوب، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه بها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن"، وقد دل هذا الحديث العظيم على أن ترك الحرام، والبعد عن الآثام، كل ذلك داخل في مسمى الإيمان.
الإيمان -عباد الله- كفٌّ للأذى، وبُعْدٌ عن الظلم، ووفاء بالعهود والمواثيق والأمانات، ففي الحديث، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "المؤمن مَن أمِنه الناس على دمائهم وأموالهم"، وفي الحديث الآخر قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا إيمان لمــَنْ لا أمانةَ له".
الإيمان -عباد الله- تحابٌّ وتآخٍ وتوادٌّ وتعاوُنٌ، وفي الحديث، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وفي الحديث الآخر، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
الإيمان -عباد الله- تكافل وتراحم وتعاون بين أهل الإيمان، وبذل للدعاء، يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10].
الإيمان -عباد الله- استقامة على طاعة الله، ومداومة وملازمة لعبادة الله، وثبات على دين الله إلى الممات، يقول -صلى الله عليه وسلم- في حديث سفيان بن عبد الله الثقفي عندما قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحداً غيرك. قال: "قل: آمنتُ بالله، ثم استَقِمْ".
عباد الله: الإيمانُ جمالٌ للمرء وزينة، وحلاوة ولذة، وله طعم ولذة لا نظير لها، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ذاق طعم الإيمان مَن رَضِيَ بالله ربا، والإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولا".
وفي الحديث الآخر يقول -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأنْ يُحِبَّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".
وهو زينة وجمال، يقول -صلى الله عليه وسلم- في دعائه: "اللهم زيِّنَّا بزينةِ الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين"، وفي القرآن، يقول الله تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26].
عباد الله: إنّ الواجب على أهل الإيمان أن يرعوا الإيمان حق رعايته، وأن يعرفوا مقامه وقدره، وأن تكون عنايتهم به مقدّمة على عنايتهم بكل أمر، فهو أساس الخير والسعادة والفلاح، والرِّفعة في الدنيا والآخرة.
اللهم اهدنا لصلاح إيماننا، ورشد أمرنا، وجنِّبْنا مُضِلَّات الفتن، ما ظهر مها وما بطن، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله تعالى؛ روى الحاكم في المستدرك، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الإيمان ليخْلَقُ في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم" حديث حسن.
عباد الله: نعم، إن الإيمان لَيَخْلَق، أي: يضعف وينقص ويتقادم ويَبْلى كما يبلى الثوب، وكما يخلق الثوب، والسبب في ذلك -عباد الله- هو ما يبتلى به العبد في هذه الحياة من فعل للذنوب، وغشيانٍ للمعاصي، فينقص بها الإيمان؛ وكذلك من جرّاء ما يلقاه العبد من فتنٍ وصوارف وصوادٍّ تصرفه عن الإيمان الذي خلقه الله لأجله، وأوجده لتحقيقه.
وهاهنا أرشد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ضرورة تجديد الإيمان في القلب بالتوجه الصادق إلى الله -جل وعلا-، قال: "فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم"، فالمقام -عباد الله- يتطلب توجهاً صادقاً إلى الله، وسؤالاً ملحاً إليه -تبارك وتعالى-، أن يزيد الإيمان، ويقويه، وأن يجدّده في القلب، وأن يمكنه فيه، والله تعالى يقول: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27].
والأمر الآخر -عباد الله- أن يجدّ العبد ويجتهد في تحقيق الإيمان وتكميله وتعليته، فإن الإيمان يقوى ويضعف، ويزيد وينقص، فعن عمير بن حبيب الخطمي -رضي الله عنه-، وهو صحابي جليل، قال: الإيمان يزيد وينقص. قيل: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله وحَمِدناه وسبَّحْناه زاد، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا نقص. اهـ. ولهذا فإن العبد الموفَّق لا يزال يسعى في هذه الحياة في تقوية إيمانه، والبعد عن أسباب نقصه وضعفه.
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي