والصلاة هي الصّلة بين العبد وربه، وهي أول ما يحاسَبُ عليه العبدُ يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإذا فسدت فسد سائر عمله، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، فإقامتها إيمان، وإضاعتها كفر وطغيان، فلا دين لمن لا صلاة له، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. مَن حافظ عليها كانت له نورا في قلبه ووجهه وقبره وحشره ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها المسلمونَ.. عبادَ الله: اتقوا الله تعالى فيما افترض عليكم، وراقبوه فيما أوجب عليكم، فإنه تبارك وتعالى الرقيب الحسيب، ثم اعلموا -رحمكم الله- أن من أعظم الواجبات التي أوجبها الله على عباده، وأجل الفرائض التي افترضها الصلاة، التي هي عماد الدين، وآكد أركانه بعد الشهادتين.
والصلاة هي الصّلة بين العبد وربه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإذا فسدت فسد سائر عمله، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، فإقامتها إيمان، وإضاعتها كفر وطغيان، فلا دين لمن لا صلاة له، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
مَن حافظ عليها كانت له نورا في قلبه ووجهه وقبره وحشره، وكانت له نجاة يوم القيامة، وحشر مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، ومن لم يحافظ عليها، لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبيّ بن خلف.
يقول الإمام أحمد -رحمه الله- في كتابه الصلاة: جاء في الحديث: "لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وقد كان عمر ابن الخطاب يكتب إلى الآفاق: إنَّ أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
قال: فكل مستخِفّ بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به، وإنما حظّهم في الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة، فاعرف نفسك عبد الله، واحذر أن تلقى الله ولا قَدْر للإسلام عندك، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك.
وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى اله عليه وسلم- أنه قال::"الصلاة عمود الدين"، ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عمودُه سقط، ولم ينتفع بالطنب ولا الأوتاد؟ وإذا قام عمود الفسطاط، أي: الخيمة، انتفع بالطنب و الأوتاد؟ وكذلك الصلاة من الإسلام.
وجاء في الحديث: إن أول ما يسأل العبد عنه من عمله الصلاة، فإن تُقُبِّلَتْ منه صلاته تُقبل منه سائر عمله"، فصلاتنا آخر ديننا، وهي أول ما نُسأل عنه غدا من أعمالنا يوم القيامة، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام. انتهى كلام الإمام أحمد -رحمه الله-.
عباد الله: ولا يختلف المسلمون أن تارك الصلاة المفروضة عمدا من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس، وأخذ الأموال، وأعظم من إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه، وخزيه في الدنيا والآخرة.
ثم إن العلماء اختلفوا في قتله، وفي كيفية قتله، وفي كفره، وأقوالهم في هذا وذكر أدلتهم وما احتج به أهل كل قول مبسوطة في كتب أهل العلم المعروفة، وليس هنا مجال بيانها وبسطها، إلا أن من قال من أهل العلم بكفر تارك الصلاة قد احتج لذلك بأدلة قوية من كتاب الله تعالى و سنة رسوله -صلى اله عليه وسلم-، وأقل أحوال هذه الأدلة -عباد الله- أنها تبعث في قلب المسلم حبَّ الصلاة وتعظيمَها، ومعرفة قدرها، وتحرك في نفسه حب المحافظة عليها، والعناية بها، وأدائها في وقتها كما أوجب الله.
ومن هذه الأدلة يقول الله تبارك وتعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) [المدثر:38-47]، فأخبر تعالى أن تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر، وهو واد في جهنم.
ويقول تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59]، وقد جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن غيّا نهر في جهنم خبيث الطعم، بعيد القعر، فيا عظم مصيبة من لقيه! ويا شدةَ حسرة من دخله!.
ويقول تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة:11]، فعلَّق أخوّتهم في الدين بفعل الصلاة، فدل ذلك على أنهم إن لم يفعلوها فليسوا بإخوان لهم ، ويقول تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) [السجدة:15].
ويقول تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات:48–49]، ذكر هذا -تبارك وتعالى- بعد قوله: (كُلُوا وَتَمتَّعُوا قَلِيلَاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) [المرسلات:46]، فدلَّ ذلك على أن تارك الصلاة مجرم يستحق العقوبة العظيمة عندما يلقى الله تبارك وتعالى.
وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسوله -صلى اله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة"، وروى الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، عن يزيد بن حبيب الأسلمي قال: سمعت رسول الله -صلى اله عليه وسلم- يقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".
وروى الإمام أحمد وابن حبان والطبراني بإسناد جيد، من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص عن النبي -صلى اله عليه وسلم- أنه ذكر الصلاة يوما فقال: "مَن حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف".
وروى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسوله -صلى اله عليه وسلم-: "مَن ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله"، وهو حديث صحيح، وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسوله -صلى اله عليه وسلم-: "مَن صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا".
وروى الإمام أحمد في مسنده، ومالك في موطئه، والنسائي في سننه بإسناد صحيح، عن محجن الأسلمي -رضي الله عنه- أنه كان في مجلس مع النبي -صلى اله عليه وسلم- فأُذِّن بالصلاة، فقام النبي -صلى اله عليه وسلم- ثم رجع ومحجن في مجلسه فقال: "ما منعك أن تصلي، ألست بمسلم؟" قال: بلى، ولكني صليت في أهلي، فقال له: "إذا جئتَ فَصَلِّ مع الناسِ وإنْ كُنْتَ قَدْ صليتَ".
وقد جاء عن الصحابة -رضي الله عنهم- في هذا المعنى آثار كثيرة، منها ما جاء عن عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وقال -رضي الله عنه-: لا إسلام لمن ترك الصلاة، قالها بمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد منهم.
بل قال مثل قوله هذا غير واحد من الصحابة، منهم معاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو هريرة، وعبد الله ابن مسعود، وغيرهم -رضي الله عنهم-، وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: مَن سرَّه أن يلقى الله غدا مسلما، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن -أي: في المساجد- فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى.
وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمَد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطُّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا -يعني أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم- وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
فإذا كان هذا شأن من لم يشهد الصلاة مع الجماعة، يعده الصحابة -رضي الله عنهم منافقا معلوم النفاق، فكيف إذن -عباد الله- بالتارك لها، نسأل الله العافية والسلامة.
عباد الله: إن ميزان الصلاة في الإسلام عظيم، ومنزلتها عالية، وقد فرضها الله تعالى على نبيه -صلى اله عليه وسلم- من غير واسطة من فوق سبع سموات، عندما عُرج به -صلى اله عليه وسلم- إلى السماء، وقد ورد فيها غير ما تقدم من النصوص، ما يدل على فضلها وعظم قدرها، وشدة عقوبة تاركها، ورد في ذلك نصوص كثيرة في الكتاب والسنة.
ومع هذا -عباد الله- فقد خف ميزان الصلاة عند كثير من الناس، فمنهم من تهاون بها، ومنهم من تهاون بشروطها وأركانها وواجباتها، فلا يأتي بها على وجهها، ومنهم من يتهاون بالصلاة مع الجماعة، وهذا من علامات النفاق.
فالواجب علينا أن نحافظ على هذه الطاعة الجليلة، والعبادة العظيمة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأن نحذر أشد الحذر من سبيل المجرمين، الذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، ووفقنا لاتِّباع سنة نبيه -صلى اله عليه وسلم-، وأعاذنا جميعا من سبيل المجرمين أهل الجحيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، والمحافظة على هذه الصلاة، فإنها عماد الدين، وآكَدُ أركانه بعد الشهادتين، ولاسيما -عباد الله- صلاة الفجر التي تأتي في مفتتح يوم وفي بدايته وأوله، فالمحافظة عليها عنوان على فلاح الإنسان وسعادته في يومه، ومن أضاع صلاة الفجر فقد أضاع -إي والله!- يومه، وذهبت عنه بركة يومه.
وتأملوا معي -رعاكم الله- هذا الحديث، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَد، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"، هذا شأن تارك صلاة الفجر، نفسُه خبيثة، ويومه كله في كسل، بينما إذا حافظ على صلاة الفجر، وأداها في وقتها مع جماعة المسلمين كانت عنوان البركة والخير والسعادة في يومه.
وتأملوا أيضا ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: ذكر عند النبي -صلى الله وسلم عليه- رجل، فقيل: ما زال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة، فقال -صلى الله وسلم عليه-: "ذلك رجل بال الشيطان في أذنه".
وقد بين أهل العلم أن الشيطان يبول في أذنيه بولا حقيقيا، فما حال مَن كان هذا شأنه؟ وهذه حال من يترك صلاة الفجر.
فعبادَ الله، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وعظِّموا هذه الصلاة؛ فإن تعظيمها من تقوى القلوب.
عباد الله: إن المحافظة على صلاة الفجر مع الجماعة من علامات صدق الإيمان، ومؤشر على قوة الإسلام، وإذا كان الرجل لا يشهدها مع الجماعة فهذا برهان على وهاء إيمانه، وضعف قلبه، ودليل على استسلامه لنفسه وهواه، وانهزامه أمام شهواته.
وكيف يهنأ -عباد الله- هذا المتخلف بالنوم، وكيف يتلذذ بالفراش والمسلمون في المساجد في بيوت الله مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وفي ربيع جناته يتقلبون؟! وكيف يؤثر لذة النوم والفراش على لذة المناجاة والعبادة، وأداء هذه الطاعة العظيمة؟! لا يفعل ذلك إلا خاسر محروم.
فنسأل الله -جلّ وعلا- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يحفظنا وإياكم من سبيل المجرمين، وأن يعيذنا وإياكم من سبل الردى، وأن يوفقنا وإياكم للمحافظة على طاعته، وأن يعيننا جميعا على المحافظة على الصلاة.
اللهم اجعلنا من المقيمين الصلاة، اللهم اجعلنا من المقيمين الصلاة، اللهم اجعلنا من المقيمين الصلاة، اللهم وفقنا للمحافظة عليها وأدائها كما تحب ربنا وترضى، اللهم ووفقنا للمحافظة على هذه العبادة، وعلى كل عبادة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وشرِّ كل ذي شر يا رب العالمين.
عباد الله: وصلُّوا وسلِّموا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي