إنَّ الفرح بقدوم هذا الشهر، ومعرفة فضله ومكانته لَمِن أعظم الأمور المعينة على الجدِّ والاجتهاد فيه، ولم يضيِّعْ كثيرٌ من الناس الطاعةَ في هذا الشهر الكريم، والإقبالَ على الله جل وعلا إلا مِن جهْلٍ منهم بقيمته ومكانته، فلو عرف المسلم هذا الشهر حقَّ معرفته، وعرف قدره ومكانته، لتهيَّأ له أحسن التهيُّؤ، واستعد له غاية الاستعداد، ولبذل قصارى وسعه وجهده واجتهاده في سبيل تحصيل طاعة الله، والقيام بعبادة الله على الوجه الذي يُرضي الربَّ تبارك وتعالى ..
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلغ الناس شرعه، وصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون.. عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن تقوى الله -جل وعلا- هي أساس السعادة، وسبيل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، وتقوى الله -جل وعلا- أن يعمل العبد بطاعة الله، على نور من الله، يرجو ثواب الله، وأن يترك معصية الله، على نور من الله، يخاف عقاب الله.
عباد الله.. أيها المؤمنون: إن الأمة الإسلامية جميعا في هذه الأيام القليلة القادمة تستقبل ضيفا عزيزا، ووافدا كريما تتشوف القلوب إلى مجيئه، وتتطلع النفوس إلى قدومه، ضيف حبيب على قلوب المؤمنين، عزيز على نفوسهم، يتباشرون بمجيئه، ويهنئ بعضهم بعضا بقدومه، وكلهم يرجو أن يبلُغَ هذا الضيف وأن يُحَصِّل ما فيه من خير وبركة؛ ألا وهو شهر رمضان المبارك، ذلكم الشهر العظيم المبارك الذي خصه الله -جل وعلا- بميزات كريمة، وخصائص عظيمة، ومناقب جمّة تميزه عن سائر الشهور.
لقد كان النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بمقدم هذا الشهر الكريم، ويبين لهم خصائصه وفضائله ومناقبه، ويَسْتَحثّهم على الجد والاجتهاد فيه بطاعة الله، والتقرب إلى الله -جل وعلا- فيه بما يرضيه، ثبت في المسند للإمام أحمد بإسناد جيد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "هذا شهر رمضان قد جاءكم فيه تفتّح أبواب الجنة، وتغلَّق أبواب النار، وتصفّد الشياطين".
وثبت في سنن الترمذي وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كانت أول ليلة من ليالي رمضان صُفِّدَت مرَدة الشياطين، وغلقت أبواب النار، وفتحت أبواب الجنة، وينادي منادٍ، وذلك في كل ليلة من لياليه: يا باغي الخير أقْبِلْ، ويا باغي الشر أمْسِكْ، ولله -تبارك وتعالى- عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة من لياليه".
والأحاديث -عباد الله- الدالةُ على فضل هذا الشهر وعظيم شأنه وكريم منزلته عند الله كثيرة لا تحصى، عديدة لا تستقصى، والواجب علينا -عباد الله- أن نفرح غاية الفرح، وأن نسعد غاية السعادة بإقبال هذا الشهر الكريم بخيراته الموفورة، وميزاته العظيمة الكثيرة، نفرح بقدوم هذا الشهر: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
عباد الله: إنَّ الفرح بقدوم هذا الشهر، ومعرفة فضله ومكانته لَمِن أعظم الأمور المـــُعينة على الجدِّ والاجتهاد فيه، ولم يضيِّعْ كثيرٌ من الناس الطاعةَ في هذا الشهر الكريم، والإقبالَ على الله -جل وعلا- إلا مِن جهْلٍ منهم بقيمته ومكانته، فلو عرف المسلم هذا الشهر حقَّ معرفته، وعرف قدره ومكانته، لتهيَّأ له أحسن التهيُّؤ، واستعد له غاية الاستعداد، ولبذل قصارى وسعه وجهده واجتهاده في سبيل تحصيل طاعة الله، والقيام بعبادة الله على الوجه الذي يُرضي الربَّ تبارك وتعالى-.
عباد الله: والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الأيام، كيف نستقبل هذا الشهر الكريم؟ كيف نتهيّأ لهذا الموسم العظيم؟ كيف نستعد لهذا الشهر المبارك؟.
عباد الله: ليس استقبال هذا الشهر بتبادل باقات الورد والزهور، ولا بإلقاء الأناشيد والأراجيز، ولا بتهيئة الملاعب والصالات، ولا بجمع صنوف أنواع المطاعم والمشروبات والمأكولات، إن التهيّؤ لهذا الشهر الكريم تهيّؤٌ للطاعة، واستعداد للعبادة، وإقبال صادق على الله -جل وعلا-، وتوبة نصوح من كل ذنب وخطيئة.
عباد الله: إن المؤمن الجادّ الصادق المقبل على الله -جل وعلا- يحسن التهيّؤ لهذا الشهر بالاستعداد للطاعة، والتهيّؤ للعبادة، وحسن الإقبال على الله، والتوبة إليه -جل وعلا- من كل ذنب وخطيئة.
عباد الله: إن موسم رمضان فرصة للإقبال على الله، والتوبة من الذنوب، وإن من يتأمل حاله -وهذا شأن كل واحد منا- يجد أن تقصيره عظيم، وتفريطه في جنب الله كبيرٌ، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "كل بني آدم خطَّاءٌ، وخير الخطائين التوابون"، فالذنوب كثيرة، والتقصير حاصل، وأمامنا موسم عظيم للتوبة إلى الله -جل وعلا-.
عباد الله: وإذا لم تتحرك النفوس ولم تتحرك القلوب في هذا الموسم الكريم المبارك للتوبة إلى الله، والندم على فعل الذنوب، فمتى تتحرك؟ ولهذا صحَّ في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "رغم أنف امرئ أدرك شهر رمضان ثم انسلخ عنه ولم يغفر له"؛ وذلك لأنه موسم عظيم للتوبة، تتحرك القلوب فيه للتوبة إلى الله، والإنابة إليه، والإقبال على طاعته -جل وعلا-.
عباد الله: وإن مما يستقبل به هذا الشّهر الكريم الدعاء الصادق، والصلة الحسنة بالله، والالتجاء التام إليه -سبحانه- بأن يعين العبد على طاعة الله في هذا الشهر الفَضِيل، فالعبد لا قدرة له على القيام بالطاعة وتحقيق العبادة والإتيان بها على وجهها إلا إذا أعانه الله، فلولا الله ما صلينا، فلولا الله ما اهتدينا، ولا صمنا.
ولهذا على المؤمنين أن يُقْبلوا على الله -جل وعلا- داعين ومؤمِّنين وراجين ومخبتين، يرجون رحمته، ويطلبون مدده وعونه، بأن ييسر لهم صيام رمضان، وأن يعينهم على قيامه، وأن يكتب لهم الخير والبركة فيه، وأن يجعلهم من عتقائه من النار، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
عباد الله: وإن مما يستقبل به شهر رمضان أن يتأمل المسلم في خصائص هذا الشهر وميّزاته وفضائله وبركاته؛ ليعرف قدر هذا الشهر ومكانته، وليتعلم -أيضا- ما ينبغي أن يكون عليه في هذا الشهر من صيام وقيام، فيتأمل في فوائد الصيام، ومنافعه، وما فيه من عبر ودروس وعظات بالغة، ويتأمّل في فضل قيام رمضان، وما أعده الله -جل وعلا- للقائمين فيه من أجور عظيمة، وفضائل جمة، ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
عباد الله: وإن مما يستقبل به شهر رمضان المبارك أن يجاهد الإنسان نفسه بإصلاح قلبه، وطرح ما فيه من غل أو حقد أو حسد أو ضغينة أو غير ذلك.
عباد الله: يقول النبي -صلى اله عليه وسلم-: "صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر"، إن في الصدر إحن وسخائم وضغائن وأحقاد، فإذا جاءت هذه المواسم المباركة فإنها تكون فرصة سانحة ومناسبة كريمة لطرد ما في القلب من غل أو حقد أو حسد، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا -عباد الله- إخوانا".
إن دخول رمضان فرصةٌ مباركة لتصفية النفوس، وتنقية القلوب، واجتماع الكلمة على طاعة الله -جل وعلا-، بأن يقبل المسلمون جميعهم مطيعين لله، مقبلين على عبادته وطاعته، مبتعدين عن كل ما يسخطه ويأباه -سبحانه-.
عباد الله: نسأل الله -جل وعلا- أن يبلغنا وإياكم شهر رمضان، وأن يعيننا وإياكم فيه على الصيام والقيام، وأن يصلح ذات بيننا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور، وأن يجعلنا من عباده المتقين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن مما ينبغي أن يُنَبَّه عليه في هذا المقام أن البدء بصيام رمضان يكون بأحد أمرين: إما برؤية الهلال، هلال دخول رمضان، فإذا رئي الهلال بأن رآه المسلم أو رآه غيره من المسلمين فإنه بذلك يثبت دخول الشهر ويكون الصيام؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين وغيرهما: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروا الهلال".
والأمر الثاني الذي يثبت به الصيام إكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يوما، وذلك في حالة عدم التمكن من رؤية الهلال، بما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما".
عباد الله: ولا يجوز في هذا الأمر استعمال الحساب والتقاويم ونحو ذلك؛ وإنما العمل يكون بما ثبت في السنة، ودل عليه هدي خير الأمة محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه-.
ولا يحل لمؤمن أن يتّقدم صيام رمضان بصوم يوم أو يومين أو نحو ذلك؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، إلا مَن كان يصوم صياما فليصمه.
هذا؛ وإنا لنسأل الله -جل وعلا- أن يكتب لنا ولكم التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، والإعانة على كل خير، وأن يوفقنا للزوم السنة، واقتفاء آثار خير الأمة، وأن يهدينا جميعا سواء السبيل.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي