قال ابن القيم -رحمه الله-: وإنْ سألتَ عن يوم المزيد، وزيادة العزيزِ الحميد، ورؤية وجهه المنزَّه عن التمثيلِ والتشبيه، كما تُرى الشمس في الظهيرة، والقمر ليلة البدر، فذلك موجود في الصحاح والمسانيد، من رواية جرير وصهيب وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد. فيا لَذَّةَ الأسماع بأطيب محاضرة! ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة! ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة! (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ) ..
الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس لعباده المتقين نزُلا، ونوع لهم الأعمال الصالحات ليتخذوا منها إلى الجنة سبلا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، واشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي شمر للحاق بالرفيق الأعلى ولم يتخذ -صلى الله عليه وسلم- سواها مقصدا وشغلا، وعلى آله وصحبة الطاهرين ما تتابع القطر والندى.
يقول -سبحانه وتعالى-: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين) [الزمر:73-75].
يا حبَّذا الجنةُ واقترابُها *** طيِّبةٌ وباردٌ شرابُها
عباد الله: تكلمنا في خطبنا الماضية عن شيء من نعيم الجنة: أوصافها ونعيمها ودرجاتها، وعن أعلى وأدنى درجة فيها، ولمن تكون، أحبتي في الله.
ونتكلم في هذه الخطبة -إن شاء الله- عن أهم الأعمال التي ترفع من درجة العبد في الجنة، وإن كانت كثيرة إلا أنها تندرج تحت عملين مهين فلا تتعداهما، وإن كان مدار حياتنا لعبادة الله من أجل الفوز بالجنة والنجاة من النار.
فكما قلنا -عباد الله- إن بعض الناس لو تقدم عليه أحدٌ من أقرانه أو زملائه بزيادة درهمٍ أو علو منصبٍ ضاق صدره وتنغص عليه عيشه؛ فيحاول جاهداً أن يسبقه وينافسه، بينما لا نجد هذا الشعور وهذا التنافس بمن سبقه في مجال الطاعات والعمل الصالح. فهل نتنافس على درجات الدنيا الزائلة، وندع درجات الجنة الباقية؟!.
عباد الله: إن من أهم الأعمال التي ترفع من درجة العبد في الجنة إلى منازل الأنبياء والشهداء والصدِّيقين، ومن أولاها وأرفعها وأجمعها:
أولا: الإيمان الراسخ بالله وبرسله -عليهم السلام- قولا وعملا وإيمانا وتصديقا، لا مجرد الكلام، والله -عز وجل- يقول: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا) [طه:75].
وكذلك الإذعان لأوامره -سبحانه- وهذا لا يتحصل لأي مسلم، وإنما لخواص عباده المؤمنين الذين دخل اليقين والإيمان في قلوبهم حتى أصبح كأنه شهادة كإيمان أبي بكر وعمر، حيث وصل الإيمان واليقين في قلوبهم وكأنهم ينظرون إلى الجنة وأهلها يتزاورون فيها، وإلى النار وأهلها يصطرخون فيها.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب؛ لِتفاضُل ما بينهم"، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى والذي نفسي بيده! رجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين".
إذن؛ فاستغرب الصحابة لهذه الدرجات العالية فظنوا أنها تخص الأنبياء، فأجاب رسول الله: بلى! إنها لأقوام غير النبيين ممن آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين، وهؤلاء وصلوا درجة الإحسان، وهي أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. إنها درجة المراقبة والشعور بمعية الله.
والمتأمل في سيرة الصحابة يرى من هجرتهم وثباتهم على الحق مدى تغلغل الإيمان في قلوبهم، وصدق معدنهم واستجابتهم ورجوعهم لأمر الله ورسوله؛ فمثلا: في صلح الحديبة، لما التئم الأمر ولم يبق إلا الكتاب، غضب عمر -رضي الله عنه- عندما أحس بأن الصلح فيه إجحاف لحق المسلمين، فوثب عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى؛ قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى؛ قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر، الزم غرزه، فأني أشهد أنه رسول الله؛ قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله.
ثم أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ألست برسول الله؟ قال: "بلى"؛ قال: أوَلسنا بالمسلمين؟ قال: "بلى"؛ قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: "بلى"؛ قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا؟ قال: "أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني". قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق مِن الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيرا.
وعندما حصلت لرسول الله حادثة الإسراء والمعراج جَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَقَالُوا: هَلْ لَكَ إِلَى صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ -وهو لم يسمع القصة من قبل لا من رسول الله ولا من غيره- قَالَ: وَقَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: لَقَدْ صَدَقَ!.
قَالُوا: تُصَدِّقُهُ إِنِّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَى الشَّامِ فِي لَيْلَةٍ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ الصُّبْحِ؟! قَالَ: إِنِّي لأُصَدِّقُهُ فِي أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ, الْخَبَرِ مِنَ السَّمَاءِ فِي غُدُوِّهِ وَرَوَاحِهِ. فَلِهَذَا سُمِّيَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؛ لذلك قال الصالحون: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، بل بشيء وقر في صدره.
إذن؛ عباد الله، فلا غرابة أنْ بشَّرَ رسول الله أبا بكر وعمر بالدرجات العليا في الجنة، بأن أهل الدرجات يراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب الطالع في أفق السماء، وأن أبا بكر وعمر منهم. قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدَّقوا المرسلين".
نعم يا عبد الله! فأين نحن من إيمان أبي بكر وعمر والصحابة رضوان الله عليهم؟ تخيل معي والناس في الجنة ينظرون إلى أبي بكر وعمر ومَن سار على نهجهم ونال هذه الدرجات كما ينظرون إلى الكوكب الطالع في أفق السماء لا يتضامون في رؤيته، إنه الإيمان المطلق بالله ورسوله.
فحَرِيٌّ بنا -عباد الله- أن نبحث عن عوامل تقوية الإيمان، وحري بنا أن نعمل على تجديد الإيمان في قلوبنا فالإيمان لا يبقى في القلب على حال واحد، وإنما هو معرض للنقص والزيادة، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فكما قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الإِيمَانَ لَيخلَق فِي جَوْفِ أَحَدكُمْ كَمَا يَخلَقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا الله أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ" أخرجه الحاكم وحَسَّنَه الألباني.
هكذا جعل الله العبد المؤمن، لكي يظل في جهاد مستمر، قال بعض السلف: "جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت، فبلغت بعضهم فقال: طوبى له! أوقد استقامت؟ ما زلت أجاهدها ولم تستقم!". بعد أربعين سنة! وهم في أفضل جيل، وأفضل بيئة، فكيف بنا اليوم ونحن في عصر المغريات؟ وفي عصر الشهوات؟!.
فمن أعظم أسباب قسوة القلب -عباد الله- طول الأمد عن ذكر الله، وعن تقوى الله، وعن مجالس وحِلَق الذكر والخير، وعدم التفكر في ملكوت السماوات والأرض، وعدم التفكر في الموت، وقراءة القرآن وتدبره والعمل به، فهي من أعظم ما يزيد الإيمان؛ لأن الإنسان إذا قرأ كتاب رب العالمين -سبحانه وتعالى- فإنه يجد فيه الشفاء والحق والمواعظ، والحث على التفكر وعلى التدبر.
ومع ذلك -أيضاً- يدعو الإنسان ربه -عز وجل-، فندعو الله أن يمنَّ علينا بالإيمان، وأن يمنَّ علينا بالهداية، وأن تليِّن قلوبنا لذكر الله -سبحانه وتعالى-، فعن أم سلـمة أن رسول الله كان يُكْثِرُ فـي دعائه أن يقول: " اللَّهُمَّ مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِـي علـى دِينِك"! قال: قلت: يا رسول الله، وإن القلب لـيقلَّب؟ قال: " نَعَمْ، مَا خَـلَقَ اللَّهُ مِنْ بَشَرٍ مِنْ بَنِـي آدَمَ إلاَّ وَقَلْبُهُ بَـيْنَ أصْبُعَيْنِ مِنْ أصابعه، فإنْ شاءَ أقامَهُ، وَإنْ شاءَ أزَاغَهُ".
فالإيمان يكون ويكور بالقلب، ويظهر على الجوارح وفي الأعمال، فأين نحن من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والله لا يؤمن! والله لا يؤمن!"، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه".
وأين نحن من قول رسول الله: "لا يؤمن أحدُكُم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقوله: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه مِن كُلِّ شيءٍ، حتى من نفسه".
هذه المعاني كلها تفيد أنها من مقتضيات الإيمان الذي هو من الأمور والأعمال التي ترفع من درجة العبد في الجنة.
ثم إن من أهم الاعمال التي ترفع من درجة العبد في الجنة إلى منازل الأنبياء والشهداء والصديقين، ومن أولاها وأرفعها وأجمعها:
ثانيا : تقوى الله -عز وجل-، (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) [الزمر:20].
والغرف هي القصور العالية قد بنتها الملائكة الكرام، لمن؟ للذين اتقوا ربهم. إذن؛ فهي ملموسة ليست وهمية، ويؤيد ذلك ما روي عن أنه "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد".
فهذا دليل -عباد الله- على أن القصر لم يكن موجوداً وإنما أنشئ بأمر الله سبحانه، فتقوى الله رأس كل شيء، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "أوصيك بتقوى الله؛ فإنه رأس الإسلام، وعليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنه روحك في السماء، وذكرك في الأرض".
إنها المرتبة الأولى من مراتب الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، أي: أن يعبد الإنسان ربه على وجه الحضور، وينظر إليه في حال عبادته، والجزاء من جنس العمل، فمَن عبَد الله على هذه الكيفية في الدنيا كان جزاؤه أن ينظر الى وجه الله الكريم عيانا في الآخرة، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة:22-23].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة؟ فيقولون: لبيك وسعديك! والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا".
وعن صهيب، عن النبي قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تُدخلنا الجنة وتُنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم -عز وجل-" رواه مسلم.
قال ابن القيم -رحمه الله-: وإن سألتَ عن يوم المزيد، وزيادة العزيزِ الحميد، ورؤية وجهه المنزَّه عن التمثيلِ والتشبيه، كما تُرى الشمس في الظهيرة، والقمر ليلة البدر، فذلك موجود في الصحاح والمسانيد، من رواية جرير وصهيب وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد.
فيا لَذَّةَ الأسماع بأطيب محاضرة! ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة! ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة! (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ) [القيامة:22-24].
فمن اتقى الله فقد أصلح ما بينه وبين ربه، وأصل التقوى أن تجعل بينك وبين ما تخافه وتحذره وقاية تقيك منه، وذلك بفعل المأمورات، واجتناب المنهيات، وكما قال عمر بن عبد العزيز: ليست التقوى قيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك؛ ولكن التقوى أداء ما افترض الله، وترك ما حرم الله، فإذا كان مع ذلك عمل فهو خير إلى خير.
وهذا سبب لهبة القصور العالية لك في الجنة؛ بل قصور من فوقها قصور تكون في الدرجات العلى من الجنة -إن شاء الله-.
فحَيَّ على جنَّاتِ عدْنٍ فإِنَّها *** منازلُنا الأولى وفيها المـُخَيَّمُ
ولكنَّنا سبْي العدوِّ فهل ترى *** نعودُ إلى أوطانِنا ونسلّم؟
فللهِ أبصارٌ تَرى اللهَ جَهْرَةً *** فلا الحزنُ يغشاها ولا هِيَ تَسْأَمُ
فيا نظرةً أهدَتْ إلى الوجه نضْرةً *** أمِن بعدها يسلو المحبُّ المتيمُ
أحبَّتَنا عَطفًا علينا فإنَّنا *** بنا ظمأٌ والموردُ العذبُ أنتمُ
عباد الله: إننا في هذه الحياة إما نتقدم نحو الخير فنرتفع عند الله به درجات، أو نتأخر عن الخير فنخسر الدرجات، يقول ابن القيم الجوزية -رحمه الله تعالى- في مدارج السالكين: وأما الحافظ لوقته فهو مُتَرَقٍّ على درجات الكمال، فإذا أضاعه لم يقف موقفه؛ بل ينزل إلى درجات النقص، فإن لم يكن في تقدم فهو متأخِّر، ولا بد! فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق وإما إلى أسفل وإما إلى الوراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة, ما هو إلا مراحل تُطوى أسرع طي إلى الجنة أو إلى النار، فمُسْرِع ومبطئ، ومتقدم ومتأخِّر، وليس في الطريق واقف البتة؛ وإنما يتخالفون في جهة السير، وفي السرعة والبطء، والله -تعالى- يقول: (لمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر:37]، ولم يذكر الوقوف، فلا طريق إلا طريق الجنة، ولا مسلك إلى غيرهما البتة، فمَن لم يتقدم فهو متأخر إلى تلك الأعمال السيئة.
نعم -عباد الله- إن ترك الأعمال الصالحة وعدم المسارعة إليها كفيل أن يُنقص من درجة العبد عند الله، ويخسر الدرجات والمنازل العُلا عنده -سبحانه-. فهل ترضى ذلك لنفسك؟.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي