الغضب أسبابه وعلاجه من الكتاب والسنة

عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
عناصر الخطبة
  1. أنواع الغضب .
  2. أسبابه .
  3. علاجه .
  4. آثاره .
  5. توصياتٌ لفئاتٍ مختلفةٍ من المجتمع بالأناة وعدم الغضب .

اقتباس

إِنَّ الغضَبُ جِماعُ كُلِّ شَرٍّ، وجماعُ كُلِّ بَلَاءٍ، وترْكُ الغضب نجاةٌ من البلاء، فبالغضب تقع المشاكل والمصائب؛ فإن الغضبان عندما يفقد عقله وتوازنه يقول ما يقول، ويفعل ما يفعل، ويندم بعد ذلك، ويتمنى لو أنه لم يقع في شيءٍ من الأقوال والأفعال. إذاً؛ فعلينا التمسك بوصية المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لا تغضبْ".

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عباد الله: إن الله -جل وعلا- أعطى نبينا -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم؛ فيقول قولاً وجيزاً يحتوي من المعاني والفوائد ما لا يخفى ولا يستطيع أحد أن يحصيه، ففي الصحيح، عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه جاء رجل فقال: يا رسول الله، أوصِني. قال: "لاَ تَغْضَبْ!" فَرَدَّدَ مِرَارًا وهو يقول له: "لاَ تَغْضَبْ!".

أيًّها المسلم: الغضب أمر فطري طبع عليه كثير من الناس، وقلَّ من يسلم من شره وبلاه، ولكنّ من عباد الله من يوفقه الله فيتغلب على غضبه، ومن الناس من يضعف أمام الغضب فربما وقع في السباب والشتم إلى أن ينتهي به إلى العدوان، وسفك الدماء، وتدمير الأموال، والقدح في الأعراض، بلا مبرر شرعي.

أيُّها المسلم: وهذا الغضب هو فوران دم القلب للانتقام لأجل كلام أو فعل سُبب له من غيره، إلا أن هذا الغضب منه ما هو ممدوح ومنه ما هو مذموم، فالممدوح منه ما كان غيرةً لدين الله، وغضباً لانتهاك محارم الله، غضباً يدعوه إلى الغيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطرقه الشرعية، وأساليبه الشرعية، ليس غضباً يدعو إلى الطغيان؛ ولكن غضب يحمل على الخير، والتوجيه، والنصيحة والتحذير من مخالفة شرع الله.

وهناك غضب مذموم وهو ما كان في سبيل الهوى والشيطان والباطل، كغضب مَن يغضب عندما يُقرأ حكمٌ من الأحكام الشرعية عليه فيغضب لذلك، أو يغضب عندما يؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر، قال الله -جل وعلا- في ذلك ذاماً لهذا النوع: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) [الحج:72].

أيُّها المسلم: إن الشرع بيّن أنواع الغضب، وأحكام الغضب، وآدابه، والأسباب التي تدعو إليه، وطرق التخلص منه، فمَن سلك السبيل الشرعي نجا من آثار الغضب السيئ.

فأولا: تعرف أخي المسلم أن لهذا الغضب أسبابا، فمن أعظم أسبابه العُجب والهوى؛ إذ المعجب برأيه والمغتر بمكانته أو نسبه أو علمه أو ماله، إذا لم يحكم بحكم الشرع فقد يؤدي ذلك إلى الطغيان والغضب الشديد، يمليه عليه إعجابه بنفسه، إعجابه برأيه، إعجابه بمكانته، إعجابه بنسبه وماله، فقد يطغى ذلك: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6-7]، فإذا لم يحكم بحكم الشرع جره الغضب إلى أنواع البلاء والمصائب.

ومن أسباب الغضب المراء والجدال الذي ربما يجر إلى الغضب والطغيان؛ ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ ولو كَانَ مُحِقًّا".

ومنها المزاح، فالمزاح قد يجر إلى الغضب ويتفرق المتمازحان عن غضب وعداوة، فقد يحمل بعض الناس المزاح على أن يتلفظوا بألفاظ قبيحة قد يفهم منها المخاطَب حطًا من قدره أو استنقاصا منه أو تهمةً له أو لأبيه أو لأسرته ونحو ذلك؛ فيغضب عند ذلك غضباً شديداً أملاه عليه هذا المزاح السيئ؛ ولهذا ينبغي في المزاح الاعتدال وعدم التعدي والتجاوز.

وقد يكون المزاح أحياناً ببعض الأمور المؤلمة التي تحزن بعض الناس فيغضب لأجلها، ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ غيره لاَ جَادًّا ولا لعِبًا".

ومما يثير الغضب أحياناً السباب والشتم، فإنها تغري النفوس، وتدعو إلى العدوان والغضب، فإيَّاك أخي! فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَيْسَ المُسلمَ بِالسبَّابِ، وَلا باللَّعَّانِ، وَلا بِالْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيءِ".

أخي المسلم: الغضب قد يقع ولا يسلم أحد إلا ما عصم الله من الناس، ولكن؛ كيف التخلص من هذا البلاء؟ وكيف النجاة من هذا الخلق السيئ الذي هو عدوان وظلم؟.

أما الغضب المشروع فذاك شيءُ ثانٍ؛ لكن الغضب المذموم، كيف التخلص منه؟ إن من تأمل سنة محمد -صلى الله عليه وسلم- يجد فيها الأسباب والعلاج لهذا الغضب حتى لا يقود الإنسان إلى البلاء، فمن أعظم ذلك التعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فإن الغضب من إلحاح الشيطان ووساوسه ليقهر بذلك المسلم، فإن الشيطان يستغل العبد عند الشهوة والغضب فيقوده إلى البلاء عند غضبه وطغيان شهوته، فلا يستطيع السيطرة على ذلك، قال الله -جل وعلا-: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف:200].

وجاء في السنَّة أن رَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، احْمَرَّ وَجْهُ أحدهما، فَقَالَ النّبي: "إنَّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لذَهَبَ عَنْهُم مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم"، فالتعوذ بالله من الشيطان حال الغضب ينجيك من آثاره ونتائجه السيئة.

ومن ذلك -أيضاً- تغيير الحالة التي كنت عليها، فقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- الغضبان إذا غضب إن كان قائماً فليقعد، فإن ذهب غضبه وإلا فليضطجع حتى يذهب عنه أثر ذلك الغضب.

ومن الأسباب أيضاً للتخلص من آثار الغضب السيئ السكوت عند الغضب وعدم التحدث، فإن بعضاً من الناس إذا غضب لا يبالي بما يقول، يسيطر الغضب عليه فتخرج منه كلمات بذيئة سيئة يندم عليها عندما يفيق من غضبه؛ ولهذا جاء في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "عَلِّمُوا وَبَشِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ"، فسكوت الغضبان ينجيه من آثار الأقوال السيئة، ويخلصه من تبعاتها.

ومنها الوضوء؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر: بأن "الشيطان خلق من نار، ولا يطفأ النار إلا الماء"، وأن من غضب فعليه أن يتوضأ، فإذا توضأ بتوفيق من الله فوضوءه سيزيل عنه آثار هذا الغضب.

ومنها أيضاً قبول نصيحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لاَ تَغْضَبْ"، لاَ تَغْضَبْ قالها لمن سأله أن يوصيه قال: " لاَ تَغْضَبْ"، أي: ابتعد عن الغضب بالإتيان بما يضاده من الحلم والصفح والعفو والكرم وعدم التأثر والثبات عند هذه المواقف، فإذا عملت ذلك فإنك -بتوفيق من الله- تبتعد عن الغضب، أو لا تغضب لا تنقد في الغضب، ولا يقودك الغضب إلى ما فيه بلاءٌ، فتثبَّتْ وكن صابراً محتسبا.

ومنها أن تنصح الغضبان نصيحةً لله إذا رأيته في حال غضبه، فأْمُرْهُ بالخير، وأمره بأن يتعوذ بالله من الشيطان، وابذل له النصيحة، وعليه أن يقبل ذلك، ففي ذلك خير.

ومنها الإكثار من ذكر الله عند الغضب، قال -جل وعلا-: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28]، والمؤمن قد يغضب؛ لكنه سريع الاستفاقة من غضبه، قال -جل وعلا- عن عباده المؤمنين: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى:37].

والمسلم -أيضاً- يكظم غيظه، ويتحمل الأشياء، قال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134]، فكظم الغيظ وعدم التمادي في الانتقام والصبر والعفو من سمات المحسنين، والله يحب المحسنين، وجاء في الحديث: "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا يقَدِرُ عَلَى تنفيذه دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ فيُخَيِّرَهُ من الْحُورِ العين ما شَاءَ"؛ لأن من كظم غيظه وعفا وصفح فذلك خير له وأهدى سبيلا.

أيُّها المسلم: فاحذر الغضب، وكن متأنياً في أمورك، وإياك أن يستخفنَّك السفهاء أو تجار أهل الحماقة والغضب! كن ثابتاً في أمورك، ملتجئا إلى الله، واثقاً بالله، آخذًا بوصية نبيك -صلى الله عليه وسلم- في البعد عن الغضب ما وجدت لذلك سبيلا، فالعفو والصفح وتحمل الأذى كله نعمة من الله على مَن وفَّقه الله: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34-35].

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول العمل إنَّه على كل شيء قدير، أقولُ قولِي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، وتأملوا سنة نبيكم ووصيته لكم لتكونوا من السعداء: "لا تغضب".

إِنَّ الغضَبُ جِماعُ كُلِّ شَرٍّ، وجماعُ كُلِّ بَلَاءٍ، وترْكُ الغضب نجاةٌ من البلاء، فبالغضب تقع المشاكل والمصائب؛ فإن الغضبان عندما يفقد عقله وتوازنه يقول ما يقول، ويفعل ما يفعل، ويندم بعد ذلك، ويتمنى لو أنه لم يقع في شيءٍ من الأقوال والأفعال. إذاً؛ فعلينا التمسك بوصية المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لا تغضبْ".

أخي المسلم: بالغضب قطعت الأرحام، وبالغضب تعادى الإخوان والجيران، وبالغضب وقعت المصائب والبلايا، وبالغضب ربما يقتل نفسه أو يقتل ولده أو زوجته أو نحو ذلك من التصرفات الخاطئة التي لا نهاية شرها؛ إن الشيطان يستغل العبد عند غضبه، يستغل ضعف قوته وتصرفه فيوقعه فيما يوقعه من البلاء.

أخي المسلم: لابد لكل مسلم أن يفكر في نفسه في حال غضبه: كيف يتصرف وينجو من تلك المصائب؟!.

أيها الأب الكريم: لابد أن يقع بينك وبين أولادك شيءٌ من الاختلاف، فعندما ترى تصرفات خاطئة وأحوالا سيئة فكن ثابت الجأش حليماً رفيقا، عالج قضايا أولادك فيما بينك وبينهم، عالج كل القضايا من أولها، وحافظ على استئصال شرها من أولها، وراقب تصرفاتهم وأحوالهم، وكن رفيقاً بهم، حليماً عليهم.

أعرف لهم ضعفهم وقلة سنهم، وأعرف أحوالهم، فحاول الاختلاط بهم واستئصال الشر والفساد بالطرق السليمة والحكيمة لتنجو، وإيَّاك والغضب الذي يحملك على الانتقام منهم! فإن غضبك عليهم ربما نفرهم منك، وأبعدهم منك، وصاروا يكرهون مجيئك والجلوس معك.

وإياك والغضب عليهم! كن معهم رفيقاً حليماً منبسطاً تتطلع على أحوالهم، وتسألهم عن مشاكلهم، وتقضي حوائجهم، وتفكر معهم ومَن يجالسون ويصاحبون ويخالطون؛ لعلك بذا أن تضع الحلول المناسبة لتخلصهم من أخطائهم وتصرفاتهم الغير اللائقة.

أيُّها المعلم الكريم: عليك بتقوى الله، والتعامل مع التلاميذ بالعدل والإحسان، وإياك أن يحملك غضبك على بعضهم على إهانته أو التنقيص من درجاته أو التقليل من منزلته؛ فإن هذا غير لائق بك، أنت مربٍّ؛ فرَبِّهِم على الأخلاق، وليشعروا منك بأنك معلم ذو خلق كريم، وعمل صالح، وتربية صالحة.

أيها الزوجان: لا يخلو البيت من بعض المشاكل والاختلافات؛ ولكن عليكَ -أيها الزوج- أن تشعر بمسؤوليتك، واللهُ -جل وعلا- فضَّلك وقال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34]، فلا تستغل قوامتك على امرأتك بإذلالها وإهانتها، أو تتبع أخطائها، أو الغضب عليها، أو معاملتها بالسوء، أو رفع لسانك عليها بالكلمات البذيئة، والحط من قدرها وشأنها، أو أن تعيب أهلها، أو سلوكها.

اتَّقِ الله، وعالج أخطاءها بالحكمة، واصبر على بعض أخطائها في سبيل الإصلاح العام، ونبيُّكَ -صلى الله عليه وسلم- يقول لك: "لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ سخط مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا خُلقاً آخَرَ"، فليست هي كاملة في كل أحوالها، فإيَّاك والغضبَ عليها بما لا داعي له! كن حليماً رفيقاً معها ذا دين واتزان وملاحظة للأمور بالاعتدال والحكمة والمصلحة.

أيُّها المحقِّق الكريم: اتقِ الله في تحقيقك مع مَن تُحَقِّق، وإياك أن تستغل دماً سفك بغضب شديد يُشْعِر المحقَّق معه أنك غضبان عليه، وربما أدلى بأمور هو بريء منها، وغير واقعة؛ لأجل ما يرى من غضبك وحماقتك وسوء تصرفك، فاتقِ الله في تحقيقك، ولْيَكُن التحقيق عادلاً مبنياً على الإنصاف والعدل، لا على الظلم والجهر والطغيان.

أيها القاضي الموفق: اتقِ الله في قضائك، وعامل الخصوم بالعدل، وإيَّاك والغضبَ أثناء حكمك! فإن غضبك قد يحملك على العُدول عن الحق والهوى والحكم بغير الحق، فاتقِ الله؛ ولهذا نبينا نهى القاضي أن يقضي وهو غضبان؛ لأن حال الغضب قد يتصرف تصرفات غير لائقة، فلا تقضِ وأنت غضبان حتى تفيء إلى رشدك، ويذهب عنك غضبك، فاتقِ الله في ذلك.

أيها المسلم: إن البعض من الناس قد يحمله غضبه أثناء قيادة السيارة في ازدحام الطرق أو عند الإشارة، فيكون منه غضب شديد يحمله إلى وقوع الحوادث، فكم من ازدحام في الطرق أو عند الإشارات! تقع من بعض السفهاء تصرفات خاطئة، فإيَّاك أن يحملك هذا التصرف الخاطئ على مقابلته بغضب وحماقة على تصرفات سيئة تنتج عنها حوادث لا داعي لها، أنت تكون سبباً فيها! إياك أن يجرك السفهاء وضعفاء البصائر إلى الغضب والحماقة في قيادة السيارة! أحمل هذا على ضعف عقله وقلة رأيه، وإياك أن تجاري سفاهته وحماقته.

قُد سيارتك بحكمة، وتخلص من المواقف بالحكمة، وإياك أن تجالس السفهاء! فكم من الناس مَن يحمله سفَه بعض الناس على أن يبادر الغضب بالغضب، والحماقة بالحماقة، والنتيجة الضرر على النفس والسيارة والضرر على المجاورين، وهذا أمر غير لائق بك أيها المسلم.

يا رجل المرور، ويا رجال الأمن، إيَّاكم والغضب في تحقيقات الحوادث المرورية أو غيرها! عليكم بالرفق والطمأنينة وأخذ الأمور بالحكمة، أما الغضب والشدة والحماقة فإنها لا تحقق شيئا.

أيها الموظف: اتقِ الله في التعامل مع زملائك، فعاملهم بالحكمة، وإياك والغضبَ الشديد في التعامل مع زملائك ومَن معك في العمل! فإن غضبك وحماقتك تبغضك للناس، ويستثقلونك، ويعلمون عنك أنك امرؤ ذو غضب شديد فلا يستطيعون أن يتفاهموا معك.

أيها المسؤول: إن حالة المراجع وذي الحاجة تحمله على الإلحاح في الطلب وعدم الصبر، فإياك أن تقابله بالغضب! أعرف له حاجته، والنبي يقول: "إن لصاحب الحق مقالاً"، فإيَّاك أن تضجر! وإيَّاك أن تغضب على من يراجعك في أمر من الأمور أنت مسؤول عنه! حاول إقناعه باللطف واللين وتبيين وجهة نظرك حتى يقتنع المراجع، أما أن تغلق الباب أمامه وتظهر الحماقة والغضب عليه والاستهزاء به والسخرية به والحط من قدره فهذا غير مشروع؛ لأن غضبك هنا في غير محله، هذا صاحب حاجة يطلب حاجته، وغايته قضاء حاجته، فلْتقابله برحابة صدر، وسعة أوفق، وبيِّنْ له وجهة النظر حتى يخرج منك مطمئنا، أما أن تقابله بحماقة وسوء أخلاق وسوء كلام تحمّله مع حاجته هماً على هم وغماً على غم، فهذا أمر غير لائق.

أيها المسؤول: عامل من تحت يديك بالحسنى والعدل وعدم الحماقة، وناقش أخطاءه التي أخطأها، كالتأخر في الدوام أو قلة الإنتاج، حاول إقناعه وتبيين الحق له وتحذيره من التساهل في أعماله، بيِّن له أن العمل أمانة يجب أن تؤدى وقتاً وأداء، فحاول إقناع المخطئ وتصويب خطئه حتى يكون على بصيرة، ويقتنع منك، ويعلم أن قصدك حسن، ومرادك حسن.

رجال الفكر والأدب، أيها الكتَّاب الأعزاء، اتقوا الله في أنفسكم فيما تناقشون من قضايا في سبيل مصلحة الأمة، فإن البعض من رجال الفكر إذا ناقش قضية حاول أن يحط من قدر مخالفه، وأن يحط من قدره ويسيء الظن به ويحمله عن النوايا السيئة، هذا أمر لا يجوز، حاول عند كتابتك المناقشة لأي رأي، أن تكون هادئ الأعصاب غير غضبان، لست لحاجة غضب وحماقة حتى تناقش الرأي وترد على المخالف بأدب وأسلوب حسن، إذا أعددت رأياً ففكر بعد أن تكتبه، هل كتابتك له كانت بحاجة غضب وتشنج؟ الآن أنت ثابت هادئ فحاول أن يكون هذا القول وهذا العلاج منطلقاً من حال هدوء لا من حال تشنج وغضب؛ فإن بعض الكتابة يكتبها بعض الكتاب.

يجب أن يكون الرد والنقاش والعلاج هادفاً بناءً بعيدا عن التشنج والسب والشتم والأقوال البذيئة، لنكن واقعيين في علاج قضايانا المختلفة حتى نكون على بصيرة من أمرنا، فنبينا أوصانا أن "لا تغضب"، فالغضب يحول بيننا وبين الحق ووعيه.

أسأل الله للجميع التوفيق والسداد والهداية لكل خير، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي